حاتم مرزوق
16-06-2009, 12:27 AM
كان لعبدالحليم جد موسوعي وكان كثيرا ما يجلس اليه بسبب القصص المثيرة التي يحكيها له وبسبب مشغولية والده ، نشأ عبدالحليم في حضن جده المسن وتعلق به كثيرا وبعد ان بلغ سن السادسة عشر تكشفت له حقائق مثيرة في جده حيث كان من المجيدين للغة الأنجليزية، كيف لا وهو من الرعيل الأول الذي تخرج في كلية غردون التذكارية وعمل في الحكومة وكان من الموظفين الأوائل في الخدمة المدنية .
كان رجلا منظما غاية التنظيم ، ذلك كله انعكس علي حياة عبدالحليم ايجابا ولكن كان عبد الحليم كثيرا ما يواجه حرج بسبب تصرفات جده مع اصدقائه حيث كانوا يزورونه في اوقات لا يحبذها الجد وفي مرة من المرات وفي حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر طرق الباب صديق عبدالحليم وجاره عاصم ففتح الجد الباب وقال لعاصم (يا ابني ده ما وقت زيارة ، عبدالحليم وقته منظم جدا امشي وتعال في المساء ) سمع عبد الحليم الحوار الدائر فغضب اشد الغضب وجلس الي جده بعدها وقال يا جدي لقد احرجت عاصم فرد الجد ( عاصم هو الذي احرج نفسه) وزيارته في هذا الوقت غير مقبولة، سكت عبد الحليم اثر هذا الرد ثم استأذن ودخل الي غرفته.
شعر الجد انه تسبب في حرج لعبدالحليم امام صديقه الحميم واراد ان يصلح ما فعل لكن دون ان يتنازل عن ارساء دعائم النظام الذي يجب ان يتبع . وبعد صلاة المغرب اتي عبدالحليم بالشاي كعادته وجلس ليشرب مع جده ، انتهز الجد فرصة تواجدهما معا فقال لعبدالحليم (يا عبدالحليم تأكد تماما انني ارسي لك دعائم مهمه ستساعدك في مستقبل ايامك) اما عن وضع صديقك عاصم فانه سوف يتعود علي هذا النظام وربما يكون هذا الدرس ايجابيا له ، لم يقنع هذا الكلام عبدالحليم ولكن لم يرد ان يجادل جده كثيرا فهز رأسه علامة الموافقة.
في المساء ذهب عبدالحليم الي صديقه عاصم وهو في غاية الحرج وقال جئت اعتذر لك عن الذي بدر من جدي فرد عاصم جدك علي حق !!! استغرب عبدالحليم لهذا الكلام وظن ان عاصم مازال غاضبا، لكنه تأكد بعد ذلك ان عاصم تقبل الكلام بكل رحابة صدر وانه تعلم ان للزيارة وقت .
بعد فترة طلب عبد الحليم من جده ان يحضر عاصم لحضور حصة لغة انجليزية يقدمها الجد ، حضر عاصم وكانت تلك المرة الأولي التي يقترب فيها من جد صديقه وبدي مضطربا.
بدأ الجد الحصة مداعبا عاصم ومبتسما له ليزيل الرهبة التي كانت تظهر في وجهه ثم توغل في الدرس ، سرعان ما اكتشف عاصم رجلا آخر ، متمكنا في حديثه غزير المعلومات جذاب الحديث ،طلق اللسان مجيد للموضوع الذي يتحدث فيه .
كانت تلك الحصة مفتاحا جديدا في حياة عاصم وعزم بعدها ان يواظب علي الحصص التي يلقيها الجد ، كما اطمأن الجد الي صديق حفيده من خلال تلك الحصة .
نشأت بعد ذلك علاقة قوية بين عاصم وجد عبد الحليم ففي فترة قصيرة تكون ثلاثي منسجم ، وسرعان ما تغير طبع عاصم اثر هذا الأرتباط الجديد فقد لاحظت امه تغييرات جذرية في حياته و تصرفاته كما لاحظت عليه الجدية والنظام الذين لم يكونا موجودين من قبل ، بدأ عاصم يعيد ترتيب فراشه بعد القيام من النوم ويطبق غطاءه وعندما يأتي من المدرسة يضع حذاءه في مكان خصصه لذلك وملابسه في سبت اعد للملابس المتسخة.
كان هذا التغيير مثيرا للأهتمام فبدأ اخوة عاصم تدريجيا الأنصياع لتنبيهاته الشئ الذي اراح امهم كثيرا وخفف عليها العبئ.
ايقن عاصم ان علاقته مع صديقه عبدالحليم ايجابية اضافت اليه الكثير حتي اكاديميا تفوق وتحسنت لغته الأنجليزية ، نمت تلك العلاقة الثلاثية لحد الصداقة وتكشف لعاصم ايضا ان هذا الجد مرحا وبشوشا وكان ذلك عبر جلسة صباحية في اول ايام عيدالفطر المبارك ببيت عبدالحليم ولكن كان ذلك عاديا علي عبد الحليم لمعرفته بجده الذي كان يحكي له القصص الجميلة والطرف النادرة.
في ذاك اليوم عقد لهم الجد مقارنات بين اطفال اليوم والأطفال في زمنهم وكان ذلك بعد دخول اطفال في غاية النظافة واللبس الجميل الي بيتهم مهنئين حيث سأل عبدالحليم جده :( ياجدي هل كان الأطفال في زمنكم يحتفلون بالعيد) فأجاب الجد كل الأطفال يحتفلون بالعيد ولكن لم يكن الأطفال بهذه النظافة واللبس الجميل .سأل عاصم : ماذا كانوا يلبسون؟ اجاب الجد: كان معظمهم يلبس قماش الدمورية (كعراقي) وكانوا حينما يهدون لهم بعض الهدايا مثل (الزلابيا والخبيز) يضعونها في جيوبهم وكانت تتسخ ملابسهم بسبب الزيوت الموجودة في الزلابيا والخبيز ولعبهم في التراب ، لم يجدوا الأهتمام حيث كان معظمهم ينوم ويقوم بذلك العراقي وربما لشهور ، كثيرا من الأمراض كانت متفشية فيهم بسبب عدم النظافة مثل (القوب والصواب) وكثيرا ما يتواجد القمل في ملابسهم وشعورهم وعندما يضيقوا ذرعا بالقمل يخلعون العراقي من اجسامهم ويضعونه في الشمس حتي يخرج منه القمل ولكن تتسرب احلامهم كالرياح حين يجر القمل العراقي ويأتي به الي الظل.
ظل الجد يحكي عن عراقي الدمورية كما لم يحكي من قبل وكان عاصم كثير الضحك خصوصا عندما قال الجد ان عراقي الدمورية عندما يخلع من الجسم ويوضع علي الأرض يقف مشدودا من كثرة تراكم الأوساخ.
مضي الوقت سريعا وتجمع عدد كبير من الذين استهوتهم قصص الجد وضحكوا في ذلك اليوم كما لم يضحكوا من قبل.
استمر عاصم مولعا بجد عبدالحليم يتلقي دروس في الفقه والسنة بجانب العلوم المدرسية واصبح مواظبا علي الصلاة بعد ان كان مهملا لها.
مرت الأيام حتي بلغاء امتحان الشهادة السودانية واحرزا نجاحا باهرا مكنهما من دخول الجامعة ، كانا ينتظران يوم الخميس بفارغ الصبر لزيارة جدهما والذي تعرف الي جميع اصدقائهم المشتركين ابان فترة الجامعة.
وفي آخر زيارة لجدهم وجدوا تدهورا مفاجئا في صحته و لم يستطيعا تركه علي الحالة التي كان عليها ، نقلاه الي المستشفي لتلقي العلاج وكانت تلك المرة الأولي في حياة الجد التي يدخل فيها المستشفي رغم بلوغه سن الخامسة والثمانين فلم يأخذ عقارا طبيا من قبل، ذلك لنظام التغذية المتوازن الذي كان يسير عليه حيث كان يأكل صنفا واحدا من الطعام مهما تعددت الأصناف في مائدة الطعام وكان ياكل كمية قليلة منه ويستعمل اصابعه الثلاثة فقط ، ساعد ذلك كثيرا في عدم اصابته بأمراض العصر.
في المستشفي رفض الجد تناول الطعام حتي لا يجهد الآخرين بحمله الي دورة المياه ، ايقن الجد انه مفارق للحياة وانه قد آن الأوان ان يقدم نصيحته الأخيرة لأبنيه الذين تربيا علي يده.
شدد عليهم في امر الصلاة ونصحهم بالزواج المبكر والمحافظه علي اسلوب حياتهم كما حذرهم من اصدقاء السؤ وامرهم بالأحسان الي الضعفاء.
ما لبس ان اكمل وصيته لهم حتي فارق الحياة في هدوء تام.
كان رجلا منظما غاية التنظيم ، ذلك كله انعكس علي حياة عبدالحليم ايجابا ولكن كان عبد الحليم كثيرا ما يواجه حرج بسبب تصرفات جده مع اصدقائه حيث كانوا يزورونه في اوقات لا يحبذها الجد وفي مرة من المرات وفي حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر طرق الباب صديق عبدالحليم وجاره عاصم ففتح الجد الباب وقال لعاصم (يا ابني ده ما وقت زيارة ، عبدالحليم وقته منظم جدا امشي وتعال في المساء ) سمع عبد الحليم الحوار الدائر فغضب اشد الغضب وجلس الي جده بعدها وقال يا جدي لقد احرجت عاصم فرد الجد ( عاصم هو الذي احرج نفسه) وزيارته في هذا الوقت غير مقبولة، سكت عبد الحليم اثر هذا الرد ثم استأذن ودخل الي غرفته.
شعر الجد انه تسبب في حرج لعبدالحليم امام صديقه الحميم واراد ان يصلح ما فعل لكن دون ان يتنازل عن ارساء دعائم النظام الذي يجب ان يتبع . وبعد صلاة المغرب اتي عبدالحليم بالشاي كعادته وجلس ليشرب مع جده ، انتهز الجد فرصة تواجدهما معا فقال لعبدالحليم (يا عبدالحليم تأكد تماما انني ارسي لك دعائم مهمه ستساعدك في مستقبل ايامك) اما عن وضع صديقك عاصم فانه سوف يتعود علي هذا النظام وربما يكون هذا الدرس ايجابيا له ، لم يقنع هذا الكلام عبدالحليم ولكن لم يرد ان يجادل جده كثيرا فهز رأسه علامة الموافقة.
في المساء ذهب عبدالحليم الي صديقه عاصم وهو في غاية الحرج وقال جئت اعتذر لك عن الذي بدر من جدي فرد عاصم جدك علي حق !!! استغرب عبدالحليم لهذا الكلام وظن ان عاصم مازال غاضبا، لكنه تأكد بعد ذلك ان عاصم تقبل الكلام بكل رحابة صدر وانه تعلم ان للزيارة وقت .
بعد فترة طلب عبد الحليم من جده ان يحضر عاصم لحضور حصة لغة انجليزية يقدمها الجد ، حضر عاصم وكانت تلك المرة الأولي التي يقترب فيها من جد صديقه وبدي مضطربا.
بدأ الجد الحصة مداعبا عاصم ومبتسما له ليزيل الرهبة التي كانت تظهر في وجهه ثم توغل في الدرس ، سرعان ما اكتشف عاصم رجلا آخر ، متمكنا في حديثه غزير المعلومات جذاب الحديث ،طلق اللسان مجيد للموضوع الذي يتحدث فيه .
كانت تلك الحصة مفتاحا جديدا في حياة عاصم وعزم بعدها ان يواظب علي الحصص التي يلقيها الجد ، كما اطمأن الجد الي صديق حفيده من خلال تلك الحصة .
نشأت بعد ذلك علاقة قوية بين عاصم وجد عبد الحليم ففي فترة قصيرة تكون ثلاثي منسجم ، وسرعان ما تغير طبع عاصم اثر هذا الأرتباط الجديد فقد لاحظت امه تغييرات جذرية في حياته و تصرفاته كما لاحظت عليه الجدية والنظام الذين لم يكونا موجودين من قبل ، بدأ عاصم يعيد ترتيب فراشه بعد القيام من النوم ويطبق غطاءه وعندما يأتي من المدرسة يضع حذاءه في مكان خصصه لذلك وملابسه في سبت اعد للملابس المتسخة.
كان هذا التغيير مثيرا للأهتمام فبدأ اخوة عاصم تدريجيا الأنصياع لتنبيهاته الشئ الذي اراح امهم كثيرا وخفف عليها العبئ.
ايقن عاصم ان علاقته مع صديقه عبدالحليم ايجابية اضافت اليه الكثير حتي اكاديميا تفوق وتحسنت لغته الأنجليزية ، نمت تلك العلاقة الثلاثية لحد الصداقة وتكشف لعاصم ايضا ان هذا الجد مرحا وبشوشا وكان ذلك عبر جلسة صباحية في اول ايام عيدالفطر المبارك ببيت عبدالحليم ولكن كان ذلك عاديا علي عبد الحليم لمعرفته بجده الذي كان يحكي له القصص الجميلة والطرف النادرة.
في ذاك اليوم عقد لهم الجد مقارنات بين اطفال اليوم والأطفال في زمنهم وكان ذلك بعد دخول اطفال في غاية النظافة واللبس الجميل الي بيتهم مهنئين حيث سأل عبدالحليم جده :( ياجدي هل كان الأطفال في زمنكم يحتفلون بالعيد) فأجاب الجد كل الأطفال يحتفلون بالعيد ولكن لم يكن الأطفال بهذه النظافة واللبس الجميل .سأل عاصم : ماذا كانوا يلبسون؟ اجاب الجد: كان معظمهم يلبس قماش الدمورية (كعراقي) وكانوا حينما يهدون لهم بعض الهدايا مثل (الزلابيا والخبيز) يضعونها في جيوبهم وكانت تتسخ ملابسهم بسبب الزيوت الموجودة في الزلابيا والخبيز ولعبهم في التراب ، لم يجدوا الأهتمام حيث كان معظمهم ينوم ويقوم بذلك العراقي وربما لشهور ، كثيرا من الأمراض كانت متفشية فيهم بسبب عدم النظافة مثل (القوب والصواب) وكثيرا ما يتواجد القمل في ملابسهم وشعورهم وعندما يضيقوا ذرعا بالقمل يخلعون العراقي من اجسامهم ويضعونه في الشمس حتي يخرج منه القمل ولكن تتسرب احلامهم كالرياح حين يجر القمل العراقي ويأتي به الي الظل.
ظل الجد يحكي عن عراقي الدمورية كما لم يحكي من قبل وكان عاصم كثير الضحك خصوصا عندما قال الجد ان عراقي الدمورية عندما يخلع من الجسم ويوضع علي الأرض يقف مشدودا من كثرة تراكم الأوساخ.
مضي الوقت سريعا وتجمع عدد كبير من الذين استهوتهم قصص الجد وضحكوا في ذلك اليوم كما لم يضحكوا من قبل.
استمر عاصم مولعا بجد عبدالحليم يتلقي دروس في الفقه والسنة بجانب العلوم المدرسية واصبح مواظبا علي الصلاة بعد ان كان مهملا لها.
مرت الأيام حتي بلغاء امتحان الشهادة السودانية واحرزا نجاحا باهرا مكنهما من دخول الجامعة ، كانا ينتظران يوم الخميس بفارغ الصبر لزيارة جدهما والذي تعرف الي جميع اصدقائهم المشتركين ابان فترة الجامعة.
وفي آخر زيارة لجدهم وجدوا تدهورا مفاجئا في صحته و لم يستطيعا تركه علي الحالة التي كان عليها ، نقلاه الي المستشفي لتلقي العلاج وكانت تلك المرة الأولي في حياة الجد التي يدخل فيها المستشفي رغم بلوغه سن الخامسة والثمانين فلم يأخذ عقارا طبيا من قبل، ذلك لنظام التغذية المتوازن الذي كان يسير عليه حيث كان يأكل صنفا واحدا من الطعام مهما تعددت الأصناف في مائدة الطعام وكان ياكل كمية قليلة منه ويستعمل اصابعه الثلاثة فقط ، ساعد ذلك كثيرا في عدم اصابته بأمراض العصر.
في المستشفي رفض الجد تناول الطعام حتي لا يجهد الآخرين بحمله الي دورة المياه ، ايقن الجد انه مفارق للحياة وانه قد آن الأوان ان يقدم نصيحته الأخيرة لأبنيه الذين تربيا علي يده.
شدد عليهم في امر الصلاة ونصحهم بالزواج المبكر والمحافظه علي اسلوب حياتهم كما حذرهم من اصدقاء السؤ وامرهم بالأحسان الي الضعفاء.
ما لبس ان اكمل وصيته لهم حتي فارق الحياة في هدوء تام.