المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ايقاعات مرعبة



ودتابر
13-02-2010, 07:55 PM
إيقـاعـات مرعبة




( تذكير )


" أيتها المدينة .. كل هذا بينما أنت تضحكين وتُغنين حولنا ..
مندفعة في سرور عارم ؟!! "
الشاعر الفرنسي بودلير




( الإيقـاع الأول )


هدأة الليل المغمور بإشعاع القمر المقهور تتمايل وتتأرجح حتى تنهار وتتحطم .. أمام زحـف الصقيع الموحش وهوج الرياح الرعناء فتتبدل السكينة الناعسة وتغير جلدها .. لتنطلق سهام البرد الموجع وتصفر الهوجاء معلنة ميلاد الخراب .. وأرجوحة الذكرى النتنة محفورة في داخل أعماق مخيلتي .. تتمايل وتتـئد حتى تبين وتتضح .. كقوس المطر المنبثق في أعقاب الغيث أيـام "النشوغ" إلى كنوز الخيرات في زمن العطاء المتدفق والسادر في غياهب السنين الجوفــاء .. وأحس بقساوة اللسعـات المنهمرة على جسدي الواهن المسلوب .. وخيوط الذكرى المتعفنة تحكم قبضتها على عنقي المشلول .. وأحاول جاهداً أن ألملم أطراف ثيابي لأدثر جسدي .. ولكن .. إذا بأناملي تلامس أوصالي وتستقر تحت أضلعي الملساء .. ولا أثر لبقايا أسمالي البالية والتي ضاقت ذرعاً بأوساخ جسدي المتقيح والمشتاق إلى الماء وأحسست بأحشائي تتقرّح ويزداد ضغط أصابعي عليها فيزيد من وجعها وإيلامها .. فآهٍ يا ألم الجوع الثائر في أمعائي .. وآهٍ يا كبدي الأسود المسموم .. وأحاول جاهداً أن أستجمع شتات أفكاري وأكبح جماح عقلي الشارد في عمق المأساة .. وأستدرك نفسي وأمري .. ولكن قسـوة الأيـام الفائتـة التي حفرت في أعماق أعماق مخيلتي تزيدني خوفاً ورعباً .. وعندما ضغطت على نفسي في محاولة للإحساس بواقعي المبتور .. إذا بأنين شيوخ يخر له جبين القمر .. وبكاء أطفال تتصدع له جبال العالم المسحور بزيف الشموس الخدّاعة .. والنائم على أنغام المادية الفتّاكـة .. وهمهمات نساء ثاكلات حائرات ضامرات الأثداء ترتسم الأحزان على وجوههن الصارخة المتضرعة للعطاء .. وإذا بلسـان حالي يقول " أيعقل أن تكون هذه المدينة التي سمعت عنها .. أحقاً هذه المدينة التي حدثنا عنها ذو الشأن والسلطان .. حديثاً ما زال يطن في أذني رغم قسوة الأيام وعذاب الرحيل المر .. حديثاً يطن في أذني وله وقع المجاديف تصارع الأمواج .. حتى خلتهم آخذونا إلى ( إرم ذات العماد ) وإذا بنا وسط الفيافي والوهاد " .. وهتفت أعماقي بصوت مسموع :
- لا يُعقل أن نسكن هذه الخيام ويقولون أنها مدينة للاجئين ..
وإذا بهيكل بجواري يتحرك محاولاً النهوض ولكن جسده المتهالك من طول الرحيل وقساوة التجربة .. وأخاديد وجهه الحاكية تجارب السنين .. وانحنـاءة ظهره حالوا بينـه وبين تحقيق حلمـه في الوقوف .. فاستند على مرفقيـه بإعيـاء شديد .. وأتاني صوتـه من وراء سنين عمره الضارب في صفحات التاريـخ :
- يا ولدي لا تصدق كل ما يقال .. واعلم أن حالنا والأمان قطبـان متنافران لا يلتقيـان .. وأدعو معي لنسأل الله أن يحفظ الإنسان من أخيه الإنسان .. .. وأن تتحملنا هذه الخيام .. ..



( الإيقــاع الثاني )

إرهاصات سوداوية تزج بنفسها في قاعي وتتكوّر .. وخواء يكاد يسلمني للقنوط .. " أحقاً هذا الذي تقول ؟؟ .. .. أسألك بحق السماحة المرتسمة على محياك أن تصدقني القول !! " ..
- يا بني أي صدق تريد وهل يعرف زمانكم الصدق ؟ .. ( وأصرخ مدافعاً )
- ما لزماننا .. إنه مملوء بالفرح الأخضر ومتوهج بالحسن الأغر .. إننا أبناء المدنية التي تسحق كل قديم .. وتحرق كل تخلف .. وتبني كل متصدع .. المدنية التي لم تنعموا بها .. كتب علينا أن نلعق شهدها بعد أن لسعكم نحلها .. إننا التطور والتجديد .. الحب والسخاء .. السلام والنماء .. العلم والضياء ..
وبهدوئه وسماحته التي أحسده عليها :
- لا تخدع نفسك .. فإن كانت خدعتك مدنيتك .. فانظر أمامك ..
وأرسلت بصري لأرى .. ويالها من مفاجأة .. إنها ‍‍.. .. نعم إنها ‘‘ زلطة ’’ .. بلحمها وشحمها كما عرفتها منذ سنين .. ولكن .. تسيل الدموع من خديها الملطخة بالوسخ .. اليوم على غير عادتها .. تختلط دمامتها بقذارتها .. وشعرها الملفوف كلون ردائها الممزق عند الثديين ببلاهة .. كم أسأت لها هذه المسكينة .. وكم رميتها بالحجارة .. وأنا في طريقي إلى المدرسة .. ولكن لم أرها يوماً تبكي .. كنا نظنها لا تعرف الكلام ‍‍‍‍‍‍والبكاء .. كانت أكبر من كل بذاءاتنا وسخافاتنا .. وكأنها خلقت من صخور ذلك الجبـل الحارس المدينة من عواتي الجن – كما كانت تحكي لنا جدتي ـ .. نعم .. أنها " زلطة " التى ولدت مع هذه المدينة .. وتشبه حجارتها وترابها .. فاقتربت منها أكثر وسألتها :
- لماذا تبكين يا زلطة ؟!
- لصوص .. سفلة .. أوغاد .. ...

انهالت تكيل السباب .. فذهلت وعاجلتها بالسؤال :
- من تقصدين .. ؟ .. ؟؟
- أولئك الذين سرقوا طفلتي .. الذين سرقوا أحشائي ..
- من تقصدين ؟ .. وأي طفلة تعنين ؟ " وبعصبية أجابتني .. "
- مولودتي التي أخرجتها من هنـا – وهي تشير بأصبعها – ألا تفهم يا هذا ؟!
وازدادت بذاءة أكثر حتى خجلت من نفسي .. وانكسرت نظراتي .. أتفحص قدميها المتشققة كجروف النيل في زمن المحل .. وعدت أسألها وأنا مازلت مطرقاً :
- ومن أين لك طفلة يا هذه .. ؟!
- لقد أنجبتها قبل يومين فقط ‍‍ .. ) وكشرت أنيابها وتطاير الشرر من عينيها .. وهمت أن تغرز أنيابها في لحمي .. وهي تصيح .. ) سوف تسألني أنت أيضاً .. سوف تقول لي من أباها ؟؟ .. ياسافل .. يا .. ..
واستحييت من نفسي أكثر وآثرت الهروب بجسدي .. وكان هو مازال واقفاً مكانه فابتسم في وجهي بوقاره المعهود .. وقال " هذه واحدة من تفاهات مدنيتكم .. ! " ..


عصام عبدالرحيم
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر


** وسنلتقى احبتي مع بقية الإيقاعات ... ولكم ودي وتقديري .

عثمان جلالة
13-02-2010, 09:45 PM
عزيزي ود تابر .. قصة جميلة في توقيت مناسب .... ودعني أسرد لك يا صديقي تفاصيل هذا المناسب حسب رؤيتي وما أحسه وقتما تصفحت هذه اللوحة الحزينة وأرجو أن تتحمل نظرتي كـ قاريء مهموم جدا .. بالحال

أولا حال المدينة التي وصلت إليه .. وحال ساكنيها .. حال تفاصيلها .. حال لا يسر ... حال يستهدف حتى "زلطه" .. حال يغني عن السؤال ... أعلم أنك ستقول لي ما الداعي لهذه النظرة السوداوية في يوم "عيد الحب" ... فأنا وأنت وكل التفاصيل هنا .. ترنمنا بهذا الحب .. وبكيناه هنا .. حب كان لمدينة تعاني الدمار .. وإنسان محطم .. شاهدت مع إبنتي الصغيرة في يوم العطلة .. قصة عن أسد يعلم في طفلته "اللبوة" كيف أن الزهور والخضرة .. يمكن أن تولد رغم الدمار .. وليثبت هذه النظرية .. حفر بمخلبيه .. في وسط الرماد المنثور في الأرض .. فأطلت زهرة .. خضراء يانعة .. ومضيئة ... ولعلني الآن .. بحاجة لتلك المخالب .. فـ لربما تطل زهرة ما .. لأستعين بها في هذا الصباح

لن أقول أكثر من ذلك يا صديقي .. لأنني في إنتظار .... البقية

لك الكثير من الود ......... وحبي وودي الذي تعلم

آخيرا ....... شكرا .. مبدعنا ود تابر .. ونحن في إنتظار المزيد.

تغريد
16-02-2010, 01:53 AM
إيقاعات مموسقة لمدينة تحتضن الوجع

تخرج من أحشاءها بذرة تنمو لتظلل العمر بلون الحقيقة

هذه الأيقاعات هي ما نرغب دوما ان يلامس واقعنا

نحتاج أن نظهر للكون ما دار في رحم كل مبدع منا

ودتابر

أن ننشد الامان في حضن خيمة ونفتقد الدفء من بني البشر فهذا قمة عدم الامان

الله علي كل من سكن في ملجا او خيمة لجوء حتي لو كانت الي الذات

اه من الغربة حين تعصف بكل ما اؤتي الجسد من قوة النضال للبقاء حيا

أحيانا يكون الظلط أكثر وعيا

وكثيرا ما نغدو صخورا لها القدرة علي الكلام

أيقاعات ترعب النفس من دهشة المشهد

تظهر براعة قلم تفوقت عليه براعة الفكر

نافست ذاتك بشدة

وتفوق الابداع وفزت وكل رواد الثقافي بمثل هذا الوليد الشرعي لأخ وصديق له في الخاطر ألف مكان

لا اقول ننتظر بقية الأيقاعات ولكن كلنا لهفة لمزيد من الجمال

بكل أيقاعات الحياة

حتي ولو كان الرعب اجمل ما فيها

تحياتي أستاذي الكريم

لك مني ودا وتقدير واحترام

صلاح سر الختم علي
16-02-2010, 07:25 AM
الرائع ود تابر
القصة رائعة
ذكرتني نصا جميلا للراحل علي المك
يسمي الصعود الي اسفل المدينة وينتقد فيه ظاهرة بيوت الرذيلة ويتعاطف مع النساء الفقيرات فيها
وهو يدين من خلاله المجتمع عبر ادانة المدينة التي تعج بالعهر في مواجهة قرية تعج بالطهر
وهناك نص ثالث للقاص الزبير علي اسمه البرميل يصور مجموعة من الشماسة وانسحاقهم في مدينة تسحقهم ولاتكترث بطفولتهم وتتركهم ينقبون في الفضلات

االنصوص الاول كتب في السبعينات
والثاني في الخمسينات والحالي في 2010
والهم واحد
الشعور العالي بعذابات الاخرين
لك محبتي ولنا عودة

يسري الياس
18-02-2010, 08:48 AM
الاستاذ ود تابر
تحية لك وانت توزع (تذاكر الحزن) مجانا .. وتدعو جراح المدن للتبرج ..
المدينة (تصدأ) عندما يعطيها ابناؤها ظهورهم .. ويتسلقها المعتوهون ..
وان المطر لا ينزل في مدن (يسكنها الحزن ) لان المطر صديق قديم للفرح ..

نتابع معك (الايقاع)

تغريد
20-02-2010, 02:11 AM
ننتظر بشغف عودة أديبنا المرهف ود تابر لمواصلة بقية الأيقاعات

ودتابر
20-02-2010, 08:11 PM
عزيزي ود تابر .. قصة جميلة في توقيت مناسب .... ودعني أسرد لك يا صديقي تفاصيل هذا المناسب حسب رؤيتي وما أحسه وقتما تصفحت هذه اللوحة الحزينة وأرجو أن تتحمل نظرتي كـ قاريء مهموم جدا .. بالحال

أولا حال المدينة التي وصلت إليه .. وحال ساكنيها .. حال تفاصيلها .. حال لا يسر ... حال يستهدف حتى "زلطه" .. حال يغني عن السؤال ... أعلم أنك ستقول لي ما الداعي لهذه النظرة السوداوية في يوم "عيد الحب" ... فأنا وأنت وكل التفاصيل هنا .. ترنمنا بهذا الحب .. وبكيناه هنا .. حب كان لمدينة تعاني الدمار .. وإنسان محطم .. شاهدت مع إبنتي الصغيرة في يوم العطلة .. قصة عن أسد يعلم في طفلته "اللبوة" كيف أن الزهور والخضرة .. يمكن أن تولد رغم الدمار .. وليثبت هذه النظرية .. حفر بمخلبيه .. في وسط الرماد المنثور في الأرض .. فأطلت زهرة .. خضراء يانعة .. ومضيئة ... ولعلني الآن .. بحاجة لتلك المخالب .. فـ لربما تطل زهرة ما .. لأستعين بها في هذا الصباح

لن أقول أكثر من ذلك يا صديقي .. لأنني في إنتظار .... البقية

لك الكثير من الود ......... وحبي وودي الذي تعلم

آخيرا ....... شكرا .. مبدعنا ود تابر .. ونحن في إنتظار المزيد.


أستاذي .. ودجلاله


يا حريف الحرف .. يا نبيل الوجدان .. ما احوجني لمثل مداخلاتك هذه .. وبما أنني موعود بعودتك مرة أخري فسوف أأجل حلو حديثي وانسجام حروف مع مداد يراعك إلي ذلك الحين .. وفي ذات الوقت أكون قد سكبت بقية الايقاعات التي تؤرق ليلنا .


دمت يا عزيز .. وتسعدني حروفك كثيرا .

ودتابر
20-02-2010, 08:16 PM
إيقاعات مموسقة لمدينة تحتضن الوجع

تخرج من أحشاءها بذرة تنمو لتظلل العمر بلون الحقيقة

هذه الأيقاعات هي ما نرغب دوما ان يلامس واقعنا

نحتاج أن نظهر للكون ما دار في رحم كل مبدع منا

ودتابر

أن ننشد الامان في حضن خيمة ونفتقد الدفء من بني البشر فهذا قمة عدم الامان

الله علي كل من سكن في ملجا او خيمة لجوء حتي لو كانت الي الذات

اه من الغربة حين تعصف بكل ما اؤتي الجسد من قوة النضال للبقاء حيا

أحيانا يكون الظلط أكثر وعيا

وكثيرا ما نغدو صخورا لها القدرة علي الكلام

أيقاعات ترعب النفس من دهشة المشهد

تظهر براعة قلم تفوقت عليه براعة الفكر

نافست ذاتك بشدة

وتفوق الابداع وفزت وكل رواد الثقافي بمثل هذا الوليد الشرعي لأخ وصديق له في الخاطر ألف مكان

لا اقول ننتظر بقية الأيقاعات ولكن كلنا لهفة لمزيد من الجمال

بكل أيقاعات الحياة

حتي ولو كان الرعب اجمل ما فيها

تحياتي أستاذي الكريم

لك مني ودا وتقدير واحترام



الأستاذة .. المبدعة تغريد


حالنا والأمان قطبان لا يلتقيان .. .. ولكن عندما تأتي حروفك راقصة منتشية تزيل ما بنا من غبن .. ولكنها في ذات الوقت توقد لهيب الحرقة الذي يكتوي به أولئك الصامدون في الخيام والمخيمات وهم أهلنا .. وهم بنو آدم مثلنا .


لك التحية على المداخلة .. وتقبلي تقديري واحترامي .

ودتابر
20-02-2010, 08:20 PM
الرائع ود تابر
القصة رائعة
ذكرتني نصا جميلا للراحل علي المك
يسمي الصعود الي اسفل المدينة وينتقد فيه ظاهرة بيوت الرذيلة ويتعاطف مع النساء الفقيرات فيها
وهو يدين من خلاله المجتمع عبر ادانة المدينة التي تعج بالعهر في مواجهة قرية تعج بالطهر
وهناك نص ثالث للقاص الزبير علي اسمه البرميل يصور مجموعة من الشماسة وانسحاقهم في مدينة تسحقهم ولاتكترث بطفولتهم وتتركهم ينقبون في الفضلات

االنصوص الاول كتب في السبعينات
والثاني في الخمسينات والحالي في 2010
والهم واحد
الشعور العالي بعذابات الاخرين
لك محبتي ولنا عودة


الأتاذ الأديب .. صلاح سرالختم


أستاذي أنت الأكثر روعة .. يا صاحب القلم الشفيف .. والرؤى الواضحه والأسلوب النير الجميل .. فمنكم نتعلم ونلتمس الدروب علنا نجد مرافيء الوصول .


أستاذي .. صلاح


كما أن سعيد بأن أجد مقارنة ولو بعيدة تضعني مع قامات أدبية لن أطالها .. ولن أصل لمكانتها السامقة بعد .. .. ولكن ذلك يدل على صدق قراءتك وإحساسك العالي لما بين الحروف ..


لك كل الشكر والتقدير .. وحتما سنتواصل .. وسنتلقى لنرتقى يا ودود .

ودتابر
20-02-2010, 08:24 PM
الاستاذ ود تابر
تحية لك وانت توزع (تذاكر الحزن) مجانا .. وتدعو جراح المدن للتبرج ..
المدينة (تصدأ) عندما يعطيها ابناؤها ظهورهم .. ويتسلقها المعتوهون ..
وان المطر لا ينزل في مدن (يسكنها الحزن ) لان المطر صديق قديم للفرح ..

نتابع معك (الايقاع)


الأستاذ .. يسري


نعم يا صديقي الولوف . إن المدين عندما تنتزع منها الكرامة وتدعى للعهر .. وتفترش طرقاتها للمزلة ولمهانة الانسان .. نجد الجميع في قاعها حطام ..


ولكن يا عزيزي ..

رغم أن الحزن واقع ملموس .. والمعاناة حاضر معاش .. ولكن نرفع أكفنا للعلي القدير بأن يجنب الانسان جبروت اخيه الإنسان .. وأن يجعلنا بنو آدم نعرف كيف نعمر الأرض بالود والحب والوئام .


تقبل ودي وتقديري .. واسعدني مرورك كثيراً .

ودتابر
20-02-2010, 08:25 PM
( الإيقاع الثالث )


الأرض قاحلة جرداء ممتدة أمامهم بلا نهاية وأرجلهم أدماها المسير الطويل ، وأجسادهم العارية تماماً إلا من ورقة التوت .. ذابلة عجفاء ضامرة من شدة الجوع ، وشفاههم يابسة متشققة وأقدامهم الحافية مسودة من هجير الرمضاء أنهكتها رتابة الحركات اللاإرادية في الرمال المنداحة أمامهم كالقدر المشئوم .

الأم تحمل في جنبها الأيمن هيكل طفل ارتمى رأسه على كتفها من شدة الإعياء والجوع وتمسك بيدها اليسرى طفلة في الثالثة من عمرها ذات جسد نحيل ووجه أشبه بالجماجم ، يهزها هبوب النسيم ذات اليمين وذات الشمال ، وطفل آخر في السابعة من عمره يجّر شقيقه الذي يقل عنه بعام واحد ، ويؤازران بعضهما البعض ليتغلبا على قسوة الرمل القاهر ، ويتبادلان رتابة الحركات المهزومة أمام رنين الأجراس الموجع في أحشائهما .

تهالكت الطفلة الصغيرة على الأرض وسحبتها أمها عدة خطوات إلى الأمام ، ولكنها لم تستطع مزيداً من سحبها ، فتوقفت عن الحركة ونظرت إليها فأفلتت من يدها وتهالكت على الرمال وجثت الأم على ركبتيها وصغيرها ما زال على كتفها الأيمن ، وتحسست بيدها وجهها الصغيـر الذي تلاشت منه كل معاني الحياة وسكنت نظراتها ، ووضعت الأم يدها على قلب الصغيرة ، فندت منها آهة مكتومة ورفعت وجهها إلى السماء وتمتمت بدعاء من أعماقها لم تستطع شفاهها أن تردده من شدة الظمأ ، وسالت دمعتان من مقلتيها ، وفي هذه الأثناء كان الصبيان اللذان شاهدا أختهما وهي تلفظ أنفاسها قد وقفا خلف ظهرها واستندا إليه متلاصقين برأسيهما لا يستطيعان حراكاً ، وحاولت الأم أن تتحدث إليهما ولكن أبت الكلمات أن تخرج وألجم لسانها عن الحديث ، وأحست بجسدها المكدود يتهاوى وحاولت التجَلّد والتأسي ولكنها انهارت منكفئة على وجهها والصغير الذي كان مرتمياً على كتفها سقط على الأرض جثة هامدة ، وانهار الصبيان من فوقها وتكوّم ثلاثتهم فوق ذرات الرمضاء المحرقة ، وارتفع أنينهم الذي لم يتعدى أفواههم إلى أسماعهم .

وارتفعت شمس الظهيرة إلى كبد السماء وأرسلت أشعتها الغاضبة تُلهب أجسادهم بسياط من حمم ، ولم يستطع الصبيان مقاومة الهجير ومكابدة الجوع فحاولا الحراك ولكن سقطا على بُعد أمتار من أمهما وسكنت حركتهما ، ورفعت الأم رأسها محاولة النظر لطفليها ولكن لم تستطع أن تُحرك جزء من جسدها المهلوك . داعب أذنيها صدى صوت كأنه أنين السواقي الراحلة في عمر الزمان وحاولت جهدها أن تستجمع ذلك الصوت وفتحت عينيها محاولة أن تعرف صدق إحساسها ولكن أغمي عليها والصوت يشتد في أذنيها وكأنه أضغاث أحلام .

ووقفت سيارة لاندروفر زرقاء اللون مكتوب عليها ( منظمة الأغذية العالمية ) بخط أنيق وترجل منها شخصان ، وألقيا نظرة إلى المرأة الملقاة وحاولا التحدث إليها ولكنها لم تستطع أن ترد عليهم بل رفعت سبابتها مشيرة إلى جثث صغارها ، فتحول انتباههم إلى تلك الأجساد الصغيرة ونظرا إليها واحداً بعد الآخر وقال أحدهم يخاطب زميله :
- لقد فارقوا الحياة جميعهم .. وأظن أن الأم لم يبقَ لها غير لحظات من عمرها .
- لقد وصلنا متأخرين ..
- وهل هذا ذنبنا ؟! كنا نبحث عن بنزين للسيارة ..
- على كل حال لنحاول إسعاف هذه المرأة عسى ولعل أن يكتب لها الله عمراً جديداً !! ..

وانحنيا في محاولة لأخذ الأم إلى السيارة ، ولكن كانت لحظتها قد فارقت الحياة قبل ثوانٍ فانتصبا ينظر كل منهما إلى الآخر في وجوم وبلادة ، وقال أحدهم :
- لا إلـه إلا الله .. إنا لله وإنا إليـه راجعون .. فلنتحرك بالسيارة عسى أن نلحق بالمعسكر فقد يحتاجون إلينا في إغاثة قرية أخرى .
- إذن لنأخذ الجثث …




عصام عبدالرحيم
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر



* وسنلتقى أحبتي مع بقيةٍ من إيقاعات مرعبة تأرق ليلنا .

خالد علونى
21-02-2010, 11:28 PM
الرائع ود تابر يكفينا فقط انك عدت



لك خالص ودي

ودتابر
24-02-2010, 07:32 PM
الرائع ود تابر يكفينا فقط انك عدت



لك خالص ودي



الأخ الشاعر المبدع .. خالد


لن نترك هذا النهر الدافق وفيه أمثالكم يا رااائع ... لك كل المنى والتحايا والأشواق



وشكرا على المرور .

ودتابر
24-02-2010, 07:35 PM
( الإيقـاع الرابع )


عانقت عيناي الفرح وابتسمت لحظات مواسمي المعصورة في رحى الحزن العميق .. أطلت النظر إلى الورقة التي تتراقص بين أناملي .. والتهمت السطور التي تداعب مشاعري .. وتبعث الروح في أوصالي وأعدت قراءتها آلاف المرات .. لأنها من أمي .. تسألني عن حالي المقهور في دياجير الغربة الحمقاء .. وتستفسر عن دنياي التي عشقت فيها الاغتراب منها .. وأحياناً كثيرة من ذاتي .. انتفخت من الفرح .. ولكن انتفاخي كان تماماً كبالون الأرصاد .. فدواخلي صفراء معدمة .. ومع ابتسامات الفرح في محياي انطلقت إلى ‘‘ المقهى ’’ المحبب .. وكما تشاء لي أقداري دائماً عندما أحس بالفرح .. لا يكتمل .. رأيته غاضباً على غير عادته .. هائجاً ثائراً .. يصيح بأعلى صوته .. .. سمعته يتحدث بلغة غريبة وبألفاظ كأنها زئير السباع .. .. وليتني لم أسمع ما قال .. كان يصيح :
- أيعقل هذا يا بني ؟! لم أكن أتوقع أن تصل وقاحة عصر لهذا الحد .. .. هل هذه هي المدنية والتحضر ؟؟ أو هكذا يصبح العلم أهم من حياة الأطفال وكرامة الإنسان ؟!! " ..
ووقفت مشدوهاً وقلت له :
- لم أفهم شيئاً !! ..
- لم تفهم لأنك لم تطالع صحف الصباح .. هل تعرف أن مدنيتكم تقتل الأطفال ؟ .. أنهم هناك في أرض ( غاندي ) من قال " لا للعنف " يقتلون غرسة الذي أفنى العمر لكي يخرجه إلى الحياة .. هناك يا بني أصبح الأطفال كمثرى .. ومانجو .. وأخيراً أنابيب اختبار .. هناك يا بني في ‘‘ بيهار ’’ سوف تموت الأمهات كمداً على صغارهن .. وهناك يا بني سوف تحصد الأرحـام من نسائهم حتى لا تكون شاهداً على مأسـاة عصر .. وعلى وحشية عصر .. و.. و.. ..
وهو يـزأر ويـزأر وأنا أغرس نظراتي وذاكرتي فى دواخله المعذبة .. وأخيراً .. أجهش بالبكاء .. والتفت أنا إلى الوراء بآلية وانطلقت ألوي هارباً لأدفن كآبتي في وسادتي .. لتصير مناماتي كهفاً أحرق فيه عذاباتي .. ..



** وللإيقاعات بقية .


( عصام عبدالرحيم )
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر

ودتابر
24-02-2010, 07:37 PM
( الإيقاع الخامس )


غفوت فى لحظة مشحونة باللقط والهرج المريع .. وصوته الثائر ينقر فى أحشائي وأوصالى من النخاع إلي الوريد .. وصوت مدافع يضج فى أذناي من خلف الظلام المحيط .. ويأتيني مفجع هادر.. " مقديشو .. مقديشو .. يا جناح النسر الكسير .. مقديشو يا مأساة الأرامل والبكور .. مقديشو يا .. " .

وتضيع الكلمة وسط الأحزان المرتسمة كآبة وحسرة على وجهه .. وتتعثر الأحرف وتتعارك وتخرج مرة أخري صاخبة مدوية " ما للسماء تمطر بالرصاص وباللهيب .. ترسل الآثام ملغومة تحصد كل دابة وكل نهد وجيد .. .. وكل طفل رضيع .. وتفجر البركان علي الأرض العذراء التى كان عليها موعد العبور .. ويتلاشى الأمل المعمعم بالترانيم وبالتسابيح .. وبتواشيح المآذن وآلاف الراكعين الساجدين فى خنوع وخشوع .. .. "
وصحوت من غفوة الحزن العميق .. .. فإذا به كالمارد متجهم مصلوب علي رأسي فظننت نفسي فى حلم اسود مقلوب .. ففركت عيناي بقوة وعصبية .. فإذا به منتصب أمامي .. متمرد على وقاره المعهود .. فانفرجت شفتاي لأحدثه .. ولكنه كان أسرع منى فى الحديث .. وصاح :
- ما لزمانكم البغيض ؟ .. وما هذا .. أهي إبادة للإنسان أم حرب ضد الإسلام ؟؟ .. ولماذا يقتل الإنسان أخيه الإنسان ؟ .. ولماذا تنتحر القيم والصلات .. ؟ أم هى ثورة الجبروت الطاغي والأسد الجريح المندفع بكل عنفوان التسلط والجهل بالآخرين .. لتكون شاهد عيان علي هذا الزمان .. ؟؟
حاولت الرد عليه :
- إن لكل زمانٍ كبوة .. إنها .. ( فعاجلني )
- لا تجعل من الغايات الحمقى معابر للوسائل الوحشية والفوضي الهمجية .. ولا يعقل أن نعود إلي عصر ما قبل الإنسان .. من بوابة من يعتقدون أنهم صنعوا إنسان .. ..
- دعني أكمل حديثي .. فرغم المجازر والقبور .. ورغم التجبر والتسلط والفجور فإن زماننا بخيره ولكن لكل زمان كبوة .. ومن الكبوات ما قتل .. .. ورغم كل هذا تجد عصرنا ..
وليتني لم أحاول الدفاع والتبرير .. فجاءت ثورته اشد :
- لم كل هذا التنطع والغرور .. .. وكل هذه الشواهد والأدلة وتسميها كبوة .. ولقد حكمت بنفسك .. فإذا كان من الكبوات ما هو قاتل مميت .. فإن كل هذا يعني احتضار الإنسان فى زمن الصمت المريع .. ..
وقفزت من مرقدي ووليت هارباً إلي ... .. فراغ سحيق سحيق .. .. سحيق .. يحيطني الحزن والسواد البغيض .. .. ..


** وسنتلقى مع الإيقاع السادس والأخير ..



( عصام عبدالرحيم )
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر

ودتابر
24-02-2010, 07:42 PM
( الإيقاع السادس )


غزة .. ورائحة الموت في كل مكان


القناة : احدى الفضائيات التي ترسل الأخبار لتدمع العيون .. وتذوب القلوب كمداً .
الوقت : ليلة ظلماء توقفت فيها عقارب الساعة ومات الإحساس بالتوقيت .
الخبر الأول : مازالت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة تتواصل ..
الخبر الثاني : وفاة 20 شخصاً من جراء الغارات الإسرائيلية معظمهم من النساء والأطفال ومن بين طفل رضيع .
الخبر الثالث : وزير خارجية دولة فلسطين .. يشجب ويستنكر صواريخ حماس على الأراضي الإسرائيلية .


تنفست الصعداء بعمق ثم استدرت .. سلكت الطريق ولا أردي حتى وطأة قدماي أرض مبللة .. أدهشت رطوبتها ذهني .. فارسلت بصري فإذا بي اقف على حافة النهر التليد .. (( عند القيف )) ونحن في زمن الدميرة .. يكاد (( الهدام )) يقتلع كل الحواف الخصبة ليرسلها إلي حيث يريد المولي .. .. ولم استطع أن استرد ما كان يجول بخاطري فقد كانت لحظات عصيبة جلست فيها أمام التلفاز .. وأنا اتابع نشرة الأخبار .. .. فداوخلي تتصارع .. وأفكاري تتعارك .. وأحشائي تكاد تفرغ ما بداخلها .. آآآآآآه .... آآآآآآآآآآآآآآآآآآه .. يا زمن ضاعت فيه النخوة .. وماتت فيه أمة .. ..
لم ألبث دقائق إلا وجدته وجهاً لوجه امامي .. يرعد ويزبد :
- أرأيت .. أرأيت ما يفعل في أرض الرسالات .. أرأيت كيف تتصادم الأفكار وتتعارك القيم ويموت الإنسان .. بكره وبغض أخيه الإنسان ..
حاولت أن أقول شيئاً :
- إنها صراعات حمقى وستنتهى .
- هل أنت غبي لهذا الحد .. ما هذه الحماقة التي جعلت الأخ يقتل احاه .. والأب يقتل إبنه .. ما هذه الحماقة التي تعمي الناس حتى الموت جوعاً .. وحصاراً .. وحراً ..
- لا استطيع أن اقول شيئاً .. فاحشائي تكاد تنداح أمامي .
- أعترف بوحشية هذا الزمن .. عش الواقع .. إقرأ الأحداث .. و ..
- وماذا عساي أن أفعل .. ماذا عساي أن أفعل .. ماذا عساي أن افعل .. غزة الحبيبة تنتحب .. وهامات القدس الحبيسة تنكسر .. وأمة بأكمها تضيع وتنصهر .. قل لي بربك ماذا عساي أن أفعل .
- لن تستطيع أن تفعل شيئاً .. ولا أن تقول شيئاً .. ولك في قول الأخطل الصغير عبرة حين قال :


يا أمة غدت الذئاب تسوسها
غرقت سفينتها فأين رئيسها
غرقت فليس هناك غير حطائمٍ
يبكي مؤبنها ويضحك سوسها
تتمرغ الشهوات في حرمانها
وتعبث في عظماتها وتدوسها
أبناء أحمد والمسيح ألا انهضوا
أتباح حرمتها وأنتم شوسها
ليست من الأشبال فتيةُ أمةٍ
ان ساد احمقها وعز خيسها


كدت أسقط في النهر التليد وأنا أردد البيتين الأخيرين .. فلك الله يا أمة الأمجاد والماضي التليد .. وترددت كثيراً ثم نكست رأسي وسحبت قدماي أرجع الهوينا .. ورأسي يكاد ينفجر .. هل يعقل أن يعطي كل منا أنفسهم الحق في أن يعيشوا مرفهين .. حتى لو يموت الآخرين .. وأن يلهو أطفالنا فرحين .. وهنالك أطفال غزة بين الحطام والركام قابعين ينتظرون الموت .



** أحبتي .. ما كنت أود أن أسوقكم عبر هذه الأحزان والمرارات .. ولكنه واقع معاش .. فعلى أمل أن نلتقى مع الفرح وتغير الذات .. .. وأن يمن الله علينا بمن يحكمون العقول أولاً واخيرا.. .. وأعتقد أن الفجر آتٍ لا محالة .



مع فاشق تقديري ومودتي ..



( عصام عبدالرحيم )

عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر

انور النور محمد
16-01-2012, 10:41 AM
وبعد ان رقصت على ايقاعات الحزن بكاءً مرا

ارعبني ان لا نوافذ للامل تلوح في افق الراقصين على ايقاعات الرعب

استاذي الجميل ودتابر
انتظر معك فجرا خرافي الاشراق والتوهج

ليته يكون ........................

لك محبتي