محمـد عبد الكريم عسـاكر

بقلم / عمر سعيد النـور

 

وداعاً ابن ودمدني البار

 ها قد مرت سنوات على رحيل الأخ العزيز المهندس / محمـد عبد الكريم عسـاكر، أخيراً استطعت أن أمسك القلم وأعبر عن بعض ما بداخلي ، تتعثر الكلمات وتخجل المعاني ، وتردد الجمل قبل أن تصف هذا الكيان الإنساني المتدفق .. فقد غمرنـا نحن أصدقاؤه بالحب وأحاطنـا بالتسامح .. وكان ـ رحمه الله ـ أعز وأصدق وأوفي صديق  ، وفقدناه في ليلة كان البدر فيها مضيئاً ؟ هل فعلاً فقدنا الرجل الودود الرجل النبيل المخلص ؟ هل فعلاً فقدناه ؟ كلا إنه موجود في قلوبنا وموجود في ذاكرتنـا وموجود معنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

لقد عرفت عساكر منذ مدة طويلة ولو أردت أن أرثي الرجل فلن أوفيه حقه ويعجز اللسـان عن ذلك ولكن نبينا الحبيب عليه الصـلاة والسـلام، كما جاء في المسـند أنه قال حين أثني الصحابة على جنـازة مرت بهم ( أنتم شهداء الله في أرضه )  ، لقد تأكد لي محبته في النفوس وشـعبيته التي انتزعها بطيب معاشرته ودماثة أخلاقه وجعلتني أشد حزناً عندما شاهدت تلك الجموع من الرجال في مقابر ود مدني الذين اكتظت بهم المقبرة والتي قدمت من جميع أحياء مدينة ودمدني ومن خارجها لتقديم العزاء في الفقيد وما صاحبها من دعوات صادقة للمتوفى بالمغفرة والرحمة ، وهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال : " أدعو لأخيكم فإنه الآن يسأل " أو كما قال صلى الله عليه وسلم . تلك المشاهد والمواقف خففت الآلام والأحزان في نفوس أهله وذويه وكل محب له .

 كان رحمه الله المهندس والمثقف والعاشـق لمدينة ودمدني  ، كان يتمتع رحمه الله بخلق ووفاء جم وكسب احترام الآخرين من مواطنين ومسئولين ، عرفت ذلك الرجل منذ حوالي ما يزيد عن عشرين عاماً عندما كنت سكرتيراً لنادى النيل شيخ أندية ودمدني ، وكان رحمه الله رئيســـاً للنادي ، ويرجع له الفضل بعد الله تعالى في بناء النـادي على الهيئـة التي نراه عليها الآن ، وترك العمل الإداري بالنادي- لفترة- ليفسح المجال للشباب، إذ قال لي وقتها "نترك المجال للشباب الطموح أمثالكم" ،  كما يرجع له الفضل أيضا- بعد الله تعالى- في بنـــاء المدرجات وتحسين إستاد ودمدني وبناء المخازن الاسـتثمارية على سور الإستاد ، وذلك إبان توليه لمنصب وزير الإسـكان والأشـغال والمرافـق العامة ، كما يرجع له الفضـل أيضا ـ بعد الله سبحانه وتعالى ، وبالتضامن مع الأخ عبد الرحيم محمود- في تخصيص الموقع المقترح لحكومة الإقليم ليكون مستشفىً للأطفال بمدينة ودمدني ، وقبل الوزارة كان نائباً لوكيل وزارة الري للمشروعات.

وقبلها قامت على أكتافه المؤسسة الفرعية لأعمال الري فكان أول مديرٍ عامٍ لها ، وأبلي بلاءاً حسـناً ، وحققت المؤسسة في عهده نجاحاً منقطع النظير ، ونفذ العديد من المشروعات مثل بيارة السوكي ، بخبراتٍ وأيديٍ سـودانيةٍ ، وقبل ذلك كان باشـمهندس التشــييد بوزارة الـري ، وكانت له باليمن العديــد من الإنجازات العظيمـة إبان انتدابه للعمل هناك للإشراف على بعض المشروعات المائيــة بذلك البـلد الشــقيق ، كما ترك بصماته الواضحة بتنزانيـا عندما أوفد لها من قبل الأمم المتحدة  ….  مختصر القول أن كل موقع عمل به أقترن أسمه فيه بالنجاح … والنجاح الباهر ، كما أنه وقبل وفاته بقليـل أنتخب ( بالإجماع ) رئيسـاً للاتحاد المحلى لكرة القدم بود مدني ، واستضاف بيتـه العامر بالحي السوداني حلقة للذكر والتلاوة ضمت نخبة من خيرة أبناء هذه المدينـة  ، وكان رحمه الله يحث أصدقائه على الانضمام لهذه  الحلقة ، حتى صارت من الحلقات الكبيرة بالمدينـة ، وقد عرف عنه الكرم والاحتفال المتميز بختم القرآن  بين بقيـة الحلقات بالمدينــة .

أيضا لا أنسى دعوات تلك المرأة الأرملة العجوز أم الأيتام التي دعت لعساكر دعوات لم أسمعها في حياتي قط ، وأحسب دعاءها بحول الله تعالى مقبولاً عند رب البرية ، وهي المرأة التي أنتشلها الوزير الشهم من غياهب الفقر والحرمان واليأس إلى نور الأمل والفرح والسعادة بعد أن جادت يده الكريمة وشمل بعطفه وإنسانيته هذه الإنسانة بمنحها قطعة أرض سكنية تأويها هي وعيالها بموقع متميز بالمدينة ، فابتسمت لها الدنيا بعد عبوس، وكان ذلك بفضـل الله سـبحانه وتعالى ، ثم بفضل ( عساكر ) ، وهنالك حالات إنسانية كثيرة نعلم بعضها ، ولا نعلم الكثير منها ، هذه الحالات تجاوب معها الوزير الإنسان ( عساكر ) ، وتجاوب معها  بكرمه وأريحيته وتواضعه وهي تحتاج إلى صفحات لعرضها ، ولكني أخذت هذه الحالة من بين عشرات الحالات التي تجاوب معها الأخ ( عساكر ) ، وأنا هنا أقول ، وبكل صراحة لم أجد في قواميس اللغة ، ولا في بحورها كلمة واحدة تفيِ هذا الإنسـان حقه فأعماله تتحدث عنه ، وأفعاله تسبق الطيبة الأخرى ، وصيته وصل القاصي والداني .

وعندما أسطر هذه الكلمات النابعة من كل قلبي فإنه بحق وبشهادة الجميع من خيرة الرجال ، فقد كان ـ رحمه الله ـ مخلصاً في عمله ودينه ، باراً بوالديه ، وفياً لجميع أهله وأصدقائه ومحبيه ، حيث الابتسامة التي لا تفارق محيّاه ، ومحبته للناس وعمل الخير وغيره كثير ، إضافة إلى تميزه بالأخلاق الفاضلة وحبه لعمل الخير .  

رحل ابن ود مدني البـار تاركاً حباً وتقديراً يكنه محبوه وذكرى أزليه لن ينســـاها له التاريخ في مدينة ودمدني وفي قلوب جميع من عرف هذا الرجل المخلص. 

رحل عساكر الإنسان الصديق الذي وصل الجميع فأحبوه ، وفقدت ود مدني رجلاً من رجالها المخلصين الأوفياء المحب لوطنه ودينه .

الحمد لله الذي له ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا راد لأمره سبحانه وتعالى. . اللهم إنا نؤمن بقضائك ونحتسب عندك الأجر والصبر على المصيبة والرضى بالقضاء ، ونحن لا نملك سوى الدعاء أن يغفر الله لمحمد عبد الكريم عساكر  ويسـكنه  فسيح جناته ، وان يعوضه داراً خيراً من داره وزوجاً خيراً من زوجه وان يجعل قبره روضةً من رياضِ الجنةِ ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأن يوفق الله أبناءه إلى كل خير وأن يحملوا طيبة والدهم المخلص ووفاءه الجم إنه ســميع مجيب ، وعزاؤنا لزوجه وأبنائه وبناته وأصحابه وزملائه ، والتأسي بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ونقول لهم إن القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا عساكر لمحزنون ولا نقول الا ما يرضى الله ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) اللهم أغفر لعبدك الفقير محمد عبد الكريم عساكر واسكنه فسيح جناتك وألهم ذويه وكل من أحبه الصبر والسلوان واجمعنا به في مستقر رحمتك ودار كرامتـك يا كريـم . اللهم أجعل كل ما قدمه عسـاكر في موازين أعماله في الآخرة . 

عمـر ســـعيد النـور
رئيس جمعية أبناء ودمدني الخيرية
بالمملكة العربية السعودية /الرياض

 

راسل الكاتب