المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العزف على أوتار الأسى المرخية



البصري
01-05-2007, 11:12 AM
‏ ‏ ‏

‏ عندما تختلط المفاهيم وتتلاشى الحقائق ويصل الإنسان لمفترق الطرق يحدث ‏الخلل ويعتري العقل خمولا فلا يكون التمييز بين الخطأ وغيره سهلا وتعترض طريقينا ‏معاقل الزلل فنتعثر ونخوض في وحل الخطأ بقصد أو بحسن نية فإنه يُحسب علينا وإن لم ‏يحاسبنا عليه سوانا فإن بدواخِلنا مَنْ يُحاسب ولا يجامل في الحساب .,.‏
‏ أسوق هذا وبرأسي مأساةٌ لا أظنها ستفارقني يوما لأنها مشهدٌ قد أحزن الحُزن ‏نفسه ولأنه كان ظُلما وأهون على الإنسان أن يكون مظلوما وليس ظالما وقد كان مصيبا ‏من ردد في دعائه ( ربي أجعلني كريما مظلوما ولا تجعلني لئيما ظالما ) 0‏
‏ تُساق الكلمات تباعا لتُجسِد المشهد ولتُضفي معنا أعمق من التعبير الذي قلما تحمله ‏الحروف , ففي يومٍ كُتب على فيه رحيلا غير متوقع حيث وجدت حالي بين أُناسٍ قافلين ‏بدربٍ أتيته قبل لحظات قلائل من وصولي فارتحلت رغم ترددي ووجدتُ نفسي ثانيةً ‏أُصافح أُناسا آخرين قد بدأ الشوق عليهم وكان الدفء على راحاتهم عند المصافحة فسرت ‏في البدن قشعريرة إيذانا بالإيجاب وتنبيها لشئٍ خفي وتحسبا لمجهول غامض بعيد لم أفِك ‏طلاسم غموضه إلا في ذلك اليوم فكان ألما راسخا في المخيلة جعلني أيحث كثيرا وأردد ‏من (لو) التي لا تجدي غير أن تفتح عمل الشيطان0 وبالعودة إلي ما سلف فليلُ ذاك اليوم ‏عامر بالنجوى والأُنس والسمر الشجي ذا الطابع الحزين فالكلمات كانت شجن والضحكات ‏لها طعمٌ من مَرار تذوقناه مع البسمات لأن الأمر محسوما والخبر معلوما وممنوعٌ الأمل ‏لأنه سيكون سراب فالنهايات قد شارفت وكل شئ بات حيز التنفيذ وكان أمرا مقضيا في ‏الأزل رُفعِت عنه الأقلام وجفت صحائفه فوجب الامتثال للمُقدِر للقدر 0‏
‏ علي هذا وبه كان على أن ارحل تاركا خلفي ليلا مليئا بالأحزان والأسى والحقائق ‏المؤلمة وذكري من نظرات بين الفينة والأخرى كانت تُنسيني غيوم الشجن التي كانت ‏تغطي سماء أُنسنا فكانت العزاء والسلوى 0‏
‏ أنسلخ الصباح عن ليل قصير أمضيته بجوار مخلوق مبهم خليقٌ بالفهم والمعرفة ‏فكان على أن ألملم ما تبقى من أحزان وآلام لأرحل يلازمني صدى ذلك الليل الشجي ‏المتفرد بآهات الأحلام والآلام المدفونة بداخلي .,,..‏
‏ رحلت وأنا أتوجس وهم ذاك الشئ الخفي المتوقع على بعد خطوات من معاقل الخطأ ‏المموه بالشك واليقين وحينها تدرجت مصعد المركبة ووضعتُ جسدا يحمل رأسا مثقلا ‏بالهموم على مقعدها باسما تارةً عابسا شاردا في الأُخرى وكانت تجلس قبالتي تنَُم عن ‏وجهٍ يوحي بماضٍ يصارع الحاضر وبريق عُيونٍ يُظهر خيوط من المفاهيم الغائبة ‏المتلاحقة المتلاحمة مع بعضها بالأحزان والمآسي كأنها في حيرة من أمرها فمن أين ‏ستجد الراحة أمِن بعلها الذي يضربها أم زيجتها منه قسراً وما سفرها هذا إلا لتنشد ‏الاستجمام والراحة والهروب من مأوي يضم بكل جنباته وأركانه الهم والغم وفُقدانها لحُبها ‏المؤود وصدي صوت زوجها برغم غيابه عن كامل البلاد , ولكن هل ستتركها المواجع ‏ولو لبضع ساعات تفضفض فيها عن مكنونها فتنشد الراحة بالإفصاح علها تجدها؟!.... ‏ولكن كيف تتهنى وقد أقسم القدر ألا يتركها ولو لثوانٍ قِلال فإن تركها فلمن خُلق العذاب ‏ولأيهُم وُجِد الأسى وكيف تنام وقد أُنزِل لعينيها السُهاد !!! لن تهنأ لأن سميرها الذي ‏أودعته سرها وهمومها بالمركبة أبى الزمانُ إلا وأن يفقد ما لديه من زُخرٍ وهو بجانبها ‏يواسيها ويسمع منها قصةِ حياةٍ لها الأحزان طابعا والآلام سجية والحرمان أبرزُ خصالها ‏فكانت الواقعة بداية لنكبة جديدة لتواصل ما أنقطع للحظات من حزن وشقاء لأن الرِيبة ‏كانت أقرب إليها من غيرها فأشار البنانُ يتهمُها ولما كان صعبا ومُرا مواجهتها بذلك ‏سادت فترةٌ عصيبةٌٌ بين الحيرة والتردد لسؤالها فكيف يقول أنها سارقة وقد كان لتوه يمسح ‏عن خديها الدمع بكلمات عن الأمل والفال والعدل المرتقب وأن الليل مهما طال وحلك ‏سواده فإنه حتما مقهورٌ بالصباح وبسنا الشمس التي لا تُخيِب أمل منتظرها ولا تخلف ‏مواعيد إشراقها .... كيف يقولها؟؟؟ أتواتيه الجُرأة على ذلك ؟؟؟ أيقولها بلا خجل ؟؟؟؟ ... ‏لا لن يتمكن من ذلك ..مرت هنيهات من صمت وحيرة وصمت لم تطل ليتدخل القدر ‏ويحسم الأمر أليس عدوها ؟؟ إنها فرصته ولن تسنح له ثانيا .. إذاً فالمعدن على السندان ‏والمطرقة بيده فلما لا يطرُق ؟؟؟ وفعلا أغتنمها وزين له الأمر وأزاح خمار الحياء عن ‏وجهه وأفتى فقضى بأن تُزال الشكوك باليقين فكان إنزالها وتقليب حاجياتها برغم ما فيها ‏من خصوصيات ولكن لا شئ ...!!!!... يا للخيبة ويا للأسف ويالك يا إبليس من نذل لعين ‏‏0‏
‏ صعدت المركبة بتثاقل وجلست على مقعدها لتواصل رحلتها بعد أن أضافت ‏لرصيدها حملٌ جديد ليتواصل اللحن بإضافة مقطع جديد لسيمفونية الحزن القديم فقاموسها ‏لا يحمل بين طياته الفرح ولا متاح لها أن تبحث عنه في قواميس الآخرين لأن الهم ‏والأسى ثوبان نُسجا من أجلها فلا يحقُ لغيرها أن يلبسهما مهما حصل ولها السلوى في ‏الرجاء والأمل ...........فتتواري الآلام ..,,,,....‏
‏ ــــــ //// ــــــ
‏ ‏
‏ ‏البصري ‏
‏ ‏‏26/6/92م