114
04-10-2004, 08:01 AM
المرحومة مدرسة مدني الأهلية (أ)
بعد غيبة 29 عاماً من مدرستي الوسطى/ الثانوي العام، زرتها في العام 2002م فوجدت المدرسة الأهلية الوسطى (أ) خالية مقفرة، لا تلميذ فيها ولا أستاذ، ولا فراش فيها ولا ناظر، ولا كتاب فيها ولا سجلات، كانت خراباً يباباً.. حزنت أيما حزن، لقد كنت في هذا الفصل؛ أولى غرب، لكن أين مقعدي؟ لا توجد مقاعد، لقد كان آخر عهدي بالدراسة المتوسطة (الثانوي العام عندما تم تغيير السلم التعليمي أوائل السبعينات) في هذا الفصل؛ ثالثة غرب، لكن لم استطع التعرف على مكان درجي، لأن الفصل أضحى مستودعاً لا تستطيع دخوله، والحديقة التي كنا نجلس في نجيلتها في الفسح، اعشوشبت نجيلتها، وجفت شجيرتها، ولم تعد هناك زهور بيضاء وبنفسجية، ولوحة المدرسة الحديدية التي بها اسم المدرسة عصفت بها رياح عاتية- على ما أظن، وظني مبعثه شكل اعوجاجها وتثنيها وشبه سقوطها من فوق الجدار- وما أهمية اللوحة؟ فما عاد المكتوب فيها ينطبق على المبنى.
الحسنة الوحيدة في هذه اللحظات العصيبة التي عشتها، هو أن باب المدرسة كانت مفتوحاً، لذا استطعت الدخول إلى المدرسة، والى الفصول، وكان هناك حارس، لكنه لم يكن من (ريحة الحبايب) كما يقول أهلنا المصريون، فقد انفض سامر الأحبة على ما يبدو، من معلمين وفراشين وخفراء، وبالضرورة التلاميذ، وحتى الدكان في الناصية الذي كنا نشتري منه ساندويتشات الفول والليمون البارد المعبأ في زجاجات الببسي كولا، حتى هذا الدكان تحول إلى دكان حداده، وباختصار ما عاد الزمان هو الزمان، وهيهات هيهات أن يرجع الزمن القهقرى، ولكن على الأقل (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل)، وعلى الأقل نقف على الدمن ونبكي على الأطلال، أطلال الأهلية (أ) بحي الهواره بمدني، الأهلية (أ) التي تأسست عام 1937م رمزاً للوطنية، وكيداً في مدرسة الإنجليز (الأميرية)، تلك المدرسة العريقة التي تخرج فيها ومنها أفذاذ مدينة ود مدني، بل أفذاذ السودان، فهي المدرسة الثانية في الإقليم الأوسط- وليس مدني فحسب- ومدني هي المدينة الثانية في السودان بعد العاصمة المثلثة، لذا فأهمية هذه المدرسة لا تخفى على أحد، وتاريخها ضارب في عمق مدني، ومن تابع حلقات برنامج "أسماء في حياتنا" والتي كانت مع مربي الأجيال الأستاذ مصطفى أبو شرف لأدرك ما أعني، فكيف بالله مثل هكذا مدرسة تجفف وتصبح مبانٍ خاوية وآيلة للسقوط، وتصبح- وهذا هو الأخطر- بلا تلاميذ، أي لا مدرسة، أي لا (أهلية أ)!! وتنمحي من الوجود أعرق مدرسة في مدني، وأقدم مدرسة وطنية..
نواصل....
بعد غيبة 29 عاماً من مدرستي الوسطى/ الثانوي العام، زرتها في العام 2002م فوجدت المدرسة الأهلية الوسطى (أ) خالية مقفرة، لا تلميذ فيها ولا أستاذ، ولا فراش فيها ولا ناظر، ولا كتاب فيها ولا سجلات، كانت خراباً يباباً.. حزنت أيما حزن، لقد كنت في هذا الفصل؛ أولى غرب، لكن أين مقعدي؟ لا توجد مقاعد، لقد كان آخر عهدي بالدراسة المتوسطة (الثانوي العام عندما تم تغيير السلم التعليمي أوائل السبعينات) في هذا الفصل؛ ثالثة غرب، لكن لم استطع التعرف على مكان درجي، لأن الفصل أضحى مستودعاً لا تستطيع دخوله، والحديقة التي كنا نجلس في نجيلتها في الفسح، اعشوشبت نجيلتها، وجفت شجيرتها، ولم تعد هناك زهور بيضاء وبنفسجية، ولوحة المدرسة الحديدية التي بها اسم المدرسة عصفت بها رياح عاتية- على ما أظن، وظني مبعثه شكل اعوجاجها وتثنيها وشبه سقوطها من فوق الجدار- وما أهمية اللوحة؟ فما عاد المكتوب فيها ينطبق على المبنى.
الحسنة الوحيدة في هذه اللحظات العصيبة التي عشتها، هو أن باب المدرسة كانت مفتوحاً، لذا استطعت الدخول إلى المدرسة، والى الفصول، وكان هناك حارس، لكنه لم يكن من (ريحة الحبايب) كما يقول أهلنا المصريون، فقد انفض سامر الأحبة على ما يبدو، من معلمين وفراشين وخفراء، وبالضرورة التلاميذ، وحتى الدكان في الناصية الذي كنا نشتري منه ساندويتشات الفول والليمون البارد المعبأ في زجاجات الببسي كولا، حتى هذا الدكان تحول إلى دكان حداده، وباختصار ما عاد الزمان هو الزمان، وهيهات هيهات أن يرجع الزمن القهقرى، ولكن على الأقل (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل)، وعلى الأقل نقف على الدمن ونبكي على الأطلال، أطلال الأهلية (أ) بحي الهواره بمدني، الأهلية (أ) التي تأسست عام 1937م رمزاً للوطنية، وكيداً في مدرسة الإنجليز (الأميرية)، تلك المدرسة العريقة التي تخرج فيها ومنها أفذاذ مدينة ود مدني، بل أفذاذ السودان، فهي المدرسة الثانية في الإقليم الأوسط- وليس مدني فحسب- ومدني هي المدينة الثانية في السودان بعد العاصمة المثلثة، لذا فأهمية هذه المدرسة لا تخفى على أحد، وتاريخها ضارب في عمق مدني، ومن تابع حلقات برنامج "أسماء في حياتنا" والتي كانت مع مربي الأجيال الأستاذ مصطفى أبو شرف لأدرك ما أعني، فكيف بالله مثل هكذا مدرسة تجفف وتصبح مبانٍ خاوية وآيلة للسقوط، وتصبح- وهذا هو الأخطر- بلا تلاميذ، أي لا مدرسة، أي لا (أهلية أ)!! وتنمحي من الوجود أعرق مدرسة في مدني، وأقدم مدرسة وطنية..
نواصل....