كريشنا
23-06-2007, 03:19 PM
كان هيروقليطس وديموقريطس, وهما من فلاسفة اليونان القديمة, يسيران معًا ويشاهدان سخافات الناس, فيضحك أحدهما ويبكي الآخر, فالاثنان يخرجان عواطفهما المكبوتة وانفعالاتهما في صورة تبدو وكأن أحدهما عكس الآخر. لكن الضحك كالبكاء وأحيانا ينقلب الضحك إلى بكاء والبكاء إلى ضحك, وما يفعله الفيلسوفان على اختلافهما في رد الفعل ضروري, لكنني أعتقد أن الضحك في بعض الأحيان وإزاء بعض المواقف أفضل من البكاء, وخاصة للرجال
سؤال هاجس: لماذا يضحك الإنسان إذا دغدغه أحد بأصابعه في بطنه بينما لا يضحك إذا قام هو بعملية الدغدغة بنفسه ولنفسه? سؤال حيّر البشرية من قديم. قام العلماء بتكوين ثلاث مجموعات, المجموعة الأولى قام فيها كل شخص بدغدغة زميله فضحك الجميع, وفي المجموعة الثانية قام كل شخص فيها بدغدغة نفسه فلم يضحك أحد, وفي المجموعة الثالثة تولى جهاز آلي دغدغة المجموعة فضحك من المجموعة الثالثة النصف فقط أما النصف الآخر فقد أضحك الجهاز.
ويقول قانون التطور إن (البقاء للأصلح), لكن من هو الأصلح? لقد انقرض الديناصور وبقيت الذبابة فهل الذبابة أقوى وأصلح من الديناصور? أم أن الديناصور أقل مرحًا بينما الذبابة تظل تمرح طوال يومها? أثبتت البحوث الحديثة في مجال المخ والأعصاب أن قدرة الإنسان على الفكاهة والمرح والسخرية المهذبة هي التي تجعله الأرقى بين بني جنسه, فالبقاء ليس للأصلح, ولكن البقاء للأضحك أي الأكثر ضحكا وهو الأصلح.
هل هناك علاقة بين إلقاء نكتة من إنسان والضحك عليها من قبل آخرين? هل هناك علاقة بين الفكاهة والضحك, وهل الفكاهة هي سبب الضحك? لاحظ بعض الباحثين أن من يلقون النكات على المستمعين يضحكون أكثر منهم ربما لكي يجعلوهم يضحكون بالعدوى, فالضحك بلا شك عدوى كما أن بعض الباحثين في علم النفس أقروا أن الفعل يسبق الانفعال فالإنسان يضحك على النكتة بمجرد إلقائها لأنه مهيأ لذلك قبل أن يستوعبها, كما أننا نضحك على النكات السخيفة والنكات القديمة التي سمعناها كثيرًا من قبل, والضحك قد يكون بسبب آخر غير النكتة التي ألقيت قبل الضحك مباشرة, فلربما كانت النكتة بمنزلة العامل الحفاز. أما السبب الحقيقي للضحك فهو التفاعل الاجتماعي, بدليل (الإنسان لا يضحك وحيدًا وإلا اتهم بالجنون) وعندما تكون وحيدًا قد تتحدث بصوت مرتفع لكنك لا تضحك بصوت مرتفع والنسبة بين ضحك الإنسان مع آخرين وضحكه وحيدًا هي 30 : 1.
فالضحك ليس استجابة غريزية فطرية للفكاهة كالإجفال عند الألم والرعشة عند البرد ولكنه شكل من أشكال الارتباط الاجتماعي الغريزي تقدح الفكاهة زناده.
يقول المثل الشعبي المصري (الضحك من غير سبب قلة أدب) القراءة التجريدية للمثل لا تدعو لمنع الضحك, وإنما تدعو لاختلاق سبب للضحك, أي صنع موقف فكاهي من مواقف الحياة الصعبة ثم بعد ذلك يضحك الإنسان كيفما شاء, وفي صنع الموقف الفكاهي إعمال للعقل وتنشيط لخلايا المخ وتغيير الحالة النفسية من الاكتئاب للبهجة.
الضحك والذكاء: الاستمتاع بالفكاهة والنكات التي تحتوي على رمز ولها مستويات عدة للفهم هو طبيعة للأذكياء, وكلما ازداد مُعامل الذكاء, استمتع الإنسان بالنكتة, بل إننا لا نضحك على النكتة بقدر ما نضحك إعجابًا بذكائنا على أننا فهمناها. يقول الفيلسوف هنري برجسون إن الإنسان لا يستطيع أن يضحك إلا في وجود غيره من الناس, بل إنه لا يستسيغ أصلاً الضحك حين يستبد به الشعور بالوحدة, إذ يبدو أن الضحك يحتاج دائما إلى أن يكون له صدى وأن يجد له تجاوبا مع الآخرين), فضحكنا دائما هو ضحك جماعة وليس ضحك أفراد, من حيث هم أفراد والضحك مع الجماعة يتخذ معنى أعمق من المعنى الفردي فهو يزيد الحدود ويقوي الروابط ويجعل الإنسان ينظر للحياة بمودة وللجنس البشري بمحبة.
هل الإنسان هو فقط الذي يضحك? مادمت لا تعرف لغة الحيوان والطيور فلن تعرف أبدا إن كانت تضحك أم لا, لكن العلماء لم يقفوا مكتوفي الأيدي, فالبداية كانت مع داروين فقد قارن بين الأصوات المتكررة التي تنطقها القردة العليا عند دغدغتها, وبين ضحك الإنسان وقال بوجود تشابه بينهما. ولاحظ علماء آخرون حركات عند القردة أطلقوا عليها الوجه اللاعب, حيث تتكرر عملية الخفض لجفني العين والفتح للفم إلى أقصى اتساع فتنكشف الأسنان واعتبروا ذلك شبيهًا بالابتسام أما عالم الضحك (روبرت بروفين) فقد وجد اختلافًا واضحًا بين ضحك الإنسان وما يُعتقد أنه ضحك قردة الشمبانزي (وقد لا يكون ذلك كذلك) فالإنسان يضحك هاهاها والقردة العليا تضحك أهـ أهـ أهـ.
والضحك ليس دليلا على السرور, بل إن الضحك هو الذي يولد السرور والسعادة, فأنت إذا كنت حزينا وضحكت فسوف يتحول الحزن إلى سرور, لأن الفعل يسبق الانفعال ويصنعه, والضحك عمل الإرادة وفي وسع المرء أن يقرر أن يضحك
في مسرحية شهيرة لممثل كوميدي مصري أذيعت مرات عدة, وقبل أن ينتهي أي مشهد فكاهي نفاجأ بانطلاق ضحكة نسائية مميزة طويلة, بعدها ينفجر باقي النظارة من الضحك وقد أصابتهم عدوى الضحك, وربما كانت هذه السيدة الضاحكة تعمل مع الفرقة المسرحية بوظيفة ضاحك أول وتتقاضى عن ذلك راتبًا, ومن المؤكد أن الوقت الذي يمر بين المشهد الفكاهي وانطلاق الضحكة الأولى لا يكفي لكي يستوعب الإنسان الموقف الفكاهي ويضحك له, فقد كانت الضحكة تنطلق قبل أن ينتهي المشهد بثوان ثم ينطلق وراءها الآخرون يضحكون لاشعوريًا, وربما كان المشهد لا يثير الضحك أو الابتسام.
والإنسان كائن ضاحك والطرفة أو النكتة علاج نفسي مثلها مثل الحلم الذي يراه النائم, فهي قصيرة مكثفة مختزلة غير منطقية, وهي مثل الحلم تعمل على تكوين أشكال بديلة ذات طبيعة مماثلة, وتعبر عن شيء رمزي داخل الإنسان له شكله الظاهر ومحتواه الباطن, كما أنها تساعد الإنسان على إخراج عواطفه المكبوتة في صورة ضحك أو ابتسام, تلك العواطف المختزنة في العقل الباطن, والصحة النفسية للإنسان تتمثل في قدرته على صنع النكتة أو الموقف الفكاهي والتلاعب بالألفاظ حتى أثناء المأساة أو العمل الجاد العميق
إبداع وحلم وفلسفة
الدغدغة كالضحك تعبير عن نشاط اجتماعي, فالإنسان لا يضحك وحيدًا, ولا يدغدغ نفسه, وإذا فعل فلن يضحك, ومثل الفكاهة التي يُضحك فيها التناقض بين ما نتوقعه وما يحدث, فإن الدغدغة تحتوي على عنصر مؤكد من المفاجأة, وهذا العنصر هو الذي يجعل الإنسان يضحك عندما يدغدغه شخص آخر, ولا يضحك عندما يدغدغ نفسه, فهو يفتقد عنصري المفاجأة والتفاعل الاجتماعي, فالدغدغة نشاط اجتماعي يشبه اللعب يعتمد على المفاجأة والتنبيه الحسّي.
والإنسان كائن حالم يحلم في المنام واليقظة, والأحلام مهمة جدًا للتوازن النفسي للإنسان, ولولا الأحلام لماتت الأنام, والنكتة تشبه الحلم الذي يهرب فيه الإنسان من قسوة الواقع وعمق الحقيقة, وهي مثله مكثفة مختزلة غير واقعية رمزية تعبّر عما يجول في العقل الباطن للإنسان من صراعات وطموح مجهض وآمال محبطة تتحقق بشكل أو بآخر في الحلم والنكتة, والنكتة مرتبطة باللاشعور وهي حيلة من الحيل البشرية الدفاعية التي يحتال بها الإنسان على تحقيق هدف من الأهداف أو بلوغ غاية من الغايات, كما يحتال في أحلامه على تحقيق ما تصبو إليه نفسه, فالإنسان يلجأ للنكتة إراديا, وللحلم لاإراديا عندما تصادفه مشاكل وعراقيل فيستريح نفسيًا وجسديًا.
ومبدع النكتة قد يفوق مبدع الأشكال الأدبية والفنية في قدراته الإبداعية, فالنكتة قد ترتجل وتكون بنت لحظتها ووليدة ساعتها, والقدرات الإبداعية التي تتوافر في المبدع هي الأصالة والطلاقة والمرونة ومواصلة الاتجاه في أبعاده المختلفة والإحساس بالمشكلات وإذا أخذنا بنظرية الفنون جنون وأن المبدع يجب أن يكون عصابيًا أو مريضًا بمرض عقلي, فإن مبدع الفكاهة عادة يعاني من حزن دفين أو اكتئاب مقنّع, وخير مثال على هذا كاهن إنجليزي حرّ يدعى سيدني سميث ولد عام 1771, كان يؤلف النكات المضحكة عن فقره, نصحه الطبيب أن ينام على معدة خالية, فسأله سميث: معدة مَن? وكان يقول لابد من عملية جراحية لإنفاذ النكتة إلى رأس الاسكوتلندي. يقول سميث: إن مواطن السعادة متباينة, غامضة, ولكنني كثيرًا ما لمحتها بين الأطفال الصغار وبجوار المواقد وفي بيوت الريف أكثر من أي مكان آخر.
ويقول برناردشو إذا عجزت عن التخلص من وضاعة منبتك العائلي, فاجعله يبدو أمام الناس وكأنه يتراقص ضاحكًا. وكان برنارد شو شديد الفخر بعمه الذي انتحر بطريقة غير مسبوقة بأن وضع رأسه في حقيبة وأغلقها.
وفي أواسط القرن العشرين في معهد علم النفس بباريس كان د.بيير فاشيه يلقّن طلبته دروسًا عملية في الضحك, وبعد محاضرة عن فائدة الضحك في إزالة القلق كان يدير إسطوانات مسجلة لجميع أنواع الضحكات هادئة وعالية وجوفاء وهستيرية, وكان أن انتشرت عدوى الضحك بين الحاضرين, واشتركوا جميعًا في أداء سيمفونية ضحك رائعة, فالضحك يتضاعف بالجماعة ويكثر.
علامات على طريق الضحك
• لا تبك حتى لا يضحك عليك الآخرون, وإذا ضحكوا منك فاضحك معهم.
• إن أجمل ضحكة هي التي تعقب مباشرة البكاء الطويل.
• أنا أضحك إذن أنا موجود.
• النكتة سلاح مَن لا سلاح له.
• الابتسامة جواز المرور لقلوب الآخرين.
• ابتسم دائمًا واضحك ثلاث مرات قبل الأكل وبعده, وقهقه مرة واحدة يوميًا.
• إذا كان الضحك من غير سبب قلة أدب كما يقول المثل الشعبي, فإن الابتسامة دون سبب هي الأدب بعينه.
• إذا لم تستطع أن تبكي وقد حزنك أمر, وعصتك الدموع, فاضحك ملء شدقيك, واستبدل بانفعال البكاء انفعال الضحك, فالانفعال إن لم يظهر أوجع وأمرض.
*كتبها : عبد الغني عبد الحميد رجب - مجلة العربي- العدد 552
سؤال هاجس: لماذا يضحك الإنسان إذا دغدغه أحد بأصابعه في بطنه بينما لا يضحك إذا قام هو بعملية الدغدغة بنفسه ولنفسه? سؤال حيّر البشرية من قديم. قام العلماء بتكوين ثلاث مجموعات, المجموعة الأولى قام فيها كل شخص بدغدغة زميله فضحك الجميع, وفي المجموعة الثانية قام كل شخص فيها بدغدغة نفسه فلم يضحك أحد, وفي المجموعة الثالثة تولى جهاز آلي دغدغة المجموعة فضحك من المجموعة الثالثة النصف فقط أما النصف الآخر فقد أضحك الجهاز.
ويقول قانون التطور إن (البقاء للأصلح), لكن من هو الأصلح? لقد انقرض الديناصور وبقيت الذبابة فهل الذبابة أقوى وأصلح من الديناصور? أم أن الديناصور أقل مرحًا بينما الذبابة تظل تمرح طوال يومها? أثبتت البحوث الحديثة في مجال المخ والأعصاب أن قدرة الإنسان على الفكاهة والمرح والسخرية المهذبة هي التي تجعله الأرقى بين بني جنسه, فالبقاء ليس للأصلح, ولكن البقاء للأضحك أي الأكثر ضحكا وهو الأصلح.
هل هناك علاقة بين إلقاء نكتة من إنسان والضحك عليها من قبل آخرين? هل هناك علاقة بين الفكاهة والضحك, وهل الفكاهة هي سبب الضحك? لاحظ بعض الباحثين أن من يلقون النكات على المستمعين يضحكون أكثر منهم ربما لكي يجعلوهم يضحكون بالعدوى, فالضحك بلا شك عدوى كما أن بعض الباحثين في علم النفس أقروا أن الفعل يسبق الانفعال فالإنسان يضحك على النكتة بمجرد إلقائها لأنه مهيأ لذلك قبل أن يستوعبها, كما أننا نضحك على النكات السخيفة والنكات القديمة التي سمعناها كثيرًا من قبل, والضحك قد يكون بسبب آخر غير النكتة التي ألقيت قبل الضحك مباشرة, فلربما كانت النكتة بمنزلة العامل الحفاز. أما السبب الحقيقي للضحك فهو التفاعل الاجتماعي, بدليل (الإنسان لا يضحك وحيدًا وإلا اتهم بالجنون) وعندما تكون وحيدًا قد تتحدث بصوت مرتفع لكنك لا تضحك بصوت مرتفع والنسبة بين ضحك الإنسان مع آخرين وضحكه وحيدًا هي 30 : 1.
فالضحك ليس استجابة غريزية فطرية للفكاهة كالإجفال عند الألم والرعشة عند البرد ولكنه شكل من أشكال الارتباط الاجتماعي الغريزي تقدح الفكاهة زناده.
يقول المثل الشعبي المصري (الضحك من غير سبب قلة أدب) القراءة التجريدية للمثل لا تدعو لمنع الضحك, وإنما تدعو لاختلاق سبب للضحك, أي صنع موقف فكاهي من مواقف الحياة الصعبة ثم بعد ذلك يضحك الإنسان كيفما شاء, وفي صنع الموقف الفكاهي إعمال للعقل وتنشيط لخلايا المخ وتغيير الحالة النفسية من الاكتئاب للبهجة.
الضحك والذكاء: الاستمتاع بالفكاهة والنكات التي تحتوي على رمز ولها مستويات عدة للفهم هو طبيعة للأذكياء, وكلما ازداد مُعامل الذكاء, استمتع الإنسان بالنكتة, بل إننا لا نضحك على النكتة بقدر ما نضحك إعجابًا بذكائنا على أننا فهمناها. يقول الفيلسوف هنري برجسون إن الإنسان لا يستطيع أن يضحك إلا في وجود غيره من الناس, بل إنه لا يستسيغ أصلاً الضحك حين يستبد به الشعور بالوحدة, إذ يبدو أن الضحك يحتاج دائما إلى أن يكون له صدى وأن يجد له تجاوبا مع الآخرين), فضحكنا دائما هو ضحك جماعة وليس ضحك أفراد, من حيث هم أفراد والضحك مع الجماعة يتخذ معنى أعمق من المعنى الفردي فهو يزيد الحدود ويقوي الروابط ويجعل الإنسان ينظر للحياة بمودة وللجنس البشري بمحبة.
هل الإنسان هو فقط الذي يضحك? مادمت لا تعرف لغة الحيوان والطيور فلن تعرف أبدا إن كانت تضحك أم لا, لكن العلماء لم يقفوا مكتوفي الأيدي, فالبداية كانت مع داروين فقد قارن بين الأصوات المتكررة التي تنطقها القردة العليا عند دغدغتها, وبين ضحك الإنسان وقال بوجود تشابه بينهما. ولاحظ علماء آخرون حركات عند القردة أطلقوا عليها الوجه اللاعب, حيث تتكرر عملية الخفض لجفني العين والفتح للفم إلى أقصى اتساع فتنكشف الأسنان واعتبروا ذلك شبيهًا بالابتسام أما عالم الضحك (روبرت بروفين) فقد وجد اختلافًا واضحًا بين ضحك الإنسان وما يُعتقد أنه ضحك قردة الشمبانزي (وقد لا يكون ذلك كذلك) فالإنسان يضحك هاهاها والقردة العليا تضحك أهـ أهـ أهـ.
والضحك ليس دليلا على السرور, بل إن الضحك هو الذي يولد السرور والسعادة, فأنت إذا كنت حزينا وضحكت فسوف يتحول الحزن إلى سرور, لأن الفعل يسبق الانفعال ويصنعه, والضحك عمل الإرادة وفي وسع المرء أن يقرر أن يضحك
في مسرحية شهيرة لممثل كوميدي مصري أذيعت مرات عدة, وقبل أن ينتهي أي مشهد فكاهي نفاجأ بانطلاق ضحكة نسائية مميزة طويلة, بعدها ينفجر باقي النظارة من الضحك وقد أصابتهم عدوى الضحك, وربما كانت هذه السيدة الضاحكة تعمل مع الفرقة المسرحية بوظيفة ضاحك أول وتتقاضى عن ذلك راتبًا, ومن المؤكد أن الوقت الذي يمر بين المشهد الفكاهي وانطلاق الضحكة الأولى لا يكفي لكي يستوعب الإنسان الموقف الفكاهي ويضحك له, فقد كانت الضحكة تنطلق قبل أن ينتهي المشهد بثوان ثم ينطلق وراءها الآخرون يضحكون لاشعوريًا, وربما كان المشهد لا يثير الضحك أو الابتسام.
والإنسان كائن ضاحك والطرفة أو النكتة علاج نفسي مثلها مثل الحلم الذي يراه النائم, فهي قصيرة مكثفة مختزلة غير منطقية, وهي مثل الحلم تعمل على تكوين أشكال بديلة ذات طبيعة مماثلة, وتعبر عن شيء رمزي داخل الإنسان له شكله الظاهر ومحتواه الباطن, كما أنها تساعد الإنسان على إخراج عواطفه المكبوتة في صورة ضحك أو ابتسام, تلك العواطف المختزنة في العقل الباطن, والصحة النفسية للإنسان تتمثل في قدرته على صنع النكتة أو الموقف الفكاهي والتلاعب بالألفاظ حتى أثناء المأساة أو العمل الجاد العميق
إبداع وحلم وفلسفة
الدغدغة كالضحك تعبير عن نشاط اجتماعي, فالإنسان لا يضحك وحيدًا, ولا يدغدغ نفسه, وإذا فعل فلن يضحك, ومثل الفكاهة التي يُضحك فيها التناقض بين ما نتوقعه وما يحدث, فإن الدغدغة تحتوي على عنصر مؤكد من المفاجأة, وهذا العنصر هو الذي يجعل الإنسان يضحك عندما يدغدغه شخص آخر, ولا يضحك عندما يدغدغ نفسه, فهو يفتقد عنصري المفاجأة والتفاعل الاجتماعي, فالدغدغة نشاط اجتماعي يشبه اللعب يعتمد على المفاجأة والتنبيه الحسّي.
والإنسان كائن حالم يحلم في المنام واليقظة, والأحلام مهمة جدًا للتوازن النفسي للإنسان, ولولا الأحلام لماتت الأنام, والنكتة تشبه الحلم الذي يهرب فيه الإنسان من قسوة الواقع وعمق الحقيقة, وهي مثله مكثفة مختزلة غير واقعية رمزية تعبّر عما يجول في العقل الباطن للإنسان من صراعات وطموح مجهض وآمال محبطة تتحقق بشكل أو بآخر في الحلم والنكتة, والنكتة مرتبطة باللاشعور وهي حيلة من الحيل البشرية الدفاعية التي يحتال بها الإنسان على تحقيق هدف من الأهداف أو بلوغ غاية من الغايات, كما يحتال في أحلامه على تحقيق ما تصبو إليه نفسه, فالإنسان يلجأ للنكتة إراديا, وللحلم لاإراديا عندما تصادفه مشاكل وعراقيل فيستريح نفسيًا وجسديًا.
ومبدع النكتة قد يفوق مبدع الأشكال الأدبية والفنية في قدراته الإبداعية, فالنكتة قد ترتجل وتكون بنت لحظتها ووليدة ساعتها, والقدرات الإبداعية التي تتوافر في المبدع هي الأصالة والطلاقة والمرونة ومواصلة الاتجاه في أبعاده المختلفة والإحساس بالمشكلات وإذا أخذنا بنظرية الفنون جنون وأن المبدع يجب أن يكون عصابيًا أو مريضًا بمرض عقلي, فإن مبدع الفكاهة عادة يعاني من حزن دفين أو اكتئاب مقنّع, وخير مثال على هذا كاهن إنجليزي حرّ يدعى سيدني سميث ولد عام 1771, كان يؤلف النكات المضحكة عن فقره, نصحه الطبيب أن ينام على معدة خالية, فسأله سميث: معدة مَن? وكان يقول لابد من عملية جراحية لإنفاذ النكتة إلى رأس الاسكوتلندي. يقول سميث: إن مواطن السعادة متباينة, غامضة, ولكنني كثيرًا ما لمحتها بين الأطفال الصغار وبجوار المواقد وفي بيوت الريف أكثر من أي مكان آخر.
ويقول برناردشو إذا عجزت عن التخلص من وضاعة منبتك العائلي, فاجعله يبدو أمام الناس وكأنه يتراقص ضاحكًا. وكان برنارد شو شديد الفخر بعمه الذي انتحر بطريقة غير مسبوقة بأن وضع رأسه في حقيبة وأغلقها.
وفي أواسط القرن العشرين في معهد علم النفس بباريس كان د.بيير فاشيه يلقّن طلبته دروسًا عملية في الضحك, وبعد محاضرة عن فائدة الضحك في إزالة القلق كان يدير إسطوانات مسجلة لجميع أنواع الضحكات هادئة وعالية وجوفاء وهستيرية, وكان أن انتشرت عدوى الضحك بين الحاضرين, واشتركوا جميعًا في أداء سيمفونية ضحك رائعة, فالضحك يتضاعف بالجماعة ويكثر.
علامات على طريق الضحك
• لا تبك حتى لا يضحك عليك الآخرون, وإذا ضحكوا منك فاضحك معهم.
• إن أجمل ضحكة هي التي تعقب مباشرة البكاء الطويل.
• أنا أضحك إذن أنا موجود.
• النكتة سلاح مَن لا سلاح له.
• الابتسامة جواز المرور لقلوب الآخرين.
• ابتسم دائمًا واضحك ثلاث مرات قبل الأكل وبعده, وقهقه مرة واحدة يوميًا.
• إذا كان الضحك من غير سبب قلة أدب كما يقول المثل الشعبي, فإن الابتسامة دون سبب هي الأدب بعينه.
• إذا لم تستطع أن تبكي وقد حزنك أمر, وعصتك الدموع, فاضحك ملء شدقيك, واستبدل بانفعال البكاء انفعال الضحك, فالانفعال إن لم يظهر أوجع وأمرض.
*كتبها : عبد الغني عبد الحميد رجب - مجلة العربي- العدد 552