salwa
22-01-2007, 12:10 AM
مرت المرأة في تاريخها الطويل بمرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الظلم والظلام وبؤس المرأة العربية وسوء حالها، وذلك قبل الدعوة المحمدية وظهور الإسلام في الجزيرة العربية.. والمرأة في فترة الظلام قد سُلبت جميع الحقوق دون استثناء، بل لم تعد المرأة امرأة، كما هو معلوم عندنا الآن؛ فالمرأة كانت تعد حشرة من الحشرات، أو كانت تعد من عالم آخر كعالم الجن والشياطين..
والذي كان يعتبرها امرأة من أهل الجاهلية كان يمنعها حقها ويفرض عليها أمورًا، ويعاملها معاملة غير إنسانية؛ فمثلاً: إذا حاضت المرأة كان الزوج لا يأكل ولا يشرب معها، بل ولا يسكن معها في البيت، وإنما يخرجها خارج البيت.. هذا ما كان عليه أهل الجاهلية..!
وأما حقوقها كأم أو أخت أو غير ذلك، فلم يكن لها أي حق على الإطلاق.. قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} (النحل:58) فكانت بشرى في منتهى التعاسة والنكد لو بشر أحد الجاهليين بأنه رزق بأنثى، يفكر ماذا يفعل بها {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل:59)
{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} يبقيها على مضض {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}؟ فكان أهل الجاهلية يدسون ويئدون بناتهم في التراب وهنّ أحياء، فكان يحفر الأب أو الأخ لابنته أو لأخته في التراب، ثم يضعها فيه وهي حية يجري الدم في عروقها!
المرأة كانت عند أهل الجاهلية متاعا يقتنى، وسلعة يستكثر منها، ولا يهم بعد ذلك ما يصيب الأسرة من تفكك وانهيار، ولا ما يترتب على تعدد الزوجات من عداوة وبغضاء بين النساء وبين الأبناء، حتى تعلن الأسر حرباً على نفسها، وتصبح مصدر نزاع وعداوة بين أفرادها، وكان الزوج لا يعنيه الأمر سواء عدل بين أزواجه أو جار، سوَّى بينهن في الحقوق أو مال؛ فكانت حقوق الزوجات مهضومة، ونفوسهن ثائرة، وقلوبهن متنافرة، وليت الأمر كان قاصراً على تعدد الزوجات في أبشع الصور وأوخم العواقب؛ بل كان الرجل منهم إذا قابل آخر معه ظعينته (امرأته في هودجها) هجم عليه فتقاتلا بسيوفهما، فإن غلبه أخذ منه ظعينته واستحلها لنفسه ظلماً وعدواناً..!
كما حرمت المرأة في الجاهلية من الميراث؛ فهي لا ترث الرجل بعد وفاته؛ بل هي من تركته التي تركها، فإذا جاء أحد أقارب الزوج المتوفى وألقى بثوبه على المرأة صارت له، فبئست التقاليد وبئست العادات، فلا رحمة ولا مودة ولا تعاطف؛ بل جفاء طاغ..!
المرحلة الثانية: هي مرحلة النور.. مرحلة التحرير.. مرحلة العزة والكرامة؛ وهي المرحلة التي أعطى الإسلام للمرأة كامل حقوقها، وفرض عليها الواجبات التي تتناسب مع خلقتها، وينصلح بها حالها، وبصلاح المرأة ينصلح المجتمع كله.
لقد جاءت الدعوة المحمدية؛ فحررت المرأة من فوضى الجاهلية، وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وأعادت إليها حريتها كاملة غير منقوصة، ونظمت أو حددت تعدد الزوجات بأربع فقط.
وقد اعترف المستشرق الفرنسي "أندريه سرفيه" بفضل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كتابه "الإسلام ونفسية المسلمين"؛ فقال: "لا يتحدث هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة إلا في لطف وأدب، كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها، بعد أن كانت تعد مالاً أو رقيقًا، وعندما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلب هذه الأوضاع؛ فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث" ثم ختم كلمته قائلاً : "لقد حرر محمد المرأة العربية، ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي بها؛ فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء خيرًا، وليقرأ أحاديثه المتباينة".
ما أصدق هذا القول وأوضح تلك الرؤية، التي بعد عنها كثير من أبناء المسلمين بعد أن صاروا ببغاوات وأبواقا لأذنابهم من الغرب!! وما أكثر دفاع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة وحقوقها!! ألم يقل في خطبته في حجة الوداع: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" رواه الترمذي (1163) وابن ماجة (1851) من حديث عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - وعند مسلم (1218) بلفظ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" (رواه الترمذي(3895) وغيره). وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - أن رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ فقَالَ : "أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلا يَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ" رواه أبو داود (2142) وابن ماجة(1850). وأمر بالرفق العام بهن فقال صلى الله عليه وسلم: "رفقا بالقوارير" [رواه البخاري (6209) ومسلم (2323) من حديث أنس - رضي الله عنه-]
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي". ولها رأيها في تزويجها، وليس لوليها أن يعدو إذنها، ويقصرها على من لا تريد إن كانت رشيدة؛ فعن خنساء بنت خذام الأنصارية - رضي الله عنها - أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحه [رواه البخاري (5137) تحت باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود].
ومن أعجب المصادفات أن يجتمع "ماكون" في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي في سنة 586م لبحث هل المرأة إنسان؟ وبعد بحث ومناقشة وجدل قرر أنها إنسان، ولكن خلقت لخدمة الرجل وحده..! ولم يكد يصدر هذا القرار الجائر في أوروبا، حتى نقضه محمد - صلى الله عليه وسلم- في بلاد العرب إذ رفع صوته قائلاً : "إنما النساء شقائق الرجال" [رواه الترمذي (113) وأبو داود (237) وابن ماجة (612) من حديث عائشة - رضي الله عنها -].
بل إن جاهمة السلمي - رضي الله عنه - جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل لك من أم؟" قال: نعم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها". أليس هذا فضل وأي فضل، إن الجنة مبتغى كل رجل، وكل امرأة أم لكل رجل!، فالمرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر؛ فهي المجتمع بأسره، وبذلك علم العالم أجمع أن المرأة إنسان مهذب له من الحقوق ما يتناسب مع خلقتها وفطرتها في وقت كانت فيه أوروبا تنظر إلى المرأة نظرة سخرية واحتقار..!
وفي القرن السابع الميلادي عُقد مؤتمر عام في روما ليبحث فيه المجتمعون شؤون المرأة فقرروا أنها كائن لا نفس له، وعلى هذا فليس من حقها أن ترث الحياة الآخرة، ووصفها المؤتمر بأنها رجس كبير، وحرم عليها أن تأكل اللحم، وأن تضحك، وأن تتكلم، ونادى بعضهم بوضع أقفال على فمها..! وفي هذا الوقت كانت المرأة العربية تأخذ طريقها نحو النور، وتحتل مكانتها الرفيعة في المجتمع العربي، وتقف بجانب الرجال في معترك القتال.
لقد قالت الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها -: "كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؛ فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة" [رواه البخاري (2883)].
ألا يحق بعد هذا كله لـ "ريفيل" أن يقول: "إننا لو رجعنا إلى زمن هذا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- لما وجدنا عملاً أفاد النساء أكثر مما فعله هذا الرسول" فالنساء مدينات للنبي - صلى الله عليه وسلم- بأمور كثيرة رفعت مكانتهنّ بين الناس.
وقد كتبت جريدة "المونيتور الفرنسية" عن تصور احترام الإسلام ونبيه للمرأة فقالت: "لقد أجرى الإسلام ونبيه تغييراً شاملاً في حياة المرأة في المجتمع الإسلامي؛ فمنحها حقوقاً واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية".
أما الكونت "هنري دى كاستري" فقد تناول عقد الزواج عند المسلمين فقال: "إن عقد الزواج عند المسلمين يخول للمرأة حقوقاً أدبية وحقوقا مادية، من شأنها إعلاء منزلة المرأة في الهيئة الاجتماعية"، وهذا أيضاً هو ما دفع العالم الألماني "دريسمان" أن يسجل قوله : "لقد كانت دعوة محمد إلى تحرير المرأة السبب في نهوض العرب وقيام مدينتهم، وعندما عاد أتباعه وسلبوا المرأة حقوقها وحريتها، كان ذلك من عوامل ضعفهم واضمحلال قوتهم".. إن الفضل قد يخرج من الأعداء في لحظة صدق وإنصاف والفضل ما شهد به الأعداء.
نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها "خراجة ولاجة" يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلاناتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرون اعتدوا على أنوثتها، ودنسوا رقتها، وقالوا لها: كوني رجلاً! وقابلي المجرمين لتقضي بينهم! كوني مقاولة..! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة..!! زعموها حقوقا!!
هل من حق المرأة أن تكون رجلاً؟! أن تخرج عن خِلقتها؟! أن تمارس أدوارًا خارج فطرتها؟! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟! أن تتمرد على أنوثتها؟! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يُطلب من القمر المضيء أن يكون شمسًا محرقة! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه..؟!
إن الإسلام هو المملكة التي أعطت الحقوق لكل من فيها ذكرًا كان أم أنثى، إنسانًا أم حيوانًا، صغيرًا أم كبيرًا، فقيرًا أم غنيًّا، وسيظل الإسلام ظاهرًا وباقيًا محفوظًا بحفظ الله، وسنعيش في تلك المملكة طالما تمسكنا بتعاليمه وقواعده؛ فهو مصدر عزتنا وكرامتنا، ماضيا، وحاضرا، ومستقبلاً.. والمرأة هي الكيان الذي تقوم به تلك المملكة، ولو خرجت عن هذا الكيان وعن دورها فيه؛ لتحطمت تلك المملكة وانهارت.
وختامًا؛ فالإسلام هو نصير المرأة أمًّا وأختًا وابنة، ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل، ومن جعلها تخرّج الأجيال والأبطال، فوراء كل عظيم امرأة، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور، وحضارة تثبت جدارتها وإنسانيتها، وقدرتها على الابتعاث من جديد، عرف من عرف، وجهل من جهل.
والله غالب على أمره، ولو كره المرجفون.
المرحلة الأولى: مرحلة الظلم والظلام وبؤس المرأة العربية وسوء حالها، وذلك قبل الدعوة المحمدية وظهور الإسلام في الجزيرة العربية.. والمرأة في فترة الظلام قد سُلبت جميع الحقوق دون استثناء، بل لم تعد المرأة امرأة، كما هو معلوم عندنا الآن؛ فالمرأة كانت تعد حشرة من الحشرات، أو كانت تعد من عالم آخر كعالم الجن والشياطين..
والذي كان يعتبرها امرأة من أهل الجاهلية كان يمنعها حقها ويفرض عليها أمورًا، ويعاملها معاملة غير إنسانية؛ فمثلاً: إذا حاضت المرأة كان الزوج لا يأكل ولا يشرب معها، بل ولا يسكن معها في البيت، وإنما يخرجها خارج البيت.. هذا ما كان عليه أهل الجاهلية..!
وأما حقوقها كأم أو أخت أو غير ذلك، فلم يكن لها أي حق على الإطلاق.. قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} (النحل:58) فكانت بشرى في منتهى التعاسة والنكد لو بشر أحد الجاهليين بأنه رزق بأنثى، يفكر ماذا يفعل بها {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل:59)
{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} يبقيها على مضض {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}؟ فكان أهل الجاهلية يدسون ويئدون بناتهم في التراب وهنّ أحياء، فكان يحفر الأب أو الأخ لابنته أو لأخته في التراب، ثم يضعها فيه وهي حية يجري الدم في عروقها!
المرأة كانت عند أهل الجاهلية متاعا يقتنى، وسلعة يستكثر منها، ولا يهم بعد ذلك ما يصيب الأسرة من تفكك وانهيار، ولا ما يترتب على تعدد الزوجات من عداوة وبغضاء بين النساء وبين الأبناء، حتى تعلن الأسر حرباً على نفسها، وتصبح مصدر نزاع وعداوة بين أفرادها، وكان الزوج لا يعنيه الأمر سواء عدل بين أزواجه أو جار، سوَّى بينهن في الحقوق أو مال؛ فكانت حقوق الزوجات مهضومة، ونفوسهن ثائرة، وقلوبهن متنافرة، وليت الأمر كان قاصراً على تعدد الزوجات في أبشع الصور وأوخم العواقب؛ بل كان الرجل منهم إذا قابل آخر معه ظعينته (امرأته في هودجها) هجم عليه فتقاتلا بسيوفهما، فإن غلبه أخذ منه ظعينته واستحلها لنفسه ظلماً وعدواناً..!
كما حرمت المرأة في الجاهلية من الميراث؛ فهي لا ترث الرجل بعد وفاته؛ بل هي من تركته التي تركها، فإذا جاء أحد أقارب الزوج المتوفى وألقى بثوبه على المرأة صارت له، فبئست التقاليد وبئست العادات، فلا رحمة ولا مودة ولا تعاطف؛ بل جفاء طاغ..!
المرحلة الثانية: هي مرحلة النور.. مرحلة التحرير.. مرحلة العزة والكرامة؛ وهي المرحلة التي أعطى الإسلام للمرأة كامل حقوقها، وفرض عليها الواجبات التي تتناسب مع خلقتها، وينصلح بها حالها، وبصلاح المرأة ينصلح المجتمع كله.
لقد جاءت الدعوة المحمدية؛ فحررت المرأة من فوضى الجاهلية، وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وأعادت إليها حريتها كاملة غير منقوصة، ونظمت أو حددت تعدد الزوجات بأربع فقط.
وقد اعترف المستشرق الفرنسي "أندريه سرفيه" بفضل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كتابه "الإسلام ونفسية المسلمين"؛ فقال: "لا يتحدث هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة إلا في لطف وأدب، كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها، بعد أن كانت تعد مالاً أو رقيقًا، وعندما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلب هذه الأوضاع؛ فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث" ثم ختم كلمته قائلاً : "لقد حرر محمد المرأة العربية، ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي بها؛ فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء خيرًا، وليقرأ أحاديثه المتباينة".
ما أصدق هذا القول وأوضح تلك الرؤية، التي بعد عنها كثير من أبناء المسلمين بعد أن صاروا ببغاوات وأبواقا لأذنابهم من الغرب!! وما أكثر دفاع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة وحقوقها!! ألم يقل في خطبته في حجة الوداع: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" رواه الترمذي (1163) وابن ماجة (1851) من حديث عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - وعند مسلم (1218) بلفظ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" (رواه الترمذي(3895) وغيره). وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - أن رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ فقَالَ : "أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلا يَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ" رواه أبو داود (2142) وابن ماجة(1850). وأمر بالرفق العام بهن فقال صلى الله عليه وسلم: "رفقا بالقوارير" [رواه البخاري (6209) ومسلم (2323) من حديث أنس - رضي الله عنه-]
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي". ولها رأيها في تزويجها، وليس لوليها أن يعدو إذنها، ويقصرها على من لا تريد إن كانت رشيدة؛ فعن خنساء بنت خذام الأنصارية - رضي الله عنها - أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحه [رواه البخاري (5137) تحت باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود].
ومن أعجب المصادفات أن يجتمع "ماكون" في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي في سنة 586م لبحث هل المرأة إنسان؟ وبعد بحث ومناقشة وجدل قرر أنها إنسان، ولكن خلقت لخدمة الرجل وحده..! ولم يكد يصدر هذا القرار الجائر في أوروبا، حتى نقضه محمد - صلى الله عليه وسلم- في بلاد العرب إذ رفع صوته قائلاً : "إنما النساء شقائق الرجال" [رواه الترمذي (113) وأبو داود (237) وابن ماجة (612) من حديث عائشة - رضي الله عنها -].
بل إن جاهمة السلمي - رضي الله عنه - جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل لك من أم؟" قال: نعم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها". أليس هذا فضل وأي فضل، إن الجنة مبتغى كل رجل، وكل امرأة أم لكل رجل!، فالمرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر؛ فهي المجتمع بأسره، وبذلك علم العالم أجمع أن المرأة إنسان مهذب له من الحقوق ما يتناسب مع خلقتها وفطرتها في وقت كانت فيه أوروبا تنظر إلى المرأة نظرة سخرية واحتقار..!
وفي القرن السابع الميلادي عُقد مؤتمر عام في روما ليبحث فيه المجتمعون شؤون المرأة فقرروا أنها كائن لا نفس له، وعلى هذا فليس من حقها أن ترث الحياة الآخرة، ووصفها المؤتمر بأنها رجس كبير، وحرم عليها أن تأكل اللحم، وأن تضحك، وأن تتكلم، ونادى بعضهم بوضع أقفال على فمها..! وفي هذا الوقت كانت المرأة العربية تأخذ طريقها نحو النور، وتحتل مكانتها الرفيعة في المجتمع العربي، وتقف بجانب الرجال في معترك القتال.
لقد قالت الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها -: "كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؛ فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة" [رواه البخاري (2883)].
ألا يحق بعد هذا كله لـ "ريفيل" أن يقول: "إننا لو رجعنا إلى زمن هذا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- لما وجدنا عملاً أفاد النساء أكثر مما فعله هذا الرسول" فالنساء مدينات للنبي - صلى الله عليه وسلم- بأمور كثيرة رفعت مكانتهنّ بين الناس.
وقد كتبت جريدة "المونيتور الفرنسية" عن تصور احترام الإسلام ونبيه للمرأة فقالت: "لقد أجرى الإسلام ونبيه تغييراً شاملاً في حياة المرأة في المجتمع الإسلامي؛ فمنحها حقوقاً واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية".
أما الكونت "هنري دى كاستري" فقد تناول عقد الزواج عند المسلمين فقال: "إن عقد الزواج عند المسلمين يخول للمرأة حقوقاً أدبية وحقوقا مادية، من شأنها إعلاء منزلة المرأة في الهيئة الاجتماعية"، وهذا أيضاً هو ما دفع العالم الألماني "دريسمان" أن يسجل قوله : "لقد كانت دعوة محمد إلى تحرير المرأة السبب في نهوض العرب وقيام مدينتهم، وعندما عاد أتباعه وسلبوا المرأة حقوقها وحريتها، كان ذلك من عوامل ضعفهم واضمحلال قوتهم".. إن الفضل قد يخرج من الأعداء في لحظة صدق وإنصاف والفضل ما شهد به الأعداء.
نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها "خراجة ولاجة" يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلاناتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرون اعتدوا على أنوثتها، ودنسوا رقتها، وقالوا لها: كوني رجلاً! وقابلي المجرمين لتقضي بينهم! كوني مقاولة..! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة..!! زعموها حقوقا!!
هل من حق المرأة أن تكون رجلاً؟! أن تخرج عن خِلقتها؟! أن تمارس أدوارًا خارج فطرتها؟! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟! أن تتمرد على أنوثتها؟! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يُطلب من القمر المضيء أن يكون شمسًا محرقة! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه..؟!
إن الإسلام هو المملكة التي أعطت الحقوق لكل من فيها ذكرًا كان أم أنثى، إنسانًا أم حيوانًا، صغيرًا أم كبيرًا، فقيرًا أم غنيًّا، وسيظل الإسلام ظاهرًا وباقيًا محفوظًا بحفظ الله، وسنعيش في تلك المملكة طالما تمسكنا بتعاليمه وقواعده؛ فهو مصدر عزتنا وكرامتنا، ماضيا، وحاضرا، ومستقبلاً.. والمرأة هي الكيان الذي تقوم به تلك المملكة، ولو خرجت عن هذا الكيان وعن دورها فيه؛ لتحطمت تلك المملكة وانهارت.
وختامًا؛ فالإسلام هو نصير المرأة أمًّا وأختًا وابنة، ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل، ومن جعلها تخرّج الأجيال والأبطال، فوراء كل عظيم امرأة، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور، وحضارة تثبت جدارتها وإنسانيتها، وقدرتها على الابتعاث من جديد، عرف من عرف، وجهل من جهل.
والله غالب على أمره، ولو كره المرجفون.