مشاهدة النسخة كاملة : غرب المانش - رواية -
أشرف السر
26-11-2011, 01:01 PM
هي آخر محاولاتي في كتابة الرواية، وما زالت في طور الكتابة الأولى...
آمل في نقدكم الصادق
أشرف السر
26-11-2011, 01:05 PM
(غرب المانش)
تمام الواحدة ظهراً - إن سلمنا بحصار الجدل للأشياء البديهية - بوجود زمن في بلد لا يميز النهار وجوده عن وجود الليل إلا بمقدار ما تحتقب سِنة من الغمض، إنها استراحة الغداء أو استراحة المحارب الموهوم كما أسميها، أنا وحسين خرجنا من المخزن الضخم الكائن في ضواحي هذه المدينة الصغيرة حيث نعمل، لنؤكسج تعاستنا بالقليل من التبغ البولندي المُهرَّب، الذي لم نفضله لرخص ثمنه مقارنة بالأنواع المدفوعة الضريبة وحسب بل لمخالفته القانون في بلد تقدس القوانين والنظام، أعلم أن القوانين وضعت لتنظيم حياة المجتمعات الإنسانية وليس لتكسر، لكن ما أتعس الإنسان حينما تصبح حياته لخدمة القانون، مثل الدين الذي جاء لخدمة البشر، فتحول لمآرب أخرى، وصار الإنسان في خدمة الدين، الدين ليس بحاجة لأحد ولكن من يقنع الديك أن الصبح سيأتي في حال صياحه أو نومه.
وعلى كل ليست عادة التدخين هي ما تدفعنا للخروج من مكان العمل، بل هناك العديد من الرماح المغروسة في ظهورنا، منها الهروب من لغات الطير التي يتحدث بها رفاق العمل إلى دارجيتنا التي نفكر بها طيلة نهارنا وبواسطتها نحلم ليلاً بوطن على مقاس أشواقنا له. ويأتي بعد هذا السبب مباشرةً الهروب من هذه البطاطس اللعينة، التي لن أتناولها فيما تبقى لي من عمر. نخرج لنطرد رائحة البطاطس من رئاتنا ومن عيوننا. تباً لها من بطاطس لا ينقطع موسمها طيلة العام، فهي كميات لانهائية، وأعتقد جاداً أنها بطاطس مسحورة من فصيلة بطاطس كتاب "الكشكول" المدرسي، فهي كتلك البطاطس التي أكلتها السلحفاة من القدح، وكلما أكلت منها امتلأ القدح المسحور مرةً أخرى كما كان في البداية. إنها مسحورة بلا شك، ونحن ميدوب السلحفاة. لا أستطيع تخيل الكمية التي تستخدم من البطاطس لصنع مشروب الفودكا الروسي المنشأ، وصار بمقدور أي بلد ينتج البطاطس أن يصنع الفودكا الخاصة به. ثم مطاعم الوجبات المنتشرة في كل مكان وبطاطسها المحمرة، ورغم هذا لا تنقطع البطاطس عن هذا المخزن حيث تجلبها شاحنات ضخمة من المزارع إلى المخزن، لتأتي شاحنات أصغر وتوزعها على سلسلة فروع المتاجر التي يتبع لها المخزن. وللإنصاف ينبغي أن أنوِّه بإدارة المخزن فهي قمة في الإنسانية، فشوال البطاطس البلاستيكي صغير الحجم ولا يتجاوز وزنه بأي حال العشرين كيلوجرام، وعند التعبئة والتفريغ نستعين بعربة تروللي لها عجلات صغيرة، وفوق هذا يصرفون لنا قفازات سميكة حتى لا نؤذي أيدينا. هذه القفازات لم اعتدها أبداً، استخدمتها أول يوم لي في العمل فصرت كمعزة ترتدي حذاءً وتحاول المشي كممثلات هوليوود في البساط الأحمر ليلة الأوسكار. فصرت أضع قفازاتي في جيبي ولا أرتديها إلا إذا بدا على البعد ملاحظ العمال ذو الشعر الأحمر في طريقه إلينا، فألبسها لأوفر على نفسي ملاحظاته السمجة التي يلقي بها في فظاظة، فهو يعتقد بخباثة طويتنا التي تتعمد الإصابات أثناء ساعات العمل، حتى نحصل على تعويض مجز من أرباب العمل حسب القانون المقدس. تباً للملاحظ ولمن أخترع القفازات.
يتبع
أشرف السر
26-11-2011, 01:08 PM
.
.
أدخن سيجارتي الثانية من عقب الأولى، وأبدأ طقس التطهير اليومي أثناء هذه الاستراحة بالاستماع لأغنية Rat Race لبوب مارلي التي أحتفظ بها في ذاكره الهاتف المحمول. أرافق الأغنية بأدائي الخاص في الغناء وبكل نشاز الصوت والحركة الممكن أغرق في الرقص الأشتر " يلا يا حسين ارقص ياخي، الرقص يحررنا"
يجيبني بسخرية تنكأ القلب كفقد حبيبةٍ بسببٍ تقلُ فجاعته عن الموت بخطوه "مافي شيء مغتس حجرك غير الفلسفة بتاعتك دي، يحررنا بتاع شنو ياخ، أنسى"
حسين لا يعبأ بالغناء ما لم يكن خارجا من حنجرة سودانية، يلقي بعقب سيجارته وأتبعه في الدخول للمخزن مرة أخرى وما زالت كلمات الأغنية بعد إيقاف تشغيلها ترن في دماغي:
Rat race!
I'm singin' that
When the cat's away,
The mice will play.
Political violence fill ya city, ye-ah!
Don't involve Rasta in your say say;
Rasta don't work for no C.I.A.
Rat race, rat race, rat race! Rat race, I'm sayin':
When you think is peace and safety:
A sudden destruction.
Collective security for surety, ye-ah!
Don't forget your history;
Know your destiny:
In the abundance of water,
The fool is thirsty.
Rat race, rat race, rat race!
Rat race!
Oh, it's a disgrace
To see the human-race
In a rat race, rat race!
You got the horse race;
You got the dog race;
You got the human-race;
But this is a rat race, rat race
** من يريد الاستماع للاغنية ..اضغط على الرابط أدناه:
http://dc160.4shared.com/img/129197416/b8c94338/dlink__2Fdownload_2FGI66kHZq_3Ftsid_3D20111012-183037-e2133ec9/preview.mp3
أشرف السر
26-11-2011, 01:10 PM
.
.
دوماً تبدو ساعات يوم الجمعة أقصر قامةً من بقية أيام العمل الأسبوعي لأنها تسبق يومي الراحة. أعتدت قضاء مساء الجمعة في الاستماع لحكايات حسين التي تشبه حكايات نارنيا وهي حكايات لا تنضب عن أناس عاشرهم في بلدان عدة، وعن تفاصيل حياته في السودان، ومشاريعه وطموحاته المستقبلية. من أكثر الأشياء التي قرَّبتني وجدانياً من حسين - عدا صراحته – هو طموحاته الكبيرة رغم واقعه القبيح. فحسين تكوين مختلف عن البقية الذين أتوا يجذبهم الحلم ذو القوى الثلاثية للنفاق، حلم البيت والسيارة والزوجة، نادراً ما تجد من يعترف بهذه الحقيقة، والغالبية ترتدي قناع النضال، النضال الذي لا يتعدى وقفات احتجاجية من حين إلى حين أمام السفارة، أو مشاركات إسفيرية في شأن السياسة والوطن أقصى ما تفقده فيها هو ثمن اشتراكك في خدمة الانترنت. يختلف حسين عن هؤلاء تماماً فكل حياته هي عبارة عن نتاج لاستجابته لمنطق لمعادلة متوالية صدف غيبية لا أكثر، يمثل مصير حسين فيها دائماً الحد "س" المجهول القيمة. حين سألته عن دوافع هجرته إلى هذا البلد في أيام إقامتي الأولى معه عرفت قصته المليئة بالمفاجآت فقد حكي لي عن قريته الصغيرة بنواحي عطبره، بؤس القرية الذي يتنفسه الجميع كغبار الطلع، محدودية الحياة هناك، وتفاصيلها المتآكلة على الدوام فهي لم تغير أوضاع إنسانها منذ ما قبل العهد المروى والى الآن، دائرة وجودها دائرة قيصرية، تمدهم بقيصرهم الجديد على الدوام، مهما تغير الحكم، فمن العمدة والناظر، إلى المجالس الريفية ثم اللجان الشعبية، إمام القرية، كل تفاصيل الهيمنة التقليدية التي لا تنظر أبعد من أخمص قدم مصلحتها الخاصة.
حدثني عن هجرته للخرطوم عند بلوغه سن الخامسة عشرة، مدفوعاً بكرهه للزراعة والرعي ومدفوعاً بحلم غامض لا يدرك كنهه، ثم تقلبه في الكثير من الأعمال الصغيرة في السوق ابتداءً ببيع الماء المُبرَّد للسابلة في موقف المواصلات، وصولاً لدخوله عالم التجار المعتبرين وامتلاكه ثلاجة فواكه في السوق المركزي، وصداقاته مع كبار تجار الخرطوم، أصدقه في كل ما قال، لصدق عرفته فيه من سكناته فقط، فحسين حينما يحكي عن شيء في الماضي، يحكيه وكأنه شيء يحدث الآن فلا تبدو عليه سيماء التذكر والاسترجاع من شرود النظر والانفصال عن الآن أو تحريك العيون للأعلى ولجهة اليسار أو اليمين، فحسين يتكلم مباشرة من حسه الآني وليس من ذاكرة قد تُحور أو تُجمِل الأحداث، تعرفها بداهة فطرية فيه، لم ألتق بأحد مثل حسين .
.
.... يتبع
أشرف السر
26-11-2011, 01:12 PM
.
.
في مساء هذه الجمعة سألته "حسين، عاوز أعرف الجابك بلد الخواجات دي شنو. ما دام كنت تاجر ومرتاح في أمان الله؟"
أخرج زفرةً بصوتٍ مسموع ولَمْعٌ غامض في عينيه، وأخبرني عن دخوله صدفةً في زمرة اللاجئين إلى الغرب، ففي أحدى سفرياته التجارية إلى لبنان بقصد التعاقد على فواكه يصدرها إلى السودان التقى بصديق قديم من نفس قريتهم، فأقنعه بجدوى الهجرة إلى أوروبا كمرحلة أولى للتوسع في التجارة الدولية، فباع حسين ثلاجة الفاكهة في السودان عبر مكالمات هاتفية وتم تحويل قيمتها له في لبنان، وبدء حسين وصاحبه في الانتقال بين أيادي المهربين عبر المتوسط إلى قبرص واليونان وايطاليا وفرنسا، ثم دخولهم المملكة المتحدة عبر ميناء دوفر. حيث لم يبق معهما من المال شيء إلا ما يشربا به شاياً.
صمت قليلاً وسأل "تقدر تخمن لي كم سنة هنا؟"، وقبل أن أرد واصل " أكثر من تسع سنوات مقيم غير نظامي، يعني تقدر تحسب قعادي السبعة أشهر الأخيرة بس".
تسع سنوات عمل حسين بهوياتٍ مستلفة أو مستأجرة من نظاميين في فترات إجازاتهم خارج البلاد، حيث أن أهل البلد لا يميزون كثيرا في سحنتنا المحروقة، أو بهوياتٍ مزورة. عَمِلَ في المصانع النائية عن دوريات التفتيش التابعة لدائرة الهجرة في الشرطة، أو موزعاً للبيتزا في ورديات الليل، ودائماً يعمل بأجور تقل عن أجور النظاميين، فأرباب العمل لا تنطلي عليهم خدعة الهويات المزورة، لكنهم لا يأبهون لشيء سوى زيادة الأرباح، ما دام القانون لا يقرصهم، ففي حال القبض على عامل بهوية مزورة، يدعي أصحاب العمل إنهم لم يميزوا أن الهوية مزورة، هكذا ببساطة.
ركَّز في عينيّ وقال " السعيد من اتعظ بصديقه" فلا تتبعني واحرص على الحصول على أوراق نظامية، فقد كنت محروماً من التعليم والعلاج المجاني أو السكن والعون المالي الذي تقدمه هذه البلد لمن لا يجدون عملاً، هذا لغبائي من جهة ولعنة الظروف من جهةٍ أخرى. بادرته "أي ظروف؟"
قبل عامين وإلى الوراء لم تكن دائرة الهجرة واللجوء تمنح السودانيين حق اللجوء إلا في حالات نادرة. بعد تطورات دارفور امتلأت هذه البلد بالدارفوريين الجدد، سودانيين من أي مكان في السودان واريتريين وإثيوبيين وحتى من صعيد مصر، يعني شيء من اسوداد اللون لو أضفت إليه قليل من اللهجة السودانية، وتراجيديا عن احتراق قريتك وموت جميع من تعرف من بشر وحيوان، فأنت دارفوري أصيل في فهم هؤلاء الخواجات . ويحكي حسين، ويحكي ويحكي.........
لا يوقفه عن الحكي إلا تعالي صوت الشخير المنبعث مني.
__________________
يتبع بعد الإذن
محمد الجزولى
26-11-2011, 09:13 PM
هي آخر محاولاتي في كتابة الرواية، وما زالت في طور الكتابة الأولى...
آمل في نقدكم الصادق
ياخ اصلو ما بصدق
اشرف السر شخصيا
والله فتشنا عليك كل المرافيء والمدن
وكل طائر إرتحل
شرفت ياخ واهلا بحروفك الندية من تاني
محمد الجزولى
26-11-2011, 09:15 PM
.
.يتبع بعد الإذن
متابعين معاك يا أشرف
أشرف السر
29-11-2011, 02:55 PM
الأخ محمد الجزولي
أسعدني ترحيبك الحار..
وما انقطعت عن المنتدى إلا لظروف الغربة القاهرة في بلاد الغرب..
والان رجعت للسودان.. وسأواصل هنا بإذن الله..
تحياتي
أشرف السر
29-11-2011, 03:03 PM
.
.
مواصلة
السبت في هذا البلد يبدو كرجل يتمشى على مهلٍ ولا هم له إلا الدوران في دوائر لا تنتهي لأنه ببساطة ليس له هدف محدد من مشيته هذه. أصحو على صوت عثمان الشفيع ينبعث خافتاً من جهاز الكاسيت الضخم السماعات، وتنعش ذاكرتي الشمية رائحة الشاي باللبن ونكهة القرفة التي يعشقها حسين. التفت ناحية الأريكة التي يجلس عليها حسين وهو يدندن مع الكاسيت "الذكريات صادقة وجميلة". استفزه قائلاً " يا حسين ياخي انت زول طولت هنا، واتخوجنت المفروض تسمع اليشا كيز وأشر أو بت البريطانيين بتاعت البنقو والسجم دي اسمها منو ياخ؟"
يجيبني بنهر رقراق من روح حكمة أسلافه "السيف إن جرتقوه بالطين ياهو السيف، وإن معلق في ديوان مفنوس أو في يد عريس، برضو عندو حوبتو ساعة الدواس"
يا الله، ما كنه هذا الحسين؟ ألقمني حجراً عن شخصيته، إنه فعلاً سيف لا يتأثر أينما وضع، ما دام اليد التي تمسكه ساعة النزال هي يد مجالد يعطي السيف حقة. لم تعلق اوصاب الغربة بروحه. ما زلت أذكر شهامته حين التقيته أول مرة، حينما ألقى بي قطار الأنفاق في شيبرد بوش Shepherd's Bush سوق صغير يؤمه غالباً الصوماليون والأريتريون والإثيوبيون والسودانيون، ابتلعتني زحمة السوق، فطفقت أمشي على مهل كما تعودنا في السودان لا كما يعدو الناس في هذا البلد، دهشت لتنوع البشر هنا، يعج المكان بالأزياء والسحنات المختلفة، هنود وصينيين، جاميكيين بشعورهم الطويلة المضفورة، باكستانيين وأفارقة. غير أن ملامح الأكشاك المصنوعة من مادة بلاستيكية لها مظهر الزنك المعدني الشائع عندنا وفيها نفس نكهة السوق الشعبي في الخرطوم مع فارق النظافة هنا بالطبع. معروضات مختلفة، ثياب، حلى، ساعات واناتيك، محلات للخضار والفاكهة والأسماك واللحوم، ومطاعم متنوعة للأكلات الشعبية السودانية والأثيوبية، ومقهى كبير يدَّعي صنع القهوة الإثيوبية وتديره صوماليتان.
أشرف السر
29-11-2011, 03:05 PM
فجأةً أمسك أحدهم بساعدي الأيسر من الخلف، وقبل أن التفت تماماً جاءني سؤاله "الأخ سوداني؟"
" آآآي" بنطقنا الممطوط ذاته جاءت إجابتي، فسلم علي بحرارة شخص يعرفك منذ أبد. حلف وأصر على دعوتي لنتناول وجبة الإفطار معاً، بنفس الكسرة وأم دقوقة السودانية في مطعم يديره اثنان من أبناء نوبة الشمال. اقتادني بعد الإفطار إلى مقهى الصوماليات المستحبشات. أثناء احتسائي للقهوة وارتشافه للشاي بدأ معي مراسم التعارف التقليدية فقال معرفاً عن نفسه "حسين صابر". وقفز إلى عينيه فضول يدعوني لأحكي كل شيء عني، فأخبرته باسمي وحكيت له بإيجاز عن حالة القرف التي دعتني للاستقالة عن العمل، وكيفية حصولي على تأشيرة الزيارة لهذا البلد العجوز، وعن إتلافي الجواز سفري في دورة مياه الطائرة، واختفائي في دورات مياه المطار حتى أضمن عودة الطائرة التي جئت بها، وعن إدعائي الخرس لموظفي المطار وموظفي الهجرة عندما كتبت لهم كلمة لجوء في الأوراق التي جلبوها لي وتعمدي كتابتها بطريقة خاطئة، وحيرتهم في أمري هل يتعاملون مع أخرس أم مع مريض نفسي. وعن نقلي إلى حجز مؤقت ثم إلى سكن جماعي Hostel مخصص للاجئين، وعن انتظاري ثلاثة أشهر ثم قرارهم بتحويل أوراق حالتي للقضاء للبت في أمري. وحكيت له عن حالة القرف الذي بدأ ينتابني هنا، فعلى ما يبدو أني حملته في حقائبي معي، وعن تعاطف مدير السكن، البريطاني ذو الأصول العراقية، حيث دلني على سوق الأفارقة في شيبرد بوش لعلني أجد فيه سلواي. هذا ما أوجزته لحسين في جلسة المقهى.
أشرف السر
29-11-2011, 03:07 PM
.
.
جاءني اقتراح حسين مفاجئاً "نحن هنا كلنا أخوان، وأنت لازم تطلع من الهوستيل، تسكن معاي لحدي ما أمورك تفرج". ولم تفلح كل محاولاتي للتملص وحقيقة إني في انتظار قرار المحكمة. فقد عدنا إلى الهوستيل وقابلنا المدير، أنا بإدعائي الخرس الحزين، وحسين باللسان الإقناعي لسماسرة السوق أقنع العراقي أن الأفضل لي أن أقيم معه وأن يتبادلا أرقام هواتفهما لإخطاري في حال ورود أي بريد باسمي من أي جهة كانت...
وهكذا كانت رحلتنا بالقطار من محطة القطارات الرئيسية بالعاصمة لفترة ثلاث وعشرين دقيقة بالضبط إلى مدينة صغيرة قياساً بحجم العاصمة، مدينة سقطت أسنانها من الهرم عندما كانت الخرطوم وامدرمان تحبوان في بلاط الزمان، ورغم هذا نعتز بعراقة مدينتينا التي لم تتعد بضع مئات من السنين، بينما هذه المدينة التي لا ذكر لها، قائمة هنا قبل ميلاد المسيح بآماد سحيقة، تعرفت عليها أولاً من زيارتي لمتحفها المحلي، ثم خلال جولاتي في شوارعها وعثوري على اللافتات التعريفية الصغيرة والأنيقة الموضوعة في كافة معالمها الأثرية، والذي أعجبني في هؤلاء القوم احتفاظهم بالمعلم التاريخي وصيانته حسب طرازه المعماري الأصلي واستغلال نفس المبنى في أي شأن من شؤون المدينة في الحياة المعاصرة.
أشرف السر
29-11-2011, 03:08 PM
.
.
"الذكريات" و "اللون الخمري" و "القطار المر" وغيرها من أغنيات الكاسيت لم تفلح في إضفاء أي حس بالمسئولية لثواني ودقائق هذا السبت اللامبالي، فبدأنا تحضير أنفسنا لمراسم الحج الأسبوعي لقاعات المزاد المحلي، الذي يحرص غالبية سكان المدينة على زيارته في السبت يوم انعقاده، خاصة السكان ذوي الأصول الأجنبية. فالبعض يرتاده كإدمان لا فكاك منه أو كتورية تخفف الإحساس بالذنب من حمى الشراء لما لا تحتاجه، والبعض الآخر لملء فراغ صباح وظهر السبت. والحقيقة إنه مزاد مُشْبِع، يلبي احتياجات كافة الأذواق. وما يعرض فيه ليس مستعملاً من قبل بالضرورة، فالكثير مما يعرض فيه جديد لم يستعمل من قبل، ويعرض هنا فقط لانتهاء موسمه أو موضته وتخلصت منه المحلات الضخمة بالبيع لأصحاب المزاد، بدءاً بالسيارات والأثاثات والأجهزة الكهربائية والثياب والأحذية، وصولاً للوحات الفنية ونباتات الزينة وغيرها من الأشياء.
يحرص حسين على الذهاب للمزاد ليلتقي بالسودانيين والسودانيات، وربما يسعفه الحظ في الحصول على شيء قيِّم بثمنٍ بخس، وعلى أسوأ الفروض فهو يقضي وقته إلى ما بعد الظهيرة دون أوجاع الحنين التي تنبت براعمها في الروح حين توفر الفراغ فتنمو كأغصان نبتة طفيلية متسلقة تخنق الشعور العادي باليوم، وتحيله لسيمفونية من الآهات والحنين لأحداث قديمة تقبع في كهوف الذكرى، يصبغها البعد بألوان جميلة ومبرقشة رغم عاديتها في حينها.
.
.
يتبع بعد الإذن.....
محمد الجزولى
14-12-2011, 09:57 AM
الأديب اشرف السر
راجنك يا أخوي
غيابك طال .... كفاية تعال ...
بدر الدين محمد
14-12-2011, 10:30 PM
التحية اشرف .. وافتقدناك
في الثقافة التشكيلية دائما ما نعرض اعمالنا للحركة النقدية باعتبارها تجارب وتتراوح التجربة من حيث النضج ولكن المتلقي يجد امامه عملا متكاملا يتفاعل معه حسب العلاقة بين رسالة العمل وافكار المتلقي
وعلى هذا قرأت شذرات من كتاباتك
واعجبني توصيف الصور لتخرج من التخيل الى المرأى
ولمست تأثير قوي في الرواية الروسية التي كانت متاحة لنا في فترة السبعينات والثمانينان
واتمنى ان تواصل في الكتابة وقراءة ما تكتب واعادة بناء كتاباتك بين الحين والآخر
والله الموفق
مصطفى هاتريك
15-12-2011, 04:52 AM
لسبت في هذا البلد يبدو كرجل يتمشى على مهلٍ ولا هم له إلا الدوران في دوائر لا تنتهي لأنه ببساطة ليس له هدف محدد من مشيته هذه
يا الله كم طربت لهذا التشبيه
متابعين بكل الحواس
تغريدا
15-12-2011, 05:35 AM
متابعة بشغف
أشرف السر
16-12-2011, 10:34 AM
الأديب اشرف السر
راجنك يا أخوي
غيابك طال .... كفاية تعال ...
الأستاذ محمد الجزولي
وكافة المتابعين هنا..
أعتذر لتأخري .. لعارض صحي خفيف..
وسأعود للمشي خطوات في كتابة غرب المانش..
لك التحية
أشرف السر
16-12-2011, 10:42 AM
التحية اشرف .. وافتقدناك
في الثقافة التشكيلية دائما ما نعرض اعمالنا للحركة النقدية باعتبارها تجارب وتتراوح التجربة من حيث النضج ولكن المتلقي يجد امامه عملا متكاملا يتفاعل معه حسب العلاقة بين رسالة العمل وافكار المتلقي
وعلى هذا قرأت شذرات من كتاباتك
واعجبني توصيف الصور لتخرج من التخيل الى المرأى
ولمست تأثير قوي في الرواية الروسية التي كانت متاحة لنا في فترة السبعينات والثمانينان
واتمنى ان تواصل في الكتابة وقراءة ما تكتب واعادة بناء كتاباتك بين الحين والآخر
والله الموفق
بدر الدين
مثل كلامك هذا هو ما يدفعني لنشر أعمالي هنا..
والنقد بالنسبة لي يمثل حيزا كبيرا في عملية الكتابة نفسها..
وبالتأكيد هذا نص "أولي" سيكون فيه الكثير من السمكرة لاحقا بالحذف والاضافة..
وملحوظتك حول تأثير الأدب الروسي هنا صحيحة تماماً فقد نشأت في بيت خالي "حجازي ادريس بانقا" وكان من مثقفي الحزب الشيوعي
وله مكتبة هائلة تحتوي كل أعمال الأدب الروسي مثل أعمال بوشكن وماياكوفسكي وماكسيم غوركي وشلوخوف وباسترناك وتولستوي وتشيكوف وتورغينيف، وغيرهم ممن لا استحضرهم.. وتشربت منهم منذ عهد الطفولة والصبا، لذا فمن المحتمل جدا أن تتسرب أساليبهم في ثنايا ما اكتب..
وأملي أن اكتب للأنسان.. وهذا لا يتأتي الا بعد مران ودربة طويلة..
اعتز بنقدك..
وارجو من كل المارين هنا كتابة كل ما يرونه من جهة نقص النص.. حتى أحاول تطوير الكتابة
أشرف السر
16-12-2011, 10:46 AM
السبت في هذا البلد يبدو كرجل يتمشى على مهلٍ ولا هم له إلا الدوران في دوائر لا تنتهي لأنه ببساطة ليس له هدف محدد من مشيته هذه
يا الله كم طربت لهذا التشبيه
متابعين بكل الحواس
الأخ مصطفى هاتريك
انت انسان جميل تتذوق وترى الجمال.. الذي منبعه نفسك في الاصل وانعكس على ما تراه
اسعدتني متابعتك..
وسأحاول الايام القادمة أن أضيف لما كتبته هنا...
شكرا لمرورك وتقييمك
أشرف السر
16-12-2011, 10:47 AM
متابعة بشغف
الأخت تغريدا
شاكر لك المتابعة...
وأسأل الله عاجل الشفاء.. لأعاود الكتابة هنا..
لك خالص الود
تغريدا
18-12-2011, 04:37 AM
الأخت تغريدا
شاكر لك المتابعة...
وأسأل الله عاجل الشفاء.. لأعاود الكتابة هنا..
لك خالص الود
أسال الله العلى العظيم أن ينعم عليك بنعمة الصحة والعافية عاجلاً غيرآجل أخى أشرف السر
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir