محسن خالد.. بين احداثيات التجديد وحرق المقدسات
 

بقلم : نشأت الامام

 

احداثيات الانسان «الجزء الأول» والحياة السرية للأشياء، روايتان أصدرهما الكاتب السوداني المقيم في الإمارات محسن خالد في العام 2002م من الخارج، عقب أن رفض مجلس الصحافة والمطبوعات نشرهما لأسباب من بينها تقريران رفعا له من قبل المحكمين الذين فوضهما المجلس للنظر في الروايتين.

لم يتوقف محسن فأردفهما بمجموعته القصصية الأولى التي صدرت عن الدار العلمية للطباعة والنشر وتحمل اسم (كلب السجَّان) وجاءت في "64" صفحة من القطع الصغير وتشمع أربع قصص هي : عيد المراكب ، الوجود والوجود الآخر ، كلب السجان ، وذهب بني شنقول. وقام بتصميم الغلاف لهذه المجموعة الفنان/ ناصر بخيت "هلبوس".

ويقول الأستاذ أحمد السر على موقع سودانيز أون لاين عن هذه المجموعة:

في هذه المجموعة يتبع المبدع محسن خالد طريقته التي عرف بها من رسم حريف للمشاهد والقدرة الكبيرة على استخدام اللغة وتكثيفها بحيث تضع الألوان بانتقائية عالية وتوزع الظلال. ثم يختار شخوصه من بيننا ولكن ملامحهم نلتقطها من التفاصيل المغروسة هنا وهناك فلا يتوقع القاريء أبداً أن يكلمه الكاتب عن الشخصية أو يصفها له على النحو التقليدي بحيث يقول: إن لون فلان كذا أو قامته كذا أو غيرها من الأوصاف.. إلا إذا اقتضت ذلك الضرورات البعيدة لفنية العمل الذي يكتبه.. ولكنه يعطيك كل ذلك وأكثر من خلال الغوص في الأبعاد الأخرى العميقة وغير المرئية لهذه الشخصية أو تلك، أو التفاصيل التي تمر عليها عرضاً كل العيون ولكن تلتقط دقائقها عين الكاتب ذات القدرة المبدعة على تحسس تلك التفاصيل ودراسة تضاريسها ودلالاتها.

ونسلط هنا بعض الضوء على احدى روايات محسن المثيرة للجدل وهي رواية «تيموليت» والتي ربما تعتبر محاذية لأدب السيرة الذاتية، إذ أن محسن هو نفسه بطل الرواية.

و يقول محسن لصحيفة الاتحاد الظبيانية عن الشكل الروائي الجديد الذي امتاز به: (روايتي تخفي بطاقة نواتها عن ايام السرد القديمة. وفي روايتي "تيموليلت" يخيل الىّ انني احكمت مطاردتها. ثم يضيف قائلا.. انا كاتب تشتغل عليه الكتابة منذ ايام الطفولة، لقد كتبت حياتي وطفقت اعيشها.. ولكن الانسان لا يبيت في جلده مرتين) "انتهي".

القاص والروائي عيسى الحلو يتحدث عن محسن وروايته:

مؤلف الرواية "محسن خالد" هو ايضاً بطل الرواية. هو موضوع داخل النص الروائي بوصفه النواة الاساسية للسرد. وهو الذي يقوم بكل الافعال ولهذا فهو يقول داخل المتن الروائي "انا كاتب تشتغل عليه الكتابة منذ ايام الطفولة.. لقد كتبت حياتي اولاً وطفقت اعيشها.. فالانسان لا يبيت في جلده مرتين".

اذن فبطل الرواية موضوع هنا على مستوى شرطه التاريخي الوجودي.. فهو سوداني وعربي وكائن عالمي.. يحمل لحظة تاريخية مكونة من كل طبقات التاريخ العام والخاص.. داخله سيرين كاركيجارد وسارتر وماركس والمتنبي وانشتاين.. يؤمن بالقدر ويؤمن بالنسبية.. البطل هنا داخل نواة العصر تماماً.. لحظة مليئة بفوضى الازمنة.. والبطل يدور داخل هذه النواة وداخل هذه الدوامة التي لا يستقر لها مستقر.

ويواصل الحلو: ان القيمة الاساسية لرواية "تيموليلت" تكمن في انها رواية استطاعت ان تخترق الشكل الروائي المستقر والمعهود فهي متن ابداعي لا يتخذ من اية رواية سابقة مرجعية يستند عليها في الكتابة..

عندي ان محسن خالد استفاد من ثيمات محمد شكري في الخبز الحافي واستفاد من بعض لمحات الطيب صالح في موسم الهجرة.. واستفاد من انطونيو غالا في "الوله التركي".. فهذا عالم من التأثيرات له يبقى طويلاً ليبني عليه الكاتب الروائي عالمه.. هي لمسات جمالية وخبرات حرفية جمالية لا تقوى على ان تكون عالماً روائياً متكاملاً.

وعن روايته "الحياة السرّية للأشياء" وهي الرواية الثانية لمحسن -التي منع أيضاً نشرها- يقول الشاعر والناقد السوري جمال ملحم:

الرواية تكشف بوضوح عن خلفيّةٍ لا تخلو من كُرّيات وأنزيمات أوفورمولات أيديولوجية، إذا صحّ لنا استعارة هذه المفردات العلميّة لها. لكنّها في سلوك شخوصها، وتفاعل الأحداث، ومعطياتِها تؤكّد الانتماء إلى الحياة وخصوبتها، وتُلقي جانباً بالرؤى الضيّقة التي طالما تفنَّنَ في تزويقها ونَحْتِها المؤدلجون.

ومن ناحيةٍ أخرى تتعلّق بالجانب الفنّي الصِّرْف نجد إنّها لجرأةٌ، وجرأةٌ بالغة أن يقوم روائيّ -وخصوصاً أنّه شابّ- باختيار بيئةٍ بعيدة عنه، مكاناً وزماناً وشخوصاً، ليكوِّن من هذا العالم وحيثيّاته روايةً فنّية كاملة. وفي النهاية نجد في رواية "الحياة السرية للأشياء" أنها تحمل ملامح جديدة وهامة، جريئة وواعدة في روايتنا العربية اليوم، يجب أن يتنبّه النقد لها عند هذا الروائي السوداني الشاب والموهوب بحق "محسن خالد".انتهى.

وفي الجانب الآخر نستعرض بعضاً من خطابات لجنة «المحكمين» والذان دعاهما المجلس القومي للصحافة والمطبوعات لإبداء الرأي حول روايتي محسن المثيرات للجدل، ونستعرض بعضاً مما جاء في إفادة الأستاذ اسحق احمد فضل الله، والذي قال:نستطيع ابتداء أن نشير إلى أن هذه الرواية تتميز بكل ما تتميز به الخمر الجيدة ، فهي تثير الطرب والدوار والدهشة والسكر والقيء وسخط المولى عز وجل ..

والجنس الذي تعتبره الرواية موطناً وتجوس فيه هو بطبيعته نار لا توضع على اي عمل أدبي إلا اشتعل ، لكن الأدب الحقيقي هو استخدام للنيران البارعة للوصول إلى هدف وراء ذلك وليس مجرد الاحتراق.

وذكر المحكم الثاني يس علي يس أن الكاتب يتمتع بقدرة جيدة على التعامل باللغة ، وهو متمكن من عناصر الكتابة القصصية ، بناء شخوصه وأحداثه وأماكنه وأزمانه وهو يمتاز فوق ذلك بقدرة كبيرة على استيلاء المعاني وقيادة الحوار . والرواية عموماً جيدة جداً من حيث الجانب الفني ، ولكن تناول موضوعات الجنس والعلاقة بالمرأة فيها تناول أجرأ مما ألفه القاريء السوداني والمجتمع السوداني عموماً..

إذن يبقى محسن خالد في هذه الروايات التي أنتجها مثيراً للجدل بصورة كثيفة بين بعض الذين يرون فيه أنه يرسي لصور مختلفة جديدة في الرواية السودانية، يناقش فيها بالصوت العالي عدد من المسكوت عنه بلغته السردية ذات الحبكة العالية.. وبين أولئك المحافظين والذين يرون في كتابات محسن خالد شرارات تكاد تحرق مقدساتهم.







 


 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب