المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوضى السكون !!!



ابو حمزة
18-02-2007, 04:22 AM
الشمس تميل في إصفرارها الذهبي معلنةً دخول السكون في هدؤٍ دون فوضى بينما ثغاء الأغنام في فوضاها المعهودة يأتينك من كل فجٍ عميق !! ويعم المكان غبارها المشحون بما فاضت به من بولٍ وروث وصبيةٌ يلهون ويتقافزون في خفةٍ ورشاقة بسيقانٍ نحيلةٍ هزيلة لا تنفك توجعهم وتعمل أمهاتهم على صيانتها لهم بما تبقى من زيت السمسم وقتما يهجعون في خلودهم المسكون باحلامٍ ساذجةٍ بريئة !

: ـ يا ولد أفتح الزريبة !

: ـ سمح !!!

يسترد عافيته حين يكمل يومه في نمطيةٍ دقيقة يوزع فيها جهده وبعض إبتساماتٍ خجولة هنا وهناك ثم يأوي لمخدعه محاطاً بالبنين والأحفاد ! لم يألف إبنه (سيف الدين) حياتهم منذ الصغر ووصفوه بأنه شيوعي ملحد !!! وضحكت من كل أعماقي فأنا أعرف أنه لا ينفك كونه برجوازياً صغيراً متخماً بالتناقضات والأحلام الكبيرة ويرغب في بعض المتعة متسلياً بوقته العريض بعدما تصدر اسمه كشوفات الصالح العام الأولى وهو في تسليه لا يفوته المرور على بيت ( الله معانا ) وهي تعينه بما تصنعه يديها من شراب ( موت أحمر عديييل !!!) كما يحب أن يصفه لرفيق دربه ( المامون ) !!

جمعتهما الدنيا في الزمان والمكان والإنسان .. وربطتهما أواصر صداقة ٍ قوية لم يعكر صفوها يوماً سوى بقيةٍ من شك يساور المأمون حينما تتورد وجنتيّ أخته ( إقبال ) كلما مر صديقه أو ذكر !!!

حملته أقدامه متثاقلاً بعد ساعاتٍ قضاها ينهل من ذلك الشراب بين أزقةٍ ثعبانيةٍ في التوائها يستند عليها بين الفينة والأخرى متجشئاً وهو يمسح بيمينه ما لحق بجبهته من عرقٍ لا يكاد يختلف كثيراً عما تصنعه ( الله معانا ) !! مدندناً : ـ

المالك .. - هق !

المااااالك شعوووووري - هق !!

المااالك شعوووري أنا لي - هق !!!

فيه آمااااااااال آآآآل !! ربّ الجماااال !!!

كانت (محاسن) قد فارقها بعلها من شهورٍ معدودات بعد أن كثرت عنها الأقاويل وهمس الهامسين ولا يعرف الحزن طريقها فقد كانت مقبلةٌ على الدنيا بأجنحةٍ مشرعة ! مترعةٌ بالأنوثة حد التخمة وتقتحمك أنوثتها وضح النهار فسرعان ماتهزم وقارك شرّ هزيمة ! وهي مقبلةٌ عليك (شايلة الفاتحة!) لا تنفك تنظر اليها في بلاهةٍ محمومةٍ مشحونةٍ برغبة الدنيا كلها !! وحين تدبر راحلة لا يغشاك الأدب والوقار في تفصحها ! وهي تدعوك في حالتيها لمصادقة ملائكة المتعة أو شياطينها !! والحال كذلك يشتهيها الكثيرون في دواخلهم ويختبئون خلف سحابةٍ مثقوبةٍ حذر الناس ! ومن بين الذين يمطرونها بنظرةٍ تفضح ما يريد (ود الصافي) كان مستعداً للتنازل عن ملحمته العتيقة قرباناً لرضاها ولو ليومٍ واحد !

: ـ ما بلقى لي فد عصريّة معاك ؟؟

: ـ نجوم السماء اقرب ليك !! تجيبه في تحدٍ ! وقد تترك ما اشترته منه أمامه وتولي الأدبار !!! وحينها فقط يرسل صبيه بما تريد وزيادة ! كانت لا تطيقه من بين خلق الله الذين عرفتهم أجمعين.

وقفت ذلك الليل تلاصق الحوش الخلفي وتدفعها ثمارها رويداً عنه وهي في محاولتها أن تهمس همساً : ـ

: ـ سيف !! لكن ما بت بااالغ ؟؟

: ـ هه هه هها أنا .. ود باااالغ !!!

وحين هدأا من ضحكتيهما المكبوتتين تسوّرعليها فكانت رجفة اليديّن والشفتّين والقدميّن وصدق هنالك الهامسون!!! ساعتان من الفحيح الملتهب المحموم دون نقصان !!

مات والدها وهو يصارع السيل مع الرجال في الخريف المشئوم منذ عشرة أعوام وأقعد المرض أمها بعد زواج ابنيها الكبيرين وحين طلقها زوجها بعد دخوله بشهرٍ واحد لم يذق فيه كل عسيلتها تنفست الصعداء !! كان غيابه عن الديار فيه الشفاء له فحمل أمتعته وولى دون عنوان ! والحديث عن النساء عندهم مثل أكل ( الموليته ) حارق ومر لكنه لذيذ ولعله يحرك حنيناً دفيناً في بواطنهم عن (محاسن) !
غادرها مأسوفاً على الزمن الذي هرب من بين أصابعه كالبرق ! كانت تميزه عن الباقين دوماً فهو الوحيد الذي تعلم كثيراً عندهم واحتضنته (الخرتوم) أربعة أعوام كاملة قضاها في دراسته ثم مسترزقاً في ذلك البنك العريق حتى تدخل الوزير البهلول واقاله مع الكثيرين ! لذا كان إحساسها دوماً بأنه لا ينتمى لهذا المكان وهولا تنقصه الوقاحة معها أحياناً حينما يختلي بها وتسعد هي بما يقول !!!