صلاح الدين ابوبكر
29-01-2011, 03:21 AM
التورق واستخداماته في العمل المصرفي
بين الواقع والمأمول
عبقرية الفقه الاسلامي
لا شك أن الحياة الاقتصادية بوضعها المعاصر والمتجددة في إيقاع سريع تقتضي بالضرورة البحث عن مواعين من خلالها تتدفق السيولة المالية الكافية لمواجهة متطلبات السوق وظروف العمل وعلاقات الإنتاج ،وقد أصبحت الحاجة إلى السيولة المالية أكثر إلحاحا فيما مضى من حيث تتابع وتتطور المستجدات ،واستجابة لتلك الحاجة فقد برزت مؤسسات مالية نشاطها الأساسي ينصب في توفير السيولة لمريديها بأي صيغة من صيغ التعامل وغالبا ما تكون ربوية وقد تحرج كثير من اهل التقوى والصلاح من الأخذ بهذه الصيغة المحرمة شرعا ،فكان لابد من خلق بديل مناسب ،عليه نشأت المؤسسات الإسلامية المالية ،وقامت بإيجاد صيغ للتمويل باستخدام صيغ معروفة لدى إسلافنا من الفقهاء منها بيع التورق فاتجه إليه مجموعة من الإفراد والشركات و المؤسسات واستعاضوا به عن الصيغ التربوية ،ولقد افلح صيغة التورق على تغطية الكثير من الحاجات موفرة السيولة المطلوبة بأسلوب شرعي يتصف بالحل و الإباحة على سبيل الجواز الاختياري وليس الاضطراري ..وهكذا تتجلى عظمة وسمو هذا الدين الرباني الذي تتسم تشريعاته بالعدل والقناعة العقلية والاستقصاء والشمول بما في أصوله وقواعده من حلول لمشكلات الحياة والإنسان والكون ..فالله الحمد والمنة من قبل ومن بعد .
وهنا نسلط الضوء على مفهوم التورق لنستجلى كنهه لغة واصطلاحا:
التورق لغة : طلب الورق ،ومثله في الطلب التفقه والتعلم و الترفق ،والورق هو النقد من الفضة ،وورد في قاموس تاج العروس :"الورق الدراهم المضروبة "قال تعالى"فابعثوا أحدكم بورقكم هذه غالى المدينة..."
(الكهف الآية 19)ـأي بدراهمكم ،واصل التورق طلب النقود من الفضة ثم تحول المفهوم إلى طلب النقد سواء كان فضة أو ذهبا أو عملة ورقية ،فبقي الأصل وصار التوسع في مدلوله تبعا للتوسع في مفهوم النقد
التورق اصطلاحا: هو تصرف المحتاج للنقد تصرفا يجنبه وينأى به من الصيغ الربوية ،ويمكنه من تغطية حاجته النقدية ،وذلك بأن يشتري سلعة قيمتها مقاربة لمقدار حاجته النقدية مع زيادة في ثمنها لقاء تأجيل دفعها ،ثم يقوم ببيعها بثمن حال ليغطي بذلك الثمن حاجته الآنية ،فقط بشرط ألا يبيعها على من اشتراها منه لينتفي بذلك غلبة الظن بالتحيل إلى الربا فصار بيعا جائزا لان السلعة لم تعد لبائعها إنما اشتراها طرف ثالث
وقد عرفه مجمع الفقه الإسلامي في دورته ()15 عام 1419هـ :" إن بيع التورق هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل ،ثم يبيع المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد "الورق" ولم يعرف الورق في الاصطلاح الفقهي بهذا الاسم الا عند الحنابلة أما المذاهب فتبحث الأمر في مسائل العينة حيث يسميه الشافعية بالزرنقة ،والفرق بين العينة والتورق أن بيع العينة هو ان يشتري محتاج النقد سلعة من احد الناس بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن حال اقل من ثمنها المؤجل على من اشتراها منه، وسميت بالعينة ؛لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها فهي محرمة ؛لأنه يغلب على الظن أنها اتخذت حيلة للتوصل بها إلى الربا فصارت محرمة لدى كثير من أهل العلم ،وقد أسلفنا فيما سبق شرح مفهوم التورق .
حكم التورق:
ذهب جمهور العلماء إلى جوازه لعموم قوله تعالى :"وأحل الله البيع وحرم الربا.."الآية 275(البقرة) ووجه الاستدلال أن الله تعالى أحل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه وقد جاءت الآية بلفظ العموم في كلمة البيع"واحل الله البيع"والعموم مستفاد من الألف واللام الدالة على استغراق جميع أنواع البيع وصيغه إلا ما دل الدليل على تخصيصه بتحريم أو كراهة . ويستدل أيضا بما جاء في الصحيحين فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من خيبر فجاءه بتمر جنيب(وهو نوع جيد من التمر)فقال :"أكل تمر خيبر هكذا" قال:ـ لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ،والصاعين بثلاثة ،فقال :"لا تفعل بع الجمع بالدراهم ،ثم ابتع بالدراهم جنيبا" وقد صدر بجوازه الكثير من الفتاوى منها قرار مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية ،والموسوعة الفقهية الكويتية .
الراجح جواز بيع التورق لعموم الآية:"وأحل الله البيع وحرم الربا ولأن العين المباعة لم ترجع للبائع الأول حتى يقال بأنه من العينة ،والحاجة أيضا تقتضيه حيث ان محتاج النقد لا يستطيع تامين حاجته غالبا الا بأحد طرق أربع:
1. القرض الحسن وهذا لايتيسر للغالبية
2. القرض الربوي وهذا محرم
3. الحصول عليه عن طريق الهبة وهذا ليس مضطردا
4. الحصول على النقد بطريق بيوع الورق
ونظرا لان بيع التورق بيع صحيح تتحقق فيه شروط البيع وأركانه واعتبار صحته وانتفاء موانعه فليس المقصود الربا ولا هو صورة منه ولأنه يغطي حاجة يقتضيها عنصر التيسير والسماحة فهو بديل شرعي عن التمويلات الربوية المحرمة
الخلاصة :
إن التورق يعتبر آلية فعالة في تحقيق الفلسفة الاقتصادية لتوفير النقد ،وهو صيغة شرعية تساعد على الانطلاق بالاستثمارات الإسلامية إلى ما فيه تحقيق مصالح الكسب والنماء للمدخرات النقدية أفرادا ومؤسسات ،وهو أيضا صيغة بديلة عن سندات الخزينة الحكومية إذ تحقق به تغطية الحاجة للسيولة للتمكن من المشاركة في الاستثمارات والتجارة
بين الواقع والمأمول
عبقرية الفقه الاسلامي
لا شك أن الحياة الاقتصادية بوضعها المعاصر والمتجددة في إيقاع سريع تقتضي بالضرورة البحث عن مواعين من خلالها تتدفق السيولة المالية الكافية لمواجهة متطلبات السوق وظروف العمل وعلاقات الإنتاج ،وقد أصبحت الحاجة إلى السيولة المالية أكثر إلحاحا فيما مضى من حيث تتابع وتتطور المستجدات ،واستجابة لتلك الحاجة فقد برزت مؤسسات مالية نشاطها الأساسي ينصب في توفير السيولة لمريديها بأي صيغة من صيغ التعامل وغالبا ما تكون ربوية وقد تحرج كثير من اهل التقوى والصلاح من الأخذ بهذه الصيغة المحرمة شرعا ،فكان لابد من خلق بديل مناسب ،عليه نشأت المؤسسات الإسلامية المالية ،وقامت بإيجاد صيغ للتمويل باستخدام صيغ معروفة لدى إسلافنا من الفقهاء منها بيع التورق فاتجه إليه مجموعة من الإفراد والشركات و المؤسسات واستعاضوا به عن الصيغ التربوية ،ولقد افلح صيغة التورق على تغطية الكثير من الحاجات موفرة السيولة المطلوبة بأسلوب شرعي يتصف بالحل و الإباحة على سبيل الجواز الاختياري وليس الاضطراري ..وهكذا تتجلى عظمة وسمو هذا الدين الرباني الذي تتسم تشريعاته بالعدل والقناعة العقلية والاستقصاء والشمول بما في أصوله وقواعده من حلول لمشكلات الحياة والإنسان والكون ..فالله الحمد والمنة من قبل ومن بعد .
وهنا نسلط الضوء على مفهوم التورق لنستجلى كنهه لغة واصطلاحا:
التورق لغة : طلب الورق ،ومثله في الطلب التفقه والتعلم و الترفق ،والورق هو النقد من الفضة ،وورد في قاموس تاج العروس :"الورق الدراهم المضروبة "قال تعالى"فابعثوا أحدكم بورقكم هذه غالى المدينة..."
(الكهف الآية 19)ـأي بدراهمكم ،واصل التورق طلب النقود من الفضة ثم تحول المفهوم إلى طلب النقد سواء كان فضة أو ذهبا أو عملة ورقية ،فبقي الأصل وصار التوسع في مدلوله تبعا للتوسع في مفهوم النقد
التورق اصطلاحا: هو تصرف المحتاج للنقد تصرفا يجنبه وينأى به من الصيغ الربوية ،ويمكنه من تغطية حاجته النقدية ،وذلك بأن يشتري سلعة قيمتها مقاربة لمقدار حاجته النقدية مع زيادة في ثمنها لقاء تأجيل دفعها ،ثم يقوم ببيعها بثمن حال ليغطي بذلك الثمن حاجته الآنية ،فقط بشرط ألا يبيعها على من اشتراها منه لينتفي بذلك غلبة الظن بالتحيل إلى الربا فصار بيعا جائزا لان السلعة لم تعد لبائعها إنما اشتراها طرف ثالث
وقد عرفه مجمع الفقه الإسلامي في دورته ()15 عام 1419هـ :" إن بيع التورق هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل ،ثم يبيع المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد "الورق" ولم يعرف الورق في الاصطلاح الفقهي بهذا الاسم الا عند الحنابلة أما المذاهب فتبحث الأمر في مسائل العينة حيث يسميه الشافعية بالزرنقة ،والفرق بين العينة والتورق أن بيع العينة هو ان يشتري محتاج النقد سلعة من احد الناس بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن حال اقل من ثمنها المؤجل على من اشتراها منه، وسميت بالعينة ؛لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها فهي محرمة ؛لأنه يغلب على الظن أنها اتخذت حيلة للتوصل بها إلى الربا فصارت محرمة لدى كثير من أهل العلم ،وقد أسلفنا فيما سبق شرح مفهوم التورق .
حكم التورق:
ذهب جمهور العلماء إلى جوازه لعموم قوله تعالى :"وأحل الله البيع وحرم الربا.."الآية 275(البقرة) ووجه الاستدلال أن الله تعالى أحل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه وقد جاءت الآية بلفظ العموم في كلمة البيع"واحل الله البيع"والعموم مستفاد من الألف واللام الدالة على استغراق جميع أنواع البيع وصيغه إلا ما دل الدليل على تخصيصه بتحريم أو كراهة . ويستدل أيضا بما جاء في الصحيحين فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من خيبر فجاءه بتمر جنيب(وهو نوع جيد من التمر)فقال :"أكل تمر خيبر هكذا" قال:ـ لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ،والصاعين بثلاثة ،فقال :"لا تفعل بع الجمع بالدراهم ،ثم ابتع بالدراهم جنيبا" وقد صدر بجوازه الكثير من الفتاوى منها قرار مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية ،والموسوعة الفقهية الكويتية .
الراجح جواز بيع التورق لعموم الآية:"وأحل الله البيع وحرم الربا ولأن العين المباعة لم ترجع للبائع الأول حتى يقال بأنه من العينة ،والحاجة أيضا تقتضيه حيث ان محتاج النقد لا يستطيع تامين حاجته غالبا الا بأحد طرق أربع:
1. القرض الحسن وهذا لايتيسر للغالبية
2. القرض الربوي وهذا محرم
3. الحصول عليه عن طريق الهبة وهذا ليس مضطردا
4. الحصول على النقد بطريق بيوع الورق
ونظرا لان بيع التورق بيع صحيح تتحقق فيه شروط البيع وأركانه واعتبار صحته وانتفاء موانعه فليس المقصود الربا ولا هو صورة منه ولأنه يغطي حاجة يقتضيها عنصر التيسير والسماحة فهو بديل شرعي عن التمويلات الربوية المحرمة
الخلاصة :
إن التورق يعتبر آلية فعالة في تحقيق الفلسفة الاقتصادية لتوفير النقد ،وهو صيغة شرعية تساعد على الانطلاق بالاستثمارات الإسلامية إلى ما فيه تحقيق مصالح الكسب والنماء للمدخرات النقدية أفرادا ومؤسسات ،وهو أيضا صيغة بديلة عن سندات الخزينة الحكومية إذ تحقق به تغطية الحاجة للسيولة للتمكن من المشاركة في الاستثمارات والتجارة