المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدني مدينة الفرح القديم



admin
12-06-2004, 09:55 PM
عدتها –مدني- بعد غياب عقد من زمن مارثوني ، شاحبة كانت ، عجوز ، كعجوز بها ملمح محسوس من جمال ملموس ، كانت كأنها انتهت للتو من تـجــنـيـز جنازة وتعد فضاءها للتفاوض حول فضاء قادم بلا ادني امل .
سابقا كانت في مثل هذا الوقت من اغسطس تشد نسيج الاحتفال السنوي، علي شمالها الجناين ، جناين ابوزيد كانت مطبخ الاحتفال ومنها يتناسج النسيج ويتجه يعم اتجاهاتها ، حضور اعداد الاحتفال سري لا يشهده الا غفير الجناين وقاطعات الاحطاب وعمال الكمائن ، كان النيل يتفاوض مع القيف برشوه خفية يرتفع بموجبها منسوبه ليشهد –خلسة- تدابير الاحتفال والبروفات ، الشباك ، الطيور ، جميعهم حضور ، تشد طروبة الطرب علي الجناين انتباه النيل فتتراخي اطرافة تعبث في لا وعي بجناين الري المصري بقصر الضيافة والضيوف تعبث ، تتبعثر باهمال لحظة همسة الغروب علي اذن مدني اليمنى المتمثلة في قصر الضيافة ، وكأن اللوحة تبكترت ببكتريا الفوضى . نادي الجزيرة رغم عنجهيته لا يسلم من تنييل النيل ، حديقة القرشي ، حديقة الكشافة، حديقة كعكاتي، طرمبة البحر ، تنحني الي الامام اللافتة المكتوب عليها ادخلوها بسلام آمنين .يختفي تواتر حضور العربجية فالنيل الاحمر من طمي ومن خجل يصبح غير مؤهل لتنظيفهم واحصنتهم . يهدد النيل الابنية التي يفصلها عن النيل شارع النيل مبني البريد، ميدان الاتحاد، مصلحة المساحة –شقي عبر بها وترك نقطة على حرف الحاء وذهب- فندق كونتنتال ، الي حدود مدرسة الآميرية ومدرسة النهر وحي ام سويقو .
يتجمهر عقلاء المدينة ومجانينها الكثر يتناقلون اخبار الارصاد . بكسل علي شارع النيل يحلم البعض بمذيد من التنييل يأمل المجانين ببعثرة دفاتر مصلحة المساحة على الانيلة ، تتوالى الاخبار ، امطار هبطت بالحبشة ، قري اغرقت بالشرق ، تتوالي الاخبار التي تهدد شموخ البريد ، وتهدد تمارين نادي الاتحاد المقبل على الدوري ، يتابع عرضحالي المحكمة المياه بكسلهم ولا يأملون ولا يحلمون .
شوارع المدينة بوسطها مذدحمة بالصبية الذين بدلوا العاب الاجازة باخري تناسب المزاج الدراسي ، والنيل بهيام يتلصص لبروفات اعداد الحفل .

في مثل هذا الصمت الارتوازي من العام لم تكن مدني تفتح في ضجيجها بوابة للصمت السهوي ، يعيد الصبية صياغة وتنقيح الجدول المدرسي ليسمح بادخال لهويات ، هذا بالطبع بعد ان تناقلت الاشاعات خبر تأجيل العام الدراسي حتى ظنها الصبية امر مؤكد . كانت صناعة الناقلات والعربات الصغيرة تتقمم قمة الجدول وتتقزم لهويات صغيرة اخر كانت تقممت في فترات الاجازة المدرسية – وذلك قبل بث التلفزيون في بداية سبعينات القرن السابق والذي ادخل لجدولة اللهو الصبوي بعض مبتكرات نتيجة لما يبثه من مسلسلات تاريخية ، اذ لا يكتفي الصبية بتزييف المسلسل للتاريخ ، يضيفون لمساتهم فتتحول ادوات صناعة الناقلات والعربات الصغيرة الي سيوف ودروع و تجد اعلانات الحرب تتداول بينهم وسط اصوات الصهيل .
جغرفة توزيع الصبية على المدارس تتحكم في مزاجية الطفل فالاحياء التي تجاور النيل يكون مزاج الصبية فيها نيلياً اذ يصل التمرد اوجه بالسباحة على ظهر النيل وصيد الاسماك ، و صيد الطيور بالشباك والنبال في الجناين المتاخمة للنيل هي السمات السائدة بين الصبية المتجغرفة احياءهم ومدارسهم بحوافي النيل.كما تصبح مزاجاتهم مشاغبة بزج غفير الجناين في مغامرات صبيانية قد تؤدي الي اصابات بالغة من جانب الصبية ، غفير الجناين في مخيلة الصبية انسان قاسي لا يغفر و لا يغفل .
اما المدارس المتجغرفة بحدود السوق الكبير – المدرسة الشرقية – فالانتماء اليها تحكمه اوضاع طبقية اجتماعية مبطنة غير معلنة . قربها جغرافيا من الحي البريطاني الذي تسكنه طبقة ارسطوقراطية السلوك ومتوسطة الدخل اغلبهم من مهندسي الري المصري وبعض القضاء واعضاء الحكم دفع بكبار التجار وصغارهم الي ضرورة الحاق ابناءهم بنوايا تسلقية مبطنة –ربما- او باعجاب مبطن –ربما- بطبقة (الافندية) التي رغم ان التجار يتفاضلون عليها بدخلهم الاعلي الا انهم لا ينجحون في الافلات من الاعجاب بها والتسابق –كثيرا- لقضاء حوائجهم فكثيرهم غريب عن المدينة ، والمدينة –تقليديا- لا تعترف الا بأهلها .
هؤلاء الصبيه مزاجهم من تسنيم لوضعهم الطبقي و قربهم من السوق والنيل صبغ عليها سلوكيات تختلف عن سلوكيات صبية مدارس الاحياء ، السوق يكفل لهم مط افقهم حول المدينة ، كما ان مساحة السوق الضيقة واذدحامها منعتهم من ممارسة العاب ولهويات تتداول بهارموني متناسق بين صبية احياء مدارس المدينة فهم لا يتراكضون و لا يلعبون ما يستلزم مساحات ممتدة لضيق المساحة لديهم ، لذا تم تطويع المساحة باداء لهويات اخر تتوافق مع البيئة وتمارس في المساحة الداخلية للمدرسة .
للسوق يده الطولي بهؤلاء الصبية فهم يتآمرون علي سور الحرية الملتف حولهم بأسلاك عقارب الساعة ، ففي المساحة الزمنية التي تفصل بين وجودهم حول السوق وبين ساعة نقلهم التي غالباً ان تتم بسيارات موسومة بارقام صفراء يتم امتداد تواصلهم في علاقات امتدادية بباعة الكتب المستعملة المفترشون جنوب حديقة وقيع الله وشمال مكتبة الوطنية التي وبصرامة صاحبها –عبدالمنعم – يلفظ تجمعاتهم الفضولية حول الارفف .
كما أن موقعهم فرض علاقات ملتوية مع تجار الخضار الذين يفترشون الارض والملجة التي جغرافيا تقع مباشرة شرق الشرقية . وتتشكل العلاقة بصيغة منتهى الالتواء في مواسم بعض الخضروات الموسمية .
للسوق الكبير سلوكه المختلف جداً ، مداً ..جزراً ، مع حركة النيل والمدارس . ففي هذه الفترة من اغسطس تنتفخ عبوة النيل وتتفرغ جمهرة الناس في شوارع السوق الضيقة نتيجة لبدء العام الدراسي والذي كان قبله – السوق- ممتلئا مشاطرا النيل في الامتلاء .
تجد سلوك التجار مائلاً الي الكسل وتداول اطراف القهوة والصمت .وتظهر معالم (الشلليات) الي اكتافها .ففي الاتجاه الشمالي لشارع الجمهورية المحلات التي تحدها شمالا حديقة وقيع الله وميدان الاتحاد يصير سلوك التجار بين الانطواء والترفع . شرق الشارع مكتبة الوطنية ومكتبة بوكشب و محلات المعز وفندق الجزيرة وغرب الشارع مكاتب استحدثت لاحقا بالبنك العالمي ثم اضيفت لها موخرا الفرنسي تم بار رمسيس الذي تحول اثر الانقلاب الدستوري عام 83 الي دكان صغير نكست تجارته ثم الي محل لبيع الغاز قبل اغلاقه .جمعيهم جالس وحيدا عدا حالات قليلة تضم اصدقاء قليلين .. صامتين .. وهم في الغالب – بعناية- منتقين .
يمتد هذا السلوك الانطوائي الانتقائي المحلات التي تشكل الجزء الشمالي الثاني والتي تضم مكتبة مضوي التي تنتعش بانتعاش الحركة الاسلامية بالبلاد وتنحسر بانحسارها ، يجاورها محل علي جيلاني الذي مارس فعل التجريب في كل اصناف التجارة قبل ان يرفع رايته البيضاء وينـزوي . ومحلات الخواجة مكرم منسي . يستثنى من هذا السلوك الانطوائي الخواجة بابو والنقلتي محمد الذي يلتف حوله المشاهير من كرة القدم يتحاورون بهدوء الشهرة المفتعل .
في الجزء الآخر من الشارع والذي يبداء –غرب الشارع - بمحلات علي امام والمندمج دوما في تدخين سيجارة لا تنتهي . ووالده امام ، خارج المحل، يتابع بلاجدوى ما يحدث- شرق الشارع- تحت شجرة النيم التي تضم ميرغني صاحب معروضات ميرغني حسن التوم منخرطا في حوار ساهي لا تشوبه تكهنات الارصاد وعبث النيل مع (ثلة) من الافندية في صيغة من امتلك زمام الامر . وبينهم صبي باسط زراعيه بالقهوة تدلي ملامحه بأنه ابنه (لو اطلعت علية لا دركت شغفة بالتلفزيون الموضوع بدلال علي طاولة (سلوى بوتيك ) التي يشاطر صاحبها طه الخواض حوار القهوة الصامت .

ولنا عودة

كاتب الموضوع : متوكل مرغني حسن التوم - دردق
رابط الموضوع : سودانيزاونلاين (http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1087101538)

rasheed
14-06-2004, 09:37 PM
ماذا نقول لمتوكل يا إدارة غير انه السهل الممتنع ووالله إنها لروعة كروعة دكانهم 00 بس ليته يكمل تحليقه وكدراويته ويغشينا سوق الصاغة عشان نبرد شوية من الشعير الجميل الذي هو أغلى في دواخلنا من جرام الدهب نفسه رغم الكشك الصغير الذي جمعت الوانه الأزرق والأخضر وآلت إلى لون تكسوه العتاقة وجور الزمان ،، وشئ في دواخل النفس يلفه ويطويه رغم بساطته يجعله مميزاً مما جعله شامخاً وسط بترينات الذهب البراقة بمحتواها وأضوائها التي اصبحت تعبث بها الإدارة المركزية

HAMADTO
28-11-2004, 12:07 PM
وصف جميل واسلوب رائع .. تسلم يا متوكل ..


http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/009.GIF

خالد هاشم علي
16-05-2006, 09:17 AM
كنت ببحث وبنقب في المواضيع القديمة وشدني هذا الموضوع الشيق الذي تتجول فيه ومعه بكل انحاء ودمدني وبدون ماتحس تلقي نفسك هنااااااااااااااااااااااااااااااااك ولا رأيكم شنو؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

مهيرة
17-05-2006, 07:19 AM
تتلامس الحروف لتبتهج بالغناء القديم
فيك يا مدني شفت كل شيء جميل
وتتباعد الحروف الي ضالة ويبقي اللون
مجرد لون مدني
يكفي
ولو ضاعت الرائحـــة
ويشتعل الحنين
لكن الرسام استبقي الحروف متجاورة
في حميمية
حتي لاولا تفترق الأشياء
لتكون مدني حبلي بشعاع الفجر
وأشكرك أيها الرسام علي ترك الإطار الخارجي
ليمنع
حروف
م د ن ي
من الهروب
لتكون أجمل لوحـــــة في الإطار !

أبوبكرحامد
20-05-2006, 11:03 PM
توصيف فى غاية الروعة - تلكم هى المعشوقة مدنى حوت كل مباهج الدنيا ، نرجو استقطاب هذا المتوكل فهو عاشق لمدنى وحروفه استمدت جمالها من جمال مدينة الغيم .

مهيرة
21-05-2006, 11:56 PM
نرجو استقطاب هذا المتوكل فهو عاشق لمدنى وحروفه استمدت جمالها من جمال مدينة الغيم .


وأين هذا الرجل الذي يعشق سحاب مدني ودعاشها ؟