درديري كباشي
25-08-2009, 05:17 AM
تذكر السنوات العجاف في اوائل التسعينات وهو كثر تردد اعتقالاته ليحسم هذا التردد متسللا عبر الحدود الشرقية من مدينة كسلا من ثم متهربا الى دولة ارتريا . لينضم الى ركب المعارضة مصنفا نفسه ضمن المعارضين السودانيين . تذكر كيف كان يحمل جريدة في يده يداري بها وجهه قبل هروبه من كسلا كلما لاحظ ان شخص ما اكثر من التمعن في ملامحه كانه يريد ان يتعرف عليه او يقارن شكله بصورة يحملها . او هكذا كان يخيل اليه . عدت هذه الايام الصعاب ليجد نفسه عابرا الحدود الارتيرية فرحا بتحرره او كما كان يعتقد . وجد نفسه في وسط جمع هائل من المتسللين مثله والمنضوين تحت لواء المعارضة . ليساهم بعد ذلك في كل جريدة او مجلة يلتمس انها تناهض النظام القائم . ثم لتدفع به ظروف الحياة بعد ذلك للهجرة من ارتريا ناحية دول الخليج . مبررا ذلك لنفسه انه طالما نضاله هو نضالا فكريا ليس من الضرورة ان يتواجد جسديا في مناطق العمليات . وجد ان هذا التبرير مريحا له شخصيا . ليجد نفسه في احدى دول الاغتراب ينعم بوظيفة تغدق عليه دخلا مريحا ومنصبا مرموقا . ولكنه لا زال يكتب مناهضا للنظام سابا له في كل المحافل كلما سنحت له فرصة او شارك في ندوة او غيرها . تمر السنوات وهو يجمع من الاموال ما يجمع وتاتيه الاخبار من اهله (الوالدة مريضة وتحلم بشوفتك ) يرسل هو في الاموال وتوجيهات لاخوته بان سفروها الى الاردن على حسابي اما انا فسجلي من المعارضة لا يتيح لي العودة الى الوطن في الوقت الحالي . تموت الام ويعقبها الاب وتمر السنون دون ان يعود هو . يعاتبه الناس على قسوة قلبه وتقبله بذهاب ذويه دون ان يلين قلبه او ترق حواسه . ليرد هو بانه النضال وان الوطن الاب اقرب الى قلوبنا من الوالد الاب . وهي تضحيات سيذكرها لنا التاريخ .
واخيرا فكر في ان ينقل نضاله الى مرحلة المواجهة والعودة الى الوطن ويحزم امره رغما عن تحذيرات الاهل والاصدقاء . ويريد ان يحعل للابتعاد عن الاهل خمسة عشر عاما حدا من الآن وهو مستعد لكل ما يلاقيه . وفعلا يقطع تذكرته ويحزم حقائبة متجها ناحية مطار الخرطوم وهو متوقعا كل الاحتمالات ومهيئا لها . فهو متوقع ان رجال الامن سيكونون على انتظاره على احر من الجمر . وسوف لن يرى الشمس قريبا ولكن من اجل الوطن كل شئ يهون . وفعلا ينزل في مطار الخرطوم وهو يتلفت هل سيصعد رجال الامن الطائرة ويتناولونه من قلبها . مرت هذه اللحظة ولم يصعد احد . ليمر الى مرحلة الجوازات والجمارك . ويفكر هو بان رجال الامن ازكى من ان يخلقوا شوشرة في المطار . ولذلك سيستقبلونه خارجا . وفعلا وهو خارجا لاحظ ان هنالك ثلاث شبان ينظرون اليه وهم يبتسمون في خبث , وفعلا بداوا يتحركون ناحيته ليغمد عينيه هو ويستسلم للامر الواقع ليفاجا بانهم اتوا ليستقبلوا شابا اخر وعبارات تتردد من نوع( كيف يا ابو النيل حمدا لله على سلامتك والله ليك وحشة ) ليتلفت ويكتشف ان هؤلاء الشباب كانوا يبتسمون لشاب صديقهم يقف خلفة وحضر معه في نفس الطائرة بمعنى آخر لا ابتسامه خبيثة ولا يحزنون . ليخرج هو دون ان يستقبله احد كباقي المسافرين . لانه اساسا لم يبلغ اهله بمواعيد استقباله تحوطا من تسرب الاخبار لرجال الامن .
وقف اخينا في بوابة المطار بعد ان خلص من صالة الجمارك وهو يتلفت كعادته ومتوقعا بان الجماعة في انتظاره خارج المطار . وعندما لم يظهر احد او حتى يساله احد اخيرا اوقف سيارة تاكسي وركب متجها نحو بيته وهو يتلفت ايضا متوقعا ان سيارة ما ستتعقبه . وصل الى بيته وتحت مفاجاة استقبال الاهل ودموع الفرح واللقاء والسلامات الحارة والباردة وكذلك المشروبات وصواني الاكل و واحضان الاهل وقبلات الاطفال كل هذا المزيج السحري لم ينسيه ان يركز اذنه على طرقات الباب ويحاول ان يترجم كل طرقه كانه موظف التلغراف. (هذه طرقة عساكر لاهذي طرقة عم عثمان لانه دائما يستعمل العصى في طرق الباب . لالا هذه طرقة نسائية رقيقة ) واخيرا عندما لاحظ ان تركيزه على الباب افقده تركيزه مع الاخرين وترحيبهم لذلك امر احد الاطفال بان يترك الباب مفتوحا .
عدى اليوم الاول والثاني وبينه وبين نفسه شكر رجال الامن لانهم تركوه هذه الايام للاستقبال والعواطف الجياشه بعد لقاء الاهل راي الاهل من راي الفنان محمد الامين ( من بعد فرقتنا ديك مين كان حيفتكرك تعود) ترنم هو مع محمد الامين وهو ينطلق من مزياع قربه وتخيل الاغنية كانها كتبت خصيصا له .
عدى اسبوع على اخينا ولم يطرق بابه احد غير المرحبين والذين افتقدوه خمسة عشر عاما . كثيرا ما يفتح الباب لاحد الشباب ويتوقع ان يكون هو كما يعتقد ليفاجا بانه هذا ابن اخيه والذي تركه وعمره عشر سنوات . اختلطت المشاعر عنده وعندما يقابل شخص اول مره وهو مهيا في انه رجل امن ليفاجا بانه ابن قريب له وقريب جدا . تبدل المشاعر من خوف الى ترحيب الى فرح الى حنين واختلاط جميع انواع الدموع دموع الفرح مع دموع الخوف مع دموع الحنين . كل هذه المشاعر ارهقته بل قل اعيته لانها كلها انزيمات وهرمونات تتدفق في لحظة واحده مما عملت عدة تغييرات في كيمياء جسده واصابته بآلام لا يعرف كنهها بمعنى اصح لا يعرف ما الذي يؤلمه تماما.
هو ايضا لم ينسى انه في كل حديثه وونساته ان يصف غربته بسنوات النضال وايام المهجر والمنفى وهكذا كلما جاءت السيره عن الوطن و الوطنية . لكن مثل هذه الاحاديث ترجع وتؤجج في نفسه انه شخص مطلوب حيا او ميتا . بعد ان عدى شهر ولم يساله احد ولم يطرق بابه غريب الا وازاح الغبار عن غربته بقليل ليكتشف انه قريب وقريب جدا .شعر هو بالاحباط واكتشف فجاه بانه كان يريد الشي الذي كان مهيئا لها مدى خمسة عشر عاما . كان يريد ان يعتقله النظام فعلا ويعذبه رجال الامن . بل اصبح يشعر ان كرامته قد اهينت وان سنين نضاله مسحت بقسوة فقط بسلاح التجاهل التام مما زاد غيظه . وفعلا فكر في ان يركب تكسيا يوما ويتجه بنفسه نحو مكاتب الامن .
اخينا المناصل كما ذكرنا بعد ان مضى شهرا على عودته الميمونة وكان مهيئا للاعتقال في كل يوم وشاكا في كل شخص يتجه نحوه ليفاجا بانه من احد الاقارب الذين كانوا اطفالا قبل خمسة عشر عاما . جال في الاسواق و طاف في الحواري لم يساله احد . هذه الحالة من الاهمال ولدت فيه نتائج عسكية شعر بالاحباط وان التاريخ النضالي الناصع والبطولات التي ظل يرسمها ويعيد صياغتها كان ينتظر تفاخر ابنائه بها في المستقبل تبخرت . واخيرا كما ذكرنا قرر مواجهة الامر بنفسه وعلى راي المغني اصبح لسان حاله يقول ( اغالط نفسي باصرار واقول يمكن انا الماجيت ) فهو شكك حتى في عودته . ولكن في ذلك اليوم ركب التاكسي وطلب من سائق التاكسي انزاله امام مكاتب الامن تماما . ونزل ولكن لم يدخل مباشرة وكلما شاهد شخصا خارجا وقف امامه حتى يمكنه من التعرف عليه وحتى يساعد قوات الامن في مهامها المقدسة ويسهل عليها الامر. ثم يجد ان الشاب رفع كتفيه علامة التعجب من تصرفاته وذهب تاركا له في حالته. خلع النظارة مرات ربما هي التي غيرت شكله لبس الطاقية ربما الصلعة التي اكتسبها ضمن ما اكتسبه من الغربه هي التي موهت على رجال الامن. كل هذه التعديلات والتبديلات لم توحي لرجال الامن بشي ولم تحرك فيهم ساكنا بل اصبح بعضهم ينظرون اليه باستغراب مبهر بالاحتقار مما زاد من غيظه وحنقه . واخيرا قرر ان يقتحم المكتب بنفسه ويواجه موظف الاستقبال ويبدا الحوار.
بعد ان ينزع النظارة وينظر الى موظف الاستقبال وهو يبتسم
- اخينا : السلام عليكم( وهو يبتسم بثقة في النفس متوقعا هوجة وجلبة ستحدث )
-الموظف : وعليكم السلام اي خدمة ؟؟؟؟؟
-اخينا : شنو اي خدمة يعني ما عرفتني ولا شنو
- الموظف : لا عرفتك يا رولاندينو
اخينا : رولاندينو (هائجا ) تسخر مني انتو ماعندكم ادب ولا شنو
الموظف واقفا وغاضبا : في شنو يا اخينا مالك خاشي فينا شمال كده في سابق معرفة
اخينا : معرفة وهو انتو عارفين حاجة ماعارفين عدوكم ماشايفين شغلكم تسمع الجلبة من الداخل ويدخل المكتب موظف آخر والذي يبدو من هيئته انه احد الرتب الكبيرة
الرتبة : مالكم يا سيد احمد فيما هذه الضوضا
الموظف : والله سعادتك هذا الرجل جا داخل عندنا وبدا يسب فينا دون ان يناديه احد
الرتبة : ماذا تريد يا اخ .
اخينا : حتى انت اذا هي خربانة حتى من الكبار انت كمان ماعارف من اكون ما كنتم في السايقتعتقلونا لاتفه الاسباب حتى لو انفجر كفر سيارة في شمبات تعتقلونا الحين بعد ما اصبحت رغبتنا عقلتوا . ( ويتهيج اخينا ويتحول صوته الى صراخ هستيري مما جعل الظابط يكثف من اتصالاته ويفيق اخينا بِعد يومين ليجد نفسه في مستشفى والذي يبدو من رواده ان له علاقة بالامراض العصبيه .
بعد ان يفيق تماما يلتفت للحوار الذي يدور بين احدى خالاته مع بعض الزائرات من نساء الحي
خالته : اصلوا قالوا يا اخواتي الخير ولد اختي كان في السعودية و الشركة التي يشتغل فيها معتمده عليه تماما لو غاب منها اسبوع تتوقف عن العمل .وعندما عرف اصحاب الشركة اصراره الشديد على الرجوع نهائيا للسودان عملو له عمل (سحر ) عشان ما يرجع يشتغل مع منافسنهم .
سمع هو الحوار هذا وابتسم اولا وهمس في نفسه ( هو ذا نضال من نوع جديد) وانفجر بعد ذلك في موجة من الضحك الهستيري ايضا وخاصة بعد ما عقبت خالته على كلامها ( اها ما قلت ليكم الجنية جاءته ثانية بعد ما عرفت انه سيعقل) .
ليسكت هو ويتقين تماما الا مخرج من الذي اقحم نفسهِ فيه سوى السكوت وآمن تماما ان السكوت من ذهب فعلا.ثم انه فكر في نفسه اي نضال هذا الذي نريد ان نتشبث به . فنحن لم نعاني يوما في الغربة اكلنا اطيب فواكه الارض والطيور بجميع اشكالها . واي نضال هذا مقارنة مع نضال الغبش شاربي مياه الامطار العكره ملتحفي السماء والنائمون تحت هدير الرصاص والذين اصبحت دمائهم ارخص شي موجود في البلد
واخيرا فكر في ان ينقل نضاله الى مرحلة المواجهة والعودة الى الوطن ويحزم امره رغما عن تحذيرات الاهل والاصدقاء . ويريد ان يحعل للابتعاد عن الاهل خمسة عشر عاما حدا من الآن وهو مستعد لكل ما يلاقيه . وفعلا يقطع تذكرته ويحزم حقائبة متجها ناحية مطار الخرطوم وهو متوقعا كل الاحتمالات ومهيئا لها . فهو متوقع ان رجال الامن سيكونون على انتظاره على احر من الجمر . وسوف لن يرى الشمس قريبا ولكن من اجل الوطن كل شئ يهون . وفعلا ينزل في مطار الخرطوم وهو يتلفت هل سيصعد رجال الامن الطائرة ويتناولونه من قلبها . مرت هذه اللحظة ولم يصعد احد . ليمر الى مرحلة الجوازات والجمارك . ويفكر هو بان رجال الامن ازكى من ان يخلقوا شوشرة في المطار . ولذلك سيستقبلونه خارجا . وفعلا وهو خارجا لاحظ ان هنالك ثلاث شبان ينظرون اليه وهم يبتسمون في خبث , وفعلا بداوا يتحركون ناحيته ليغمد عينيه هو ويستسلم للامر الواقع ليفاجا بانهم اتوا ليستقبلوا شابا اخر وعبارات تتردد من نوع( كيف يا ابو النيل حمدا لله على سلامتك والله ليك وحشة ) ليتلفت ويكتشف ان هؤلاء الشباب كانوا يبتسمون لشاب صديقهم يقف خلفة وحضر معه في نفس الطائرة بمعنى آخر لا ابتسامه خبيثة ولا يحزنون . ليخرج هو دون ان يستقبله احد كباقي المسافرين . لانه اساسا لم يبلغ اهله بمواعيد استقباله تحوطا من تسرب الاخبار لرجال الامن .
وقف اخينا في بوابة المطار بعد ان خلص من صالة الجمارك وهو يتلفت كعادته ومتوقعا بان الجماعة في انتظاره خارج المطار . وعندما لم يظهر احد او حتى يساله احد اخيرا اوقف سيارة تاكسي وركب متجها نحو بيته وهو يتلفت ايضا متوقعا ان سيارة ما ستتعقبه . وصل الى بيته وتحت مفاجاة استقبال الاهل ودموع الفرح واللقاء والسلامات الحارة والباردة وكذلك المشروبات وصواني الاكل و واحضان الاهل وقبلات الاطفال كل هذا المزيج السحري لم ينسيه ان يركز اذنه على طرقات الباب ويحاول ان يترجم كل طرقه كانه موظف التلغراف. (هذه طرقة عساكر لاهذي طرقة عم عثمان لانه دائما يستعمل العصى في طرق الباب . لالا هذه طرقة نسائية رقيقة ) واخيرا عندما لاحظ ان تركيزه على الباب افقده تركيزه مع الاخرين وترحيبهم لذلك امر احد الاطفال بان يترك الباب مفتوحا .
عدى اليوم الاول والثاني وبينه وبين نفسه شكر رجال الامن لانهم تركوه هذه الايام للاستقبال والعواطف الجياشه بعد لقاء الاهل راي الاهل من راي الفنان محمد الامين ( من بعد فرقتنا ديك مين كان حيفتكرك تعود) ترنم هو مع محمد الامين وهو ينطلق من مزياع قربه وتخيل الاغنية كانها كتبت خصيصا له .
عدى اسبوع على اخينا ولم يطرق بابه احد غير المرحبين والذين افتقدوه خمسة عشر عاما . كثيرا ما يفتح الباب لاحد الشباب ويتوقع ان يكون هو كما يعتقد ليفاجا بانه هذا ابن اخيه والذي تركه وعمره عشر سنوات . اختلطت المشاعر عنده وعندما يقابل شخص اول مره وهو مهيا في انه رجل امن ليفاجا بانه ابن قريب له وقريب جدا . تبدل المشاعر من خوف الى ترحيب الى فرح الى حنين واختلاط جميع انواع الدموع دموع الفرح مع دموع الخوف مع دموع الحنين . كل هذه المشاعر ارهقته بل قل اعيته لانها كلها انزيمات وهرمونات تتدفق في لحظة واحده مما عملت عدة تغييرات في كيمياء جسده واصابته بآلام لا يعرف كنهها بمعنى اصح لا يعرف ما الذي يؤلمه تماما.
هو ايضا لم ينسى انه في كل حديثه وونساته ان يصف غربته بسنوات النضال وايام المهجر والمنفى وهكذا كلما جاءت السيره عن الوطن و الوطنية . لكن مثل هذه الاحاديث ترجع وتؤجج في نفسه انه شخص مطلوب حيا او ميتا . بعد ان عدى شهر ولم يساله احد ولم يطرق بابه غريب الا وازاح الغبار عن غربته بقليل ليكتشف انه قريب وقريب جدا .شعر هو بالاحباط واكتشف فجاه بانه كان يريد الشي الذي كان مهيئا لها مدى خمسة عشر عاما . كان يريد ان يعتقله النظام فعلا ويعذبه رجال الامن . بل اصبح يشعر ان كرامته قد اهينت وان سنين نضاله مسحت بقسوة فقط بسلاح التجاهل التام مما زاد غيظه . وفعلا فكر في ان يركب تكسيا يوما ويتجه بنفسه نحو مكاتب الامن .
اخينا المناصل كما ذكرنا بعد ان مضى شهرا على عودته الميمونة وكان مهيئا للاعتقال في كل يوم وشاكا في كل شخص يتجه نحوه ليفاجا بانه من احد الاقارب الذين كانوا اطفالا قبل خمسة عشر عاما . جال في الاسواق و طاف في الحواري لم يساله احد . هذه الحالة من الاهمال ولدت فيه نتائج عسكية شعر بالاحباط وان التاريخ النضالي الناصع والبطولات التي ظل يرسمها ويعيد صياغتها كان ينتظر تفاخر ابنائه بها في المستقبل تبخرت . واخيرا كما ذكرنا قرر مواجهة الامر بنفسه وعلى راي المغني اصبح لسان حاله يقول ( اغالط نفسي باصرار واقول يمكن انا الماجيت ) فهو شكك حتى في عودته . ولكن في ذلك اليوم ركب التاكسي وطلب من سائق التاكسي انزاله امام مكاتب الامن تماما . ونزل ولكن لم يدخل مباشرة وكلما شاهد شخصا خارجا وقف امامه حتى يمكنه من التعرف عليه وحتى يساعد قوات الامن في مهامها المقدسة ويسهل عليها الامر. ثم يجد ان الشاب رفع كتفيه علامة التعجب من تصرفاته وذهب تاركا له في حالته. خلع النظارة مرات ربما هي التي غيرت شكله لبس الطاقية ربما الصلعة التي اكتسبها ضمن ما اكتسبه من الغربه هي التي موهت على رجال الامن. كل هذه التعديلات والتبديلات لم توحي لرجال الامن بشي ولم تحرك فيهم ساكنا بل اصبح بعضهم ينظرون اليه باستغراب مبهر بالاحتقار مما زاد من غيظه وحنقه . واخيرا قرر ان يقتحم المكتب بنفسه ويواجه موظف الاستقبال ويبدا الحوار.
بعد ان ينزع النظارة وينظر الى موظف الاستقبال وهو يبتسم
- اخينا : السلام عليكم( وهو يبتسم بثقة في النفس متوقعا هوجة وجلبة ستحدث )
-الموظف : وعليكم السلام اي خدمة ؟؟؟؟؟
-اخينا : شنو اي خدمة يعني ما عرفتني ولا شنو
- الموظف : لا عرفتك يا رولاندينو
اخينا : رولاندينو (هائجا ) تسخر مني انتو ماعندكم ادب ولا شنو
الموظف واقفا وغاضبا : في شنو يا اخينا مالك خاشي فينا شمال كده في سابق معرفة
اخينا : معرفة وهو انتو عارفين حاجة ماعارفين عدوكم ماشايفين شغلكم تسمع الجلبة من الداخل ويدخل المكتب موظف آخر والذي يبدو من هيئته انه احد الرتب الكبيرة
الرتبة : مالكم يا سيد احمد فيما هذه الضوضا
الموظف : والله سعادتك هذا الرجل جا داخل عندنا وبدا يسب فينا دون ان يناديه احد
الرتبة : ماذا تريد يا اخ .
اخينا : حتى انت اذا هي خربانة حتى من الكبار انت كمان ماعارف من اكون ما كنتم في السايقتعتقلونا لاتفه الاسباب حتى لو انفجر كفر سيارة في شمبات تعتقلونا الحين بعد ما اصبحت رغبتنا عقلتوا . ( ويتهيج اخينا ويتحول صوته الى صراخ هستيري مما جعل الظابط يكثف من اتصالاته ويفيق اخينا بِعد يومين ليجد نفسه في مستشفى والذي يبدو من رواده ان له علاقة بالامراض العصبيه .
بعد ان يفيق تماما يلتفت للحوار الذي يدور بين احدى خالاته مع بعض الزائرات من نساء الحي
خالته : اصلوا قالوا يا اخواتي الخير ولد اختي كان في السعودية و الشركة التي يشتغل فيها معتمده عليه تماما لو غاب منها اسبوع تتوقف عن العمل .وعندما عرف اصحاب الشركة اصراره الشديد على الرجوع نهائيا للسودان عملو له عمل (سحر ) عشان ما يرجع يشتغل مع منافسنهم .
سمع هو الحوار هذا وابتسم اولا وهمس في نفسه ( هو ذا نضال من نوع جديد) وانفجر بعد ذلك في موجة من الضحك الهستيري ايضا وخاصة بعد ما عقبت خالته على كلامها ( اها ما قلت ليكم الجنية جاءته ثانية بعد ما عرفت انه سيعقل) .
ليسكت هو ويتقين تماما الا مخرج من الذي اقحم نفسهِ فيه سوى السكوت وآمن تماما ان السكوت من ذهب فعلا.ثم انه فكر في نفسه اي نضال هذا الذي نريد ان نتشبث به . فنحن لم نعاني يوما في الغربة اكلنا اطيب فواكه الارض والطيور بجميع اشكالها . واي نضال هذا مقارنة مع نضال الغبش شاربي مياه الامطار العكره ملتحفي السماء والنائمون تحت هدير الرصاص والذين اصبحت دمائهم ارخص شي موجود في البلد