أبونبيل
25-07-2007, 12:05 PM
وكانت أيام جميلة
بقلم / عمر سعيد النـور
بعد طول غياب عن أرض الوطن ، سنحت لي الفرصة أخيراً ، فسافرت في إجازة لم تتعدى الثلاثة أسابيع ، قضيت جلها بالخرطوم ، في محاولة البحث ( دون جدوى ) عن فرصة قبول في أحدى الجامعات لابني ، ـ ولأني مطالب بالعودة لموقع عملي بالرياض ، منتصف الشهر المنصرم ـ ، فقد كانت زيارتي لودمدني .. زيارة خاطفة ، ولكن رغم قصرها ، فقد سعدت خلالها بأن لبيت دعوة كريمة لأخ عزيز ، يجمعني به إلى جانب الود ، الحب لسيدة المدائن ( ودمدني ) ، وكانت فرصة بالنسبة لي للقاء أصدقاء أعزاء ، جلسنا لساعة متأخرة من الليــل ، نتبادل أحاديث أعادتني لماضي ودمدني قبل عشرين عاماً أو يزيد ، فما أجمل تلك الأيام ، أنها ذكريات تبقى عالقة في الذهن ، لهذه المدينة الحبيبة إلى نفوسنا جميعاً ، فأثارت هذا " الزيارة الخاطفة " شجوني ، وذكرتني بأيام ماضية ليس من السهولة أن ننساها .
صدقوني إنني أحن للماضي البعيد .. وسيظل في ذاكرتي ومخيلتي ، فأيامه الجميلة ، وذكرياته الرائعة لا تنسى ، ولا تبرح خاطري مدى عمري ، حيث كانت طيبة القلوب هي المسيطرة ، وصفاء النية هي مبدأ التعامل بين الناس ، رغم الفقر في ذلك الوقت وصعوبة الحياة وشظف العيش ، إلا أن الناس كانوا أغنياء كثيراً بطيبتهم وأخلاقهم وقناعتهم .
الواحد منا لم يكن يفكر في غده كثيراً ، وما سوف يحمله لنا .. بل يوكل ذلك إلى المولى يفعل ما يريد ، ولهذا هو ينام مرتاح البال ، ليس هناك مكان في قلوبنا للحسد والتباغض ، وإن وجد فهو بالقدر اليسير ، والذي قد يكون ربما من طبيعة الإنسان وحبه الخير .
أنا مثل أولئك الأخوان الأعزاء عشت في ودمدني بياض أحلامي ونقاء سريرتي ، وصفاء قلبي ومرحلة الصبا والشباب ، حين كان الواحد منا يفرح بقطعة من قماش تكسوه ، وطاقية تحمي رأسه من لهيب الشمس ، وكسرة خبز تسد رمقه من الجوع ، وعندما تتوفر الملاليم ، تكون الرفاهية بتناول كأس أيسكريم " ، عند " جورج الحلواني " أو طبق فول مظبط بمطعم أبوظريفة أو كشك ، وكانت هذه الأشياء غاية مرادنا وأحلامنا .. " حتى وإن لم تتحقق !! يكفي أن تعيش لحظات الحلم سعيداً .. تلك الأحلام التي تشعر معها بأنك تمتلك الدنيا وتحتضنها بين ذراعيك مع أنك فارغ الجيب فقير ، .... فما أجمل البساطة في العيش ، ـ أحد أبنائي رفض تناول خبزاً أحضرناه صباح نفس اليوم من البقالة بحجة أنه غير طازج .... زمن ؟!! ـ "
في تلك الأيام الخوالي كنا لا نفكر في سيارات أو ساعة مميزة ، أو في سياحة بشارع الهرم بالقاهرة ، فالدنيا عندنا في ذلك الوقت تنتهي في ( ودمدني ) . كل ما كنا نفكر فيه كيف نتميز بطيبتنا وأخلاقنا و ترابطنا وتواصلنا مع بعضنا البعض ، في تلاحم ليس له مثيل ، ..... وبصراحة من لم يعش في ودمدني أو لا يعرفها فهو لم يعيش ؟ !! ولم يستمتع بجمال الناس وأخلاق الرجال .. كل شئ كان في ودمدني ، وكل المتضادات كانت في ودمدني ، وكل شئ جميل كان هناك .. إذا مررت بود مدني وأحياءها فهناك دمعة حري تنزل رغماً عني بسبب تداعي المعاني لتلك الأيام الخوالي ، حيث كانت الناس تتساكن مع بعض ، فيخلق ذلك نوع من الترابط والألفة بينهم ، فقلوبهم نقية ، .. فالمجتمع في تلك الأيام الجميلة كان يقدم جمع الكلمة على المصلحة الذاتية ( جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
فهل يستطيع أحد أن ينكر علينا حبنا لك أيتها الرائعة ؟!! .....، لله درك أيتها الغالية ، كيف استبحت حمى القلوب ، كأنها أرضعت الميل إليك مع لبن الأمهات ، أين ما توجهت في المسير تطوف في خاطري نفحات من تلك الأجواء التي تذكرني ذلك الماضي الأثير ، فمدني كما عاهدناها تحفظ الود ، فما من أحد نهل من هوائها ، وعاش بين أهلها إلا قاسمها الود فحفظ لها ما حفظت له ، فكانت في تلك الأيام الخوالى محط هجرة العشرات ممن يبحثون عن لقمة العيش ، والمجتمع الخير ، ومن المشاهد المألوفة في ذلك الزمن ، أنه ما من موظف نقل للعمل بودمدني ، إلا وكانت محطته الأخيرة ، فتراه بعد فترة وجيزة يندمج في مجتمع المدينة ، ثم سرعان ما يتبع هذا التكيف والاندماج ، بحث عن قطعة أرض ، واستقرار ، فلك الله يا ودمدني ودمت ماضياً تليداً ، وحاضراً مجيداً ومستقبلاً زاهراً بإذنه تعالى .
ومن لم يعرف ودمدني فعليه أن يسأل ليعرف الفرق بين ما كنا وما أصبحنا فيه!!؟ وبين أحلام أولئك البشر وأحلامنا الآن ، وبين مبادئ الرجولة هنا وهناك ، حتى يستطيع أن يعرف أيضاً كيف كانت الحياة ، وكيف أصبحت .
من موقع ودمدنى أون لأين
عمر سعيد النور
الرياض ـ المملكة العربية السعودية
بقلم / عمر سعيد النـور
بعد طول غياب عن أرض الوطن ، سنحت لي الفرصة أخيراً ، فسافرت في إجازة لم تتعدى الثلاثة أسابيع ، قضيت جلها بالخرطوم ، في محاولة البحث ( دون جدوى ) عن فرصة قبول في أحدى الجامعات لابني ، ـ ولأني مطالب بالعودة لموقع عملي بالرياض ، منتصف الشهر المنصرم ـ ، فقد كانت زيارتي لودمدني .. زيارة خاطفة ، ولكن رغم قصرها ، فقد سعدت خلالها بأن لبيت دعوة كريمة لأخ عزيز ، يجمعني به إلى جانب الود ، الحب لسيدة المدائن ( ودمدني ) ، وكانت فرصة بالنسبة لي للقاء أصدقاء أعزاء ، جلسنا لساعة متأخرة من الليــل ، نتبادل أحاديث أعادتني لماضي ودمدني قبل عشرين عاماً أو يزيد ، فما أجمل تلك الأيام ، أنها ذكريات تبقى عالقة في الذهن ، لهذه المدينة الحبيبة إلى نفوسنا جميعاً ، فأثارت هذا " الزيارة الخاطفة " شجوني ، وذكرتني بأيام ماضية ليس من السهولة أن ننساها .
صدقوني إنني أحن للماضي البعيد .. وسيظل في ذاكرتي ومخيلتي ، فأيامه الجميلة ، وذكرياته الرائعة لا تنسى ، ولا تبرح خاطري مدى عمري ، حيث كانت طيبة القلوب هي المسيطرة ، وصفاء النية هي مبدأ التعامل بين الناس ، رغم الفقر في ذلك الوقت وصعوبة الحياة وشظف العيش ، إلا أن الناس كانوا أغنياء كثيراً بطيبتهم وأخلاقهم وقناعتهم .
الواحد منا لم يكن يفكر في غده كثيراً ، وما سوف يحمله لنا .. بل يوكل ذلك إلى المولى يفعل ما يريد ، ولهذا هو ينام مرتاح البال ، ليس هناك مكان في قلوبنا للحسد والتباغض ، وإن وجد فهو بالقدر اليسير ، والذي قد يكون ربما من طبيعة الإنسان وحبه الخير .
أنا مثل أولئك الأخوان الأعزاء عشت في ودمدني بياض أحلامي ونقاء سريرتي ، وصفاء قلبي ومرحلة الصبا والشباب ، حين كان الواحد منا يفرح بقطعة من قماش تكسوه ، وطاقية تحمي رأسه من لهيب الشمس ، وكسرة خبز تسد رمقه من الجوع ، وعندما تتوفر الملاليم ، تكون الرفاهية بتناول كأس أيسكريم " ، عند " جورج الحلواني " أو طبق فول مظبط بمطعم أبوظريفة أو كشك ، وكانت هذه الأشياء غاية مرادنا وأحلامنا .. " حتى وإن لم تتحقق !! يكفي أن تعيش لحظات الحلم سعيداً .. تلك الأحلام التي تشعر معها بأنك تمتلك الدنيا وتحتضنها بين ذراعيك مع أنك فارغ الجيب فقير ، .... فما أجمل البساطة في العيش ، ـ أحد أبنائي رفض تناول خبزاً أحضرناه صباح نفس اليوم من البقالة بحجة أنه غير طازج .... زمن ؟!! ـ "
في تلك الأيام الخوالي كنا لا نفكر في سيارات أو ساعة مميزة ، أو في سياحة بشارع الهرم بالقاهرة ، فالدنيا عندنا في ذلك الوقت تنتهي في ( ودمدني ) . كل ما كنا نفكر فيه كيف نتميز بطيبتنا وأخلاقنا و ترابطنا وتواصلنا مع بعضنا البعض ، في تلاحم ليس له مثيل ، ..... وبصراحة من لم يعش في ودمدني أو لا يعرفها فهو لم يعيش ؟ !! ولم يستمتع بجمال الناس وأخلاق الرجال .. كل شئ كان في ودمدني ، وكل المتضادات كانت في ودمدني ، وكل شئ جميل كان هناك .. إذا مررت بود مدني وأحياءها فهناك دمعة حري تنزل رغماً عني بسبب تداعي المعاني لتلك الأيام الخوالي ، حيث كانت الناس تتساكن مع بعض ، فيخلق ذلك نوع من الترابط والألفة بينهم ، فقلوبهم نقية ، .. فالمجتمع في تلك الأيام الجميلة كان يقدم جمع الكلمة على المصلحة الذاتية ( جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
فهل يستطيع أحد أن ينكر علينا حبنا لك أيتها الرائعة ؟!! .....، لله درك أيتها الغالية ، كيف استبحت حمى القلوب ، كأنها أرضعت الميل إليك مع لبن الأمهات ، أين ما توجهت في المسير تطوف في خاطري نفحات من تلك الأجواء التي تذكرني ذلك الماضي الأثير ، فمدني كما عاهدناها تحفظ الود ، فما من أحد نهل من هوائها ، وعاش بين أهلها إلا قاسمها الود فحفظ لها ما حفظت له ، فكانت في تلك الأيام الخوالى محط هجرة العشرات ممن يبحثون عن لقمة العيش ، والمجتمع الخير ، ومن المشاهد المألوفة في ذلك الزمن ، أنه ما من موظف نقل للعمل بودمدني ، إلا وكانت محطته الأخيرة ، فتراه بعد فترة وجيزة يندمج في مجتمع المدينة ، ثم سرعان ما يتبع هذا التكيف والاندماج ، بحث عن قطعة أرض ، واستقرار ، فلك الله يا ودمدني ودمت ماضياً تليداً ، وحاضراً مجيداً ومستقبلاً زاهراً بإذنه تعالى .
ومن لم يعرف ودمدني فعليه أن يسأل ليعرف الفرق بين ما كنا وما أصبحنا فيه!!؟ وبين أحلام أولئك البشر وأحلامنا الآن ، وبين مبادئ الرجولة هنا وهناك ، حتى يستطيع أن يعرف أيضاً كيف كانت الحياة ، وكيف أصبحت .
من موقع ودمدنى أون لأين
عمر سعيد النور
الرياض ـ المملكة العربية السعودية