المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النقاب بعد الحجاب.. حرب فرنسية جديدة



عمران حسن
03-07-2009, 10:08 AM
هناك حرب عالمية تُشَنُّ ضد الأمة الإسلامية، وضِدَّ المقدسات الإسلامية، وضِدَّ القيم الإسلامية، وكُلِّ ما يَمُتُّ للإسلام بصلة ، وذلك بصورةٍ متفاوتةٍ بين بلدٍ وآخر ومنطقة وأخرى ، من شمال العالم إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه . وإذا ما اقتصرنا على ذكر الحرب العالمية على الحجاب ، فإننا نجد أنها أخذت أبعادا كثيرة ، وصلتْ إلى حدِّ المنع الأَمْنِي والحرب الإعلامية، ومن مُنطلقاتٍ متناقضة تعكس حالةَ الهيستريا العالمية ضِدَّ الحجاب، وضد ما هو إسلاميٌّ كما سبق .

وإذا كانت الحرب ضد الحجاب تتمثَّلُ في حالاتٍ منفردةٍ في بلدان العالم المختلفة، باستثناءِ عددٍ قليلٍ من الدولِ ( تركيا، أوزبكستان ) فإنها مُمَارَسَةٌ يوميةٌ في تونس.. وهي مواقف مُخْزِيَةٌ لأصحابها، إذا قُورِنَتْ بموقف وزير الداخلية الإيطالي الأسبق ''جوليانو أماتو'' ، فقد أعلن أنه لا يمكنه معارضةُ ارتداءِ المرأة المسلمة في بلاده للحجابِ، وذلك لأن السيدة مريم العذراء والدةَ عيسى عليه السلام، كانت تضع الحجاب على رأسها أيضا، وقال: " إن المرأة التي حَظِيَتْ بأكبر نصيبٍ من المحبة على مر التاريخ، وهي السيدة العذراء، تُصَوَّرُ دائمًا وهي مُحَجَّبة " . وكَرَدِّ فعلٍ على هذه التصريحات، ظهر تيار جديد في إيطاليا يُطَالِب ''بتعديل'' اللوحات التي تُظْهِرُ السيدة مريم العذراء وهي تضع الحجابَ على رأسها، وطالبوا بنشر لوحاتٍ لها وهي سافرةٌ بدون الحجاب! وقد اعتبر وزير الداخلية الإيطالي هذا المطلب " غير لائق، ويُعَدُّ تطرفا ثقافيًّا "، وأضاف: ''أنا شخصيًّا لا أستطيع الاستجابة لهَ''؛ لأنه لا يوجد أيُّ منطق أو حُجَّةٍ دينية أو ثقافيَّةٍ لمنع الحجاب.

حرب ثقافية تقودها فرنسا

الموقف الذي عبر عنه " أماتوا " مختلفٌ تماما في فرنسا؛ حيث لم تَسْعَ قوة غاشمة في التاريخ لِفَرْضِ نموذجها بالقوة مثلما فعلتْ فرنسا، وتاريخُها (الاستدماري)، وسياساتها الحالية تُؤَكِّدُ بأن فرنسا لا تزال تُفَكِّرُ بمنطق الأيديولوجيا، تحت لافتةِ " قِيَم فرنسا ".

فبعد قانون منع الحجاب في المدارس، يُمَهَّدُ لِمَنْعِ النقاب في الشارع، ويُخْشَى أن يتحوَّل ذلك لِمَنْعِ الحجاب أيضًا. وكما نرى، فإنّ الموضوع خرج من كونه مادة إعلامية، أو مسألةً اجتماعيَّةً وثقافية في فرنسا، إلى حَيِّز التسَلُّط السياسي وبالدرجة الأولى الاضطهاد الديني، مما يُذَكِّرُ بمحاكم التفتيش الكاثوليكية. وإلا، فما معنى أن يتقدّم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحملةَ التي وصفها البعض بـ ( الصليبية )، مُسْتَغِلًّا هامِشَ الخلاف حول النقاب؛ ليقول بأن النقاب " غير مُرَحَّبٍ به " في فرنسا ؟!

وكان عددٌ من البرلمانيين الفرنسيين الذين يرفضون التعايش، ولا يُؤْمِنون بالتعدد الثقافي، ويعملون على تكريس المركزية الأوروبية، وتحديدًا الفرنسية، قد عبَّرُوا عن قلقهم من انتشار النقاب. وذلك في إطار "جوقة " نفخَ فيها الإعلام الفرنسي، واللوبياتُ المعاديةُ للوجود الإسلامي في فرنسا.. ولأنها حرب ثقافية، أو بتعبيرٍ آخر صليبية، فقد تقمَّص ساركوزي دور الْمُنْقِذ، باعتباره النقابَ - في خطابه أمام أعضاء البرلمان- " علامةَ استعبادٍ " للمرأة ، وأنه " ليس رمزًا دينيًّا " . وهكذا نرى فرنسا تمنع الحجاب في المدارس؛ لأنها ترى فيه " رمزًا دينيًّا " و" تعمل على مَنْعِ النقاب؛ لأنه " ليس رمزا دينيًّا " !!

ولا بد من الانتباه إلى أن ساركوزي يتحدَّثُ عن ظاهرةٍ في بلده، لها أنصارها الذين يؤمنون بالنقاب، مِمَّا يعني مصادرةً لِحَقِّ الاختلاف، وفَرْضَ تصور ديني من موقع خارجي ، اعتمادًا على قوة السلطة، وهو أشدُّ أنواع الاستعباد وأكثرُه قَهْرًا .

والأمر ليس مصادرةً لحق الاختيار فحسب، بل اضطهادٌ ووصاية مَقِيتَةٌ، تُعَبِّرُ بسفورٍ عن الكراهية للآخر، بل عن كراهيةٍ دينية، ومحاولة تسجيل موقف انتصاري، هو في المحصلة النهائية فشلٌ ذريع؛ لأن لكل اعتقاد ديني مبرراتِه الموضوعية المقدسة، وما يعتبره ساركوزي سجنًا وسياجًا بقوله: "لا يمكن أن نقبل في بلادنا نساءً سجيناتٍ ومعزولاتٍ عن الحياة الاجتماعية، ومحروماتٍ من الكرامة "، وأن " هذه ليست الرؤيةَ التي تتبنّاها الجمهورية الفرنسية بالنسبة لكرامة المرأة "!

والمرأة المسلمة الطاهرة لا ترى في نقابها المبجل سجنا؛ فالسجن والسياج هو ما تقيمه جمهوريتُه من بيوت دعارة تُهْدِرُ كرامة المرأة !

وما يعتبره سجنا تعتبره الطاهرة المسلمة حماية لها من التلوث البيئي والبصري والأخلاقي، وما يعتبره سِجْنًا وسياجًا تعتبره المنقبات طاعةً لأوامر الله، فلم الوصاية على الفهوم والعقول والنفوس؟!

وما أشار إليه ساركوزي من عُزْلَةٍ عن الحياة الاجتماعية، هو ما سيُؤَدِّي إليه موقفه وموقف النخبة اليعقوبية ( العهد اليعقوبي إبّان الثورة الفرنسية، عهد الإرهاب، ومحاكم التفتيش اللائكية )؛ لأنّ منْعَ النقاب- لا قَدَّر الله- سيَدْفَعُ المنقباتِ للعزلةِ والجلوسِ في بيوتهن، مما يعني الحكم عليهن بالسجن مدى الحياة!

وإذا كانت العلمانية في فرنسا لا ترفض الإسلام، وتحترم الإسلام بنفس قدر احترام باقي الأديان، فلتَتْرُكِ الناس وشأنهم فيما يتعلق بحياتهم الشخصية؛ فالحجاب أو النقاب لا يضر الآخرين، وليس هناك مَنْ هو أَرْحَمُ من الآخر بنفسه، والوصاية أشدُّ إيلامًا وضررًا وتدميرًا ونفيًا، وإقصاءً من نتائج المواقف الخاصة على أصحابها.

الحرب ضد الحجاب في الغرب

ربما تكون فرنسا المثال الصارخ على الحرب ضد الحجاب، من خلال قانون مَنْع لبس الحجاب في المدارس الحكومية، والذي أثار جدلًا واسعًا ، وأسال حِبْرًا كثيرًا . وهي الحالة الوحيدة تقريبًا في أوربا التي يُحْظَرُ فيها لبس الحجاب على الفتيات المسلمات داخل المدارس في أوربا ، ثم بدأ الحديث عن النقاب، وقد أعقب الإجراءاتِ الفرنسيةَ الكثيرُ من التداعيات على المستوى الأوروبي.

ولم يكد المسلمون في الولايات المتحدة يتنفسون الصعداء، ( بعد قرار تعويض امرأة مسلمة طُرِدَتْ من عملها بسبب الحجاب، ثم خطاب باراك حسين أوباما الذي أكّد فيه على حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب، ومعاقبة مَنْ يقف وراء مُصَادَرَةِ هذا الحق ) ، حتى صَدَمَت المحكمةُ العليا بولاية ميتشجان الأميركية المسلمين والمراقبين في العالم بقرارها الإداري الذي يسمح للقُضَاةِ بمطالبة الشاهدات بِنَزْعِ أحجبتهن أثناء الإدلاء بشهادتهن في محاكم الولاية، الأمر الذي اعتُبِرَ إهانةً تُعَبِّرُ عن الكراهية تجاه التعاليم الإسلامية والمسلمين . بل إهانةً للكرامة الإنسانية؛ لأن " القرار يُعْطِي القاضي الحقَّ في التحكُّمِ بملابس الأشخاص الذين يظهرون في محاكم الولايات المتحدة " !

وجاء القرار بعد دعوى قضائية أقامتْها مسلمة أميركية تُدْعَى "جنة محمد" ضد قاضٍ فيدرالي، بعد أنْ خسرتْ دعوى لِرَفْضِهَا خَلْعَ نقابها، لكنّ العزاء في وجود منظمات يُمْكِنُها أن تعترض، ويمكنها إبطالُ مثل هذه القرارات، مثل لجنة الحقوق المدنية، وهي وكالةٌ تنفيذيَّةٌ مَعْنِيَّةٌ بمراقبة القوانين التمييزية في الولايات المتحدة الأميركية .

كما دعا مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية " كير " إلى إلغاء القرار "، وقال في بيانٍ له بتاريخ 17 يونيو 2009 م: " إن الخلع القَسْرِيّ لِزِيٍّ دينيٍّ، مثل غطاء الرأس الإسلامي، أو النقاب، سوف ينتهك الحقّ الدستوري في الحرية الدينية، وسيُمَثِّلُ تناقُضًا لتصريح الرئيس أوباما الأخير-

(خطاب القاهرة للعالم الإسلامي )- الداعِم لارتداء الحجاب .

وقال المدير الننفيذي لـ " كير "؛ داوود وليد: "سكان ميتشجان من مختلف الأديان بحاجةٍ إلى توضيحٍ حول ما إذا كانوا سيُكْرَهُون على خَلْعِ زيهم الديني؛ ليكون بمقدورهم الظهورُ بالمحكمة "؟! وتابع: " القرار الجديد إذا تَمَّ التوسُّعُ في تفسيره، فمن الممكن أنْ يُسْتَخْدَمَ ضد اليهود والسيخ والنصارى وآخرين ينتمون لديانات أخرى "، ونحن بدورنا نتساءل عمَّا إذا كانت الراهبات النصرانيات سيتخَلَّيْنَ عن زِيِّهِنّ الديني ، وهو شبيهٌ بالحجاب في المحاكم الأميركية .

وتأتي في هذا السياق إيطاليا، التي تعمل بعضُ الأطراف فيها على النَّسْجِ على منوال فرنسا، بعد أنْ رفضت فتاة تونسية مسلمةٌ المشاركةَ في تمارين السباحة بالمعهد الذي تدرس به في ميلانو، وأثار ذلك ردود فعل كثيرة ، وصل صداها إلى البرلمان ومركز المحافظة والكنيسة .

وقالت الفتاة عندما طُلِبَ منها التوجُّهُ لحوض السباحة لِخَوْضِ التمارين مع زملائها وزميلاتها بأنّ تعاليم الإسلام، وتقاليدها المجتمعية، تَمْنَعُهَا من إظهار جسدها أمام الغرباء، وتحظُرُ عليها الاختلاط في مثل هذه المناسبات . واستظهرتْ بشهادةٍ طِبِّيَّةٍ تُؤَكِّدُ فيها الطبيبة الإيطالية بأنّ " حالة الانزعاج والارتباك التي تُصيب الشَّخْصَ أثناء القيام بأعمال رياضية أو غيرها يجد نَفْسَهُ مُجْبَرًا عليها؛ لمخالفتها لقناعاته الشخصية، تُوجِبُ إعفاءَهُ من ممارسة تلك الرياضة، أو العمل؛ لانعكاساتها النفسية السلبية على شخصيته، وعلى قواه العقلية والبدنية بعد ذلك " .

وقال طبيب سوري يدعى عدنان ديان " المسألة لا تنحصر في الجانب النفسي، بل الأخلاقي والديني أيضًا لدى الأشخاص " . وفي مُقَابَلَةٍ نشرتها صحيحفة لا ريبوبليكا الإيطالية في وقت سابقٍ، قال بطريارك البندقية؛ الكاردينال أنجلو سكونا، ردًّا على سؤال بخصوص الحجاب: " نفهم جميعا أنه من غير اللائق أن نخلق في أوربا مظاهِرَ اجتماعيَّةً تُنَافِرُ ثقافتَها وتاريخَها. ووَفْقَ هذا المعيار تأتي نظرتي إلى الأمر "!! أي أنه يرفض ارتداءَ المسلمات للباس الشرعي، رُغْمَ أن الحجاب لا يختلف كثيرًا عن لباس الراهبات عنده في الكنيسة!!

وفي النمسا قال زعيم التحالف من أجل مستقبل النمسا، يورغ هايدر، قُبَيْلَ هلاكه: " لا أريد أنْ أُشَاهِدَ امرأةً ترتدي الحجاب الإسلامي في الشوارع والساحات والمؤسسات العامة والخاصة في كافَّة أنحاء النمسا "!

وأعرب عن اعتقاده بأنّ " ارتداء الحجاب يُعِيدنا إلى القرون الوسطى "، مُتَنَاسِيًا أو متغافلًا عن وجود راهبات نصرانيات يرتدين ما يُشْبِه الحجاب الإسلامي، يَغُضُّ الطرف عنهن، بل طالَبَ الكنيسة التي ينتمين إليها بالمساهمةِ بحزمٍ أكبرَ ضد القيم الإسلامية والحجاب الإسلامي .

وفي كرواتيا أخبرنا المفتي الشيخ شوقي عمرباشيتش ، بأن ظاهرة الاعتداء على الْمُحَجَّبَات قد توقَّفَتْ، وكنّ المسلماتُ يُعَانِين من الاعتداءات عليهن في الشوارع، ولاسيما أثناء العدوان على البوسنة 1992 / 1995 م .

ولا يُخْفِي الكثير من الصرب في بلغراد وغيرها من المدن الصربية عداوتَهم للإسلام والمسلمين ، عندما يشاهدون امرأةً مسلمةً مُحَجَّبَة . وتشتكي المسلمات المحجبات في بلغاريا من الاعتداءات اللفظية والعدوان عليهن، ووَصْمِهِنّ بالإرهاب، وبأنَّهُنَّ عضواتٌ في القاعدة وطالبان . وفي السويد والنرويج وألمانيا وأسبانيا، تعرَّضَتِ الكثير من المسلمات إلى الطَّرْدِ من وظائفهن بسبب ارتدائهن للحجاب الإسلامي، كما تَمَّ طَرْدُ امرأة مسلمة تعمل في بنك بسبب الحجاب، لكنها عادتْ إلى عملها بعد إنهاء خدمات المدير الدنمركي .

حالاتٌ مغايرَةٌ

لكنّ تلك الاعتداءات وذلك العدوان على المسلمات والقيم الإسلامية، ليس هو الحالةَ العامَّةَ السائدةَ في الغرب، فقد أعلنت وزارة العدل في النرويج في وقت سابق عن احتمالِ السماح للمسلمات من أفراد الشرطة النرويجية بارتداء الحجاب. وذلك بعد تَقَدُّم مسلمةٍ تعمل في الشرطة تدعى كلثوم حسناوي بطلب ارتدائها الحجاب .

وقيل: إن وزارة العدل قد ذكرتْ بأن اللوائح ستتغير حتى " يمكنَ ارتداء غطاء الرأس الديني (الإسلامي ) ضمن الزِّيِّ الرسمي للدولة . وقال مدير الشرطة إنجلين كيلينجرين: إن " السماح لأفراد الشرطة من النساء بارتداء الحجاب يمكن أن يساعد في ضمان تمثيل الشرطة لجميع فئات الشعب من مختلف المذاهب والأعراق . لكنّ ضغوطًا داخلِيَّةً وخارجيةً جعلت النرويج تتراجَعُ عن قرارها الذي كان يُمْكِن أن يمثل إضافةً نوعِيَّةً لحوار الحضارات والتفاهم على أسس السلام والقبول بالآخر كما هو، لا كما يريده البعض .

فقد نجحتْ قُوَى الصدام والكراهية ورفض الآخر في تراجُعِ وزير العدل كنوت ستروببرجت، عن السماح للشرطية المسلمة بارتداء الحجاب في فبراير الماضي . بعد أن أَقْدَمَ متطرفون على حرق الحجاب في مكان عامٍّ، تعبيرًا عن رفضهم للتعايش .

فيما اعتبر اتحاد موظفي الشرطة أنّ قرار السماح للشرطية المسلمة بارتداء الحجاب " خَرْقًا لحياديّة البذلة " وهي سفسطة عقيمة، لا تحمل أي مدلولات إدارية أو غيرها سوى الكراهية وحسب .

لكنّ الأطراف العاقلة في النرويج لم تستسلم ، وقد حذّر رئيس البرلمان النرويجي توربغوم جاغلاند من استمرار ظاهرة الإسلاموفوبيا ، وقال: إن " ذلك من شأنه أنْ يُثِير فوضى كبيرةً في المجتمع "، وأكّد على أن " الإسلام لا يُمَثِّلُ خطرًا على النرويج "، كما شَدَّدَ على أنّ " النرويجيين لا يرون بَأْسًا في وجود المساجد داخل أحيائهم ...".

وفي دولةٍ جارة مثل السويد لم يُثِر ارتداءُ الشرطيات المسلمات للحجاب أيّ تشنج يُذْكَر، كما هو الحال في بريطانيا، بينما تُمَثِّلُ فرنسا قمةَ التطرف والكراهيةِ ونَبْذِ الآخر بعد قانون مَنْعِ الحجاب في المدارس سنة 2004 م.

وفي قضيةٍ يُعْتَقَدُ أن تكون الأولى من نوعها في كندا، طالَبَ المحامي الملكي بأنْ يُسْمَحَ لإحدى الشاهدات في قضية اعتداءٍ بارتداءِ النقاب عند الإدلاء بشهادتها أمام المحكمة . وقال لوري جونيت ، مساعد النائب العام الملكي ، وَفْقًا لما نقلته صحيفة " ذا جلوب أند ميل ": " لا بُدَّ من إعادة القضية مرةً أخرى إلى القضاء ، وينبغي أنْ يُسْمَحَ للسيدة بارتداء النقاب فورًا " . وقد تَرَأَّسَ القاضي فرانك ماركو المحكمة العليا في أونتاريو، والتي ناقشتْ قضية الموازنة بين مبدأَيْنِ متعارضين من مبادئ حقوق الإنسان؛ حَقِّ حرية الأديان، وحَقِّ الالتزام بالقانون، مُقَدِّمَةً حُرِّيَّةَ التدين، وحرية اللباس، كقيمةٍ أعلى ، في سُلَّمِ قيم العدالة .

وفي الدنمرك سُمِحَ في 23 أبريل 2009 م لفلسطينية محجبةٍ تُدْعَى أسماء عبد الحميد ( 27 عامًا ) بالعمل كعضو في المجلس البلدي لمدينة أدونسي، ثالث كبرى المدن الإسكندنافية، وقد حَظِيَتْ جلسة المجلس البلدي الأولى باهتمامٍ بالِغٍ من قِبَلِ وسائل الإعلام، وتحوَّلَتِ الجلسةُ إلى حدث تاريخي، هو الأول من نوعه؛ حيث تَدْخُلُ مسلمةٌ مُحَجَّبَةٌ المجلس البلدي ، وقالت أسماء: " أريدهم أن يُقَوِّمُوني على ما يوجد في رأسي ، وليس ما يوجد على رأسي "! وهي معروفةٌ باعتزازها بالحجاب ورَفْضِ مصافحة الرجال ، وهو حَقٌّ شخصيٌّ غيرُ قابلٍ للمُمَاحَكَةِ أو التقَعُّرِ الإعلامي أو الصالوناتي أو الفلسفي .

ولا يزال المنع من الدراسة، كما هو الحال في أزبكستان، يطالُ كُلَّ طالبةٍ تُقْدِمُ على الالتزام بالحجاب ، تَوَافُقًا مع قناعاتها، وتطبيقًا لأوامِرِ خالِقِهَا. وكذلك الأمر في طاجيكستان المجاورة، ومن ذلك قيام إدارة الجامعة في مدينة " دوشانبي " بِفَصْلِ طالِبَتَيْنِ لارتدائهما الحجاب، بدعوى مُخَالَفَتِهِ لحظر ارتداء الحجاب في الجامعة .

وقال المسئول في وزارة التعليم جالودين عميروف: " سنقوم بتنفيذ قرار حَظْرِ الحجاب بالقوة ، وكُلُّ مَنْ تَنْتَهِكُ القرار ستكون مُعَرَّضَةً للطَّرْدِ من الجامعة "، ولم يكن ذلك مجرد تهديد ، بل ممارسة نازِيَّةٌ بكل المقاييس..!

فقد أكدت الطالبة جلونورا بوبونازاروفا لوكالة نوفوستي الطاجيكية بأن " إدارة الجامعة لم تسمح لها بحضور الامتحانات بسبب ارتدائها الحجاب، مشيرةً إلى أن إدارة الجامعة أخبرَتْهَا بِفَصْلِها " .

ولم يكن ذلك القمع السياسي والثقافي والاجتماعي ، نابعًا من هوس حداثي ممسوخ على مستوى إدارة الجامعة، وإنما هو كذلك من أعلى هرم السلطة، ففي عام 2007 م قام وزير التعليم نفسه بزيارة الجامعة، وفَصَلَ كل المحجبات !!

ولأنه قرار سياسي في دولة يُسَيَّسُ فيها كل شيء، بما في ذلك القضاء، كحال الحكومات الديكتاتورية ، فقد رفَضَتِ المحكمة سنة 2007 م دعوى الطالبة أسماء لوفا دفالتاموف ، وحُرِمَتْ بذلك من العودة للدراسة، كغيرها من مئات الطالبات في طاجيكستان ، وهو ما عليه الأمر في أوزبكستان المعروفة بقمعها للإسلاميين بِدَعْمٍ من موسكو والغرب على حد سواء .

ورُغْمَ أن الجامعة الطاجيكية في توشنبي قد أعلنتْ يوم الثلاثاء 16 يونيو 2009 م تراجُعَهَا عن قرارها بِفَصْلِ الطالبات الْمُحَجَّبَات بسبب تَمَسُّكِهِنّ بحجابهن ورَفْضِ خلعه، وتصريح نائبة رئيس الجامعة لطيفة نظيروف بأنه تَمَّ صدور قرار بإعادة قبول انضمام الطالبة بوبونازاروف و7 محجبات مطرودات، وأنه تَمَّ اعتمادُ ذلك، نظرًا للدور الذي تقوم به المرأة في المجتمع، وكأن ذلك الدور كان خافيًا عليهم من قبل!! ورُغْمَ ذلك ألمحت إلى أن النظام الحاكم لا يحب رؤية المحجباتِ.

ويبدو أن رسالة أوباما في القاهرة قد وصلت إلى دوشنبي ، ولكنها لم تصل إلى تونس بعد!

محمد السر
07-07-2009, 06:06 AM
ربنا يشرح صدرك وييسر امرك
وجزاك الله خير