محمد عبد الله عبدالقادر
24-09-2007, 12:07 PM
من أعلام مدينة ودمدني
الشيخ الامين محمد احمد كعوره
السودان يذخر بالرجال والنساء الذين ارتادوا آفاق المجد والعطاء دون أن يحدثوا صخباً أو ضجيجاً عالياً، أو جلبة تدعو للالتفات لعطائهم المتفرد. ومن بين هؤلاء شيخنا وأستاذنا الأمين محمد احمد كعورة، الذي قادتني الصدفة وحدها لمعرفته. ذهبت في يوم من خريف سنة 2000 لمكتبة المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف، عسى أن أجد رفيقاً أؤوي إليه، وخير رفيق في الحياة كتاب. زكى لي أمين المكتبة كتاباً في الكونيات لكاتب سوداني اسمه الأمين محمد أحمد كعورة، بعنوان (التفكر في خلق السموات والأرض وما بينهما). وصف بروفيسور محجوب عبيد، رحمة الله عليه، أحد تلاميذ شيخنا هذا الكتاب بقوله: "يعد الكتاب من أعمال الشمول الفكري النادر في هذا العصر، وسيجد مكانه المميز بين المجهودات الكبيرة الجادة في الفكر والفلسفة والعلم والعقيدة".
من يومها صرت أبحث عن الكاتب وكتبه التي وصلت ما وصل إليه أبناء يعقوب في العدد، وجميعها في علوم الكونيات، وقد يسر الله لي الأمرين. ومنها علمتُ أن شيخنا قد نذر عمره للتفكر في الكون وفضائه، وربط كل ذلك بعظمة الخالق والقرآن. فقد أمضى أكثر من نصف قرن من الزمان، وهو يقرأ ويتأمل ويكتب ويبحث، حتى يومنا هذا ما زال ممسكاً بقلمه ليكتب أخر كتبه الإيمانية (كتاب الوداع) كما سماه، وهو الآن يعبر النصف الثاني من العقد التاسع من العمر، أمد الله في أيامه وعافيته.
سيرة ذاتية موجزة:
يقول عن نفسه: أنه من مواليد 1922، تلقى تعليمه الأولي، والأوسط، بود مدني، ثم أنتقل لكلية غردون الثانوية، وبقى فيها حتى سنة 1940. ليحصل على الشهادة المدرسية من الدرجة الثانية من جامعة كامبردج، ومن ثم انتقل إلى كلية العلوم بالخرطوم حيث أمضى بها عامين ومنها أنتقل إلى كلية العلوم الزراعية، وأكمل فيها ثلاث أعوام ليحصل على دبلوم الزراعة، ويصبح مؤهلاً لأول وظيفة في مشروع البرقيق الزراعي أحد المشاريع الحكومية، ومنها نُقل للعمل بالجزيرة. ويضيف قائلاً: أنه لم يوفق في حياته المهنية كخبير زراعي، وذلك يعود للاختلاف مع الإنجليز في ذلك الزمان، فهم يصنفونه من المدراء المشاكسين. كما أن العمل الزراعي لم يكن جاذباً فنياً أو مهنياً، فقد كان الإنجليز يعدونهم كرؤساء عمال.
لم تطب له نفسٌ في العمل الزراعي، فكان الفراق، وتقدم باستقالته، والتحق بالتدريس في المدرسة الأهلية بود مدني. وهناك التقى بزمرة من الأساتذة الأخيار الذين تسلحوا بالشهادات الجامعية، فكان ذلك دافعاً وحافزاً له للحصول على الدرجة الجامعية التي جعلها أولى طموحاته. فأجهد نفسه للحصول على تلك الدرجة الجامعية، والتي سنعرف لاحقاً كيف كانت سبباً للقائه بشريكة عمره الآنسة إيلا ELLA.
يواصل شيخنا حديثه الشيق في الحوار الذي أجريته معه بمدينة جنيف التي يأتيها كل صيف، ليلتقي بأبنائه وبناته وأحفاده الذين استقر بهم المقام في سويسرا. ويضيف قائلاً: أن أجمل أيام حياته هي تلك التي قضاها بالمدرسة الأهلية بود مدني، ومنها تم استيعابه بمصلحة التربية والتعليم. وقتها لم تكن هناك وزارة للتعليم. ونُقل للعمل بمدرسة رمبيك الثانوية، المدرسة الثانوية الوحيدة في جنوب البلاد يومئذ.
في رمبيك لم تكن أيامه زاهية، خاصة في بدايتها، فقد تلمس لدى إنسان الجنوب، شعوراً بالمرارة والألم الناتج من إحساسه بالاستعمار، والعنصرية، وتجارة الرقيق. إلا أنهم كأساتذة سعوا لإزالة ذلك الفهم الخاطئ من النفوس والأذهان. وعملوا على إقناع الطلاب وأسرهم برسالتهم التعليمية وأنهم لم يأتوا للجنوب إلا لرفع الجهل عنهم، وتأهيل أبنائهم. ويضيف شيخنا مبتسماً: أنه فخور بتلك السنوات الثلاث التي أمضاها برمبيك، ويعتز بأن من طلابه وليم دينق، وأبل ألير، كما أنه سعيد بأن كثير من طلابه اصبحوا أصدقاء له ولأسرته.
حلم تحقق:
في سنة 1953، غادر رمبيك مبعوثاً إلى إنجلترا للدراسة بجامعة برستول، كلية العلوم. وفي الجامعة عقدت لسانه الدهشة عندما علم أنه أول الفيزياء والكيمياء. كان من بين مجموعته في الكلية من السودانيين، الدكتور عبدالقادر مشعل، والدكتور موريس سدرة، والبروفيسور النذير دفع الله، الذي كان ابرز طلاب كلية العلوم.
يصف جامعة برستول بأنها من أكثر الجامعات البريطانية تشدداً في ذلك الوقت، حيث لا يسمح للطالب فيها بالرسوب في أي مادة، ومن يرسب لا يمنح فرصة أخرى ويفصل. كللت دراسته بالنجاح، فحصل في عام 1957، على درجة بكالوريوس العلوم، في الفيزياء كمادة أساسية والرياضيات والاقتصاد كمواد فرعية. ومن بعدها عاد إلى السودان. حيث تم نقله إلى حنتوب الثانوية وعمل أستاذاً ورئيساً لشعبة الرياضيات والعلوم. وفي حنتوب بدأت اهتماماته بعلوم الفلك والكونيات لارتباطها بمادتي الفيزياء والرياضيات، كما أن قراءته لمقالات الدكتور أحمد زكي بمجلة العربي الكويتية في علوم الفلك، زادته رغبة ورهبة.
اللقاء بالآنسة ELLA السويسرية:
أثناء دراسته الجامعية التقى بالآنسة إيلا التي أصبحت فيما بعد أم عياله وسميت ليلى. وهي سويسرية من مدينة بازل الواقعة على الحدود الألمانية، والتي اشتهرت عالمياً بصناعة الدواء. أتت إيلا لجامعة برستول للبحث عن العلم وليس عن عريس سوداني، (ولكن هكذا القسمة كما تقول أمهاتنا). لاحظ شيخنا أن إيلا تميل للقاء بالطلبة المسلمين، وتقرأ القرآن باللغة الألمانية، فوقع في غرامها وأعجب بها إيما إعجاب قاده لمصارحتها برغبته في الزواج منها، فقبلت. بعد انتهاء الدراسة انتقلت معه إلى السودان حيث تمت مراسيم الزواج بود مدني، وهي على دين الإسلام. كان وليها حينئذ قاضي المحكمة، وقتها لم تكن لسويسرا سفارة بالخرطوم.
أقبلت ليلى على الحياة السودانية في ود مدني دون رهبة وبكل رغبة، وبذلت جهداً مقدراً لتَعَلُمْ اللغة العربية حتى أتقنتها. كما كانت تحرص على اللقاء بالمرأة السودانية لتتعلم منها طبائع وثقافة البلد. وفي فترة وجيزة تأقلمت على الجو السوداني وثقافة أهله بعد أن تغلبت على كل الصعاب التي واجهتها في بداية حياتها، وتمكنت من التلاؤم مع الناس وطبيعة الحياة وطقس السودان. وكان لأم شيخنا دور حيوي في تسهيل اندماج ليلى في الأسرة الكبيرة، وقناعتها بالحياة في السودان، فقد وجدت فيها الأم والأخت والصديقة.
أدت تلك المبادرات الإيجابية لاستقرار بيت الزوجية، ورزق الزوجان من البنين خمس، ومن البنات ثلاث، تلقى جميعهم تعليمهم قبل الجامعي في السودان، وذلك لإصرار شيخنا على تعليم أبنائه حتى المرحلة الثانوية في وطنهم الأول. ومن ثم دفعهم إلى الخارج. لذا سمح لنادر الابن الأكبر بمواصلة تعليمه في وطنه الثاني سويسرا، فتحصل على درجة جامعية كمهندس في الطاقة، وأعقبه الأبن الثاني، الدكتور خالد فقد بعث به إلى مدينة بازل، حيث تم قبوله بجامعتها في كلية الصيدلة. ومنها أكمل دراسته العليا بمجامعة جنيف وحصل على شهادة الدكتوراه.
يعد الدكتور خالد من الشخصيات السودانية العربية المعروفة في جنيف، وذلك من خلال ما يقدمه من خدمات جليلة تجد العرفان والتقدير من الجاليتين السودانية والعربية. وهو يدير صيدلية اكتسبت شهرة واسعة ترتادها مختلف الجنسيات. ما كان لذلك النجاح أن يتم لو لا حسن إداراته لأعماله، كما أن تمكنه من اللغات الرئيسية التي يتحدث بها قاطنو المدينة أضفى عليه ميزة أخرى. فنشأته في السودان وبقائه هناك حتى مرحلة الشهادة السودانية أعانته في إتقان اللغة العربية والإنجليزية، وفي جامعة بازل درس باللغتين الألمانية والإنجليزية، ثم أنهى دراسته فوق الجامعية بجامعة جنيف باللغتين الفرنسية والإنجليزية. أما سالم الأبن الثالث فقد درس في السودان حتى جامعة الخرطوم، وكان من المبرزين في دراسته، وحصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد، مما أهله للالتحاق بمؤسسة ألمانية. كما حصل أخيراً (على CPA Certified Public Accountant) وهي أعلى الدرجات الجامعية الأمريكية في المحاسبة، وكذا تكرر النجاح الأكاديمي لبقية الأبناء والبنات.
تعمدت أن أستعرض هذا الجانب من حياة أستاذنا الأمين كعورة، عسى أن يكون في سيرته ما يدفع بطموحات الآباء والأمهات والأبناء والأفراد، للبحث عن النجاح الذي يصبح سهل المنال، متى ما قويت العزيمة وبُذلَ الجهد المستحق والمستدام. كما عنيت أن أضع مثالاً حياً عن الزيجة بالمرأة الغربية وإمكانية نجاحها، هذا إذا ما تفهم الطرفان طبيعة الحياة وبيئة المقر، وثقافة الشريك الأخر، وتحالفا على النجاح والمضي معاً، (الحجل بالرجل) والكتف بالكتف لما هو أفضل وأنقى وأمثل.
إنها سيرة ذاتية موجزة لعْالـِمٍ يجهل قدره ولا يدرك فضله الكثير من أبناء وبنات وطني. لذا رأيت من واجبي أن الق بعض الضوء عليه، عله يرسخ في ذاكرتنا السودانية الغافلة عن فضل النجباء من أبنائها وبناتها. وفي المقالين اللاحقين سنستعرض ما جاء في حواري معه حول علوم الكونيات، ذلك العِلمُ الذي يحتل مساحة متناهية الصغر في عقول أهل السودان واهتماماتهم.
منقول للفائدة
الشيخ الامين محمد احمد كعوره
السودان يذخر بالرجال والنساء الذين ارتادوا آفاق المجد والعطاء دون أن يحدثوا صخباً أو ضجيجاً عالياً، أو جلبة تدعو للالتفات لعطائهم المتفرد. ومن بين هؤلاء شيخنا وأستاذنا الأمين محمد احمد كعورة، الذي قادتني الصدفة وحدها لمعرفته. ذهبت في يوم من خريف سنة 2000 لمكتبة المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف، عسى أن أجد رفيقاً أؤوي إليه، وخير رفيق في الحياة كتاب. زكى لي أمين المكتبة كتاباً في الكونيات لكاتب سوداني اسمه الأمين محمد أحمد كعورة، بعنوان (التفكر في خلق السموات والأرض وما بينهما). وصف بروفيسور محجوب عبيد، رحمة الله عليه، أحد تلاميذ شيخنا هذا الكتاب بقوله: "يعد الكتاب من أعمال الشمول الفكري النادر في هذا العصر، وسيجد مكانه المميز بين المجهودات الكبيرة الجادة في الفكر والفلسفة والعلم والعقيدة".
من يومها صرت أبحث عن الكاتب وكتبه التي وصلت ما وصل إليه أبناء يعقوب في العدد، وجميعها في علوم الكونيات، وقد يسر الله لي الأمرين. ومنها علمتُ أن شيخنا قد نذر عمره للتفكر في الكون وفضائه، وربط كل ذلك بعظمة الخالق والقرآن. فقد أمضى أكثر من نصف قرن من الزمان، وهو يقرأ ويتأمل ويكتب ويبحث، حتى يومنا هذا ما زال ممسكاً بقلمه ليكتب أخر كتبه الإيمانية (كتاب الوداع) كما سماه، وهو الآن يعبر النصف الثاني من العقد التاسع من العمر، أمد الله في أيامه وعافيته.
سيرة ذاتية موجزة:
يقول عن نفسه: أنه من مواليد 1922، تلقى تعليمه الأولي، والأوسط، بود مدني، ثم أنتقل لكلية غردون الثانوية، وبقى فيها حتى سنة 1940. ليحصل على الشهادة المدرسية من الدرجة الثانية من جامعة كامبردج، ومن ثم انتقل إلى كلية العلوم بالخرطوم حيث أمضى بها عامين ومنها أنتقل إلى كلية العلوم الزراعية، وأكمل فيها ثلاث أعوام ليحصل على دبلوم الزراعة، ويصبح مؤهلاً لأول وظيفة في مشروع البرقيق الزراعي أحد المشاريع الحكومية، ومنها نُقل للعمل بالجزيرة. ويضيف قائلاً: أنه لم يوفق في حياته المهنية كخبير زراعي، وذلك يعود للاختلاف مع الإنجليز في ذلك الزمان، فهم يصنفونه من المدراء المشاكسين. كما أن العمل الزراعي لم يكن جاذباً فنياً أو مهنياً، فقد كان الإنجليز يعدونهم كرؤساء عمال.
لم تطب له نفسٌ في العمل الزراعي، فكان الفراق، وتقدم باستقالته، والتحق بالتدريس في المدرسة الأهلية بود مدني. وهناك التقى بزمرة من الأساتذة الأخيار الذين تسلحوا بالشهادات الجامعية، فكان ذلك دافعاً وحافزاً له للحصول على الدرجة الجامعية التي جعلها أولى طموحاته. فأجهد نفسه للحصول على تلك الدرجة الجامعية، والتي سنعرف لاحقاً كيف كانت سبباً للقائه بشريكة عمره الآنسة إيلا ELLA.
يواصل شيخنا حديثه الشيق في الحوار الذي أجريته معه بمدينة جنيف التي يأتيها كل صيف، ليلتقي بأبنائه وبناته وأحفاده الذين استقر بهم المقام في سويسرا. ويضيف قائلاً: أن أجمل أيام حياته هي تلك التي قضاها بالمدرسة الأهلية بود مدني، ومنها تم استيعابه بمصلحة التربية والتعليم. وقتها لم تكن هناك وزارة للتعليم. ونُقل للعمل بمدرسة رمبيك الثانوية، المدرسة الثانوية الوحيدة في جنوب البلاد يومئذ.
في رمبيك لم تكن أيامه زاهية، خاصة في بدايتها، فقد تلمس لدى إنسان الجنوب، شعوراً بالمرارة والألم الناتج من إحساسه بالاستعمار، والعنصرية، وتجارة الرقيق. إلا أنهم كأساتذة سعوا لإزالة ذلك الفهم الخاطئ من النفوس والأذهان. وعملوا على إقناع الطلاب وأسرهم برسالتهم التعليمية وأنهم لم يأتوا للجنوب إلا لرفع الجهل عنهم، وتأهيل أبنائهم. ويضيف شيخنا مبتسماً: أنه فخور بتلك السنوات الثلاث التي أمضاها برمبيك، ويعتز بأن من طلابه وليم دينق، وأبل ألير، كما أنه سعيد بأن كثير من طلابه اصبحوا أصدقاء له ولأسرته.
حلم تحقق:
في سنة 1953، غادر رمبيك مبعوثاً إلى إنجلترا للدراسة بجامعة برستول، كلية العلوم. وفي الجامعة عقدت لسانه الدهشة عندما علم أنه أول الفيزياء والكيمياء. كان من بين مجموعته في الكلية من السودانيين، الدكتور عبدالقادر مشعل، والدكتور موريس سدرة، والبروفيسور النذير دفع الله، الذي كان ابرز طلاب كلية العلوم.
يصف جامعة برستول بأنها من أكثر الجامعات البريطانية تشدداً في ذلك الوقت، حيث لا يسمح للطالب فيها بالرسوب في أي مادة، ومن يرسب لا يمنح فرصة أخرى ويفصل. كللت دراسته بالنجاح، فحصل في عام 1957، على درجة بكالوريوس العلوم، في الفيزياء كمادة أساسية والرياضيات والاقتصاد كمواد فرعية. ومن بعدها عاد إلى السودان. حيث تم نقله إلى حنتوب الثانوية وعمل أستاذاً ورئيساً لشعبة الرياضيات والعلوم. وفي حنتوب بدأت اهتماماته بعلوم الفلك والكونيات لارتباطها بمادتي الفيزياء والرياضيات، كما أن قراءته لمقالات الدكتور أحمد زكي بمجلة العربي الكويتية في علوم الفلك، زادته رغبة ورهبة.
اللقاء بالآنسة ELLA السويسرية:
أثناء دراسته الجامعية التقى بالآنسة إيلا التي أصبحت فيما بعد أم عياله وسميت ليلى. وهي سويسرية من مدينة بازل الواقعة على الحدود الألمانية، والتي اشتهرت عالمياً بصناعة الدواء. أتت إيلا لجامعة برستول للبحث عن العلم وليس عن عريس سوداني، (ولكن هكذا القسمة كما تقول أمهاتنا). لاحظ شيخنا أن إيلا تميل للقاء بالطلبة المسلمين، وتقرأ القرآن باللغة الألمانية، فوقع في غرامها وأعجب بها إيما إعجاب قاده لمصارحتها برغبته في الزواج منها، فقبلت. بعد انتهاء الدراسة انتقلت معه إلى السودان حيث تمت مراسيم الزواج بود مدني، وهي على دين الإسلام. كان وليها حينئذ قاضي المحكمة، وقتها لم تكن لسويسرا سفارة بالخرطوم.
أقبلت ليلى على الحياة السودانية في ود مدني دون رهبة وبكل رغبة، وبذلت جهداً مقدراً لتَعَلُمْ اللغة العربية حتى أتقنتها. كما كانت تحرص على اللقاء بالمرأة السودانية لتتعلم منها طبائع وثقافة البلد. وفي فترة وجيزة تأقلمت على الجو السوداني وثقافة أهله بعد أن تغلبت على كل الصعاب التي واجهتها في بداية حياتها، وتمكنت من التلاؤم مع الناس وطبيعة الحياة وطقس السودان. وكان لأم شيخنا دور حيوي في تسهيل اندماج ليلى في الأسرة الكبيرة، وقناعتها بالحياة في السودان، فقد وجدت فيها الأم والأخت والصديقة.
أدت تلك المبادرات الإيجابية لاستقرار بيت الزوجية، ورزق الزوجان من البنين خمس، ومن البنات ثلاث، تلقى جميعهم تعليمهم قبل الجامعي في السودان، وذلك لإصرار شيخنا على تعليم أبنائه حتى المرحلة الثانوية في وطنهم الأول. ومن ثم دفعهم إلى الخارج. لذا سمح لنادر الابن الأكبر بمواصلة تعليمه في وطنه الثاني سويسرا، فتحصل على درجة جامعية كمهندس في الطاقة، وأعقبه الأبن الثاني، الدكتور خالد فقد بعث به إلى مدينة بازل، حيث تم قبوله بجامعتها في كلية الصيدلة. ومنها أكمل دراسته العليا بمجامعة جنيف وحصل على شهادة الدكتوراه.
يعد الدكتور خالد من الشخصيات السودانية العربية المعروفة في جنيف، وذلك من خلال ما يقدمه من خدمات جليلة تجد العرفان والتقدير من الجاليتين السودانية والعربية. وهو يدير صيدلية اكتسبت شهرة واسعة ترتادها مختلف الجنسيات. ما كان لذلك النجاح أن يتم لو لا حسن إداراته لأعماله، كما أن تمكنه من اللغات الرئيسية التي يتحدث بها قاطنو المدينة أضفى عليه ميزة أخرى. فنشأته في السودان وبقائه هناك حتى مرحلة الشهادة السودانية أعانته في إتقان اللغة العربية والإنجليزية، وفي جامعة بازل درس باللغتين الألمانية والإنجليزية، ثم أنهى دراسته فوق الجامعية بجامعة جنيف باللغتين الفرنسية والإنجليزية. أما سالم الأبن الثالث فقد درس في السودان حتى جامعة الخرطوم، وكان من المبرزين في دراسته، وحصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد، مما أهله للالتحاق بمؤسسة ألمانية. كما حصل أخيراً (على CPA Certified Public Accountant) وهي أعلى الدرجات الجامعية الأمريكية في المحاسبة، وكذا تكرر النجاح الأكاديمي لبقية الأبناء والبنات.
تعمدت أن أستعرض هذا الجانب من حياة أستاذنا الأمين كعورة، عسى أن يكون في سيرته ما يدفع بطموحات الآباء والأمهات والأبناء والأفراد، للبحث عن النجاح الذي يصبح سهل المنال، متى ما قويت العزيمة وبُذلَ الجهد المستحق والمستدام. كما عنيت أن أضع مثالاً حياً عن الزيجة بالمرأة الغربية وإمكانية نجاحها، هذا إذا ما تفهم الطرفان طبيعة الحياة وبيئة المقر، وثقافة الشريك الأخر، وتحالفا على النجاح والمضي معاً، (الحجل بالرجل) والكتف بالكتف لما هو أفضل وأنقى وأمثل.
إنها سيرة ذاتية موجزة لعْالـِمٍ يجهل قدره ولا يدرك فضله الكثير من أبناء وبنات وطني. لذا رأيت من واجبي أن الق بعض الضوء عليه، عله يرسخ في ذاكرتنا السودانية الغافلة عن فضل النجباء من أبنائها وبناتها. وفي المقالين اللاحقين سنستعرض ما جاء في حواري معه حول علوم الكونيات، ذلك العِلمُ الذي يحتل مساحة متناهية الصغر في عقول أهل السودان واهتماماتهم.
منقول للفائدة