المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات طفلة مغتربة



زهرة الشمس
06-03-2007, 02:22 AM
نحن جند الله جند الوطن
إن دعا داع الفداء لن نهن
نتحدى الموت عند المحن
نشتري المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا
فليعش سوداننا علماً بين الأمم
يا بني السودان هذا رمزكم يحمل العبء
ويحمي أرضكم


كانت أشيائي دوماً صغيرة.. أحلامي صغيرة.. آمالي وأمنياتي صغيرة.. عرائسي صغيرة.. أسئلتي رغم كثرتها فقد كانت أيضاً صغيرة.. كانت كل أشيائي صغيرة كصغر ذاكرتي التي تفوح منها رائحة الاستفهام وعطر التعجب الممزوج بواقع لا يعرف مستقر أو مكان نهائي
وكان عيبي أنني أصدق ما أراه مهما كان وأجهل ما لا أشعر به أو ما لا يمر بي فإذا كنت أحلق في السماء وقالوا لي أن هذه هي الأرض أصدق وأقبع وبهدوء واستكانة و(الجهل مصيبة)
كانت لغرائزي انفعالات وانفجارات وتمرد وعناد ولكن كل هذا كان موجه في اتجاه مضاد لما أريد أن أصل إليه أو ما أود تحقيقه
كان حاضري في طريق وعيناي تحدقان في طريق آخر
كنت لا أقتنع ولكنني أضطر إلى احتراف الصمت كلعبة تلهيني وتشغلني عن مدايات الحوار القاحلة.. صمتي ما هو إلا أحد أطياف قوس قزح (ولكنه بالأبيض والأسود طبعاً).. كان صمتاً بالرضا.. بلا إكراه أو إجبار والسبب بكل بساطة لأنه صمت ناجم عن يأس الأجوبة وعقمها في إيجاد حقيقة مقنعة أو على الأقل حقيقة تطفيء عطش جوفي الثائر..
من أنا؟؟ ومن هؤلاء؟؟ ولماذا نحن نختلف عنهم في اللهجة والعادات والطباع والأشكال؟؟
كان بداخلي وسواس يناظرني في ليالي الشتاء الطويلة وفي نهارات الصيف المملة.. حتى بين طيات أفكار والدي ورؤاه وأحلامه المتفائلة أو بوح أمي بها في أثناء قصة ما قبل النوم..
كان كل ما حولي مريباً.. مرصوداً بالأغلال
يفتقد انطلاق الأطفال وما تزدهر به ملامح طفولتهم الشقية
كان الهواء من حولي مدججاً بالحذر والحرص والاحتراس - حتى بت أحلم بيوم أجلي فقد سمعت أن الجنة من نصيب الأطفال دوماً وفيها كل ما تشتهيه الأنفس- لعلي هناك أنعم بقسط من الحرية: -
(لا تذهبي لأي كان...
لا تتعرفي على أي أحد..
لا تسلمي على شخص ما إلا في وجودنا..
لا تلعبي بعيداً عن أعيينا......)
وهلم جر من اللاءات التي لا نهاية لها ولا بداية
أما رسوماتي وأوراقي وأناشيدي وأمنياتي التي لا تتجاوز ضفائري فكلها موجودة ومندسة وسط حقائب الزمن الجليد إلى أن (نعود) وهنا يبدأ سيل تفاصيل أخرى: -
(غداً حينما تكبرين ستزورين أروع المناطق وأجملها فبلادنا جميلة جداً ولنا نيل طويل ولنا أهل وأصحاب وأصدقاء ومعارف......
بعد عدة أشهر وحينما تأتي الأجازة الصيفية ونذهب السودان سوف تفطرين في بيت وتتغدين في بيت وتتعشين في بيت وتنامين في بيت آخر تماماً....
سوف تشبعين من اللعب....
حينما نصل لن يسأل عليك أحد فكل الوطن بيتك وكل الشعب أهلك
ستعيشين أياماً لن تنسيها...)
والكثير الكثير من الوعود التي تصل إلى قلبي مباشرة دون حاجز ودون أن تأخذ وقت كبير.. وعود ترسم في كل حواسي الابتسام... فأبني قصوراً من الآمال المشرقة والأحلام الوردية وأترقب بشغف كيفية الوصول وزمن الوصول؟؟؟؟

أصبح فرحي حزيناً وهمي أكبر من سنوات عمري التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. أعيش وضعاً لا أفهمه وأرى توجيهات من الأهل لم تلائم طفولتي التي تهوي التحليق مع العصافير العالية بلا حصار أو قيود
بداياتي مجردة ونهاياتي مبتورة
أما ألعابي فلم يحصل وان بدأت لعبة وأكملتها بسبب وحدتي وخوفي من كل شيء
من الشارع ....من الجيران
من المعارف الجدد
كنت أفتقد الحرية بكل المقاييس
معارفنا معينين
أصدقائي محددين
زياراتنا معدودة
كان كل ما يحمله يومي هو الخوف والقلق والتساؤل اليومي في سبيل إيجاد إجابة واحدة فقط عن هويتي المستلبة بلا سابق إنذار
كنت أحمل الخوف والأمل في آن واحد
كان عدم الصبر والتأفف والامتعاض يقبع في سرحان عيوني وانفعالاتي وفي أشكال حركاتي وضجة صوتي وأنين طفولتي المبعثرة.........،،،

كنت طفلة مغتربة !!!!!!!!!!!

يتبع

نيازى كشك
07-03-2007, 11:35 AM
طفلة ضحكتها كصفورة صغيرة
زاهية تلك الامسيات المتلونة
من الغربة بلون الممشوقة صدق
المتشبعة بالوفاء .
والاروع مازلتى طفلة
وفى انتظار شعاع الزكريات
ونحن فى انتظار هطول مزكرات الطفولة

نيازى كشك
10-03-2007, 10:48 AM
عزفك اوجع الصمت البسيط قساوة
فاجلدى العيون التى ادمنت الظلام بصراخ النور

زهرة الشمس
11-03-2007, 03:15 AM
من يلوم من؟؟؟
لا ألوم وطني لأنه لم يذنب ولم يلفظني خارج حياته بل أنا من احتفظت به ماسة (منذ أمد بعيد وقبل أن أولد حتى) في كل قلب من قلوب أعماقي النابضة على الدوام حتى وإن كنت في أقصى بقاع الأرض غربة ووحشة وتخوف
ولا ألوم أسرتي وذوي أيضاً لأنهم اختاروا طريق الاغتراب المقدر
لا ألوم وضعاً ملموساً أعزي إليه ألم غربتي وأنا طفلة
ألوم نفسي التي لم تتجاوز حد المحنة (وإلى الآن) ولو بالمحاولة والخطأ أو التجاوب والتفهم لوضع مشوش نقش تلك المشاهد المؤلمة في جدران ذاكرتي مما سبب لي حيرة وقلقاً دائمين
لربما كان الألم اكبر مما تستطيع أن تتحمله خلايا عقلي الصغير ولربما كان الألم كبيراً فعلاً ولربما ... ولربما... ولربما....
ما يسحقني وأنا طفلة هو ما يسحقني الآن وهو ما دعاني إلى كتابة هذه المذكرات وهو ذلك الاستلاب اللا إرادي لحياة ليست لي.. فقد خلعت ثوب حياتي الجميل ودسسته في إحدى زوايا ذاكرتي على أمل أن أعود إليه لاحقاً بعد زمن ليس بالطويل فألبسه وأتجمل به ولكن مرت الأيام وعدت السنين إلى أن كبرت وفهمت ووعيت ولم يعد ذلك الثوب يلائمني أو بالأحرى مقاسي
وبالمقابل طبعاً لبست ثوباً آخر من زمن الطفولة لوطن ليس لي.. عشت فيه وتمرغت في مجتمعه بالتناقض الغريب لمعطيات الحياة وبالمقارنة مع حياتي أنا وبكل ما تحمله هذه الحياة من فصول ومواسم
تبقى الحقيقة هي أن غربتنا كانت قضاء وقدر ولا زالت قضاء وقدر

اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه وإن كان هذا اللطف بعد عشرات السنين فلا اعتراض على حكمك يا الله

زهرة الشمس
11-03-2007, 08:37 AM
طفلة ضحكتها كصفورة صغيرة
زاهية تلك الامسيات المتلونة
من الغربة بلون الممشوقة صدق
المتشبعة بالوفاء .
والاروع مازلتى طفلة
وفى انتظار شعاع الزكريات
ونحن فى انتظار هطول مزكرات الطفولة


نيازي باشا
ضواي ظلام الهم...
نورت الموقع
ونورت المنتدى الثقافي
ونورت مذكراتي
ونورت طفولتي
ونورت غربتي
نور الله قلبك وفكرك ودربك وحرفك ودنياك وملأك الله نوراً على نور في جنتك
قول آمين
ويا ريت ما تحرمنا من نورك


"من القلب"....عوداً حميداً مستطاب

زهرة الشمس
11-03-2007, 08:38 AM
عزفك اوجع الصمت البسيط قساوة
فاجلدى العيون التى ادمنت الظلام بصراخ النور


أمنية في يوم.....

أتمنى في يوم احضن ملامحك على الضفاف
وألمك على الوطن الزفاف
اغرس دروبك الشموس عودة نهائية المطاف
بوادر ريدك العفاف تتمو هناك
بعيد عن حكاوي سنين الغربة الجفاف
نشوف في عيونك هلال العيد
وننتشي بشوق اللقيا لما الأيادي تسالم والضلوع تبكي وتعيِّـد بارتجاف
في صوتك معاني ربيع
زهور الفل تزور الكل من الصباح
يعم البلد عطر الياسمين ، مياسم السوسن والبنفسج والصفصاف
ويرق قلبي ليك وبين أناملك يصبح خاوي وشغاف
تلقاني تايه في الحنين
ومن ظروفك وتضاد عوارضك ارفع للجبن راية
وعليك ما في زيّ أنا خواف
اصلي ساكن بين حروفك نقطة
وبين طيات تجاربك صمت دموع نبضة
أجابد في ابتساماتك الظراف
وأترنح من آلامك كأنو اكتسحني سُـلاف
معاك بحلم بالبهجة
بعرف للألوان منابع
بحس بمعالم الدنيا واعرف للريد مكامن وأسرار
حتى دموع القل والعدم علي تكون مآثر خُـفاف
وأشيلك في خاطري حكايا للأطفال .. للنسايم .. للأحلام .. للنوار
انت أول كلمة قلتها وانت آخر ما في القلم من أحبار
وعندي سكة طويلة ولسه...
دايراك تكون في الأعماق مناجم ولخطاوي الطريق أنوار
فينا الهوى
فينا العشق .. آيات
ضحكة للزمان تبدر
بيها يحلى ليل المشوار،،،،،

بت الشبارقه
11-03-2007, 05:17 PM
ايتها الطفله المحلقه في سماء الحب للاهل والوطن والحياه الطليقه
انا عانيت مثلما عانيتي وكنت اتوق دوما الي العطلات لانها ملاذي من الاوامر العرفيه
لكن عجلة الزمن دارت باسرع ما عندها واوقفتني في نفس نقطة امي وبناتي اصبحوا في موقعي
اذا هي الحياه وهو الوطن فالنرفع من شأنه حتى يعود ويضمنا لكي لا نصنع عصافير حبيسه اخرى
لك الود

rasheed
13-03-2007, 02:51 AM
كنت دوماً أتوق لأن أكون غيري حتى أغوص في كنه الآخرين
وفي خضم كل الأحداث السراع
تلاشت الأفكار مع الضياع
وحين ترعرت زهرتي الشمسية الصغيرة فاتن عاودني الصداع
فتقت ثانية لأن أكون غيري
لكني وجدت أيادي منحوت بها يراع
تتنفس آلامها والأوجاع
فأفهمتني تلك الأيادي ما يدور في الداخل من صراع 00
لك كل الود وأنت تعلمينا يا زهرة معطاء ما يقاسيه أطفالنا في هذه الغربة المفروضة علينا 00 وهذه هي مشيئة الله فلنحمده عليها وندعوه أن يرد غربتنا قبل أن تمسك فاتن قلمها لتسطر لنا كما سطرت 00

زهرة الشمس
15-03-2007, 03:15 AM
ايتها الطفله المحلقه في سماء الحب للاهل والوطن والحياه الطليقه
انا عانيت مثلما عانيتي وكنت اتوق دوما الي العطلات لانها ملاذي من الاوامر العرفيه
لكن عجلة الزمن دارت باسرع ما عندها واوقفتني في نفس نقطة امي وبناتي اصبحوا في موقعي
اذا هي الحياه وهو الوطن فالنرفع من شأنه حتى يعود ويضمنا لكي لا نصنع عصافير حبيسه اخرى
لك الود



ما اقساها غربتي وما اوجعها تلك الالام
صدقيني انني كلما حاولت التناسي او التأقلم تثاقلت ضدي كل الظروف وازددت الماً مع الفراق
هناك من يقول لي : (خلاص بعد كده انت اتعودتي!!!!) ولكن كيف التعود والجرح ينزف؟؟؟؟
لا.. انها بلادي وانه وطني وذلك التراب ترابي ان لم اعش فيه حية فيكفيني في وصيتي أن أقول ازرعوني فيه....


رد الله غربة كل غريب

زهرة الشمس
15-03-2007, 03:19 AM
كنت دوماً أتوق لأن أكون غيري حتى أغوص في كنه الآخرين
وفي خضم كل الأحداث السراع
تلاشت الأفكار مع الضياع
وحين ترعرت زهرتي الشمسية الصغيرة فاتن عاودني الصداع
فتقت ثانية لأن أكون غيري
لكني وجدت أيادي منحوت بها يراع
تتنفس آلامها والأوجاع
فأفهمتني تلك الأيادي ما يدور في الداخل من صراع 00
لك كل الود وأنت تعلمينا يا زهرة معطاء ما يقاسيه أطفالنا في هذه الغربة المفروضة علينا 00 وهذه هي مشيئة الله فلنحمده عليها وندعوه أن يرد غربتنا قبل أن تمسك فاتن قلمها لتسطر لنا كما سطرت 00






اللهم رد كل مغترب سالم وغانم وظافر
اللهم رد الغربة بأسرع ما يمكن وكما تحب انت ان تكون ومثلما تشاء وتكون
آمين يا رب العالمين

أشكرك على الكلمات الصادقة
لك جزيل الشكر وفائق الاحترام

زهرة الشمس
17-03-2007, 02:23 AM
واقف براك والهم عصف
ريحاً كسح زهرة صباك
ليلاً فتح شرفة وجع
قمراً رحل فارق سماك


اغترب والدي في زمن لم يولد فيه الاغتراب بعد.. بمعنى أن المغتربين كانوا يمكن أن يعدوا بالعشرات على مستوى كل دول الاغتراب... حتى السفارات لا أظن أنها كانت تعاني في أعمالها أو في إجراءاتها أو في متابعة أمور المغتربين كما تعاني الآن....
ولا زالت ذاكرتي تقحم نفسها بالمواقف المؤلمة عن الوحدة والخوف والوحشة... كنا حينما نخرج في مشوار ما لنتنفس عبق هذا البلد بحجة تغيير الجو لم نكن ندري بأننا لا نستنشق إلا استلاباً وعزلة ... فإذا مررنا عبر كل الشوارع والطرق والمنافذ فمستحيل أن نرى أحداً نعرفه ولو بالصدفة... أصبحنا نمضي في مشاويرنا وعيوننا أكثر جحوظاً (خُــلعة إن صح التعبير).. وكأن الهدف هو البحث عن سوداني يحن إليه القلب ويرفق به الفؤاد في ضجة الغربة وتلجأ إليه العيون الثائرة المتعطشة إلى اللهجة والطباع والعادات والثقافات فنستعين به على ما يقابلنا في الغربة ونتساند ونتآزر ونشد من العضد ونهون على الروح عذابات النفس...
لا زلت أذكر وأنا طفلة صغيرة يمسك أبي بيدي اليمنى وأمي بيدي اليسرى.. كنا حينما نسير في الشارع ومهما اكتظ الشارع من حولنا فنحن لا نشعر بأحد.. وكنا حينما يصادفنا أحد أسمر اللون سرعان ما كان والداي يجذباني بقوة قد تؤلمني في كثير من الأحيان ويشداني في هرولة مسرعة نحو ذاك الأسمر متهافتين عليه.... هذا الألم رغم أنه قد تلاشى حينها حينما انشغلت والتهيت بضجة الاستفهام في أسماعي والتي خرجت من أمي وأبي في نفس اللحظة وهي: (ده أظنو سوداني) إلا أن هذا الألم يشتد في حياتي إلى الآن عندما أتذكر أن مشاويرنا لم تكن إلا للخروج وللبحث عن سوداني.. سوداني واحد فقط يكفي لكي نتطلع عبره إلى الهوية البعيدة المدى...
(تباً لذلك الاغتراب وعليه اللعنة !!!!)
تبدأ بعد ذلك فيض من الأسئلة حينما نتقرب و(نتلصق) فيه..
هل هذا الأسمر سوداني؟؟ ومن أين؟؟ وأين يقطن؟؟ وأين مقر عمله؟؟ ومن أي المناطق في السودان؟ وهل يعرف ناس فلان وفلان وفلان؟؟ هل هو منذ زمن هنا؟؟ وهل يعرف سودانيين آخرين هنا؟؟ وهلم جر من الأسئلة التي لا تنتهي وكلها بلهفة وتشوق وشغف لاسترجاع أرواح ضائعة عبر غربة المصير..
بصراحة واختصار .. (كنا كل ما نشوف أضان زرقا نفتكره سوداني ونجري عليه) فيا للإحراج الذي نتكبده إن كان من أهل الدولة التي نحن مقيمين فيها ولكنه مجرد طفرة سمراء نادرة.... ويا لفرحنا وسرورنا وغبطتنا ونشوتنا حينما يكون سودانياً.....
فدون مقدمات نجد أن روح الحنين والمحبة والوئام قد غلبت على العلاقة وأصبح ما بيننا احتواء متبادل يرصد بوادر علاقة أبدية تستمر باستمرار غربتنا والى أن تنتهي حينما نعود أدراجنا إلى الوطن المُــفدى...
لتعيش إلى الأبد تلك السمرة الرائعة التي تعزز الهوية وتضفي على كآبة القضية عذوبة وأملاً وابتسام....


مع أمنياتي للجميع بالعودة عاجلاً غير آجلاً
وربنا يرد الغربة اليوم اليوم وليس غداً...

زهرة الشمس
22-03-2007, 03:42 AM
(((وضع لم أفهمه ولم أتطرق إليه ولم أفكر به ولم يخطر على بالي مطلقاً وأنا ذات الأربع سنوات أو خمس سنوات إلا بعد إلا بعد أن تجاوزت عدة سنين وهو: أنني كنت السودانية الوحيدة في الروضة وكان كل من هم حولي عرب وأشقاء من دول أخرى والنصيب الأكبر لأصحاب البلد نفسها التي أقيم فيها)))
فبعد أن عبرت عن استغرابي من الجو الجديد بالبكاء والصراخ والعويل والتمرغ في عدم الدخول إلى قسم الروضة كما يفعل كل الأطفال في أول يوم روضة أو دراسة في حياتهم وأصررت على الذهاب مع والدي رغم أن أمي كانت تعمل في نفس المدرسة ولكن في ركن تدريس الفصول المتقدمة.. اعتدل الجو قليلاً وتناسيت لأن أمي كانت معي طوال فترة الدوام (عشت تناقضات و انفعالات الأطفال)... أحياناً هادئة ومستكينة وأحياناً ثائرة وأحياناً العب وأجري وأحياناً أسكن وأقبع بصمت رهيب ونهاية المطاف أنني قد تأقلمت مع الوضع لربما كنت مستقوية بأمي .. لا أدري .. ربما...
في ذلك اليوم حدث أمر غريب ولم تنتبه له والدتي وليتها لو انتبهت... لو انتبهت لكانت امتصت القليل مما انتابني من استهجان واستنكار وشجب وتساؤلات
في أثناء اللعب حدث سوء تفاهم بين اثنين من زملائي الجدد في الروضة وبدءا يتبادلان ما تحتفظ به ذاكرتهما من ألفاظ كل على حسب بيئته التي ينبع منها
المهم كانت المهاترات في هدوء تام وكانت مجرد مناوشات أطفال عادية قد تميل إلى الطرافة ويغلب عليها طابع الضحك إلى أن انفجر احد الأولاد وقال لخصمه بغيظ وشدة وحدة : (اذهب يا سوداني) - في حين أن الخصم ليس سودانياً ولا يمت للسودانيين بصلة -
فقامت الدنيا وما قعدت وتطور الوضع وهاج وماج الأطفال الطلاب الصغار وثارت ثورة ذلك الطالب الصغير وبدأ يضرب بكل ما تقع عيناه عليه وبدأ يكسر ويحطم ويصرخ بقوة وبجنون وكأنه أهين إهانة عظمى وكأن كرامته قد دنست وكبرياؤه قد جرح جرحاً عميقاً
أما أنا فلم أفهم السبب أو الداعي للفظ هذه الجملة أصلاً
ما معناها؟؟
كيف؟؟ وماذا ؟؟ وما المقصود؟؟؟؟ وماذا فيها؟؟؟
وما الذي يعيبها لكي تكون ردة الفعل بهذه الصورة؟؟؟
ترى أهي جملة قبيحة أو كلمة بذيئة؟؟؟؟؟
لم أستوعب بأي وجه من الأشكال ما يحدث وتاهت عندي كل رؤوس التفسيرات وبدايات التفهم لأسئلة كنت قد اقتربت من حدود أجوبتها بيني وبين نفسي
ولم أجرؤ على الحراك وتقوقعت في إحدى الزوايا أبحلق بعيناي وأرصد بدهشة كل المشاهد الغريبة وقد فغرت فاهي وبدأ سيل الأسئلة ينهال على ذاكرتي ووعدت نفسي بأنني اليوم لن أنام ولن أجعل أمي أو أبي ينامان دون أن يجدا لي تفسيراً لكل ما يدور بذاكرتي
وفعلاً بمجرد نطق هذه الجملة وردة الفعل تلك لم أعي ولم أدري ما حدث لي...
أصبحت أفكر في إطار واحد فقط .... إلى جاءت مواعيد انتهاء الدوام وجاء أبي وخرجنا ثلاثتنا وبمجرد أن تجاوزنا أسوار تلك المدرسة اللعينة وحدود الروضة التي كان إحساسي صادقاً حينما بكيت منها لأول وهلة منذ الصباح إذا بي أسأل أمي وأبي بكل براءة الدنيا: (ماما وبابا يعني شنو امشي يا سوداني؟؟؟؟)
فانفجر والداي ضحكاً بداية الأمر من غرابة السؤال وطريقة التعبير به واستغراباً وتعجب في حين آخر من خطورة الموقف
الذي أظهر لهما بأن جملة كهذه جملة معقدة إلى درجة أنني لم أستوعبها
صحيح أن أسئلتي لا تنتهي ولكن ليس إلى هذه الدرجة
إلى درجة أن أسأل عن معنى هويتي؟؟؟؟
يا للعار
أصبحت محاور التفكير متناقضة
أنا أسأل بدافع إحساسي وكأنها شتم وسب علني وذلك نظراً لما حدث أمامي وشاهدته وهما يتساءلان الآن هل ما زلت لم أعرف هويتي بالفطرة؟؟؟؟
هل الهوية نتعلمها وندرسها أم أنها بالفطرة مغروزة فينا؟؟؟؟
أم لعله سؤال في الروضة لإكمال معلومة ناقصة في ملفي الشخصي؟؟
فسألوني بدورهما: هل سألك أحد عن جنسيتك؟؟
فنفيت وحكيت القصة منذ أول ثانية
وفعلاً لم يناما أمي وأبي تلك الليلة ... ولكن ليس لتفسير ما يصعب على فهمه وإنما في ايجاد حل سريع للكارثة التي حلت بهما دون أن يدريا أو يتوقعا في يوم ما أن موقفاً كهذا يمكن أن يمر على أسرة مغتربة.. وها قد مر..
أذكر حينها أنهما كانا يتناقشان بحدة وانفعال واحتفظت ببعض الجمل التي لم أفهمهما لوقت لاحق لأنهما لم يعلمان بأنني قد سمعتها خفية
جمل غريبة تحتوي على خطورة الفكر المتأزم الذي قد تكون أبعاده أكبر من جملة أطفال.... فإذا كان هذا فكر وأسلوب وتعامل وعقلية و... و...و...... و....... وأشياء أخرى كثيرة تخص الأطفال كأطفال في مجتمع أطفال مصغر كالروضة مثلاً فما فكر وأسلوب وتعامل وانطباع وعقلية الكبار يا ترى؟؟؟؟
ما مستوى الرقي والتطور والعلو والكمال الإنساني ؟؟؟؟
أم أنها غربة فقط وكما تكون لتكون؟؟؟؟؟؟
إن افتقدنا الهوية فما فائدة الحياة برمتها؟؟؟
ولتذهب كل الدولارات إلى الجحيم
كانت النتيجة أن قام والداي في اليوم التالي بإدخالي إلى روضة أخرى تماماً اعتقدت في وقت ما أنها خاصة بالصم والبكم (حتى لا تتلوث مسامعي) وذلك لمظاهر الغضب التي رانت واجتاحت وجوههما الطيبة عندما حكيت قصة (اذهب يا سوداني) ولكنها كانت خاصة بأبناء الجالية الأجنبية الباكستانية المسلمة أي أن كل من فيها أجانب ومسلمين حيث لم تعد هناك تلك الفوارق التي تنم على الجهل أو التخلف أو الغباء
فإن حدث سوء تفاهم بين أي طالبين صغاراً أو كباراً كانوا اكتفوا بالنظرات الحارقة والصمت أو يبلغوا الإدارة التي كانت تذكرنا كل يوم وأثناء طابور الصباح وبين حصص وفقرات النشاط بخطورة الإساءة أو التنابز بالألقاب أو التدخل في خصوصيات وحياة الآخرين إضافة إلى أهمية الابتسام في حياتنا وإلى مدى تأثير الكلمة الطيبة في نفوسنا وإلى الأجر الذي يثبت عند الله عز وجل إن قابلنا السيئة بالعفو والمسامحة مهما كانت تلك الإساءة صغيرة أو كبيرة
وكانت هذه التعليمات تسري على الكل وبكل رضا وعفوية والمفاجأة التي أبهرتني هي انتقال أمي معي حتى ترصد ما يعتري حالتي النفسية في حياتي الجديدة وحتى يمر العمر وأكبر في غربتي دون أن تكون النتيجة اكتئاب حاد أو انفصام في الشخصية........