مشاهدة النسخة كاملة : نظـرة إلى الطرق الصوفية في ضوء القرآن / (لقاء مع شيوخ الطرق الصوفية )
zahid
27-03-2010, 09:20 PM
قال الله تعالى: «ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين. وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين. أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله علـيهم ورسـوله بل أولئـك هم الظـالـمون »
(النور، 24/47-50)
هذا لقاء جمع بين أ. د. عبد العزيز بايندر عضو هيئة التدريس في كلية إلهيات بجامعة استنبول بالشيخ محمود أوسطا عثمان أوغلو المعروف بمحمود أفندي ومعه رؤساءُ الطرق الصوفية الكبار .
وسوف تجد في هذا الحوار ان اجابات الطرق الصوفية مقدم لها باسم "الشيخ" عندما ترد الاجابة منه ، وأما عن الباقينَ فبلَفظة "المريد". ثم الجواب عليهم باسم " بايندر "........بسم الله نبدأ والى مضابط الحوار :
zahid
27-03-2010, 09:28 PM
المريد - قبل الخَوض في الكلام، أريد أن أعرف: هل تقبل التصوف أم ترفضه؟
بايندر - ما المقصود بالتصوف عندكم؟
المريد- التصوف هو كما عرفه الأمام الرباني في مكتوباته إذ يقول: " إعلم أن للشريعة ثلاثةَ أجزاء، العلم والعمل والإخلاص، وإذا لم يتحقق هذه الأجزاء لم تتحقق الشريعة. ومتى تحققت الشريعة تحقق رضا الحق سبحانه وتعالى، الذي هو فوق جميع السعادات الدنيوية والأخروية، "ورضوان من الله أكبر" (التوبة، 9/72)، فكانت الشريعة متكفِّلةً بجميع السعادات الدنيوية والأخروية ولم يبق شيء يحتاجه المسلمون وراءَ الشريعة".
بايندر- لكن الذي تشتغلون به مخالف لما ذكرتَه أنت.
المريد- ليس فينا ما يخالفه!
بايندر- نحن مبدئنا هو أن لا نخالف إلا ما خالف القرآن الكريم مخالفة واضحة. ولو كان آرائكم الصوفية تخالف المذاهب الإسلامية مثل المذهب للحنفي والشافعي والمالكي والأشعري والماتُريدي أما ما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ درجة التواتر؛ ولكنكم تخالفون القرآن وتتركونه وراء ظهركم. وهذا مما لا يمكن السكوت عنه.
zahid
27-03-2010, 09:34 PM
المريد - بلغنا أنك لا تقبل هذا الحديث: "إذا تحيَّرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور". فما السبب الذي أداكم إلى الانكار به؟ مع أن الاستعانة بأصحاب القبور هي الاعتبار بهم.
بايندر - لو كان الأمر كما تقول، فلماذا قال استعينوا ولم يقل اعتبروا؟ ويفهم من عبارة "استعينوا" أن الحديث موضوعٌ لأن الاستعانة طلب العون. وفي سورة الفاتحة يعلمنا الله تعالى بقوله (وإياك نستعين) أن الاستعانة لا تكون إلا بالله وحده، أي فلا يطلب العون إلا من الله سبحانه. وعلي فهذا القول معارضا للقرآن الكريم.
أليست قراءتُنا الفاتحةَ في كل صلاة واستحضارُنا هذا المعنى لسبب؟ أفلا يَكبُر عليكم أن تُظاهروا وتُؤَيِّدوا مَن يَفتري الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أفلا تعقلون؟ أيُعقل أن يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف القرآن مع أن وظيفته الأصليةَ تبليغ ما أنزل إليه؟ ثم إن هذا القول لم يسمعه أحد منه صلى الله عليه وسلم، ولم يقل مثله احد في عهد الصحابة ولا التابعين. كما أن هذا الحديث المزعوم لم يرد في الكتب الصحيحة. وقد قلت هذا من قبل مرارا ولكن لم يأت منكم جواب يغني من جوع ويذهب العطش.
المريد - يكفينا أنه موجود في كتاب "كَشفُِ الخَفاء" للعَجْلوني، وله مكانة كبيرة في الحديث، وقد نقله عن ابن كمال باشا من كتابه الأربعين.
بايندر - كَشف الخَفاء صَنَّفه العَجلوني ليميز به الصحيح من الضعيف مما اشتهر على ألسنة الناس من الأحاديث. لذا كثُر فيه الأحاديث الموضوعة. وفي مقدَِّمته ينقل عن الحافظ ابن حجر قولَه:"... وإما لا أصل لها البتةَ، فالناقل لها يدخل تحت ما رواه البخاري في ثُلاثيّاته من قوله صلى الله عليه وسلم: "من نقل عني ما لم أقل فَلْيَتَبَوَّأْ مَقعَدَه من النار".
ورتّبه ترتيبا ألفبائيا وعزا الأحاديث إلى مُخرِجيها، لكنّ هذا الحديث لم يذكر فيه شيئا سوى أنه نقله من كتاب الأربعين لابن كمال باشا. ولو اطلعتم عليه لما وجدتم له أيَ أصل . وما على الذين وضعوه إلا أن يتبوؤوا لأنفسهم مقاعدهم من النار.
المريد - ألسنا نستعين بالإنسان الحي؟ بلى، وهكذا روح الولي الميت، هي كالسيف المسلول من غِمده، فهو أكثرُ قدرةً على الإعانة، وهؤلاء الأولياء أصاحب القدرة على التصرف.
بايندر - أما موضوع الاستعانة بالأحياء فسنقف عليه فيما بعد. وأما ما ذكرتموه من تحوُّل روح الولي إلى سيف مسلول بعد الموت؛ فهل له سندٌ من كتاب وسنة؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفَى نصلي ونسلم عليه كلما ذكرناه أو زرنا قبرَه، أي أننا نسأل له الرحمة من الله والسعادة الأبدية. أما أن ندعُوَه فهو مخالف لصريح النص الشرعي.وإلا فما الفرق بيننا وبين النصارى الذي يدعون نبيَ الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لينصرهم؟ وهذا مما ليس له أصل في شريعتنا بل ضلال عن الصراط المستقيم. ثم قولكم إن الولي إذا مات صار أكثرَ قدرةً على التصرف والإعانة؛ وهل من دليل يثبت قولكم؟؟؟
المريد - خروجُ روح الولي كالسيف المسلول من غمده عند الموت قولٌ منسوب لبعض كبار أهل العلم.
بايندر - قد بين اللهَ تعالى في كتابه الكريم بطلانَ ما تدّعونه فقال: "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" (الزمر، 39/42). فهذه الآية تدل على أن الله يُمسك الأرواح في مكان ما في البرزخ حتى تقوم الساعة.
أما عن الموتى فقال تعالى: "وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور" (فاطر، 35/22).
ثم فكروا في قول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في الآخرة في قول الله تعالى "... وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" (المائدة،)
فإذا كان رسولُ الله المسيحُ عيسى بنُ مريم نفسُه عليه الصلاة والسلام لا علمَ له بما أَحدَثَت أمتُه من بعده، فكيف يُقبل أن تكون روح الولي كالسيف المسلول من غِمده؟
واستمع إلى هذه الآية الفاصلة بيننا: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون" (الأحقاف، 46/5).
و"الدعاء" في الآية بمعنى "العبادة".فخصت الآية بعبادة الأوثان. وهذا خطأ. لأن الآية يشمل جميع أنواع الشرك الموجودة قديما وحديثا.
zahid
27-03-2010, 10:06 PM
والدعاء كما قال النبي صلى الله عليه هو "... العبادة..." ، وقال: " الدعاء مخ العبادة" والذين اتخذوا من دون الله أولياءَ نظروا إلى هؤلاء المدعُوِّين على أنهم أعظم من سائر البشر، وأنهم مقَرَّبون إلى الله تعالى. فليس يوجد في الدنيا كلِها كافرٌ ينكر وجود الله عز وجل، لكنهم اتخذوا وسطاءَ بينهم وبينه سبحانه، فآل بهم الأمر إلى أن نسبوا إليهم ما لا يليق بهم من صفات الله تعالى، من غير علم أو سلطان أتاهم. إنما يتبعون ما وجدوا عليه آبائهم. ونسبتهم لعبد ما صفة لا تكون إلا لله هو اتخاذه شريكا لله في تلك الصفة. وهو شرك بالله.
ويُظن أن الملاحدة ينكرون وجود الله تعالى. ولكن الحقيقة أن الملاحدة كذلك يؤمنون بوجود الخالق لأنهم إذا وقعوا في الشدة لم يَدعُوا إلا إياه، ذلك بأن إنكارهم ليس إلا جحودا. حالهم حال المشركين الذين إذا قيل لهم "من خلق السموات والأرض ليقولن الله".
المريد - بعض المرضى قصدوا القبور للاستشفاء بها فشُفوا. وهذا أمر مذكور على لسان أوثق الرجال المُوَقَّرين. كما هو واقع نراه كثيرا؛ فما قولك؟
بايندر –هذا الموضوع لا يحتاج غلى قول يقال؛ لأن الآياتِ التي ذكرناها كافيةٌ في بيان بطلان هذا الزعم.
المريد - قال أحد الشيوخ الكبار من أصحاب الطرق الصوفية في مجلس عيد: " كانت لي أخت مُقعَدة، ذهبنا بها إلى كل الأطباء الموجودين في مدينة أدنا في ذلك الزمان فعَجَزوا عن مُداواتِها. ثم أوصى البعض بأن نذهب بها إلى جبال طُوروسَ ففيها ضريحٌ مشهور، و نَبِيت هناك ونتوسّلَ به في الدعاء، ونَستمِدَّ من رُوحانيّته لتُشفَى بإذن الله. وكنا قد يئسنا من كل الأطباء الذين ذهبنا إليهم. ففعلنا ما أوصينا من الذهاب إلى هناك، وبينما نحن نيام في الليل إذا بأختي تصرخ عاليا، فانتهزت أمي متسائلةً ما الذي حدث لها، أأُصيبت بسوء في عقلها؟ أم هو شيء من الخوف شعرت به؟ أم ماذا؟ وأختي ما تزال تصرخ وتقول: ’’لقد شُفيت، إني أمشي، ونحن واقفون في دهشتنا وتعَجُّبنا، ولم ننتظر فَلَق الصبح حتى رجعنا من الجبل مع أختينا وهي تمشي على قدميها" . وكلام هذا الرجل المُبَجَّل وتجربتُه أمرٌ له شأنُه عندنا. فما قولك؟
بايندر - الذين يعتقدون أن أهل القبور ينفعون الأحياء في قضاء حاجاتِهم هم الذين يُصَدِّقون مثلَ هذا الزعم، تَبَعا لاعتقادهم شئتَ أم أبيتَ. لكنّ هذا كَذِبٌ مَحض. ألم يُخبِرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن انقطاع عمل الإنسان بعد موته قائلا: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ، إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" . والصدقة الجارية كالمسجد والعَين والجِسر مما يَنتفع به الناسُ يَدُوم ثوابُه، ويصل إلى فاعله ما دام مُستمِرَّ النفعِ، وكذا العلمُ النافع. فإذا أَنجز إنسانٌ عملا علميا مُفيدا فثوابُه يصل إليه. ومثلُه دعاءُ الولدِ الصالحِ. فكل هذه الأعمال يستمر ثوابُها حتى بعد الموت، ولم يبقَ له أيُّ عمل بعد وفاته إلا تلك الثلاثة.
وفيما حكيتُموه عبارةُ: "ونتوسلَ بدعائه ونَستمدَّ من رُوحانيّته لتُشفَى بإذن الله". ودعاء الأموات للأحياء لا حقيقةَ له، ولو كان الأمر كما ذكرتَ للذهبنا بكل مريضٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دعاؤه و رُوحانيته أعظم وأكبر.
ثم فكروا قليلا واعقلوا، أبعد اليأس من كل الوسائل الطبية هو الذهاب إلى قبر يستشفى به؟ أيقدر الأموات على ما لم يقدر عليه الأحياء؟ أيقبل هذا العقول السليم؟ والله تعالى يقول: "وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور" (فاطر، 35/22).
وما أسوأَ أن يجكي الإنسان على الناس الأعمال الخبيثة التي لا أصل لها ولا يحقق شيئا سوى أنه رآى أنهاحسنةً في أعينهم فأكبروها ليعظم من زيّنها لهم من شياطين البشر.
zahid
27-03-2010, 10:14 PM
المريد - إني أعتقد صحةَ كل ما ذكرتُ عن هذا الشيخ من صميم قلبي، فهل تزعم أنه لم يَحدث؟
بايندر - لم ازعم ولكني على يقين أنها مخالفة لكلام الله تعالى. فأما المريض المذكور في الحكاية فلعله شُفي حقا، أما أن يكون صاحب الضريح وسيلةً للشفى فهذا ما لا يمكن قبولُه أبدا. وما ذكرتَه في الحكاية ليس الأول ولا الأخير مالخرافات. ليخدع جهلاء المسلمين.
والأصل أننا نعبر الصراطَ الستقيم في الدنيا أولا، فإذا أخطأنا في التأويل زَلَّت بنا الأقدام. وها نحن نرى أتباع الطريقة القادرية يَغرِزون السَفافيدَ في أبدانهم ويَحسَبُه البعض كراماتٍٍ خُصَّ بها القومُ. وكذا الهنود، فهم مَعروفون بإنفاذ السيوف في أجسادهم، ويَغرِزون في خُدودهم قَصَباتٍ سُمكها كخشب المَطارق حتى تَنفذ من الشِقِّ الآخَر. فلو كان صنيعُ القادِريّةِ كراماتٍ لوَجب أن يُنسب هؤلاء الهنودُ إلى فِعل المُعجِزات. والحقيقة أنه لا علاقة لأحد من الفريقين بالدين. بل يجب تنزيه الدين عن مثل هذه الأفعال، وإنما هو من قبيل التنويم المغناطيسي. وبعض العمليات الجراحية تُجرى بهذا التنويم دون اللجوء إلى التخدير، فلا يشعر المريض بأي ألم. وقد نشاهد في التِلفاز تصوير العملية واضحة على دماغ مفتوح يُسأل المريض أثناء العملية، هل يشعر بشيء من الوجع، فيجيب بأنه لا يُحِس إلا بمثل الدغدغة فقط.
zahid
27-03-2010, 10:20 PM
الان نصل الى نقطة اخرى وهي التوسل والوسيلة :
التوسل اتخاذ شيء ما وسيلةً وواسطةً. والوسيلة والواسطة ما يُقرِّب شيئا من آخر. وفي بعض الطرق يُتخَذ الوليُ والشيخُ وسيلةً أو واسطةً بين الله تعالى وبين عباده أثناءَ الدعاء، فيُستمد من روحانيتهما. والولي عندهم من يجعلونه وليا لله.
شيخ أفندي - أنت لا تقبل الوسيلة ونحن نملك من الدليل ما يكفي على جوازها. فقد جاء رجل أعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ملتمِسا منه الدعاء، فقال له:" توضأ وصل ركعتين، وقل: "يا رب إني أتوسل إليك برسولك لتَشفيَني". فدعا الرجل قائلا أيضا: "يا ربِّ شفِّع فيَّ نبيَّك". هذا الحديث صحيح، فإن لم تقبله لم نقبلك نحن أيضا.
بايندر - هذا الحديث في سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمدَ وهو كالتالي:
عن عثمانَ بن حُنَيفٍ أن رجلا ضريرَ البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:" أُدعُ الله أن يُعافيَني، قال: إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خيرٌ لك. قال: فادعُه، قال: فأمره أن يتوضأ فيُحسنَ وضوءَه، ويَدعوَ بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ نبيِ الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي لتُقضى لي، اللهم فشفِّعه فيّ" . أما هذا الرجل فقد سأل الدعاءَ لنفسه، والمؤمن يدعو لأخيه المؤمن. وفي هذا الموضع كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وَعَده بالدعاء له، وأمره أن يدعوَ لنفسه بنفسه بقوله:"اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ نبي الرحم". وأما حرف الباء في قوله بنبيك فلعله يُفسَّر على غير وجهه الصحيح.
ومهما يكن، فهو يفيد الإلصاق هنا، أي جعل شيء جزءً من شيئ آخرَ. وعليه يكون المعنى الصحيح للحديث كالتالي: اللهم إني أستعين بك وأتوجه إليك مع نبيك. ولا يمكن معنى غيره لأنه يكون منافيًا لقول الله تعالى في خطابه لنبيه: "قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله" (الأعراف، 7/188).
شيخ أفندي - فما قولك في هذه الآية التي هي دليلٌ آخرُ على مشروعية التوسل: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" (النساء، 4/64)؟
فقد كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفرَ لهم الله، فكان كذلك يفعل. وهذا ما يفعله الناس مع الأولياء. لأن الأولياء ورثة النبي صلى الله عليه وسلم مأمورون أن يفعلون ما كان يفعل النبي صلى الله علهي وسلم.
بايندر - تعلم أن التوبة هي العودة والرجوع، وأن الاستغفار هو طلب المغفرة. وندم المرء على ما اقترفه من ذنوب، وعقده العزمَ على عدم الرجوع إليها أبدا توبة. فليس عندنا إذن الاعترافُ بالذنوب لدى رجال الدين كما هوالحال عند النصارى، فالتوبة لا يُشترط لها شيخٌ يُرجع إليه لعقدها.
والآية التي قرأتَها إنما هي في التوبة والاستغفار، فكانوا إذا أخطؤوا فعصَوا الله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم الله تعالى، ففعلهم هذا يقتضي صدورَ الندم منهم، وهو التوبة، وكذا طلبهم صفحَ الله عنهم هو الاستغفار. وطلب النبي صلى الله عليه وسلم العفوَ من الله هو استغفارُه لهم. وما أجملَ الفوزَ بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم! فليس هذا مَقامَ التوسل.
وكثير من الآيات تدل على رحمة الله تعالى بعباده وقبول توبتَهم. ونورد الآية بتمامها "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" (النساء، 4/64).
شيخ أفندي - أما أنتم فقولوا ما شئتم أن تقولوا، وأما نحن فنؤمن باتخاذ أرواح الأولياء الكرام والشيوخ العظام وُسَطاءَ بين الله وبين عباده، فنستعين بهم ونستمد من روحانيتهم.
بايندر - فأين أنتم من قول الله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين"؟ أي لا استعانةَ إلا بك. ونحن نقرؤها كل يوم مرات كثيرة.
وقال الله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (ق، 50/16).
فإذا كان الله تعالى أقربَ إلينا من حبل الوريد، فأيُّ موضع بقي لهؤلاء الشيوخ العظام ليُقحموا فيه أنفسهم فيقفوا بين الله تعالى وبين عباده؟
شيخ أفندي - جاءتني طالبتان من كلية الإليهات تسألانني السؤالَ نفسَه، قالتا: إذا كان الله أقربَ إلينا من حبل الوريد، فما للشيوخ في الأمر؟ فقلت لهما: أتقرآن القرآن؟ قالتا: نعم، قلت: من يُقرؤكما؟ قالتا: معلم القرآن، فقلت لهما: أليس الله أقربَ إليكما من معلم القرآن؟ فلمَ احتجتما إلى غير الله لتتعلما القرآن؟ قالتا: نعم، أنت على حق.
بايندر - ما العلاقة بين اتخاذ الإنسان معلما ليتعلم القرآن وبين اتخاذه واسطة بين الله تعالى وعباده في الدعاء؟ أين التوسل في هذا؟ أوَ كل من كان معلما للقرآن لزم على زعمكم أن يكون واسطة بين الله تعالى وعباه؟ الحمد لله الذي وهب لي عقلا أفهم به ديني.
zahid
27-03-2010, 10:27 PM
كل مسلم ولي لله
شيخ أفندي - نحن نتحدث عن الأولياء، وليس عن كل مَن هَبَّ ودَبَّ. ولا يمكن لكل الناس أن يكونوا أولياءَ ومقربين إلى الله تعالى.
بايندر - فمن هو ولي الله؟
شيخ أفندي - أشرح لك فاستمع:
على الولي في بداية سلوكه الطريقَ إلى الله أن يُزيح كلَ دخيل بينه وبين الله، وأن يرفع جهله بالله ليكون عارفا به. وإذا أنعم الله تعالى على السالك فأخرج كل شيء من قلبه إلا الله، ولم يرَ غيرَ الله، هناك حصل له الفناء في الله، يفني نفسه في الله، وهذا نهاية المطاف للطرق الصوفية. وهكذا يكون قد أكمل السير إلى الله. أي السير المعنوي إلى الله تعالى.
ثم بعد ذلك يدخل في مَقام السير في الله، ولا يكون في القلب إلا اللهُ جل جلالُه. وهذا السير يمر من الحلات والمقامات فالذي يكسب هذه الحلات والمقامات وليا من أولياء الله.
وهنا يتحول من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس المطمئنة، فيُعرض عن الكفر والإنكار، ويَرضى عن الله ويَرضى الله عنه، ويرتفع عن طبيعة النفس الأمارة بالسوء، مما يكون فيها من النفور من العبادات .
بايندر - تتحدث عن الفناء في الله، والسير في الله، والسير إلى الله، وتبينها على أنها مراتبُ عالية، فهل يوجد لها دليل من القرآن والسنة؟ وهل ذُكر مثلُ هذا في عصر السعادة، عصرِ النبي صلى الله عليه وسلم؟
وكيف تفسرون أن يكون للسير المعنوي نهايةٌ أو حدٌ في الدنيا؟ ومهما يكن فأنا لا نريد أن نتحدث عن هذا الموضع الآن. فإذا قدّر الله تعالى وقتا مناسبا في مرة القادمة ممكن نتكلم إن شاء الله.
والله تعالى أعلم بمن كان له وليا، وهو عز وجل الذي قال: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون" (يونس، 10/62-63). فأولياء الله هم المؤمنون المتقون.
وفي بداية سورة البقرة بين الله تعالى المتقين، وهم "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك بالآخرة هم يوقنون" (البقرة، 2/2-4). فهكذا عرّفهم الله لنا، فما لكم تأتوننا بتعريف آخرَ؟
والولي - ولي الله صِدقا - يقابله عدوُ الله، وكل المؤمنين أولياءُ الله، ولكن من الناس من يتخذُ الشيطان وليًا، "ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا" (النساء" 4/119).
والوَلاية متبادَلة، فالمؤمنون أولياء الله، والله ولي المؤمنين، والشيطان ولي الذين اتخذوه وليا من دون الله، قال الله تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من الظلمات إلى النور أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة، 2/275). "تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم" (النحل، 16/63). ("إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" (الأعراف، 7/27). "إنهم التخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون" (الأعراف، 7/30).
كما بين الله تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فقال: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله ترجع الأمور" (آل عمران، 3/2). والآيات كثيرة في هذا الموضوع.
والوَلاية ذات درجات، فمن الناس من يعمل كل ما في وَُِسعه ليكون عبدا لله حقا فيُسَخِّر مالَه ونفسَه، وكلَّ ما يملك في سبيل الله. فظاهرٌ أن مَن كانت هذه حالَه كانت ولايتُه أزيدَ ممن كانت حالُه دونه. "والذي أوحينا إليك من الكتاب مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" (فاطر، 53/13-23).
فالذين حصّلوا على هذه الدرجة يشعرون دائما بالسعادة والابتهاج لأن الله معهم، فلا تَعظم في أعينهم المصائب، ويعلمون أنّ ما أصابهم قَدَرٌ مقدور، فيداومون على طريقهم معتمِدين على الله تعالى، فآثار المصائب لا تُرى إلا على ظواهرهم ولا تكون في بواطنهم.
zahid
27-03-2010, 10:36 PM
إغاثة الأولياء
شيخ أفندي - يقول الشيخُ عبدُ القادر الجِيلانيُّ في بعضٍ أشعاره:
مريدي إذا ما كان شرقا ومَغربا
أُغِيثه إذا ما صار في أي بلدةِ
بايندر - هذا يناقض كثيرا من الآيات القرآنية؛ مثل قوله تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون" (النمل، 72/26).
فإذا ظهرت للمرء حاجةٌ فقضاها بسواله من غير الله سبحانه وتعالى، فكيف له أن يشعر بوجوب التجائه إلى الله سبحانه وتعالى؟ وقد قضى حاجته بدون أن يحتاج إلى الله؟
شيخ أفندي - إذا لم تؤمن بعبد القادر الجيلاني فقد انقطع الحديث بيننا وبينك.
بايندر - لم أجد الإيمانُ بعبد القادر الجيلانيِّ من شروط الإيمانِ في الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ولكني وجدت من شروطه الإيمانُ بما في القرآن، والعمل به.
وأنا أرى أن أكثر ما يُذكَر عن هؤلاء الشيوخ غيرُ صحيح. والشعر المذكور آنفا نعُدُّه من هذا القسم. فإذا كان قد اختُلق الكذبُ بالآلاف من الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يُكذبُ على عبد القادر الجيلاني أو جلال الدين الرومي أو الإمام الرباني؟ ولكن لو جاءنا عبد القادر الجيلاني وذَكر لنا هذا الشعر لم نُسلِّم له به معتذرين عنه بقلة علمنا إلى جانب علمه، بل نرده عليه غيرَ متردِّدين، لأننا سنُحاسب يوم القيامة ما أمرنا الله تعالى بالقرآن الكريم وليس بما قاله عبد القادر الجيلاني.
zahid
27-03-2010, 10:37 PM
مَدَد الشيخ
هناك زعم في الطرق الصوفية أن الشيخ قادر على إعانة مريديه بوسائل خارقة للعادة، وأن يُخرجهم من الضيق الذي وقع فيه.
المريد - و مدد الشيخ أيضا تَردُّه ولا تؤمن به؟ أمّا أنا فأعمالي كلُّها في غاية ما يُرام بفضل مدد شيخي. هذا ما أَراه وأعيش عليه.
بايندر - حين تذكرون همة الشيخ فإنكم لا تقصدون علاقةً خاصة بينكم وبينه، أنتم تقصدون عونا معنويا. أليس هذا ما تعنون؟
المريد - بلى. ولنأت بمثل: حين كنت في الحج وكان شيخي في تركيا رأيت مددَه في نزولي من عرفات، فما أسهل ما كان! حتى إنني وصلت إلى الفندق على الساعة الثامنة صباحا بعد رمي الجَمَرات.
بايندر - لماذا لا تقولون أن هذا المعون من الله تعالى، وتقولون أنه من "مدد الشيخ"؟
المريد - الله تعالى يُعين المريدين لِما لشيخهم عند الله من المنزلة العالية، لذا نقول أنه من الشيخ.
بايندر - الجوابَ نفسَه تكرره. فالذين جاؤوا قبل الساعة الثامنة إلى الفندق، كان بمدد من؟ وقد كثيرا من الآيات في هذا الموضوع، ولكن لِنفكر قليلا... ثم نقرأ قوله تعالى: "قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا " (الإسراء، 17/56-57).
وأنتم تؤمنون بشفاعة شيوخكم يوم القيامة، فإذا كان الشيوخ ينقذون مريديهم في الدنيا والآخرة فلا شك أن أعظم ما على المريد فعلُه هو نيلُ رضا شيخه والسعيُ وراءَ ما يقرِّب إليه، فلا يبقى إذن معنى للتضرع إلى الله تعالى؟!
وطريقكم هذا باطل أسأل الله العلي الكبير أن ييسر لكم التوبة وإلا فإن عاقبتكم الخسارة.
zahid
28-03-2010, 05:03 AM
التوسل بحُرمة الشفعاء في الدعاء
المريد - ألاَ نتوسل بحُرمة كبار الشيوخ في دعائنا حتى يستجيب الله لنا؟ أفلا ندعو بهذا الدعاءِ:" يا ربّ استجب دعائي بحق محمد، أو بحرمة الأولياء الكرام والشهداءِ والصالحين "؟
بايندر - بلى،هناك من يفعل هذا في دعئهم. وفي بعض الكتب كـ "مولد سليمان شلبي" يوجد مثل هذا الدعاء، لكنه باطل غير جائز. يقول ابنُ أبي العز الحنفي في هذا الأمر:" ولا يجوز الحَلِف بغير الله...، ولا أن يُسأل بسببه ولا أن يُتوسَل به... فكأن يقول لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي! ولا علاقة به بالدعء. وإنما هو من الاعتداء في الدعاء، وقد قال تعالى: "أدعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" (الأعراف، 7/55). وهذا ونحوُه من الأدعية المبتدَعة، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين، ولا عن أحد من الأئمة رضي الله عنهم، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتبها الجهال وأصحاب الطرق الصوفية".
zahid
28-03-2010, 05:06 AM
الإعانة بخوارق العادة
المريد - ألا يستعين الناس بعضُهم ببعض؟ فكيف لا يُستعان بغير الله إذن؟
بايندر - يوجد العديد من الآيات والأحاديث التي تَحثُّ على التعاون والتناصر، لكن الكلَّ يعلم أن طلبَ المعونة من الروحانيين (الأموات) تختلف عما يجري بين الناس من التعاون. فالناس يستعينون بهم في المواضع التي يجدون أنفسهم عاجزين فيها، فيدعونهم لدفع ضرر أو جلب مصلحة متخذين والسائل المتعارفة للنصرة بينهم.
وعلى سبيل المثال: في حي توزلا من مدينة إسطنبول، تعرض بعضُ الناس سيلاً جارفا وهم على الطريق في سياراتِهم، فدعا أحدُهم حمزةَ رضي الله عنه قائلا:" يا سيدنا حمزة " يستعين به. ولو أن هذا الداعيَ سأل اللهَ العليمَ البصيرَ الخبيرَ الذي لا يخفى عليه شيء لكان قد أحسن الصنع ولكنه يسأل السيدَ حمزةَ الذي يرقد في قبره بعيدا عن إسطنبول بآلاف الأميال. فهذا يعني أنه يؤمن بأن حمزة قادر على سماع دعائه والمجيء إلى ذلك المكان وإغاثته على الفور. فهذا الداعي يزعم أن في حمزة بعض الصفات التي هي فوقَ صفات البشر. منها الحياة والعلم والسمع والبصر والإرادة والقدرة. والحياةُ خلاف الموت. فهو استعا بحمزة لأنه يزعم أنه ما زال حيا.
المريد - لكن الشهداءَ لا يموتون.
بايندر - صحيح أن الشهداء ليسوا بميتين؛ قال الله تعالى: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون" (البقرة، 2/154). فهذه الحياة ليست مما نشعر به، ولو كنا نستطيع الشعورَ بها لما تأَسَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمِّه حمزةَ الذي مات شهيدا كل هذا الأسفَ. ولو كان حمزةُ يُجيب المناديَ لجاءه أحيانا ولسأله قضاءَ بعض الحاجات.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا قَطُّ أشدَّ من بكائه على حمزةَ بنِ عبد المُطَّلِب، وضَعَه في القِبلة، ثم وقف على جِنازته وانتحب حتى نَشَع من البكاء"، والنَشَع الشَهيق.
وبعد أن أسلم وَحشيٌّ ذهب إلى المدينة ليرى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "فلما رآني قال: أأنت وحشي؟ قلت: نعم. قال: أنت قتلتَ حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغكَ. قال: فهل تستطيع أن تُغَيِّب وجهَك عني؟ قال: فخرجتُ".
وسنعود إلى موضوع الشهداء فيما بعد.
وحين تُوُفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تكلم أبو بكر رضي الله عنه بكلام حسن يذكره ابنُ عباس رضي الله عنهما فيقول:" فقال أبو بكر: "أما بعد؛ من كان منكم يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، وقرأ قوله تعالى: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل... إلى قوله الشاكرين" (آل عمران، 3/144). وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقّاها منه الناس كلُّهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها... فأخبرني سعيد بنُ المسَيَِّب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعَقِرت ما تُقِلُّني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعتُه تلاها، علمتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات".
وقال تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون" (الأنبياء، 21/34). "إنك ميت وإنهم ميتون" (الزمر، 39/30).
فبعد النظر إلى ما تقدم من الآيات والأحاديث؛ من ذا الذي يستطيع أن يَدَّعيَ في حمزةَ رضي الله عنه حياةً نستطيع أن نشعر بها؟ والله تعالى يقول: "والله يعلم ما تسرون ما تعلنون والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون" (النحل، 16/19-21).
وما أكثر الذين يستعملون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأغراضهم السيئة! فهؤلاء يفترون على الله الكذب لتدومَ لهم السيطرةُ على الناس. وهم يُضلونهم بزعمهم أن رسول الله حيٌ وأن لهم معه لقاءات رغم كثير من الآيات التي تفند كلامهم ولكن يتجاهلونها ليتحقق مزاعمهم الباطلة، حتى إن منهم من يدّعِي أن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم نقيب المفتشين الذين يراقبون الشيوخ ومن حولهم من الأتباع، ويحفظونهم من السوء. فماذا يُنتظَر إذن ممن يستعين بروحانيّة الشيوخ، أو يزعم أن الوليَّ تخرج روحه عند الموت كالسيف المسلول من غِمده؟
وأمثال هؤلاء من ذوي الحِرص والطمع في تحقيق مزاعمهم الباطلة يصعب أن يهتدي. ولكنن أَود أن أنقُل هذه العبارة عن عمر رضي الله عنه حتى يستفيد من كان لع عقل سليم أو ألقى السمع وهو شهيد: "... كنتُ أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا –يريد بذلك أن يكون آخرهم- فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هَدَى الله محمدا صلى الله عليه وسلم". هذا النور هو القرآن الكريم. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموضوع في خطبة الوداع بقوله:" تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله". "فماذا بعد الحق إلا الضلال" (يونس، 10/32).
والشخص الذي ذكرناه سابقا؛ تخيل في حمزة رضي الله عنه الصفةَ الثانية وهي العلم؛ والعلم هو المعرفة والتصور. وفي الإنسان صفة العلم، زلكن علمه محدود ومشروط بشروط. كما أن للإنسان صفة النسيان فقد ينسى ما تعلم على مر الزمن، وعلمُ الله لا نهايةَ له. وهو يعلم كل شيء بأدق جزئياته، وعلى أكمل وجه، ولا ينسى أبدا.
وعلى هذا فمن الضروري أن يعرف حمزة إستانبول بالرغم أنه ما جاء ولم يرى استانبول قط. وتوزلا مدينة صغيرة قريبة من استانبول على طريق أنقرة وقد حدث فيها فيضانات. وقد دعى المغيث حمزة ليحضر وينفقذه من أن يموت في الفيضانات. طبعا هو لن يقبل أن علم حمزة كعلم الله من حيث تعلقاته بالمعلومات. ولكنه أشرك حمزة في بعض الصافت المختصة به تعالى وهو صفة العلم.
والصفة الثالثة هي السمع. وقد خلق الله تعالى للإنسان السمع، لكنه محدود بالمكان وبدرجة ذَبذَبة الصوت. فكيف بمن يرقد في قبره كحمزة؟ والله تعالى الذي أَسمعَ كل شيء يُخاطب نبيَه صلى الله عليه وسلم فيقول له "إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور" (فاطر، 35/22). وهو الذي يعلم أخص الأصوات والحركات والتضرعات، وهو السميع. ألا يكون هذا الرجل قد جعل حمزة رضي الله عنه شريكا لله في صفة السمع حين دعاه من إسطنبول ظنا منه أنه يسمع ندائه؟ ذلك لأن السمع في هذه الحالة لا يكون إلا لله تعالى.
والصفة الرابعة هي البصر، وللإنسان قدرة البصر، لكنها محدودة. والله تعالى بصير بكل شيء لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبر. والذي يدعو إنسانا بعيدا عنه بآلاف الأميال راقدا في قبره يكون قد زعم أنه يراه من بعيد، وإلا فكيف يستطيع أن ينقذه؟
والإبصار على هذا النحو لا يكون إلا لله تعالى، لكنّ هذا الرجل قد جعل حمزة شريكا له تعالى في هذه الصفة.
والصفة الخامسة هي الإرادة، والسادسة القدرة. وإرادة الإنسان وقدرته محدودتان، ولن يبقى شيء من هاتين الصفتين بعد الموت. والإرادة والقدرة بهذا المعنى لا تكونان إلا لله تعالى، فيكون هذا الرجل قد جعل حمزة شريكا لله تعالى فيهما.
يقول الله تعالى: "أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون إن الذي تدعون من دون الله عباد أمثالكم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد ببطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلاتنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون" (الأعراف، 7/191-197). وقال تعالى: "واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا" (مريم، 19/81-82).
إذن، نسبة ما اختصه الله تعالى من الصفات إلى غيره تعالى من المخلوقات ثم جعله وسيطا بيه وبين الله تعالى شرك الذي هو من أكبر الكبائر. قال الله تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون" (الأحقاف، 46/5).
المريد - ألا يمكن لله تعالى أن يمنح لأحد أوليائه صفة من هذه الصفات لو شاء؟
بايندر - طبعا أن الله على كل شيء قدير، ولكن هذا الاستدلال مخالف للبديهيات، فلا يقول به عاقل، وإلا سنقول طبعا أن الله قادر ان يحولك إلى ضفدع أو خنزير أو حيوان تكرهه أنت. فمن ذا الذي يستطيع أن يدعي في حمزة قدرة خاصة وكل هذه الآيات بين أيدينا؟ ونحن كلُنا ورسلُ الله معنا عباد لله تعالى، والله تعالى ربُنا ومليكنا. ولا يملك العبد أمام سيده شيئا، وكذلك هم الناسُ بين يدي الله وإن كانوا رسلا. ونحن قد عرفنا من القرآن الكريم بأن الله لم يمنح أحدا حق التصرف على هذا الشكل.
المريد - لكن هذا الرجل كان قد رأى حمزة رضي الله عنه بنفسه في مكان آخر حين جاء ليُعينه. يقول:"إني أستطيع أن أقول: إن جانّا أمسك بيدي وحاول أن ينطلق بي، فاستأتُ (تضايقت) منه، ثم إذا بي أصرخ وأنادي: ياحمزة! فأجاب هذا الصحابي ذو الشأن ندائي وكأنه مَثُل لي فجأةً في الغرفة، فخافه الجانّ وهرَب منه غائبا عن الأنظار من خلال الجدار".
بايندر - الله تعالى هو الذي يُنجي من كل كرب، وحين كشف الله عن هذا الشخص مصيبتَه ظن أن حمزة هو الذي أنقذه. والاستعانة بروحانية الأحياء أو الأموات تعني أن يُنسَب إليهم ما لم يُخَوِّلهم الله تعالى من صفة القدرة. "ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخصرصون" (يونس، 10/66).
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir