استراحة العدد

 

 للشاعرة : انتصار محمد الحاج

 

بعثرة فى اوراق الشاعر السوداني الراحل
عبدالرحمن محجوب عبد الله السيد الاقرع



المقدمة :

النظر فى اوراق الاخرين بغرض الاطلاع على حياتهم امرا فى غاية الصعوبة خاصة اذا كان المطلع على اوراقه يدخل فى عداد الاموات زولا بعيد ما بتلحق وحياة الشعراء دائما مليئة بالاسرار و المواقف الجديرة بالبحث والتنقيب لمحاولة الاطلاع على شىء مما كانوا يعانونه ومعاناة الشاعر عذابات بعضها يخصه والبعض الاخر يخص كل من لهم علاقة به وبمحيطه والبعض اللانهائى هو العالم وانفعاله بكل موقف انسانى وكل حدث يمر به حملت اوراقى واقلامى واتجهت صوب الثورة الحارة العاشرة لكى اواجه اصعب واحزن مهمة فى حياتى الصحفية وهى التوثيق لميت حى ما لمسته من احزان تخللت ابيات الشاعر كان كافيا بالنسبة لى لمعرفة كيفية حياته واليك عزيزى القارىء جزءا من ما لمسته لاطلاعك وتقييمك واعتقد بأننا لن نختلف ابدا فى ان شاعرنا كان موهبة حقيقية جديرة بالظهور والانتشار لما قامت بتأليفه من كلمات رقيقة قمة المعايشة والمشاركة المرئية والمسموعة:

فى ذلك اليوم جاهدت نفسى وحملتها قسرا على التماسك وعدم البكاء حفاظا على رباطة جأشى وحماية لنفسى من التشتت والحزن الذى يمنع الانسان التركيز والتفهم ويجعله يشعر بالفناء والتلاشى والصمت البارد غير انى عزيزى القارىء لما خلوت الى نفسى ونبشت نفس الاوراق مرة اخرى لاعدادها من جديد ورأيت كيف ان المرق قد انكسر واتشتت الرصاص وبعد ان وقفت على حقيقة الشخصية ومدى رهافتها وشاعريتها بكيت وسألت نفسى هذا السؤال المر : لماذا لا نعرف قيمة مبدعينا ولا نكتب عنهم الا بعد ان يكونوا قد رحلوا عنا بعيدا ؟ ويصبح الوصول اليهم امرا مستحيلا لا يتم الا بعد ان نحمل فى الالة الحدباء على اعناق اقربائنا وحينها لاصحف ولاصحافة الا من اتى الله بقلب سليم

تتعلق احيانا بعض الارقام ببعض الاسرار ولا يعلم كنهها الا الله ولشاعرنا عبد الرحمن مع الرقم 29 مصادفة غريبة والله اعلم فهو قدولد يوم29 وكتب اجمل قصائده يوم 29 وتوفى يوم 29

الصورة الاولى :

بيت سودانى ككل البيوت السودانية يتسع بنفس ام حنون واخوة متحابين ، وجدت الجميع فى انتظارى : شقيق المرحوم الاستاذ احمدمحجوب عبد الله الاقرع ووالدته امدرمانية السحنات ذات البشاشة السودانية الحقة واخته عفاف وابنة اخته اسراء وهى مكمن اسراره وحافظ قصائده وقد رددت العديد من القصائد التى امنها لها خالها امام ناظرى بصورة القائية جميلة مما اعطانى بعدا لكيفية العلاقة بينهما ولما سألت عرفت بانه كان يتناقش معها فى قصائده ويؤمنها لها واكد لهم اكثر من مرة بأنه يشعر بأن اسراء ابنته هو وليست ابنة اخته .

حضرت وبعد ان حييتهم جميعا جلست مطرقة وصامتة لجو الحزن الشديد الذى لاحظت بأنه كان يخيم على الحضور فتمنيت للفقيد الرحمة والمغفرة وبدأت حديثى معهم بين لحظة واخرى احاول تركيز الاسئلة على امه التى كتب لها قصيدة امى بت احمد وهو بغرفة العناية المكثفة بمستشفى الشعب التعليمى /الخرطوم هذه الابيات جزءا من القصيدة :

امى يا ست الولف

يا جوهرة قلبى الصدى

بتزكرك وكتين يفيض خط اليراع

وحتى المداد يابى ويجف

داير اجيك لكنى ما قادر

بفكر فى الطريق يمكن يطول او يوم يقيف

بتذكرك من يوم خطاى فاتت طريق بيتنا الوليف

وداير عفوك والسكة ما معروفة وين

وتانى الوصال يبقالنا كيف؟

وقالوا السفر يا والدة ابدا ما خفيف

ويبقى العمر محدود كمان يا يمة جد

لو كان شفاى اصبح منال برجع بجيك

وان كان طريقى صبح كتر

يا والدة دايرك تعفى لى واخوانى زيى شدر الخريف

احب امه التى كانت سبب وجوده وطلب رضائها لكى يموت مرتاح البال ، واحبته بدورها فكانت المربية والملهمة والام لرجل اسمه عبد الرحمن محجوب عبد الله السيد الاقرع

ولد بحى ود البنا بامدرمان عام 29/12/1954

ودرس الروضة هناك بذات الحى .كان نبيها وزكيا كما وانه كان غلباوى جدا وقد اظهر ميلا مبكرا منذ صغره للرياضة والغناء درس الابتدائية والوسطى ثم تم توزيعه لمدرسة الجيلى الثانوية ثم مدرسة امدرمان الاهلية الثانوية و مثل منطقة امدرمان فىحراسة المرمى لدورة المناطق ( امدرمان- بحرى- الخرطوم ) وعمره خمسة عشرة عاما ثم لعب لفريق الجوهرة برابطة المهدية ثم رابطة امتداد ناصر برى بفريق الهدف وقد كان محبا لاصدقائه فى المدرسة وفى شلة الكورة وكانوا يجتمعون لديه قبل الذهاب للعب وبعد العودة منه للانس والاتفاق ومن اشهر ابناء دفعته الاستاز الفنان حسين على جبريل ( حسين شندى) فى المرحلة المتوسطة بقندتو و كان من اعز اصدقائه ومن ابناء دفعته ايضا الاستاذ حسين خوجلى وعصمت محمد بادى ( جيفارا) الدكتور هاشم عجيب والاستاذ محمود التاج حميدان .



· وكانت له علاقة قوية بالشعر والفن والغناء فقد احى الكثير من الحفلات مع االاستاذ الفنان ( احمد عبد الله البنا ) الفرجونىوالامين البنا والجقر حيث كان يضرب على الرق وكورسا وكان الفرجونى لا يخرج للحفل الا ويكون معه عبد الرحمن وكانت العلاقة بينهم قوية ومتينة كاصدقاء بالاضافة الى انهم اقارب فالشاعر وابناء البنا اولاد خالات .

اهم ما يميز الشاعر عبد الرحمن الاقرع هو طيبة قلبه الشديدة وحبه للاخرين لدرجة انه ان اغضب احدا وكان هذا نادرا ما يحدث يأتى ويحاول ارضاء من اغضب باى صورة من الصورة كما وانه كان يصفح عن من اساء اليه وينسى بسرعة ويتحسس احزان الاخرين ................................................

ساد صمت وحشرجة صوت وعبرات ثم بكى الجميع بدموع غزيرة حتى اننى اضطررت للاعتذار عن فتحى لحزنهم مرة اخرى بينما خرج شقيقه احمد والدموع تملا عيونه الى الفناء وكانه يبحث عن اخيه فى جدران المنزل او يمضى باحزانه بعيدا عنا داخل الغرفة .

وكأنى به يريد ان يقول فى سيرة عبد الرحمن ، الكلام بكمل

يازاهى يا سمح الوصف نحنا القلوبنا اليك تهف

يا راقى يا سمح الخصال

جافيتنى ليه والحب حلال

وليه انت ليك صعب الوصال

وانت الجمال عندك وقف

يا راقى يا سيد العفاف

والله من عينيك بخاف

حبك سكن ملك الشغاف

ومن لحظ عينيك برتجف



· الصورة الثانية : لوفاة الوالد تحمل المسئولية مع الوالدة وشقيقه الاكبر عبد الله محجوب الاقرع لذلك لم يستطيع اكمال تعليمه فتوقف حتى اكمال المرحلة الثانوية ثم عمل بشركة البدرين للنقل المحدودة ببحرى كمحاسب وذلك منذ العام 75 وحتى العام 83

كتب اولى قصائده فى رثاء ثلاثة شبان من العائلة وكان ذلك عام 1970 واسماه دمعة ثم كتب الثانية عام1972 واسماها الانتفاضة وكانت بمناسبة بناء وتسوير مدرسة قندتو المتوسطة ثم كتب دمعته الثانية فى نفس العام حزنا لوفاة الوالد وبعدها انهمر الفيض غزيرا وتواصلت الكتابةو احب شاعرنا امدرمان المدينة العميقة بكل ما يحمل هذا الحب من معنى وكتب فيها قصائد جميلة غير انه لما دعى للانضمام لرابطة ابناء امدرمان والمشاركة فى منتدياتها لم يذهب مما يفسر لنا بأن الشاعر ما كان يحب الاضواء ... على الرغم من انه دائما مع اهل الفن والشعر والغناء والمسرح . لماذا ما كان شاعرنا يحب الاضواء ؟؟ هذا ما عجزت عن ايجاد اجابة له الا التفسير الوحيد الذى ي}كد بأن هنالك شيئا ما فى حياة الشاعر كان يجره جرا الى الوراء واعتقد بأنه احساس داخلى لفراغ فى مساحة ما بداخل نفسه كانت بحاجة الى الدفع والتشجيع وشد الازر فى هذه النقطة خاصة . حكى لى شقيقه احمد بأنه فى يوم من الايام قال له : (انا لا ا يشعر بالامان الا اذا كنت بداخل امدرمان ففيها اشعر كأننى بداخل بيتى ) ولعل هذا ما يفسر لنا كرهه للاغتراب والابتعاد عن الوطن حيث قطع غربته لما كان يعمل بالمملكة العربية السعودية بشركة المدينة الدنمركية للالبان كمندوبا للمبيعات ولكن حبه للسودان ولامدرمان خاصة جعله يقطع اغترابه ويعود سعيدا بهذه الارض الحمراء التى كتب فيها العديد من قصائده :

انا امدرمان انا العزه

انا السودان انا العازه

انا الزلزال انا الهزة

انا التنوين وانا الهمزة

انا الجواى كم معنى

والف سؤال عن العزة

انا امدرمان وانا اللمه

انا الدوبيت وانا الهمة

انا الترياق وانا اللقمة

انا الكلمات وانا التعليم

انا التنظيم وانا القمة

انا الفرسان انا الاخوان

انا الجيران وانا الامة

انا الهيبة وانا القدلة

انا القرجة انا السروال وانا العمة

انا امدرمان

الصورة الثالثة :

فى فترة شبابه وقبل زواجه عاش العديد من قصص الحب ككل الشباب فى سنه كان يبحث عن امرأة خاصة بخصوصيته وبرهافة شاعريته ولبحثه عن مرأة تستطيع ان تملا جوانب حياته وتعطيه الهدوء والسكينة والبيت المبدع لكى يبدع اكثر ما كان من حب واصبح ووجد هذه المرأة واختارها قلبه ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه واتت الرياح بما لا تشتهيه سفنه وانتهى كل ما كان بينهما من حب و بقى الاحترام و انحصر كل الماضى فى بضع كلمات فى قصيدة اعتبرها هو ماض غير ان الحزن دائما طويل السكنى لدى الشعراء خاصة اذا نجم هذا الحزن عن حبا صادقا وعفيفا فكتب قصيدة ( قلبى لى غيرك وهبتو )

:

ليه بتسأل عن وفايا

وانت سر الريد كشفتو

وليه بتحكى عن البنيتو

وانت بى ايديك هدمتو

واصلو ما راعيت وفايا

وحبى ليك يوم ما حفظتو

ليه نسيت كلمات رجاى

ودمعى ليك انا كم زرفتو

ليه تخادعنى وتواصل

وحبى ليك انا ما كتمتو

وليه تمثلو لى حنانك

وكل حنانى ا ليك وهبتو

انت ما حاولت تعرف

دربى من دربك رسمتو

ليه بتسال يا حياتى

وقلبى انت قبيل صدمتو؟



كان هذا الماضى واجهة اخرى نستطيع ان نقرأها لتعطينا اشاراتا وصورا مقروءة والصور يا عزيزى القارىء رسالة مفتوحة تستطيع قراءتها وتحليلها وتفسير مضمونها .

الصورة الرابعة :

عاد من المملكة العربية السعودية وفتح صفحة جديدة فى حياته وتزوج واستانف حياته بصورة طبيعية هناك حيث عمل بشركة المدينة الدنمركية للالبان كمندوبا للمبيعات ولما كره البعد عن الوطن واستشرى بداخله لهب الشوق لامدرمان عاد اليها مرة اخرى وقرر ان لا يفارقها بدا.



قالو ا ليك عن ريدتى ليك وزادو ليك فى القول شوية

وانت عارف كم هويتك وما فى غيرك فى عينيا

ليه رضيت عنى الوشاية وليه نسيت ريدك اليى

جابو ليك كلمات وشاية وهدموا البيناتنا كلوا

قالوا ليك عنى العوازل انى ريدك ما بجلوا

انت صدقت الوشاية وقلت ريدك ما محلو

كان تفكر تلتقينى وتعرف الموضوع اقلو

كانت عرفت هواك عندى واصلى ريدك ما بملو

وانت حبك منو زاتى وبيه افراح عمرى كلو

الملام ما بيجيب حبايب والعتاب ما بداوى اصلو

وما بعاتبك وما بلومك والبيزرع برعى شتلو



كان يكتب كتابة من يفتقد شيئا عزيزا فيسعى للبحث عنه فى كل مكان ولايهدأ له بال حتى يجده فقال :

طفت كل الدنيا شانك شان اجيك

ما لقيت سكة عيونك او دروب تهدينى ليك

وقلبى شايل جرحو دامى وباكى حالو دوام عليك

كنت وين يا نور ظلامو يا مناهو المشتهيك

كنت فاقد ضى عيونك وصرت هاجر للغرام
والحنين الكان ملكنى سابنى اصبح لى هيام

الا يوم ما بنتى انتى وفى عينيك بان الكلام

هف قلبى القايلو ودر ومن جديد هزه الغرام

وفى عيونك شفت صدق الدنيا كلو

كما وكان يتسائل عن ماذا جنى وما ذنبه فى هذه الدنيا سوى انه ذو قلب كبير فقال :

خاصمنى حبى قسى

واصبح قليبى كسير

اهمل هواى نسى

وعاندنى حظى كتير

بالله ايه ذنبى

ماعرفت غيرك حب

يا الكنت منى ولى

ارجع تعال بالريد

احزانى فاضت بى

بالله ايه ذنبى

كان شاعرنا مرهفا للغاية وحساسا للغاية وكتوما للغاية وهميما للغاية وتخيل صديقى القارىء رجلا بهذه الابعاد يحمل هموم الاخرين دون ان ينبس فمه ببنت شفة ليتحدث عن همومه هو وهل ينسى احدنا همومه ؟ بالتأكيد الاجابة لا ولكن تكبت وشاعرنا ما كان يشتكى ابدا حتى وهو فى احلك الظروف النفسية كما وان قصائده تصور معاناته الشديدة من شيىء ما دون ان يقوم بتوضيحه حتى لاخيه وصديقه احمد وقد كان شديد الالتصاق باسرته واخوانه شديد التحمل والصبر وذو مسئولية وهمة فكتب لهم فى جواب ارسله وساعى البريد مؤكدا لهم حبه لهم :

مانى ناسى

ومانى قاسى

ومانى نكار للجميل

مانى جاهل

كلى همة

ومانى تعاب حين اشيل

ومن زمان شيال قواسى

ومن قبيل حمال اواسى

ومن ابوى هداى دليل

حانى لى لقياكم انتو

ديمه فى خطواتى بنتو

وجوا فى احشاى سكنتو

وديمة دمعاتى بتسيل

كان مشاركا وذو انفعال بكل القضايا القومية والوطنية والرياضية حيث كتب قصيدة اهداها للسيد طه على البشير بمناسبة تكريمه من قبل الدولة بمنحه وسام الجدارة من السيد عمر حسن احمد البشير ولا ادرى هل تسلمها السيد طه ام لا ؟ كما وكتب قصيدة للساسة العرب يوم مؤتمرهم الطارىء بالقاهرة فقال :



يا ويل اسرائيل من غضب الاسود الزائرين

البائعون الروح للمولى العلى معاهدون

الباحثون عن الشهادة فى القتال مجاهدون

صبرا فلسطين الحبيبة ابشرى انا اليك قادمون



ودرجة انفعاله بالجو المحيط به وصلت مراحل قصوى حيث انه يمكن ان يكتب قصيدة مجاراة فى نفس اللحظة حين سماعه لقصيدة تمس وترا حساسا فى قلبه حيث جارى الكثير من القصائد اخترت منها مجاراته للاستاذ سيف الدين الدسوقى

بقصيدة الوصية فقال فيها :

رسلت ليك زيى ما وعدتك وانت ما فكرت فيا

وراجى منك لو تجينى رسالة واحدة تكون هدية

والوعد انا ما نسيتو وما نسيت ابدا وصية

الرسايل منى عدت وفيها احساسات ندية

عندى ليك مليون رسالة وكل رسايلى عميقة حية

كان الشاعر معجبا باغانى البنات ويستمع اليها ويدافع عنها براى واضح وصريح وهو :(اغنية البنات تشرح ما يجيش بدواخلهن وتصور المجتمع فى ظرف معين اجتماعيا كان ام ثقافيا ام اقتصاديا ام قلبيا وهن يقلن جلابية بيضة مكوية يا حبيبى بسحروك ليا حيث يتجلى فيها مدح الحبيب وهذه عاطفة لا ضرر فيها كما وهنالك نموزجا اخرا من النمازج الجميلة حيث يقلن : يا الماشى لى باريس

جيب لى معاك عريس

شرطا يكون لبيس

من هيئة التدريس

وهذا نموزج يمدح الذين هم فى سلك التدريس ويصف ما كانوا عليه فى حقبة من الزمن والنمازج كثيرة .)

لم يتوقف دوره فى الوقوف معهن فقط ولكن حاول الاسهام فى مسيرتهن بكتابته للعديد من القصائد لهن حيث وجدنا قصيدة العفيف التى كتب عليها اسم الفنانة ندى القلعة ولم نعلم هل اعطاها لها ام كان ينوى اعطائها لها ويقول فى جزءا منها :

سموك بالحسن وانت الاسم حقيتو

ومن وجهك عفيف وباب العفاف سديتو

يا اب قلبا نضيف

جالس فى الثرى ودايما معلى مقامك

وشوف قمر السما زين نجومو امامك

وتنشرح القلوب وكتين تردو سلامك

وما جواك زيف

عطاى بالرضا وشيال هموم الناس

ما فزعوك ابيت يا اللكروب كناس

داويت العليل وفرجت هم الحاس

زيى مطر الخريف

كتب هذه القصيدة فى صديقه العزيز حسن صالح الذى كانت بينهما علاقة حميمة وصداقة حقة حيث لازمه بالمستشفى حتى لحظاته الاخيرة .

ايضا

وجدنا فى اوراقه التى كان يضعها فى حقيبته الخاصة العديد من الاغنيات وعليها اسماء فنانين وفنانات وعليها ارقام تليفوناتهم وللاسف لشهرتهم الشديدة وانشغالهم الشديد لم نتمكن من بالكثيرين منهم منهم حيث وجدنا اسم الفنان وليد زاكى الدين والفنان عبد المنعم الخالدى والفنان محمد وردى والملحن سوناتا والاستاذ اميقو كما وكتب قصيدة سماها نداء الحبان واهداها للاستاذ محمد وردى والفنان عاصم البنا الذى اكمل له قصيدة اللاستاذ الشاعر السر احمد قدور ( ساعى البريد ) والفنانة سمية حسن والفنانة سميرة دنيا واخرين كما والقصائد التى جهزة لكل فنان كتب عليها اسم الفنان وعلى كل من يرغب فيهم فى استلام ما يخصه من كلمات الاتصال بأسرة الشاعر

لاستلام ما ترك له من امانة شعرية . من خلال تصفحى لاوراق المرحوم لاحظت بأنه كان منظما جدا ويكتب كل شىء بصورة واضحة كالذى يعلم بأنه مسافر سفرا طويلا او على موعد مع القدر حتى العام والشهر والتوقيع كان يكتبهم اسفل القصيدة .

احب شاعرى الحقيبة وتمعنها لدرجة انه كان يقف اذا كان ماشيا وسمع احد الفنانين يغنى.



كان شاعرنا يقدر كل عمل جيد وجميل وكل كلمة هادفة وصادقة وقد ربطته صداقات بالعديد من الشعراء والكتاب وكان دائم الزهاب للاستاذ التجانى الحاج موسى بمكتبه حيث كان يشجعه الاستاذ التجانى على كتابة الشعر ويستمعان لاشعار بعضهما البعض ويقومان بتصحيح اشعار الاخرين لان مكتب الاستاذ التجانى الحاج موسى دائما كالمنتدى الشعرى المستمر واستطاع الشاعر ان يرمى فيه بكل عذاباته من خلال كتاباته التى كان يرددها والجو الشاعرى الذى كان يلقاه :

زيدى صدك عذبينى

اصلو ريدك لى مهالك

ديمة زايد لى انينى

انت ريدك كان مناى

وكل افراحى وحنينى

تارى قلبك انت قاسى

ومانع الافراح تجينى

ولو شقاى بديك سعادة

زيدى ما يهمك انينى

امشى فتشى لى سعادتك

انسى حبى وكل شجونى

وانسى انى هويتك انتى

الكان هواك مصدر فنونى

وقلبى غافر ليك صدودك

وشلت صورتك من عيونى

وشيلى صورتك من عيونى



كتب الشاعر العديد من الاوبريتات والملاحم والجلالات التى قام بتلحينها وتوزيعها محمد الحسن عجاج وادتها فرقة ومجموعة عجاج الموسيقية فى الاحتفالات الرسمية وكان كل همه ان تقوم الدولة بتوثيق عمل الحلم الاكبر ذلك العمل الوطنى الضخم الذى اشتركا فى كتابة اشعاره هو والاستاذ التجانى الحاج موسى .

دار عبد الرحمن فى فلك من الشعر والشعراء والكتابة وقام بعرض كتاباته فى ديوان للحفظ اسماه قمر السما على عمه شاعر العيون الاستاذ: عبد الله النجيب الذى كتب له فى الورقة الاخيرة من الديوان معبرا عن دهشته من المستوى الرفيع الذى يكتب به عبد الرحمن وتمنى له التوفيق ودعاه لكى يطل به عبر الاجهزة الثقافية كما وان الاستاذ مصطفى سند شقيق زوجة عمه( وداد) قد شجعه لذات الامر وطالبه بالاشتراك فى المسابقات الثقافية التى تقام فى البلد و قد اشترك معه ابن عمته الاستاذ والشاعر المرهف مهدى محمد سعيد الذى كان يشجعهويدفعه لنشر كتاباته وقد عملا معا فى العديد من لجان تصحيح المسابقات الشعرية اهمها مسابقة الجامعة الاهلية الشعرية حيث كان باللجنة المرحوم والاستاذ مهدى محمد سعيد والاستاذ التجانى الحاج موسى.

ماذا قالوا عنه ؟:

الاستاذ امين البنا :

تحدثت معه عنه عبر الهاتف وقد كان متحمسا اثناء حديثه عن المرحوم وحزينا جدا لفقده وقد امتدح المرحوم كثيرا واشاد بشاعريته ورهافة حسه وحدثنى عن انه اعطاه كلمات فى المديح النبوى وينوى تصويرها فى فيديو كليب وقرأ على ابياتا جميلة فى المدح النبوى من كتابات الشاعر واكد بأن الهاتف وحده لا يفى الشاعر حقه وحددنا موعدا لكى يتحدث فيه الاستاذ امين عن الشاعر ولكن ما شاء الله ذلك.

قالت عنه الاستاذة سمية حسن

: كان صديقا صدوقا لكل الفنانين وكان رجلا حساسا وطيبا ورقيقا جدا وقد اعطانى عملين عاطفيات وعمل واحد وطنى والعملين العاطفيين تحت التلحين وسأغنيهما قريبا جدا تخليدا لذكراه .

الاستاذ مكى سنادة :

الصدفة المحضة هى التى جمعتنى به وكنا نعد للاحتفالات بالعيد الحادى عشر لثورة الانقاذ الوطنى وكنا عددا من الكتاب والشعراء للكتابة حول هذه الفكرة فكرة الحلم الاكبر وقد عرفته لما اتصل بى فى امسية من الامسيات وحدثنى عن الاوبريت الذى اعده بهذه المناسبة فشرحت له الفكرة ووضعت السماعة وفوجئت به يتصل بى نفس اليوم ويقرا على عمل يصب فى نفس المعنى فدهشت والتقيت به واصبح من المجموعة التى تعد ولولاه لما رأت هذه الملحمة النور . وقد تم تسجيل الملحمة للتلفزيون . و عبد الرحمن الاقرع الانسان رجلا طيب المعشر وودودا ومن الشخصيات التى تحبها بمجرد تبادلك للتحية معها وكان رقيقا وقد فوجئت بمرضه وموته وانا لله وانا اليه راجعون والموت حق.

الاستاذ مصدق . زوج اخته( علوية ):

فى البداية احتج على سؤالك لى عنه بصفتى زوج شقيقته فهو صديقى واخى ورفيقى كان كل الكلمات والصفات الجميلة ومهما قلت لن اوفيه حقه كان يحب امدرمان لدرجة عجيبة وبشدة وعمق .............

ابنة اخته اسرا ء : سألتها لماذا كان الشاعر يعدك مكمن اسراره وخازن قصائده :قالت والدموع تترقرق فى عينيها :كنت اهتم كثيرا بقصائده واحفظها والقيها كان يحب اللون الرمادى وكان يعطينى الاحساس بأنه ابى لانه كان يشعر بأننى ابنته ويقول لهم اسراء ليست ابنة اختى بل هى ابنتى انا .

كتب عنه الاستاذ موسى السراج بصحيفة الدار

كل من سألتهم عنه حدثونى عنه ببديهة حاضرة وزهن متوقد وصدق شديد فحكوا عن رقة احساسه وصدقه وحبه للاخرين وتفانيه لاجلهم وكما اخبرت عزيزى القارىء سلفا عن كتمانه وصبره وصمته الشديد ازاء اوجاعه وكانت وجعته الكبرى التى بدات تحفر قبره اسفل قدميه لتعلن وفاته فى ليلة حزينة بسبب الزبحة الصدرية وتعددت الاسباب والموت واحد.

بعد عودته الى السودان من بلد الاغتراب عمل او انشاء بمجهوده لصاحب مركز صفوان هذا المركز الذى تم توسيعه الى شركة اعمال صفوان لخدمات الاتصالات حيث عمل المرحوم فيها مديرا للتسويق حيث صب كل جهده وتعبه ووفائه فيها وتفانى بشهادة كل من كانوا حوله عمل بهذا العمل طوال الفترة من 93--2000 حيث كان صاحب العمل مقيما بالمملكة العربية السعودية ولسبب ما لم اعلم ماهو فقد حمل سره معه المرحوم تم اتهامه بالبلاغ رقم 751 المادة 177 بالقسم الشرقى بمدينة النيل- محافظة كررى بخيانة الامانة وتم تنفيذ امر القبض عليه بتاريخ 27/7/2000 وبقى فى الحجز لمدة يوم واخرج بضمانة عادية يوم 28/7/200 عيشه هذا الموقف فى جو نفسىمضطربولم يعد كما كان وفقد توازنه فاصيب بالزبحة الصدرية للمرة الاولى وتم علاجه منها بالمستشفى الصينى وكتب الله له الشفاء و

حمل ما اتهم به بين جوانحه وصمت وكتم بدواخله

حتى تم الاعلان للمحكمة فى يوم 5/8/2000 واتى الاتهام الثانى ومن نفس الجهة وكانت الجلسة الاولى بتاريخ 17/8/2000 على يد مولانا مبارك سنهورى الذى اصدر قراره ببراءة المتهم بعد اربعة عشر جلسة فى يوم 30/11/2000 برغم صدور حكم البراءة الا ان الجرح الذى اثقل ضلوع الشاعر لم يندمل ان ينتهى وبعد فترة صمت وعاناة ومغالطة للنفس وغضب وحزن ما عاد كما كان ولا توازن كما كان فاصيب بالزبحة للمرة الاولى وتم علاجه منها بالصدمات الكهربائية وتعافىوهو الذى فى حلقة من حلقات برنامج صحة وعافية كتب تحية رقيقة للدكتور عمر محمود خالد يهنئه فيها بنجاح البرنامج ويشاكسه فيها بقصيدة مرض الغرام التى ارسلها بالفاكس فى نفس اللحظة واشار لها الدكتور:

بالله يا اهل العلم

داوونى من المى العلى

سقمى المعاى ما من وهم

الم الحنان اشتد بى

ورونى كيف اجد الدوا

وسحر الجمال كحل عينى

دكتور عمر بالله اشرح للجميع

ساعة الغرام يشرى ويبيع

ولما الوقار فى الناس يضيع

يبقى الكبير من الهوى زيى الرضيع

والكل يقول ودوهو لى بعشر سريع

اصلا سليم من المرض لكنه كان بالحب صريع



وكتب ملحوظة اسفل مزكرته قال فيها نتمنى ان لا يكون علاج هذا الوجع هو الصعقات الكهربائية.(ومن غرائب الدهر وحكم القدر ان يستشف الشاعر ما سيحدث له ويعالج فى الذبحة التى اصابته للمرة الثانية بالصعقات الكهربائية ولكن ................)



حمل الشاعر خطاب برائته من المحكمة ولوبيده لقرائه على الجميع لأن اتهامه قد نشر للملاء عبر صحيفة مقروءة نشر فيها اسمه حتى جده الاقرع حيث تم التحزير من التعامل معه بعبارات تدل على ذلك التحزير على الرقم من ان حكم المحكمة كان لم يصدر بعد وعلى الرغم من ان المتهم برىء حتى تثبت ادانته .

هذا الموقف جعله لا ينام الليل ولا يهدا له بال كيف لا وهو الذى يتحدث عن الشرف والامانة والحق ويدعو الناس للخصال الحميدة يتهم بخيانة الامانة وبأكل اموال الاخرين ......حتى كتاباته فى تلك اللحظات كان يكسوها الحزن وتملاها الدموع.فكتب :سوءة نفسك :

صحيح اقدارنا ما باليد

وما باليد مصير انسان

ولا كل البصير ممكن

ولا كل الجميل احسان

ولا كل الجمال صورة

ولا كل البشر انسان

ولا كل المياه عذبة

ولا كل الحجر صفوان



الصورة الخامسة :

اثناء معاناته مع الام الزبحة الصدرية وابان وجوده بمستشفى الشعب التعليمى- الخرطوم بالعناية المركزة لم يترك تقديره لمجهودات الاخرين ولم ينسى فطرته المجبولة على الانسانيةفكتب معبرا عن شكره لاسرة العناية المكثفة الذين اهتموا به وعاملوه بكل احترام وتقدير فقال :

انا شفتهن جاورتهن حاورتهن

انا ردتهن سالمتهن وا فرحتى

يوم قلبى بالالم العظيم سابق خطاى لقربهن

انا شفتهن وما كت مصدق بلقى ناس زيى الملائكة وصفهن

انا شفتهن وما كت مصدق بلقى حور فى الدنيا بقعد جمبهن

كما وعدد فى القصيدة مسارعة الاخوة بالعناية المركزة لتخفيف حدة الامه واهتمامهن بمرضاهن وتفانيهن كما وكتب الشاعر العديد من القصائد ولكن يبدو بأن القدر الاسود يتابعه حيث وضعت القصائد بحقيبة احدى قريباته وسرقت اثناء حمل الجثمان وضاعت معها قصائد للشاعر ربما كان فيها شيئا من الافصاح يوضح لنا جزءا مما كان يحزنه وهكذا الحياة تحمل تناقضاتها لنا كتابا مفتوح نقرأه ونعايشه ونكون جزءا منه فنبكى ونضحك ونصحو وننام ونحيا ونموت ونشعر معاناة الاخرين ومأساتهم بعد فوات الاوان و هذا دأبنا الذى اتمنى ان يتغير ونشعر بالاخرين وهم بقربنا .

واتركك صديقنا القارىء مع تساؤل الشاعر :

لامونى ليه الناس

لامونى ليه فى الحب

وانا ما عشقت سواك

لا قلبى راد غيرك

لا مرة قال يجفاك

لا انت ردت سواى

هويتنى انت براك

لامونى ما عارفين

بهواك من اول

فاكرين هوانا جديد

ما من زمن طول

وقالوا الكلام فينا

وكم مرة اتأول



وكتاباته كثيرة وجميلة وما قمت بعرضه يعتبر قطرة من بحر حياته الواسعة المريرة والمليئة بالحزن

غير انى انهى مقالى بتساؤل : لماذا لا نشعر بمكانة مبدعينا بيننا الا بعد ان يموتون ؟

ونقول كان يا ما كان عن ان تنتظرالمبدع حتى ينتشر وتكون هى فى حاجة الى مادة فتسعى خلفه لاظهاره ؟

كالشرطة فى الافلام تنتظر وقوع الجريمة ثم تخف لمطاردة المجرم ؟

ترى هل سينسى شاعرا مبدعا كهذا دون ان توثق اشعاره وهو الذى عاش كل حياته مع الكتاب والشعراء والفنانين ، هل بيد من عرفه منهم قدرة على دفع ذلك ام ان اوراقه التى بعثرتها بتصفحى لها ستبقى فى ظل المطر حتى تبهت وتنمحى كتاباتها ؟؟

ونقول كان ياما كان ؟ والان دعونى اسكت عن الكلام المباح لافسح لكم انت المجال للاجابة والى لقاء اخر مع حياة مبدع اخر فى توثيق شيق لحياته.
 

انتصار محمد الحاج

 

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون