المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم توقير صحابته



النيل العوض الحليو
21-04-2010, 02:02 AM
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم توقير صحابته
الشيخ/ماجد بن سليمان الرسي
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل توقيره وبِـرِّه؛ توقير أصحابه وبِـرِّهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، والإعراض عن الأخبار القادحة في أحد منهم، والتي نقلها بعض المؤرخين، وجهلة الرواة، وضلال الشيعة والمبتدعين، وأن نلتمس لهم فيما نقل عنهم فيما كان بنيهم من الفتن أحسن التأويلات، ويخرّج لهم أصوب المخارج، إذْ هم أهل لذلك، ولا يُذكر أحد منهم بسوء ولا يُعاب عليه أمر، بل تُذكر حسناتهم وفضائلهم، وحمِيد سيرتهم، ويُسكت عما وراء ذلك.(1)
قال أبو جعفر الطحاوي: «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نُفرِط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان». انتهى.(2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:« ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله في قوله تعالى:[وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] الحشر:10 (3)
والصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم، وثنائه عليهم، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، قال ابن عبد البر: الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث.(4)
قال النووي في: الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم، بإجماع من يُعتد به.(5) وقال الخطيب البغـدادي: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن، فمن ذلك قوله تعالى:[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] آل عمران:110 ، وقوله تعالى:[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] البقرة:143 .
وهذا اللفظ وإن كان عاماً؛ فالمراد به الخاص. وقيل: هو وارد في الصحابة دون غيرهم. ثم قال: بعد ذكر عدة آيات وأحاديث في فضل الصحابة:
وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونـزاهتهم، فلا يَحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم، المطلع على بواطنهم، إلى تعديل أحد من الخلق له.
ثم قال: على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل الـمُهج [ أي: الروح ] والأموال وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد لنـزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الـمُعَـدّلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين. هذا مذهب كافة العلماء ومن يُعتد بقوله من الفقهاء.(6) انتهى.
بم فَضُل الصحابة

الصحابة أناسٌ اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وخصهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسماع حديثه من فمه الشريف، وتلقي الشريعة وأمور الدين عنه، وتبليغ ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها، فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسول الله صلى الله عيله وسلم والجهاد معه في سبيل الله، وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام والدعوة إليه، ولهم من الأجر مثل أجور من بعدهم، لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
ولقد أوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقرة الإيمان واليقين؛ القطع على عدالتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون بعدهم، أبد الآبدين.
ولقد أثنى ربهم عليهم أحسن الثناء، ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن، ووعدهم المغفرة والأجر العظيم، فقال تعالى:[مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا] الفتح:29 .
وأخبر أنهم أحق بكلمة التقوى وأهلها كما في سورة الفتح:[وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا] الفتح:26 .
وأخبر أن الناس إن آمنوا بمثل ما آمن به الصحابة فقد اهتدوا:[فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ] البقرة:137 .
وشهد لهم الله تعالى أنهم المؤمنون حقاً، قال تعالى:[وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ] الأنفال:74 .
وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم، وأن لا يجعلوا في قلوبهم غلاً للذين آمنوا، فقال: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] الحشر:10 .
وأوضح أنهم خير القرون، فقال صلى الله عليه وسلم:« خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلُونهم ».(7) ولفظ مسلم:« خير أمتي القرن الذي بُعِثتُ فيهم ». وفي الحديث شهادته صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم خير الأمم.
وأجرهم مضاعف على أجر من جاء بعدهم، لقوله صلى الله عليه و سلم:« لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه»(8).
قال ابن حجر في شرح الحديث:
قال البيضاوي: معنى الحديث: لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحدٍ ذهبا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية.
قلت: وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عِظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه، وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال، كما وقع في الآية:[ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ] الحديد:10 ، فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيماً لشدة الحاجة إليه وقلة المعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك، لأن المسلمين كثُروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، والله أعلم.(9)
وقد جاء في التنزيل ذكر رضا الله عنهم في موطنين من القرآن، وهما قوله تعالى:[لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا] الفتح:18 .
كما ورد الرضا عنهم في سورة التوبة، قال تعالى:[وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ] التوبة:100 .
وما أحسن قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: من كان مُستناً فليستنَّ بمن قد مات، أولئكَ أصحـابُ محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا على الهدى المستقيم.(10)
ولقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يدل على فضل الصحابة رضوان الله عليهم ووجوب تعظيمهم وإكرامهم وكونهم خير قرون هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد عقد البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذا أهل السنن وغيرهم، فصولا في فضائل الصحابة، أوردوا فيها الكثـير من الأحاديث الواردة في فضلهم، وبعضهم أفرد كتبا مستقلة في فضائلهم، كالنسائي وأحمد رحمهم الله.
إجماع الأمة على أفضلية الصحابة:
وبناء على هذه النصوص فقد أجمعت الأمة على أن الصحابة رضي الله عنهم أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، اعتمادا على النصوص المتواترة في الكتاب والسنة في بيان ذلك.
1ـ رؤيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبتهم له.
2ـ اختيار الله لهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
3ـ حب النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
4ـ أنهم خير الناس قاطبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " خير الناس قرني ، ... " الحديث.
5ـ ذكر فضلهم وخيريتهم في التوراة والإنجيل والقرآن، وثناؤها عليهم، كما في قوله تعالى:[وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا] الفتح:26 ، وقوله:[فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا] البقرة:137 ، وقوله: [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا] النساء:115
6ـ سابقتهم في الإسلام.
7ـ ما قدموا لله وللدين وللنبي صلى الله عليه وسلم من النفس والمال والولد، وشدهم من عزم الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته، وتحملهم الأذى في سبيل قيام دين الإسلام.
8ـ ما اتصفوا به من الصفات الحميدة، التي تلقوها وتربوا عليها من مشكاة النبوة مباشرة.
9ـ أن للخلفاء الراشدين منهم سنةً متبعةً.
10ـ فظهم للقرآن والسنة وتبليغهما للناس، وانتشارهم لأجل ذلك في الآفاق.
11ـ أنهم أعلم الخلق بدين الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وما أجمعوا عليه لا يسع أحداً خلافه.
وأهل السنة والجماعة يقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، فيؤمنون بأن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم، ويُقدمون المهاجرين على الأنصار، ويُفضلون من أنفق قبل الفتح(11) وقاتل، على من أنفق من بعده وقاتل، ويؤمنون بأن الله تعالى قال لأهل بدر ـ وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ـ ( اعملُوا ما شِئْتُم فقد غفرتُ لكُم)(12)، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، كالعشرة وغيرهم من الصحابة.
مذهب أهل السنة والجماعة في الصحابة

ومذهب أهل السنة والجماعة في الصحابة وسَطٌ بين الإفراط والتفريط، فليسوا من المفرِّطين الغالين الذين يرفعون من يُعظمون منهم ما لا يليق إلا بالله أو برسله، وليسوا من المفرِّطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم، فهم وسط بين الغلاة والجفاة.
ويحبونهم جميعاً، وينـزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فلا يرفعونهم إلى ما لا يستحقون، ولا يقصرون بهم عما يليق بهم، فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم، وقلوبهم عامرة بحبهم، وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا معصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن ما أكثر صوابَـهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم، ولهم من الله المغفرة والرضوان.
انحراف أهل البدع تجاه الصحابة

وقد انحرف طوائف من المبتدعة في حق الصحابة رضي الله عنهم انحرافاً عظيماً، فقدحوا فيهم، وقللوا من شأنهم، واتهموهم بالكذب والنفاق والخيانة، ولم يعرفوا لهم فضلهم وسابقتهم، وهم الرافضة قبحهم الله ومن سلك مسلكهم.
وهذا الفعل محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا تسبُوا أصحابي » ، فمن سب صحابيًا أو صحابيين فلا شك في أنه آثم لأنه عـصى النبي صلى الله عليه وسلم وسب أصحابه، وأما من طعن في عمومهم كما تفعل الرافضة؛ فإن هذا كفر، لأن الدين نُقل من طريقهم، فمن طعن فيهم لزم من هذا الطعن فيما نقلوه، من آيات وأحاديث، وهذا كفر بـيِّن.
حكم القدح في الصحابة

والقدح في الصحابة رضي الله عنهم قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فهم خاصته وبطانته، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: فإن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول قدح في الرسول عليه السلام، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: « رجل سوء، كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين » (13)
وقال أبو زُرعة الرازي ، وهو من أجَلِّ شيوخ الإمام مسلم: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسـول عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا(14)ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح أولى بهم، وهم زنادقة.(15)
وقد روى مسلم عن عروة قال: قالت لي عائشة: « يا ابن أختي، أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم »(16)، تشير إلى الاستغفار الوارد في قوله تعالى:[وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ] الحشر:10 .
والذين عرف عنهم القدح في الصحابة هم فرقة الرافضة ، قبحهم الله ، قال ابن تيمية : وأما الرافضة فيطعنون في الصحابة ونقلهم ، وباطن أمرهم الطعن في الرسالة.(17)
والقدح في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم داخل في القدح في الصحابة، وقد وقع في هذا بعض المنافقين، فاتهموا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه بتهمة الزنا، فبرَّأَها الله عز وجل من ذلك في آيات تتلى إلى قيام الساعة، ثم تبعهم على هذا الرافضة، قبحهم الله.
تفضيل بعض الصحابة على بعض

وقد وردت خصوصية تفضيل لبعض أصناف من الصحابة، وهذا التفضيل تفضيل جنس لا تفضيل عين. فأفضل الصحابة جنساً هم:
ـ المهاجرين، قال تعالى في وصفهم:[لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] الحشر:8 .
ويجمع النص القرآني بين المهاجرين والأنصار:[وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ] التوبة:100 .
وبعد المهاجرين يأتي الأنصار في المرتبة ، وقد قدمهم الله عليهم في الذكر كما في آيتي الحشر والتوبة اللتان تقدمتا.
والأنصار آووا النبي صلى الله عليه وسلم ونصروه، وجعلوا له منطلقا للدعوة إلى دين الإسلام، فعن أنس رضي الله عنه قال: " مرّ أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية بُردٍ، قال: فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:« أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي(18)، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم ، وتجاوزا عن مسيئهم ».(19)
بل تبلغ الدعوة إلى حب الأنصار أن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حبهم آية على الإيمان، وبغضهم آية على النفاق، فقال فيهم: لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله.
ـ وممن وردت النصوص بتفضيلهم من الصحابة وإجلالهم؛ أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار، فقد روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّـاً، بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: « أما بعد، أيها الناس، فإنما أنا بشر يُوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تاركٌ فيكم ثَـقَلين » (20):
أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.
فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: « وأهل بيتي، وأذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ».(21)
وخلاصة القول أن القيام بحقوق الصحابة يتضمن أربعة أمور:
محبتهم والترضي عنهم، كما أمر الله المؤمنين في قوله:[وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] الحشر:10 .
الإيمان بأنهم أفقه الأمة بأمر دينها، لأنهم تربوا على عين النبي صلى الله عليه وسلم وعاينوا التنزيل، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن للأربعة المقدمين منهم - وهم الخلفاء الراشدون - سنة متبعة، ينبغي على من أتى بعدهم أن يتبعها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« فإنه من يَعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» (22)
الكف عما شجر بينهم.
الذب عنهم مما قاله بعض المبتدعة فيهم، كالروافض ومن سلك مسلكهم.
فرضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما تعاقب الليل والنهار.