المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصـة رجل قتل مائة نفس



راشد خضر
23-07-2006, 12:55 PM
يحيط بابن آدم أعداء كثيرون يحسِّنون له القبيح ، ويقبحون له الحسن ، ويدعونه إلى الشهوات ، ويقودونه إلى مهاوي الردى ، لينحدر في موبقات الذنوب والمعاصي ، ومع وقوعه في الذنب ، وولوغه في الخطئية ، فقد يصاحب ذلك ضيق وحرج ، وتوصد أمامه أبواب الأمل ، ويدخل في دائرة اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، ولكن الله بلطفه ورحمته فتح لعباده أبواب التوبة ، وجعل فيها ملاذاً مكيناً ، وملجأ حصيناً ، يَلِجُه المذنب معترفا بذنبه ، مؤملاً في ربه ، نادماً على فعله ، غير مصرٍ على خطيئته ، ليكفر الله عنه سيئاته ، ويرفع من درجاته .

وقد قص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل أسرف على نفسه ثم تاب وأناب فقبل الله توبته ، والقصة رواها الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على راهب ، فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا ، فهل له من توبة ، فقال : لا ، فقتله فكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة، فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناسا يعبدون الله ، فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك ، فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي ، فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة . قال قتادة : فقال الحسن : ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره ).
هذه قصة رجل أسرف على نفسه بارتكاب الذنوب والموبقات ، حتى قتل مائة نفس ، وأي ذنب بعد الشرك أعظم من قتل النفس بغير حق ؟! ، ومع كل الذي اقترفه إلا أنه كان لا يزال في قلبه بقية من خير ، وبصيص من أمل يدعوه إلى أن يطلب عفو الله ومغفرته ، فخرج من بيته باحثاً عن عالم يفتيه ، ويفتح له أبواب الرجاء والتوبة ، ومن شدة حرصه وتحريه لم يسأل عن أي عالم ، بل سأل عن أعلم أهل الأرض ليكون على يقين من أمره ،

فدُلَّ على رجل راهب والمعروف عن الرهبان كثرة العبادة وقلة العلم ، فأخبره بما كان منه ، فاستعظم الراهب ذنبه ، وقنَّطه من رحمة الله ، وازداد الرجل غيّاً إلى غيِّه بعد أن أُخْبِر أن التوبة محجوبة عنه ، فقتل الراهب ليتم به المائة .

قال الله : {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم }( الزمر 53) .
و قال عز وجل : { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } (يوسف: 87) .
ولكن لا بد من صدق النية في طلب التوبة ، وسلوك الطرق والوسائل المؤدية إليها والمعينة عليها ، وهو ما فعله هذا الرجل ، حيث سأل وبحث ولم ييأس ، وضحى بسكنه وقريته وأصحابه في مقابل توبته ، وحتى وهو في النزع الأخير حين حضره الأجل نجده ينأى بصدره جهة القرية المشار إليها مما يدل على صدقه وإخلاصه .
وهذه القصة تبين كذلك أن استعظام الذنب هو أول طريق التوبة ، وكلما صَغُرَ الذنب في عين العبد كلما عَظُمَ عند الله ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه قال به هكذا فطار " ، وهذا الرجل لولا أنه كان معظماً لذنبه ، خائفاً من معصيته لما كان منه ما كان .
وفي القصة بيان لأثر البيئة التي يعيش فيها الإنسان والأصحاب الذين يخالطهم على سلوكه وأخلاقه ، وأن من أعظم الأسباب التي تعين الإنسان على التوبة والاستقامة هجر كل ما يذكر بالمعصية ويغري بالعودة إليها ، وصحبة أهل الصلاح والخير الذين يذكرونه إذا نسي ، وينبهونه إذا غفل ، ويردعونه إذا زاغ .

وفيها كذلك أهمية العلم وشرف أهله ، وفضل العالم على العابد فالعلماء هم ورثة الأنبياء جعلهم الله بمنزلة النجوم يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر .

zoolfrda
23-07-2006, 06:58 PM
جزاك الله ألف خير أخ راشد وجعلها الله في ميزان حسناتك

والله نسأل أن يرزقنا التوبة والرحمة ومغفرة الذنوب

نور العيون
28-07-2006, 03:36 AM
جزاك الله كل خير اخ راشد وعسى الله أن يجعلنا دائما من التائبين