مشاهدة النسخة كاملة : العزير، وقصة أصحاب الكهف
أبونبيل
08-08-2007, 01:49 PM
العزير، وقصة أصحاب الكهف ::
الآية 259 من سورة البقرة
" أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259)"
أجمعَ الجمهور من المفسرين على أن هذه القصة تخص العزير عليه السلام. واللافت للانتباه أن هذه القصة هي الوحيدة في القرآن الكريم التي تشبه قصة أصحاب الكهف. واليك بعض وجوه الاتفاق والاختلاف بين القصتين:
في قصة العزير كان موت، وفي قصة أصحاب الكهف كان نوم.
في قصة العزير كان أمد الموت 100 عام وهذا مشعر بأنها سنوات قمرية، كما سلف بحثه. وفي قصة أصحاب الكهف كان أمد لبثهم نائمين 309 سنوات شمسية.
في قصة العزير نجد أن الزمن قد أثر في العزير وفي جسد الحمار، وجرى عليهما قانون التحول والتحلل، أي أن الزمن فعل فعله فيهما. ولكن الزمن لم يفعل فعله في الطعام والشراب :"فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه" أي لم يؤثر فيه مرور السنين، فلم يتغير. وهذا يعني أن الزمن قد توقف في حق الطعام والشراب، وجرى في حق العزير وحماره. أما في قصة أصحاب الكهف فان الزمن كان قد توقف في حقهم إلى درجة أن التغيرات التي جرت على أجسادهم لم تكد تلحظ لأول وهلة، ثم لوحظت عند التدقيق بدليل قولهم "قالوا ربكم أعلم بما لبثتم" .
في قصة العزير يبدو أنّ السؤال كان من مَلَك :"قال كم لبثت" وكانت الإجابة من العزير عليه السلام :"لبثت يوماً أو بعض يوم" أما في قصة الكهف فقد كان السؤال من أحدهم :"قال قائل منهم كم لبثتم " وكانت الإجابة منهم :"لبثنا يوماً أو بعض يوم".
واللافت للنظر هنا أن الإجابة متطابقة في القصتين.
في قصة العزير عليه السّلام تم إحياء الحمار والعزير ينظر، أما الطعام فلم يتغير.فعدم تغير الطعام يدل على عدم مرور زمن، فهو فعلاً "يوماً أو بعض يوم" أما عظام الحمار فتقول إنه زمن طويل.وماذا يبقى من حيرته عليه السلام عندما يرى عظام الحمار تدب فيها الحياة فيعود الحمار كما كان.وكما جاء في بعض القصص أنه عليه السلام خرج من الكهف الذي كان فيه ونظر فإذا بيت المقدس قد أعيد بناؤها، وإذا الناس قد عادوا إليها ليعمروها بعد أن كان قد خربها نبوخذ نصر عام 586 ق.م.
أما في قصة أصحاب الكهف فقد كان لا بد من الذهاب إلى المدينة لاكتشاف الحقيقة. ولا ننسى أن أهل المدينة في انتظار مثل هذا الحدث، فكان أهل الكهف آية للناس، كما كان العزير آية كذلك:"ولنجعلك أية للناس" ، حيث كان العزير رجلاً مهما، وكان اختفاؤه يشغل الناس، وعندما ظهر في المدينة كان هناك من يعرف صورته، ويقال إنه الوحيد الذي كان يحفظ التوراة عن ظهر قلب. لذا أعاد إملاءها على الناس.
في قصة العزير تم بعثه بعد أن مات :"فأماته الله مائة عام ثم بعثه" ويلحظ أنه عاد إلى هيئته الأولى بما فيها ذاكرته. وفي قصة أصحاب الكهف فقد كانوا على ما يبدو في حالةٍ دنيا من الحياة، فكانت عودتهم إلى الحياة الكاملة أيضاً بعثاً لهم "ثم بعثناهم لنعلم" "وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم" فلا عجب أن يعودوا إلى هيئتهم وبذاكرة حية لم يغيرها الزمن.
في قصة العزير تكمن الخارقة في عودته عليه السلام إلى الحياة بعد الموت، أمّا المدّة والتي هي 100عام فترجع إلى أنها كانت كافية ليعود الناس إلى بيت المقدس، وكافية لاعمارها. والملحوظ أن المدة هي قرن من الزمن. ولأن هذا القرن كان قرن رخاء وإعادة إعمار، فقد ناسب أن يكون "أعواما" لأن لفظة عام في القرآن الكريم تأتي لمثل هذا المعنى كما في قوله تعالى:"ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس..." .
ولا ننسى في المقابل أن السنة وردت في القرآن الكريم للدلالة على الشدة :"ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات " [1] . ويلحظ كذلك أن السنة تدل على التكثير، وأن العام يدل على التقليل. ويظهر ذلك واضحاً في قوله تعالى :"فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما" [2] . وانظر إلى قوله تعالى :"أفرأيت إن متعناهم سنين"[3] . وانظر :"قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين" [4] . ومعلوم أن العام القمري تنقص أيامه عن السنة الشمسية. والرخاء يناسبه "العام" لأن الوقت يمر سريعاً هيناً. أما الشدة فيناسبها "السنة" لأنها تمر بصعوبة فيشعر الإنسان بها وبوطأتها.
أما في قضية أصحاب الكهف، فإن المعجزة تكمن في طول المدة التي بقي فيها الفتية أحياء. ولا شك أن التغير الاجتماعي يحتاج إلى زمن أطول من التغيّر العمراني. ومعلوم أن المعاناة لدعاة الإصلاح والتغيير تتجلى في التغير الاجتماعي، أما الاعمار وبناء المدن فعلى الرغم من مشقته فإنه حبيب إلى النفس وينجز بسرعة. وقد يكون مثل هذا المعنى وراء اختلاف التعبيرين :"أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه" وهذا يخص العزير. أما ما يخص أصحاب الكهف "فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً" وكذلك "ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً".
منقول
zoolfrda
08-08-2007, 06:59 PM
سبحان ربي العظيم
جزاك الله خير عمنا أبو نبيل وفي ميزان حسناتك
عوض صقير
08-08-2007, 08:12 PM
جزاك الله خير
أبونبيل
وفى ميزان حسناتك يارب
أبونبيل
17-08-2007, 09:55 AM
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة الكهف الآيات 9-26.
القصة:
في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.
في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.
عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.
إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.
استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
بعد هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.
خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.
لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل.منقول
أبونبيل
31-08-2007, 03:27 AM
إنّهم فتية آمنو
ا« قصة أصحاب الكهف والرقيم »
في عام 106 بعدَ ميلادِ السيدِ المسيح عليه السّلام .. اجتاحَت الجيوشُ الرومانيةُ بلادَ الأُردنّ، حيث تَنهضُ مملكةُ الأنباط.
و كان الأمبراطورُ الروماني « تراجان » وَثَنيّاً مُتَعصّباً، فراحَ يُطارِدُ المؤمنينَ خاصّةً أتباع السيد المسيح عليه السّلام.
وقد كانت سوريا و فلسطين والأردن قبلَ هذه الحملةِ العسكرية تَتمتّعُ بنوعٍ من الحُكم الذاتي، وكانت العاصمة « رُوما » تكتفي من تلك البلدان بدفعِ الضرائب. ويَعودُ سببُ ذلك الى ضآلةِ القوّاتِ الرومانيّة فيها.
وهكذا جاءت الحملةُ العسكرية ليستكملَ الرومانُ احتلالَهم العسكري لتلك الأقاليم، وإخضاعها لحكم روما المباشر.
وفي سنة 112 ميلادية أصدَرَ الأمبراطورُ تراجان مرسوماً يقضي بأنّ كل عِيسَوي يَرفُضُ عبادةَ الآلهة سوف يُحاكَم كخائنٍ للدولة، وانّه سَيُعرِّضُ نفسَه للموت.
فيلادلفيا
في ذلك الزمانِ كانت عَمّانُ تُدعى « فِيلادلفيا »، وكانت مدينةً جميلة، ولكنّ التماثيلَ التي كانت تُزيّنُ المدينة، لم تَكُن للزينةِ فقط، بل كانت تُعبَدُ كآلهةٍ مِن دونِ الله سبحانه.
فهناك تِمثالُ لـ«أثينا» إلهةِ الحرب؛ حيث تُمسِكُ بحَربةٍ في يدِها اليُمنى و تَحتَمي بِتِرسٍ في يدِها اليُسرى. وهناك أيضاً تِمثالُ « تايكي » أو إلهة الحظ وحارسة المدينة! وهو الآن في متحف الآثار في عَمّان!
والى الشرقِ والجَنوبِ الشرقي من عَمّان كانت تَنهضُ « فيلادلفيا »، وقد وَصَلت آنذاكَ الى أوجِ تَمدُّنِها المادّي. أمّا المؤمنون فقد كانوا يعيشونَ خائفينَ، خاصّةً بعد أنِ احتَلَّتِ القوّاتُ الرومانيةُ في عهدِ « تراجان » البلادَ، و فَرَضَت عليها حُكماً مباشراً.
أصدر تراجان في سنة 112م مَرسُومَهُ باعتبارِ جميعِ النصارى خَوَنةً للدولة! وكان المسيحي يُخيَّر بينَ عبادةِ الآلهةِ أو الموت!
الفِتْيةُ السَّبعة
كثيرون هُمُ الذينَ خافُوا، وتَظاهَروا بعبادِة آلهةِ الرومان، وَبَدأت لِجانُ الدولةِ بالتحقيقِ والتفتيشِ في عقائدِ أهلِ البلاد، فعاشَ الناسُ في خَوفِ وقَلَق، وفي تلك المدينة عاشَ فِتيَةٌ سبعةٌ، ذكرَ التاريخُ اسماءهم كما يلي:
1ـ ماكس منيانوس.
2ـ امليخوس.
3ـ موتيانوس.
4ـ دانيوس.
5ـ يانيوس.
6ـ اكسا كدثو نيانوس.
7ـ انتونيوس.
عاش أولئك الفِتيةُ المؤمنونَ في حَيرةٍ: ماذا يَفعلون؟ ماذا سيكون مَوقِفُهم؟
لم يكن أمامَهُم سوى طريقَين: الموت أو الكُفر.
وفي تلك اللحظاتِ المصيريةِ.. اتَّخذوا قَراراً مصيرياً هو الفرارُ من المدينةِ، ولكنْ كيف؟
في فجرِ ذلك اليومِ.. وفيما كانت لِجانُ التفتيشِ تُطارِدُ المؤمنينَ.. رأى أحدُ الحُرّاس سبعةَ رجالٍ ومعهم كلبٌ يُغادِرونَ المدينة.
سأل الحارسُ:
ـ الى أين ؟
أجابَ أحدُهم:
ـ إننا نَقومُ برِحلةٍ للصَّيد.
قالَ الحارسُ:
ـ حَسَناً، ولكنْ يَجبُ أن تَعودوا للاشتِراكِ في الاحتِفالِ الرسمي.
إلى الكهف
اتَّجَه الفِتيانُ السبعةُ ـ ومعهم كَلبُهم ـ شَرقاً الى كهفٍ على بُعد كيلومترات، بالقربِ من قريةٍ تُدعى « الرَّقيم ».
وَصَلَ الفِتيةُ الى المنطقةِ الجبليةِ، وراحوا يَتسلّقونَ المُرتَفعاتِ في طريقهِم الى كهفٍ كانوا قد اختاروه مِن قَبل.
يَقَعُ الكهفُ في السَّفحِ الجَنوبي من الجبل، كان كهفاً فريداً في مَوقِعه؛ فهو مُعتدِلُ الجَوّ بسبِ وجودِ فَتحتَينِ في جانِبَيهِ الأيمَنِ والأيسَر، أما بابُه فهو يقابلُ القطبَ الجنوبيَّ للأرضِ. وفي داخلِ الكهف فَجوةٌ تَبلُغ مساحتُها (5/7) متر، وهي المكانُ الذي قَرَّر الفِتيةُ الاستفادةَ منه في اختِبائهم.
كانت فكرةُ الفِتيةِ هي اعتزال الناسِ والاختباء في هذا المكان، وانتظار رحمةِ الله.
لم يَكُن هناك مِن أملٍ في الانتِصارِ على الرومانِ الَوَثنيِّين.
كما أنهم يَرفُضونَ بشدّةٍ عبادةَ الأصنام؛ وعقيدتُهم أن الله هو ربُّ السماواتِ والأرضِ، وأن عبادةَ تلك الآلهةِ هو افتراءٌ على أكبرِ حقيقةٍ في الوجود.
كانَ الناسُ في ذلكِ الزمانِ لا يَعتَقِدونَ بيومِ القيامة؛ كانوا يَتصوّرونَ أنّ روحَ الانسانِ عندما يَموتُ تَنتقلُ الى إنسانٍ آخرَ أو تَحِلُّ في حَيوان!
النَّومُ الطويل
وَصَل الفِتيةُ الى الكهفِ.. مُتعَبين، وكانوا قَلِقينَ مِن أن يُطارِدَهُمُ الجنودُ الرومانُ وَيكتشِفوا مَخبأهُم.
كانوا مُتعَبين لأنهُم لَم يناموا في الليلةِ السابقةِ؛ لهذا شعروا بالنُّعاسِ يُداعِبُ أجفانَهُم فناموا وهم يَحلُمونَ بِغَدٍ أفضَل.
اللهُ سبحانه ـ ومِن أجلِ أن يُجَسِّد قُدرتَهُ في بَعثِ الموتى، ومِن أجلِ أن يُعرِّفَ الناسَ قدرتَه، وأنه هو وحدَهُ مصدرُ العِلم والقدرةِ ـ ألقى علَيهِم نَوماً ثَقيلاً.
كَم مِن الوقتِ ظَلّوا نائمين؟ لقد استَمرّ نَومُهم أياماً طويلةً.. وكانَتِ الشمسُ تُشرِقُ وتَغيبُ وهم نائمون.
كانت مَفارِزُ الجُنودِ تَبحَثُ عنهم في كلِّ مكان؛ ولكنْ دُونَ جَدوى.
أصبَحوا حديثَ أهلِ البلادِ، لقدِ اختفى الفتيةُ السبعةُ في رِحلةٍ للصيدِ ولم يَعثُرْ عليهِم أحدٌ!
وهكذا تَمرُّ الأعوامُ تِلْوَ الأعوام، ولا أحدٌ يَعرِفُ ما يَجرى في ذلك الكهف.
الكلبُ باسطٌ ذِراعَيهِ في بابِ الكهفِ، وقد استَسلمَ لنومٍ ثقيلٍ طويل.
كانَ الهواءُ مُعتدلاً في داخلِ الكهف، لأن بابَهُ كان يُواجِهُ القطبَ الجَنوبي، كما أنّ وجودَ فَتحتَينِ على جانبَيهِ قد مَكّنَ لنورِ الشمسِ من إلقاءِ أشعّةِ الصباحِ داخلَ الكهفِ وكذلك عندَ الغروب.
كانوا نائمين لا يَعلمونَ بما يَجري.. لقد مَرَّت عَشَراتُ السنين وهم نائمون.
لو قُدِّر لراعٍ أن يَعثُرَ على الكهفِ أو قُدِّرَ لمسافرٍ أن يأوي اليه عند هُطولِ المَطر، فإنه سوفَ يَهربُ وهو يرى مَنظراً مُخيفاً، لماذا؟
لأنه سَيرى رِجالاً مَفْتوحي الأعيُنِ يُبَحلِقونَ في الفراغِ، ويرى كلباً من كلابِ الصَّيد هو الآخَرُ جامدٌ كالتِّمثال!
كانوا غارقينَ في نومٍ عميقٍ بلا أحلام.
ولكنْ.. ماذا يجري خارجَ الكهف؟ ماذا يجري للمدنِ والقُرى في البلاد؟
موت تراجان
مات الأمبراطورُ « تراجان »، وجاء بعدَهُ أباطِرةٌ آخَرونَ. وماتَ أيضاً الأمبراطورُ « دِقيانُوس » الذي حكمَ من سنة 285 الى 305 م.
وخلالَ تلكَ الفترةِ سَقَطت « تَدْمُر » سنةَ 110م، ثم استعادَت هَيبتَها لِتَسقُطَ نهائياً سنة 272م حيثُ قضى الرومانُ على « زَنَوبْيا » وذلك بعدَ حروبٍ مُدمِّرة.
المَلِكُ الصالح
وفي سنة « 408م » اعتلى الأمبراطورُ « ثيودوسيوس » عرشَ رُوما، وهو الأمبراطورُ الذي اعتَنَق الدِّينَ المسيحيَّ لِتُصبِحَ أمبراطوريةُ روما مسيحيّة.
وفي سنة 412م شاء اللهُ أن تَتجلّى الحقيقة، وأن تَظهرَ قُدرتُه للناسِ رحمةً منه.
كانَ قد مَرّ على هُروبِ الفتيةِ السبعِة ثلاثةُ قُرون.
فماذا حَصلَ داخلَ الكهفِ يا تُرى؟
نَبحَ الكلبُ « كوتميرون »، واستَيقظَ الفِتيةُ من أطوَلِ نومٍ في التاريخ.
تساءلَ أحدُهُم قائلاً، وكان يَظُنُّ أنَهم ناموا عِدّةَ ساعاتٍ فقط:
ـ كَم نِمْتُم مِن الوقت؟
كانوا ما يَزالونَ يَشعُرونَ بالنُّعاسِ، ورأوا أن الشمسَ قد جَنَحَت الى الغروبِ، وكانت أشِعّتُها الذهبيةُ تَغمُرُ جانباً صغيراً على جدارِ الكهف.
لهذا ظَنَّ بعضُهم أنَهم نامُوا يَوماً كاملاً، كانوا يَظُنّونَ أنَهم أمضَوا الليلَ كلَّه نياماً دونَ أن يَشعُروا بغروبِ الشمسِ، ثُم شُروقِها، وهاهي تَغرُب الآن. لذلكَ قالوا:
ـ نُمنا يوماً أو بعضَ يوم!
بعضُهم قالوا:
ـ ربُّكُم أعلَمُ بمقدارِ ما لبثتم في الكهف..
اللهُ وحدَهُ الذي يَعلَمُ كم استَمرّ نَومُكم، اللهُ وحدَهُ الذي يَعلَمُ بما هو مَحجوبٌ عن النفسِ، فالانسانُ عندما ينامُ يَنقطعُ عن العالَم.. عن الدينا..
لَو افتَرَضنا أنّ إنساناً نامَ في أوّلِ الخريفِ ثمّ استَيقَظَ ورأى الثلوجَ ورأى الأشجارَ بلا أوراقٍ لا كَتشَف أنه نامَ أكثرَ من ثلاثةِ أشهُر، لماذا؟ لأنه مضى فصلُ الخريفِ وهو الآن في الشتاء.
الفتيةُ السبعةُ أستَيقظوا ورأوا الشمسَ مائلةً الى المغروب، لم يَعرِفوا ما إذا نامُوا عدّةَ ساعاتٍ فقط أم ناموا أكثَر.. لأنهم لا يَعرفونَ ما إذا كانت الشمسُ قد غابَت ثم أشرَقَت في اليومِ التالي وهاهي تَغيبُ مرّةً أخرى أم لا!
كانوا مؤمنينَ حَقاً، لهذا قالوا: اللهُ وحَدُه الذي يَعلَمُ كم نُمنا، كانوا يَظنّونَ أنهم ناموا يوماً فقط أو بعض يوم!
المُهمّةُ الخَطرة
في صباحِ اليومِ التالي شَعَروا بالجُوعِ، قالَ أحدُهُم ـ وأخرَجَ نُقوداً ذهبية:
ـ لِيَذهَبْ أحَدُنا بهذِه النقودِ ويَشتَري لنا طَعاماً طَيّباً.. ولْيَكُن على حَذَرٍ تامّ، حتى لا يَكتَشِفَ أحدٌ هويَّتَه.. إنّنا إذا وَقَعنا في قَبضَتِهم فسيكونُ مَصيرُنا الموت.
قالَ آخَر:
ـ حَقّاً.. لقد وَضَعوا حُكمَ الرَّجمِ بالحِجارةِ لِمنَ يُدانُ برفضِ الآلهة!
وقالَ آخَر:
ـ وقد يَجبُرونَنا على السجودِ للآلهة..
وقالَ آخَر:
ـ يا لَهُ مِن مصيرٍ بائسٍ إذَنْ.
في السُّوق
تَبَرّعَ أحدُ الفتيةِ بالانطلاقِ الى المدينةِ وشراءِ الطعامِ من السوق..
غادَرَ الكهفَ، وانحَدَر من الجبلِ، وكان يفكّر كيفَ يَدخُلُ المدينةَ وكيفَ سيُجيبُ اذا سألَهُ أحَدٌ، وماذا يقولُ للحُرّاسِ والجنودِ الرومان ؟!
لم يَلتَفِت الى التَّغيّراتِ التي أحدَثَتها الأمطارُ والسُّيولُ والرياحُ مدّةَ ثلاثةِ قُرون..
كانَ خائفاً قَلِقاً، لأنّهُ لم يَذهَبْ في رِحلةِ للصيدِ أو النُّزهَة عندما فَرَّمع رِفاقهِ الى الكهف. وها هو الآنَ يَعودُ لشراءِ الطعام. ما يَزالُ يَشعرُ بالخَوف.
إنّه يَتصَوّرُ أنّ الأمورَ كما هي عليهِ بالأمس.. وَصَل الى المدينةِ، وبدأ يَتَطلّعُ الى أسوارِها ومَبانيها، كان يَمشي حائراً يَتَعجّبُ. تَصَوّرَ أنه وصلَ الى مدينةٍ أُخرى!
لَم يَعتَرِضْهُ أحدٌ عندَما دَخلَ المدينة، ولم يَجِدْ أثراً لِتمَاثيلِ الآلهةِ، رأى نفسَهُ غَريباً في المدينة!
الناسُ يَنظرونَ اليه ويَتعجَّبونَ: إنّه يَرتَدي زِيّاً قَديماً لا يَرتَديهِ اليومَ أحَد!
الناسُ هنا يَرتَدونَ أزياءً جديدةً، ولم يُشاهِدْ جُنوداً يَقمَعونَ الناسَ أو يُحاسِبونَهُم على عَقيدتِهم!
الناسُ هنا يَعيشونَ بسلامٍ، يَعملونَ ويَزرَعونَ، ولا يَبدو علَيهِمُ الخَوفُ أو القَلَق.
و مضى الفتى الى السُّوقِ.. سألَ أحدَهُم عنه فدلَّهُ عليه. و تَعَجّبَ الفتى من طريقةِ الكلامِ! تغَيَّرت لَهجةُ الناسِ كثيراً.. إنّهم يتَحَدّثونَ بلهجةٍ جديدة !!
أمرٌ عَجيب !!
تساءل الفتى في نفسِه:
ـ هل أخطأتُ الطريقَ ووَصَلتُ الى مدينةٍ أُخرى ؟!
الحقيقةُ الكبرى
انتَبَه الى نفسِه، وفكّرَ بأداءِ مهمّتِه وهي شراءُ الطعامِ والعوَدةُ الى المخبأ في الجبل.
لهذا تظاهَرَ بأنّهُ يَتَصرّفُ بطريقةٍ عاديّة، وكأنه أحدُ سُكّانِ المدينة..
الناسُ حَسِبوهُ رَجُلاً غريباً جاء من قريةٍ بعيدةٍ وسطَ الجبال.
بحثَ الفتى عن رجُلٍ طيّبٍ كان يَبيعُ الطعامَ، لكنّهُ لَم يَجِدْهُ ووَجَد باعةً كثيرينَ تَلوحُ على وُجوههِم الطِّيبة.
اختارَ الفتى بعضَ الأطعمةِ المَعروضةِ، ونَقدَ البائعَ الثَّمنَ؛ وهنا حَدَث ما كانَ مُتَوقَّعاً!
عندما تَسلَّمَ البائعُ النقودَ، تأمّلَ فيها مَدهوشاً! إنها نقودٌ تعودُ الى زمنِ الأمبراطورِ تراجان، وقد مضى على سَكِّها ثلاثةُ قُرون!
نَظرَ البائعُ الى الفتى بدَهشةٍ، وفَكّرَ أنه يكونُ عَثَرَ على كنزٍ، لهذا قالَ له:
ـ هل عَثَرتَ على كنز ؟!
ـ ماذا تَعني ؟!
ـ أعني هذه النقودَ الذهبية، إنّها تَعودُ الى ما قبلَ عَشَراتِ السنين.
ـ إنّها نُقودي، وجِئتُ أشتَري طَعاماً لي.
قالَ البائعُ وهو يُرِيهِ العملةَ المُتَداوَلة:
ـ انظُرْ! إنّنا نَتَعامَلُ بهذِه النقود!
نَظرَ الفتى الى العُملة المَسكوكِة، إنّه لَم يَرَها مِن قبلُ. قالَ في نفسِه:
ـ يا إلهي ماذا حَصَل ؟!
قالَ البائعُ:
ـ إذا أشرَكتَني بالكنزِ فلن أُخبِرَ أحداً.
ـ أيّ كنز ؟! إنني لا أملِكُ سوى هذه القطعة النقدية !
ـ إذِنْ سأُخبِرُ الشّرطة!
وارتَفع صوتُ البائع وهو يَتعلّقُ بثيابِ الفتى.
وتَحَلّقَ الناسُ حولَهما، قالَ الفتى وهو يَتَلفَّت:
ـ أرجوكَ.. اترُكْني.. سوف يَقتُلوني اذا أمسَكوا بي.. إن جُنودَ « تراجان » لا يَرحمون أحداً.
ـ تراجان ؟!
قالَ الناسُ مُتعجِّبينَ. ضَحِكَ رجلٌ وقالَ:
ـ لقد ماتَ تراجان قبلَ مئاتِ السنين.. هل أنتَ مَجنونٌ يا فَتى ؟!
سألَ الفتى:
ـ ومَن يَحكُمُ الآن ؟
تيوديوس.. إنه أمبراطورٌ طَيِّبٌ، وقد اعتَنقَ دِينَ المسيحِ قبلَ عامَينِ أو ثلاثة.
تساءلَ الفتى:
ـ تَعني أنّهم لَم يَعودوا يَقتلُونَ العِيسَويِّين ؟!
ـ ماذا تَقول ؟! لقد آمنَ الناسُ بدينِ الله، لقد مضى زمنُ الظلمِ والعذاب.
قالَ شيخٌ وهو يَفرُكُ جَبينَهُ:
ـ يا إلهي! عندما كنتُ طفلاً كانت جَدَّتي تُحَدِّثني عن فِتيةٍ خافوا على دِينهِم من الأمبراطور، فهَربوا ولم يَعثُرْ عليهم أحد ؟!
أُصيب الفتى بما يُشبهُ الدَّوار.. وكادَ يَسقُطُ على الأرضِ من هَولِ ما يَسمَع.. هَل يُعقَلُ أنّهم ناموا كلَّ هذه السنين، وهل يُمكنُ أن يَنامَ الانسانُ ثلاثةَ قُرون ؟!
إنّه لا يَذكُر شيئاً.. تصَوّرَ أنّه نامَ أمسِ واستَيقظ اليومَ.
راحَ الفتى يَفرُكَ عَينيَهِ.. تَصوّرَ نفسَهُ في حُلُم..
ولكنْ لا.. لا، إنّ ما يَراهُ حقيقةٌ.. ولكنّها حقيقةٌ كبرى!
النهاية
وَصَلَت الأنباءُ المُثيرةُ الى حاكمِ المدينةِ، كانَ رجُلاً مؤمناً، فأمرَ بإحضارِه، واكتشَفَ الحاكمُ أنّه أمامَ حقيقةٍ كبرى، وأنّ اللهَ سبحانة أرادَ أن يُريَهُم آيةً تَدُلُّ على قُدرتِه في بَعثِ الموَتى، وحَقّانيةِ البعَثِ والمَعادِ يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالَمين.
طَلَب الحاكمُ من الفتى أن يُرشِدَهُم الى الكهِف، وهكذا سارَ الفتى وخَلفَهُ الحاكمُ المؤمنُ وجنودُه.
كانَ الفِتية في الكهفِ خائفين، ويعَيشونَ حالةً من القَلق، لقد تأخَّرَ أخوهُم..
قالَ أحدُهم:
ـ رُبَّما أُلِقيَ القَبضُ عليه!
وقالَ آخَر:
ـ ربّما تأخَّر في دُخولِ المدينة.. أنتُم تَعرِفونَ شدّةَ الحُرّاس.
وفي تلك اللحظاتِ المُثيرة؛ غادَرَ أحدُهُم الكهفَ وراحَ يَتسلّقُ الجبلَ الى القِمّة؛ ومِن هُناك راحَ يُراقِبُ الطريقَ المُؤدّيةَ الى المدينةِ، فرأى بِعينَيهِ ما كانَ يَخشاه!
هاهُم الجنودُ الرُّمان قادِمونَ مِن بَعيد..
أسرَعَ في العَودةِ لإخبارِ رفاقه، قالَ لهم:
ـ لقد رأيتُ جُنوداً قادِمينَ نَحوَنا؛ لقد أُلقيَ القَبضُ علَيه ودَلَّهُم علَينا!
قال آخَر:
ـ لا أظُنُّ ذلك؛ لِنَنتَظِر.. رُبّما يَقصدُ الجنودُ مكاناً آخَر.
مَرَّت اللحظاتُ مُثيرةً سريعة. وفجأة دَخَل صاحبُهم الفتى الكهفَ، وأخبَرَهُم بالحقيقةِ الكبرى.. إنّهم لم ينامُوا يوماً أو بعضَ يوم، لقد امتَدّ نَومُهم الى ثلاثةِ قُرون، وإنّ الله قد جَعَلَهُم آيةً على قُدرتِه، وأنّه يُحيي المَوتى، ويُعيدُ الأرواحَ الى أجسادِها مَرّةً أخرى !!
في ذلكَ الزمانِ.. كانَ هناكَ مَن يقول: إنّ الروحَ عندما تَخرُجُ مِن الجَسَدِ لا تَعودُ اليه، ولكنّها تَحِلُّ في جسدٍ آخَر.
أمّا المؤمنونَ فكانوا يَعتَقِدونَ بأنّ اللهَ قادرٌ على كلِّ شيء، وهو الذي خَلقَ الإنسانَ، وهو الذي يَتَوفّى رُوحَهُ ثُم يُعيدُها اليه يومَ القيامة.
كانَ الفتى قد طَلَب من الحاكمِ أن يَذهَبَ بمفردِه، لأنّ أصحابه يَخافون من الظلمِ وهم لا يَعرِفونَ ما حَصَل لهم.
عندما اكتَشَفَ الفِتيةُ هذه الحقيقةَ بَكَوا خشيةً لله وشَوقاً إليه، وتَضَرّعوا إليه أن يَقبِضَ أرواحَهُم، ذلك أنَهم يَنتَمونَ الى زمنٍ مَضى.. إلى ما قبلَ ثلاثةِ قرون.
واستَجابَ اللهُ دُعاءهم، فألقى علَيهِمُ النُّعاسَ، وحَلَّقَت أرواحُهم بعيداً الى عالَمِ مُفعَمٍ بالخَيرِ والسلام.
كانَ الحاكمُ ينَتظرُ، ولكنْ دُونَ جَدوى؛ لهذا قرّرَ الذَّهابَ بنفسِه الى الكهفِ. وعندما دَخَل، وَمعَه رجالُه رأى مَنظراً عجيباً!!
كانوا سبعةَ فِتيانٍ ومَعهم كلبُهم وقد ماتوا منذُ لحظاتٍ.. ما تَزال أجسادُهم دافئة.
وسَجَدَ الحاكمُ للهِ سبحانه، وسَجَد معه المؤمنون..
في ذلك الزمانِ كانَ الناسُ يَتَجادلونَ حولَ الروحِ، بعضهُم يَقولُ إنها تَعودُ الى الجسِد مرّةً أخرى يومَ القيامة، وبعضُهم يقولُ إنها تَحلُّ في جسدٍ آخر.
ولكنْ عندما رأوا بأعيُنِهم أصحابَ الكهفِ، وكيف عادَت لهم الروحُ أيقَنوا بقدرةِ الله.
أمّا المشركون فكانوا في شكّ، لهذا قالوا:
ـ أُبْنُوا علَيهم بُنياناً.. ربُّهم أعلَمُ بِهم!
ولكنّ المؤمنين قالوا:
ـ لَنتَّخِذَنّ علَيهم مَسجِداً.. ونَتبرَّك بهذا المكانِ الذي أظهَرَ اللهُ فيه قُدرتَه.
وانتَصَر المؤمنونَ، وبَنَوا في ذلكَ المكانِ مَسجداً يُعبَدُ فيه اللهُ وحدَه.
وازدادوا تِسعاً
واليومَ عندما يَزورُ المرءُ عَمّان عاصمةَ الأُردن يُمكِنُه التوجَّه الى الجَنوبِ الشرقي مِنها، وعلى مسافةِ ثمانيةِ كيلومترات بين قَريتَي « الرَّقيم » و « أبو عَلَنْدا »، حيث يُوجَدُ كهفُ أصحابِ الكهف.. سيرى عدّةَ قبورٍ على هيئةِ النَّواويس البِيزنطيّةِ والتي تَبلُغُ سبعةَ نواويسَ إضافةً الى ناووسٍ صغيرٍ لعلّه مَدفَنُ كلبِ أصحابِ الكهف.
ويَعودُ الفضلُ في هذا الاكتشافِ الى عالِم الآثار « رفيق وفا الدجاني » الذي نَشَر نتائجَ تَنقيباتِه سنة 1964م، وأثبَتَ أنّه الكهفُ الذي وَرَد ذِكرُه في القرآنِ الكريم؛ وليس الكهف الذي يَدّعي المؤرخون الأوربيونَ وجودَهُ في مدينةِ أفسوس في تركيا.
ولكنّ ما حَيّر المُفسِّرين هو كم لَبِثَ أصحابُ الكهفِ في رُقودِهم، 300 أم
309 سنوات ؟
يقولُ القرآنُ الكريم: « وَلِبثوا في كهفِهِم ثَلاثَ مِائةٍ سِنينَ وازدادوا تِسعاً ».
الجوابُ هو أن مدّةَ نَومِهم تُساوي 300 سنوات شمسية؛ وهي تُعادل 309 سنة قَمرية، والآن لِنُحاوِل حسابَ ذلك:
السنة الشمسية = 365 يوماً
السنة القمرية = 354 يوماً
300 × 365 = 109500 يوماً
309 × 354 = 109386 يوماً
وبما أنّ السنة القمرية = 354 يوماً و 8 ساعات و 48 دقيقة.
إذن 8 ساعات و 48 دقيقة = 528 دقيقة
اليوم = 24 ساعة = 1440 دقيقة
1440 / 528 = 30 / 11 من اليوم الواحد
300 × 30 / 11 = 110 أيام
وبما أن السنة الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة سنين كبيسة.
إذن 309 - 300 = 9 = 10؛ لأن السنة التاسعة قريبة من العاشرة.
وبناء على ذلك يحصل لدينا أربعة ايام أخرى.
109386 + 110 + 4 = 109500 يوماً، وهو نفس عدد أيام الـ 300 سنة الشمسية.
وأخيراً، فإنّ 300 سنة شمسية تعادل 309 سنة قمرية.
ـ تفسير الميزان / السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ ج 13 في تفسير سورة الكهف.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir