المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بت حقار ...والسمو فوق الجراح !!!



صلاح الدين ابوبكر
08-03-2011, 10:56 AM
في زمان ما ومكان في وسط السافانا الفقيرة حيث الشجيرات المقاومة للجفاف ...والغيوم المفعمات بالماء والحياة تظلل سطوح الاكواخ الرازحة تحت التراب ....وسط هذا الجو المترع بحيوية فريدة تمطت وتكورت بت الحقار في وسط عنقريب المخرتة المتين الأركان ....بعد أن حولها اللحم المكتنز إلى شيء أشبه ما يكون بفرس البحر أو الخرتيت "وحيد القرن"جلست تتأمل حركة من يشاركونها السكن بخيت القرد ...وهو مربوط بجنزير رقيق في قعر شجرة النبق الضخمة التي تثمر سنويا نبقا من طراز خاص وطعم خاص... مما يغري صبية الحي بالتلصص عليه عندما يسمعون شخير بت حقار ...واستغفال بخيت القرد فيسطون على النبق....وعلى قفص في ركن قصي من الحوش مجموعة من الدجاج والديوك ...وتحت العنقريب عدد من القطط ..كانت بت حقار في هذا الجو تتقمص حياة الملوك ..كيف لا ؟وهي كما يقول الرواة من أهل الحي أنها تنحدر من أسرة سلطان من غرب إفريقيا... وتحديدا في ضاحية من تمبكتو ...وما زالت حياة الترف والعز تعشعش في داخلها ...ولكن بت حقار ..تركت ذلك الرغد والعز ...وفاء لنبضات قلبها وهتاف الحب حيث أحبت صياد الأفاعي سيما الأصلة... كان محبوبها رجل فيه قليل من الوسامة وكثير من الشجاعة ..مما استجذب قلب بت حقار ..وعندما تأكدت وتيقنت من إصرار أهلها في الحيلولة دون تحقق حلمها ..فكرت مليا ...وهربت ..من سجن العرف والتقاليد ...ضحت بحياتها في كنف السلطنة ...وقدمت روحها قربانا لاختيارها .واختارت الدرب الوعر..شقت مسافات وقطعت مفازات حتى استقر بها المطاف في تلك المدينة ...تلبست السلطنة حالة من الذعر المجهول الممزوج برائحة العار ......وبدأت رحلة البحث ..فلم تفلح فرق البحث في العثور عليهاهنا صدر القرار بإهدار دمها لأنها ارتكبت خطيئة كبيرة ....وعلمت بت حقار بالحكم ...بكت وسكبت الدموع السواجم لكنها لم تنهار ...برغم تلاشي الأمل في تحقيق حلمها بلقاء حبيب القلب صياد الأفاعي ..ولكنها حاولت التكيف مع واقعها الجديد ...كانت تسير في الطرقات تحمل في يدها عصا غليظة من الأبنوس ...ووبين نحريها تتدلى محفظة حمراء من جلد الماعز تتجول في الطرقات ..في خطوات ثقيلة الإيقاع .....يركض خلفها جرقاس والقطة المدللة .. وسلة السعف تتراقص بين أصابعها المتضخمة ...وبينما هي في طريقها الى السوق للتبضع ... فإذا منعم الملقب بالقحقاح ...يصيح باعلى صوته القحقاح بسكروا وعطية الله ببقروا ...ويا رب طاحونة ومرة مجنونة !!!...وهو في قمة النشوة ....وردت عليه في لغة واثقة ..هوي انا بت حقار ..نقنقة الولد ما بتخوفني !!!وبعد برهة تصطدم بابراهيت وهي حبشية تسللت ..واستقرت بالمنطقة تبحث عن شيئ ما... لم تجده في مسقط رأسها ...فتفهم بت حقار الرسالة وتفك الشفرة وتأخذها لتنضم لبقية أفراد الدار ...وتنطلق زغرودة من مسكة بت عوض معلنة..وتأخذ العضوة الجديدة ...تطوف بها في أرجاء الحوش وتعطيها نبذة عن نظام دار بت حقار ..تهز راسها في طاعة....وتمر الأيام ...وعوامل الزمن تمارس فعلها ...تساقط الشعر ضمور العظام ...وتختلط المشاعر المتناقضة بين الانتماء والاغتراب ....وتدور افكار وصور مشحونة بالأسى في مخيلة الست التي غادرت مرتع صباها ولكنها في كل مناسبة ...أو لمة نسوان تذكر طفولتها والدلال ومديدة الدخن ومريسة العيش ...غايتو الحمدلله لكن كان الله مد في العمر ...لازم نسافر الى هناك ..وأصابعها تداعب اوتار ام كيكي فتنبعث نغمات في منتهى الحزن والعمق ...وفجاءة يشق الصمت والهدوء صوت القحقاح ...مرة أخرى ولكنه ...هذه المرة يعلن قدوم سيدنا الفكي يونس ..القادم من نار القران والحافظ لكتاب الله ...فيتجمع أهل القرية التي طالما اشتاقت واحتاجت لمن يحيل بؤسها الروحي وانفصامها الذاتي الى حالات سوية ..لعل مقدم الفكي يونس كان بارقة الامل المنتظر ..فرحت القرية وتصالحت مع روحها ...ولما كان الفكي مزواجا فقد اقترن بابراهيت بعد أن ادخلها في الاسلام ..ورقصت بت حقار في عرس الفكي رقصا عنيفا كأنما تستيعض أيامها الخوالي وتستعيدها .وتعمقت اللحمة بين افراد القرية وتمكنت العلاقة الوجودية الزاهية ...ورويدا تحولت حياتهم ...إلى لوحة مبهرة من الانسجام والتصافي ....ذابت كل الحواجز النفسية ...فكانما القرية كتاب مفتوح تقرأ فيه التلاحم الانساني والوجداني ...نعم استطاعت بت حقار الوافدة أن تؤسس حالة من الانصهار ..وفي ذات العام الذي كانت بت حقار قد قررت فيه الهجرة إلى مكة لأداء فريضة الحج ...لم يسعفها العمر ...وماتت بت حقار بعد أن ارست بحسها العفوي الصادق نموذجا للتعايش السلمي بين الوان الطيف الاثني والاجتماعي ...ودعتها القرية في جنازة مشهودة ...أما القحقاح فقد ترك معاقرة الكأس واعتزل البرية مختليا في الفلوات يناجي عالم الملك والملكوت ...وهكذا انطوت صفحة من تاريخ قرية مفعمة بالتناقضات وبرغم البؤس وشظف الحياة كانت القرية تنبض بالجمال والخير والمعطيات الايجابية

محمد الجزولى
20-03-2011, 08:48 PM
البحث عن الهوية والانتماء
والاغتراب النفسي والبدني جسدتها شخصية بت حقار في هذه القصة الرائعة
جو مليء ومفعم برائحة الطين وطيبة اهلنا البسطاء
الذي استطاع الفكي يونس ( في رمزيتة ) المتعمقة ان يوحد بينهم ويجعل من القرية راية خضراء رمزا للمحبة والتسامح
قصة في غاية الروعة اخي صلاح الدين ابو بكر
تحياتي مقرونة بالاعجاب بما كتبت

خالد الزين
25-03-2011, 09:06 AM
قصة غاية في الروعه تنم عن فهم ووعي كبير وقدرة متمكنة من الكتابة وطرح للمضمون في اسلوب قشيب بمفردات مهضومه