المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التمرد فى هدوء سيناريو اليابسة-قراءة فى ديوان عاطف خيرى



Eng.Hawari
17-04-2007, 11:36 PM
التمرد فى هدوء سيناريو اليابسة
قراءة فى ديوان عاطف خيرى
بقلم هوارى حمدان هجو
Eng.hawari@hotmail.com
الحلقة الأولي
إضاءة :
(إن القدرة على قراءة النص كنص دون تدخل تأويلٍ ما، هو أدنى صور التجربة الداخلية تطوراً وربما أصعبها إمكاناً)
(إن الذي يقتفي الآثار زمناً طويلاً يتشابه مع ظله )
مثل هندي قديم
(إني رأيت أنه لا يكتب أحدٌ كتاباً في يومه إلا قال في غده : لو غُيرّ هذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل ، ولو ترك هذا لكان أجمل ، وهذا من أعظم العبر ، وهو دليل على إستيلاء النقص على جملة البشر ) العماد الأصفهاني – لآليء الشعر
تاتى القصائد دوما وهى محُملة بقضايا او تكون مدافعة عن قضية او ربما تُوجد حلول ومبررات لقضايا مطروحة وكثيرا من الشعراء والقصائد التى يؤلفونها تاتى لازالة الغبار عن بعض القضايا واظهارها كما هى الى المجتمع مع بعض الفنيات التى تختلف من شاعر الى اخر ، وكثيرا ما يفعلون فعل المصورون الذين يستخدمون الكميرات الفورية( كوداك) قديما ، او الكميرات الرقمية فى عصرنا الحاضر. من اجل نقل الحدث كما هو بعد نفض ما علق به من غبار ، غير انه فى الاوانه الاخيرة اتجة بعض الشعراء الى القصيدة الرمزية التى تحتاج فى كثير من الاحايين الى فك طلاسمها ، ويختلف فيها راى المفسرين او النقاد كما قالت العرب قديما يغنى المغني وكل يهيم على هواه. وعندما فكرت ان اقوم بقراءة متانئة لديوان الاخ الصديق الشاعر الشاب عاطف خيرى ( سيناريو اليابسة ) لم يكن ذلك قد اتى من فراغ ، بل ما دفعنى الى كتابة هذه القراءة هو انى قد طالعت مقال نشر بجريدة الصحافة السودانية قبل سنه تقريبا من هذا المقال ، وكان كاتبه قد وجه فيه نقد لازع لديوان سنياريو اليابسة ولشخص عاطف خيري، والغريب فى الامر ان صاحبنا قام بكتابة هذا المقال نتيجة لرد فعل تولد داخلة من عدم فهم معظم كلمات القصائد والى ماذا تهدف ، وكنت اود ان ارد فى ذلك الوقت ولكن لمشغوليات حالت بينى وبين المطالعة فلم اتمكن من الرد على ذلك الناقد والذى ربما يكون افقد عاطف كثير من المعجبين فى نظر القراء ( غير انى اقول غير ذلك) ولا نود ان نظلم صاحب راي في ما تكون له من ردود فعل نتيجة لفهم معين..ولان تجربة سيناريو اليابسة هى تجربة مختلفة فى ذاتيتها ، ورغم حفظنا لهذا الديوان عن ظهر قلب الا انه كثيرا ما تجدنا ناخذه معنا فى اسفارنا لنقراء .. ونقراء.. ونقراء.. تجربة لم يتعرض لها النقاد السودانين ابدا ، وحتى ان معظم قصائد الديوان لم تجد الاشتهار الا بعد ان تادولها بالغناء الراحل مصطفى سيد احمد ، حيث ان مصطفى قد غنى ( اقتراح- شهيق- جالوص) وللذين لم يسمعوا ابدا بان مصطفى قد تغني بسيدة الديوان ( سيناريو اليابسة ) فى ايامه الآخيرة ، عليهم ان يعلموا ان مصطفى قد تغني بها ولم يكن يحفظ كلماتها ، بل كان يرددها من صفحات اعدت امامه بانتظام اثناء عزفه للعود ، وللملاحظة الدقيقة لو ارهفت السمع الى مصطفى وهو يصدح بها لسمعت بعض الوقفات اثناء عزف العود من اجل ان يقلب صفحة لينتقل الى الاخريات.(راجع مكتبة رابطة اصدقاء مصطفى سيد احمد-الصوتية- بالرياض للحصول على هذه الاغنية بالعود)..المهم فى الامر ان تجربة عاطف خيرى وان لم تكن غريبة على المجتمع السودانى الذى تعود على القصائد التى تشير الى الهدف مباشرة ،(الرشيم الأخضر في الخديد الانضر- ولقيتوا واقف منتظر) فانها كانت تجربة متفردة ، وظهر على هذا المنوال شباب اخرين يجيدون العزف على نفس الوتيرة بعضهم لقت قصائدهم الاشتهار وبعضهم لم يحالفهم الحظ رغم ان قصائدهم جيدة ولكنها لم ترى النور الا على النطاق الضيق مثل الصادق الرضى- نصار الصادق الحاج-عصام عيسى رجب- فتحى بحيرى- هاشم ميرغنى ( واخرين لا استحضرهم الان)...وان كان هذا الديوان فى نظرى سهل فى الفهم والاستيعاب واعتبر ان عاطف خيرى فى كثيرا من تاملاتى لم يصدره الا ليمهد للفرد السودانى البسيط لفهم ديوانه الثانى( الظنون) ، الذى تجد فيه صعوبات تجعلك ترهق نفسك قليلا من اجل الاستكشاف ( وما اجمل الاستكشاف فى عالم ذلك الاسمر النحيل)..
عاطف خيرى من الشباب السودانيين الهادئين والذين يحملون هموم اوطانهم فى اجسادهم حتى انهم تعودوا على الاكل من ظروف السودان التى لاتسمن ولا تغنى من جوع، درس بالفنون بجامعة السودان ثم التحق بمعهد الموسيقى والمسرح ،من اسرة تنحدر من قبيلة المحس ، يسكنون الخرطوم، هاجر بعد زواجه الى جمهورية مصر العربية ، يعمل مع بعض الاخوة الحادبين على هموم ثقافة الوطن من اجل اصدارة ثقافية تعنى بهموم السودان،من ثم هاجر لاستراليا..واقام بها.. صدر ديوانه الاول سيناريو اليابسة فى طبعته الاولى 1995م عن دار عقد الجلاد للانتاج الفنى والنشر والتوزيع المحدوده ، وضمت صفحات الديوان المائه تقريبا ، حوالى سبعة قصائد وهى بالترتيب( اقتراح- حوار-شهيق-تلوين-مسادير والتى قسمها صاحبها الى احرف من "الألف" حتى "الها"- جالوص ثم سيناريو اليابسة الملحمة-)وان بدا الكتاب بابيات قصيدة عرفتها فى الطبعة الثانية جزء من قصيدة الحقت بنهاية الكتاب( وما اعيبه على كل دور النشر السودانية هو عدم ارفاق سيرة ذاتية باسم اى كاتب ولا ادرى لماذا يفعلون هذا وكذلك تغيب صورة الكاتب نفسه)..وقد اكون فى قراءاتى هذه مخطىء وقد اكون متسرع ، المهم فى الامر انى قد تجراءات وحاولت ان اصيب ، فاسال الله التوفيق.
ابتدر الشاعر ديوانه بابيات متمردات وغريبة على تصور المتلقى البسيط حيث يقول :-
الجسد مُصلاية الروح
الروح المفّوته كم وكِت
الوكت الموهّط في النزوح
طالع أعالي الفوق تحت
تحتك ينقّز في سطوح
رهن الأصابع ومنفلت
فالت إذا كنت الجنوح
وحدك مُنادِي ومتلفت
اتحاد الجسد والروح فى العرف دايما يؤدى الى خلق كائن حى وان كان الكائن الحى الوحيد الذى امره الله سبحانه وتعالى باداء الصلاة هو الانسان اما بقية المخلوقات فقد امرت بالتسبيح ، فاذا شاعرنا يخاطب من بدايات ديوانة الانسان ، وعندما يتجسد الجسد فى" اداء" تؤدى عليها الصلاة "مصلاية" ، وبالتالى يتوجب ان يكون توجه الروح اسلامى او فالنقل بانها لابد لها ان تركب مطية الجسد ، غير انه يفاجئنا بان الروح تمردت على اداء واجبها فى زمن رحل عنها الواجب واستكان فى الرحيل ( الوكت الموهّط فى النزوح) ، وانقلبت المفاهيم عندها والشائع ان الاعلى هو الذى يسيطر على موازين الحياة ، لكنه هنا يؤكد ان الدنيوى هو المسيطر على الافكار، والدنيوى هو الذى يطاع باشارات الاصبع فقط للسيطر على العلوى اى انه منقاد وفق اوامر تصدر اليه من سلطة عليا، مما اصاب الروح بحالة من الهذيان او ان شئت قل الجنون بدليل "وحدك منادى ومتلفت".. فهذه لا تحدث الا فى حالة الاصابة بالجنون"اى لا يمكن ان ينادى شخص لنفسة ثم يلتفت ليلبي نداه" .. فالبداية واضحة وجذابة وان كان بها غموض لكننا بامكاننا ان نتصورها مرآة احداث تعكس فقط ما يمر به الشارع السودانى اليوم من صعود لفئات معينة وتساقط اخريات ..وتمرد للسلوك الحسي والاخلاقي.
ثم يدخلنا الديوان فى ملحمة من ملاحم التاريخ السودانى عندما يخاطب شاعرنا بلد المليون مليون بخطاب ذكى ، وحوار متالق لا يحدث الا بين حبييب وحبيبته حتى ولو انها تمردت فى زمن يصعب الوفاء فيه لحبيب يقول لها :-
نكر صوتك صداك
غالطتنى الزمن فيك
شهرت على الجفاف
وعدك ، بطاقاتنا الخريفية
رجع فاضى الكلام مليان
معاكى اتبرجت غيمة
وشهق جواي صوت جدول
مرقت على المطر حفيان
لقيتك
والرزاز مدخل
يبدا الشاعر مخاطبا محبوبته بالعتاب وكثيرا ما يقول اهل السودان (الما دارك ما لامك) لانه يهمه امرها فابتدر بالعتاب بقوله للبلد المحبوبه بان ما تبدو عليه يتنافى مع عراقتها حتى ان الزمن الذى شهد تاريخها قد انكر ملامح هذه المحبوبة ،مما اداه الى سرد المغالطات بينه وبين الزمن ، وربما تنكرت له ولماضيها مما ادعاه الى تذكيرها بايام مجدها ملوحاً بالبطاقات الندية ( الخريفية ) مما كان له صدى فى دواخلها ، فتذكرت قليل من ماضيها معبرا عنه بتبرج الغيمة التى زامنها فى الذكريات خرير جدول العز والايام الخضراء ، مما استدعاه للانبهار بالتجاوب وتفاجا كما يتفاجأ طفل صغير بهطول المطر ويخرج اليه من الدهشة بدون نعلين ويجد محبوبته وتباشير الرزاز تاتى قبل هطول محبوبته التي شبهها واخفى التشبيه هنا لنتاكد بان الذي ياتي بعد دخول الرزاز هو "المطر".
هذا الحوار اللطيف المشحون بالتنكر ثم العودة الى مرحلة استدرار الذاكرة شبيه بمخاطبة جيل واعى نشأت بينه وبين ابناء جيله الآخر قطعية او عثرة من عثرات الزمان التى يصنعها المدمرون للاوطان مما يستدعى لوجود مفاوضات قليل ما يستمع اليها ضمير العقل ويعود الى صوابه ، فهو قد وضع لنا الجرح والعلاج ولكنه لم يخبرنا كيف قد توصل الى تلك اللمسة السحرية من اجل استدرار الذاكرة.ثم يقول لنا هنا
وناديتك :-
اقيفي معاي
نشيل كتف الغناء الميّل
ونتخيّل
حلم دونك بيتحقق!!
ثم ياتى شاعرنا الى مرحلة البناء التى يفتقرها الكثيرون فى حياتهم من بعد توحدت القلوب ، وقد ينسى الكثيرون فى غمرة الفرح القضية الاساسية التى من اجلها يتم التوحد ، يدعوها الى حمل مسؤلية الثقافة ، مسؤلية الجياع ، مسؤلية التعليم ، التى جمعها كلها فى كلمة "الغناء" ، بعد ان مالت الظروف بكتف هذه الاشياء ...
ثم يتعجب ويتساءل فى صمت بدون صيغة سؤال ، كيف بامكان الافراد ان يتخيلوا ان تتحقق احلامهم خارج اوطانهم .فالامر يعنى الآلف الجياع المشردين والمنفيين خارج اوطانهم والتساؤل الصامت يطيلهم ( فكيف يمكنهم تحقيق احلامهم خارج اوطانهم)
وقبلك خيل دماي واقفه على
شرياني تتشهق!
وعرف صوتك صداك، غنيتي
رشحّت حلقك لي اذاعات الشجر
والمنتظر من عودة المدعو
المطر
للمسادير ، والطنابيير
واللسة في رحم القصيد
والدابو حسّ
وفي سوق عكاظ ،
وبين مزادات الحروف
غيَّبت رسمك واحتكرتك للظروف
للزمان الجايى ، واللحظة
الى فاتت منى هسه
ثم يسرد سيرة الحروب على اقدام الخيل ورائحة الدم من اجل استرداد الحرية ، انه على اهبة الاستعداد للحرب ( تتشهق) ، لكنها تعود الى ذاكرتها قبل سيرة الدماء ، وتغني ابتهاجا بتطابق ماضيها مع حاضرها ، مما دفعه لترشيح صوتها الى العالم والامال المدفونه برحم الغيب ،والاغنيات وغيره ، بينما غيب لوحتها المرسومه التى كادت ان تعرض فى المزادات ولم يغيبها الا لثقة منه بانها سوف تعود الى ماضيها ، ولم يكن التغيب الا احتكارا للظروف ، ولامل فى زمن اتى بخير ،
يا واقفة بين جرح السحاب
وبين شهقة الأرض البكر
ما كان ده ريد
كان احتمال
تغيير قوانيين حركتك
ما بين حديثنا ولحظة الفعل الحقيقى
وانتباهك انتي
للشارع البيرجع تاني
لنقطة بدايتو
وانحيازك انتي
للشارع البيرشح
من مسام رملو التوقع
وما اتعرف قانون نهايتو
غايتو
ثم يصف حالتها بحالة الانثى التى تقف بين حالة الرجاء(جرح السحابة) والامل(شهقة الأرض البكر) ، من اجل عودة الحبيب ، ويذكرها بان حبها مبالغ فيه( ما كان دا ريد) ، ويزد على ذلك بامكانية تغير لحظة الدهشة(تغيير قوانين حركتك) ولكن لا يحدث التغير فى الفعل الحقيقى(الريد)..ويلفت نظرها الى ان تنتبه الى الشارع الذى بدا حيث ينتهى وان تنحاز الى الشارع الذى يرشح من مسامات رمله الاحداث.... بمعنى اوضح ان يقول بان الشارع الهادر سوف ياتى مرة اخرى الى نقاط الابتداء من اجل الخلاص والهدير ، ولم يعرف له قانون، اى ليس هنالك قوانين محدده تحرك البشر من اجل الانقلاب على الانظمة ، ( ولكن ذلك لا يلهيها عن ريدها )..للمحبوب بعد طوال الغيبوبة في شموخ الوطن، ثم يقنع بما يدور بخلدها ويكتب لنا اجمل ابيات
امشى
فى الدرب البطابق
فيهو خطوك صوت حوافرك
يا فرس
كل القببيلة تلجموا.. يكسر
قناعاتها ويفر
يسكن مع البدو في الخلاء
ما يرضى غير الريح
تجادلو وتقنعوا
انظر الى التمرد على الاحداث رغم ما تكبل به القبيلة من عادات وتقاليد فان فرس الحب لا يرى الا ان يعيش طليق مستمتعا بحرية مع البدوء ومقتنعا بمعطياته الخاصة ، لكنه يريد هنا ان يقول لنا بانه سلك طريق الحرية واستعاض عنها بفرس يعيش فى الخلاء بين البدوء
ثم يتنازل او يحاول ان ينسينا بانها لوحة قد غيبها عن مزاد سوق عكاظ البدوي فى زمانه ويذكر لنا مقطع من اجمل مقاطع الحوار الدكتاتوري ( الحنين) والفيزيائى الذكي
اقترحتك
لون اساسي
يمنح اللوحة ازدواجية القراية
ويفتح الضوء
بين خطوط الريشة ، والخط
الإضافي الجايي من
شبكية الزول المشاهد
عندما يفترض الفنان التشكيلى او يحاول اختيار اللون الاساسي للوحة لا ياتي ذلك الا باصرار ولكن لا يتم الاختيار عشوائيا ، ويكون عن تجربة وتمحيص ، فاللون الاساسي هو ركيزة اللوحة فى الفن التشكيلي ، ولكن هنا الهدف الاساسي من الاختيار هو ازدواجية القراية .. وليس المقصود هنا الظهور بوجهيين ، وانما حمل معنيين ، وكذلك تبصير المشاهد من خلال خط الريشة والخط الاضافى الواصل من شبكيته الى قضية البلد ، فهدف القصيدة وان كانت فى ظاهرها ترفيهي فان طياتها تحمل نقرات على الوتر الحساس فى قضية الشعب ، وما تلك اللوحة الا تعبير عن حالها الراهن وحالها الماضى ومن هنا اتت الازدواجيه،
واكتشفنا الرسمك
وأنا
نفس التوارد فى الخواطر
وبرضو أرقام التذاكر
البيها سافرنا وشهدنا
انفجارك فى الارض
يا سمراء
يا واضحة
يخرج بنا عاطف خيرى الى خلاصة المعرفة والوصول الى الشى المطلوب من الازدواجية ويتناسي الحالة الثانية بتعمد ، حيث يكتشف الشخص الذى قادته نظرته الى سر التفكير، وتوصله الى ما يهدف اليه الفنان التشكيلي بلوحته الصامته شكلا و الناطقة بمعانيها ، وتتطابق الخواطر ، كما تتشابه ارقام التذاكر من اجل الوصول الى رحلة المجهول المغيب، لحضور حدث الثورة والانفجار ، ويصل الى معرفتها الحقيقة تلك المعشوقة السمراء الواضحة فى فكرها فى مزاجها فى بسمتها فى كل شى هى بلدي.ثم ياتى الى لحظة المكاشفة ولحظة الوضوح وشرح الاعمال السريه فى التمرد بهدؤء على الظلم والجور الذى اعتراها.. فيقول لها
ما غنيت
يوم جيتك صدفة
قبل ابداك كان غُصنك بشَّر
ويوم ما كان احساسك مسري
عرّج غيمك فيني ومطر
لحظة طار
عصفور من صدرك
رتّب فينا احساس بالإلفة
ودوزن عصب الزمن الاشتر
اى لم تكن هذه الاشياء قد اتت بالمصادفة او مجرد عبور فوق الاشياء ، ولكن قبل ان يستشرى حبها فى قلبه كان هنالك مخطط من اجل التغيير ، وتزامن مع الفة تلك الحبية التى اخرجت من صدرها الدف والحنان فى شكل طائر حر طليق .. ادى الى ترتيب احداثيات المودة واتحاد المعذبين فى الارض من اجل العودة الى الحرية والنضال ، وعليه انتظمت كتائب النضال المشتت ، او فالنقل اتحدت احزاب المعارضة التى كانت كانها عصب اشتر.
اتوكلتَ عليكي
وقلتَ :-
المارق منك داخل جرح الوردة
وراسم فوقها غناوي الطل
والمارق منك
رجّع للغابات
الزنج الهاربه
وللعتمور العرب العاربه
وادى الكون
مفتاح الحل
(اتوكلت عليك وقلت) وان كان الظاهر شركى فى التوكل ، غير انى اقول بانه يقصد استند على معطيات تاريخيها من اجل الصراع هنا ( والاعمال بالنيات ) ، ثم بدأ يسرد فى الدلالات بقوله، ان الذين هاجروا وتركوك نتيجة لتغيرك عليهم لم يعادوك بل انهم سكنوا بجرحك وكالوا عليه باغنيات كالندى الذى تعشقة الزهور ، امثال مصطفى سيد احمد ، ووردى واخرين خرجوا وتغنوا من اجلك ليندمل لا ليلتهب ، وكذلك الاحداث التى تعاقبت عليك رتبت كل فى مكانه الطبيعي من اجل الاصالة ، وخرجت للعالم بحلول..فهذه تراجيديا الصراع الحقيقى ، فهو يعلم بان هذا لم يحدث لكنه لا يغفل حدوثة فى المستقبل ، ولكنه ( شاعرنا ) فى نفسه قد (مرق) خرج منها فى العام الماضي ، فهل شكك فى مواعيد الحل ، ام ان مفتاح الصرير عنده قد صدى من استهلاك الزمن ؟
والمارق منك
شادد عصب الورقه ، وحرفي
وراصد فى اللاوعي سكونه
مواعيد صحوه.. حلمه.. لونه
وشاري يقينك فى ظني
وسارق لحظة إني أفكر
المارق منك
مارق منك
أو
مني.! ثم يواصل فى سيرة الخروج القبل الأخير كما قال صديقي الشاعر (عصام عيسى رجب) ، ولكن رصد شئيين وهميين هما ( عصب الورقه-حرفى )..الورقه عندما لا نكتب عليها فى العرف دائما ما تكون بيضاء ، والبياض عند اهل السودان يتداول من اجل النيه ، وحرف .. يرمز به للشعار ، فاتى صاحبنها هنا الى القضية الاساسية ، قضية النية ومافى الخاطر ، ومافى خاطر شاعرنا هو عودة البلد الى ما كانت عليه رجوعها الى الحرية ، فكان المروق ( الخروج الاخير).. ان ادى الى شد اعصاب النوايا ، ورفع الشعارات الخاصة به ، فى تأني ورصد تام فى ظل غيبوبة البلد وسكونها لمواعيد الحضور .. وتحقيق الحلم( الحرية) .. وتحديد هوية ذلك الحلم (لونه السياسي)..مما دعاه الى ان يؤكد ظنونه ويفكر الى لحظة الخروج من اجل التغير.. ولقد خرج عاطف خيرى ، فالقصيدة كما قلت فى السطور العليا ملحمة حقيقية ،وتحتاج منا الى فهم اعمق وادراك اقوى والكثيرون يرقصون على انغامها ولكن هل يا ترى حققت القصيدة المدى الذى رصدت من اجله..نواصل فى الحلقة القادمة
__________________

ود النيل
23-04-2007, 11:22 PM
رتّب فينا احساس بالإلفة
ودوزن عصب الزمن الاشتر
***
شكراً لك أيها الرائع
شكراً لك على كل ما قلت وتأكد تماماً أني أشاطرك الرأي
كم هي جميلة أشعار الرائع والراقي جداً عاطف خيري
في كل يوم أقرائها أجد فيها معنى جديداً أكثر روعة
أعيشها بكل أحساسي
ننتظر منك قراءاة في تشجيع القرويات
ولا عجب أن ينال أمثال عاطف خيري النقد فهكذا هم المبدعون أبداً