أبونبيل
16-04-2012, 12:01 PM
نشوء أول حزب سوداني في الساحة السياسية السودانية
شخصيات ومواقف / الفوال
في ظل الحكم الأجنبي
البريطانيون كانوا يعتقدون أن الحركة
الوطنية السودانية أوحى بها الوطنيون المصريون
كتاب الدكتور جعفر محمد علي بخيت
الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان
كتاب يحكي عن تاريخ الحركة الوطنية حري بنا أن نتصفح صفحاته ونحن في الذكرى 56 لإعلان استقلال السودان.. تقدمه (أخبار اليوم) وهو بقلم الراحل الدكتور جعفر محمد علي بخيت الوزير السابق في حكومة مايو. فإلى دنيا الأسرار والتاريخ والوقائع
جمعية الاتحاد السوداني
هنالك أدلة مقبولة يمكن أن يستخلص منها استخلاص سائغ بأن الفترة ما بين 1922-2925 قد شهدت مولد الحركة الوطنية السودانية التي أدت إلى استقلال البلاد في مطلع 1956 ذلك أنه تكون في تلك الفترة على الأقل( أول حزب حديث) كما حدث في الأقطار الأخرى التي خضعت للحكم الأجنبي. وكيفما كان سحر مثل تلك الحركات فقد تلثمت أصولها بالسرية الكاملة لذلك يصعب تمحيص تاريخها على وجه الدقة وإننا نحاول جهدنا أن نستعرض ذلك اعتماداً على ما ورد بملفات مكتب المخابرات بالخرطوم ومحاكمات زعماء ثورة 1924 وذكرياتهم المروية أو المكتوبة ومحادثاتنا مع الأحياء من الثوار. ولكن مهما يكن من أمر فغن البريطانيين بالخرطوم كانوا يعتقدون صواباً أو خطأ بأن الحركة الوطنية
السودانية قد نظمت فعلاً بل أوحي بها الوطنيون المصريون وذلك لأن الرأي العام السوداني كان حتى آخر عام 1920- وفقا لما ورد في تقرير لمكتب المخابرات بالخرطوم - منطوياً على القلق خشية أن تنجح مصر في إضعاف مركز الحكم البريطاني في البلاد على أية وجهة.
الوحدة بين مصر والسودان
عندما أثار تقرير ملنر في عام 21 مسألة مستقبل السودان بالنسبة لمصر فإن الدعاية بالنسبة لوحدة مصر والسودان أضحت جزءاً لا يتجزأ من برامج كثير من الأحزاب السياسية في مصر وفي نفس الوقت بدأت تنتشر الإثارة السياسية الحديثة بالسودان عن طريق توزيع المنشورات المعادية لبريطانيا.
في أوائل 1920 أسست جمعية الاتحاد السوداني بأم درمان وهي أول تنظيم سياسي حديث من خمسة أعضاء مؤسسين من أبناء الجيل الصاعد فقد كان عبيد حاج الأمين وتوفيق صالح جبريل ومحيي الدين جمال ابو سيف وإبراهيم بدري وسليمان كشة أعضاء حديثي السن من أبناء العائلات المعروفة.
فقد كان عبيد ابن أخ لعالمين من العلماء الذين سافروا في الوفد الذي زار بريطانيا في عام 1919 لتهنئة الملك على انتصار بريطانيا في الحرب العالمية الأولى وتوفيق ابن لأحد كبار تجار أم درمان ومحيي الدين ابن أحد رؤساء الكتبة. وكان ابراهيم وسليمان من أبناء التجار ولم يكن اي منهم من المسملين المتعصبين ولكنهم من ذوي الاتجاهات الاصلاحية فأربعة منهم من خريجي كلية غردون ولم يحالف التوفيق الخامس في اجتياز المدرسة الوسطى.
السياسة وكلية غردون
وكان معظمهم من الموظفين الصغار فقد كان توفيق صالح جبريل وإبراهيم بدري مساعدي مأمور وعبيد حاج الأمين ومحيي الدين جمال موظفين أحدهما بمصلحة البوستة والآخر بمصلحة الأشغال وكانوا جميعا من الأدباء أو النقاد أو المثقفين الاجتماعيين. وعلى هذا بدا أن السياسة السودانية الحديثة قد نشأت لصيقة بكلية غردون التذكارية والحركة الأدبية العربية ونادي الخريجين ومحيط صغار الكتبة والموظفين بالحكومة.
ولعل ما أكد ذلك الضرب من الرجال الذين انضموا إليها مثل خلف الله خالد (نائب المامور) والأمين علي مدني ( المدرس والناقد الأدبي) ومكاوي يعقوب ( الموظف الشاعر) وعبدالله خليل ( ضابط الجيش) الذي أصبح رئيسا للوزراء في عام 56. ومحمد صالح الشنقيطي ( نائب مامور) وبابكر قباني (موظف بالبوستة) وخليل فرح أشهر فنان وموسيقي في ذلك الوقت ومحمد عمرابي الذي كانت دراسته تختلف عن دراسة الآخرين إذ تخرج من معهد أم درمان العلمي.
انقسم الاتحاد إلى مدرستين حول كيفية جعل أعماله أكثر فعالية وإيجابية فقد رغب الجناح المتطرف في أن يكون العمل السياسي علانية والدخول مع الإدارة البريطانية في معركة سياسية ضارية لكسب التأييد الشعبي في حين أن الجناح الآخر الأكثر تحفظاً واعتدالاً فضّل الاستمرار في العمل السري واكتساب مزيد من التأييد نتيجة تقديم خدمات اجتماعية وأدبية ومسرحية.
وكان أكثر ما احتاج إليه الجناح المتطرف بروز بطل محبوب مستعذب للاستشهاد علي أيدي البريطانيين إن دعا الأمر لذلك. وتجسد ذلك البطل في شخصية الملازم ثاني علي عبداللطيف وهو من أصل دينكاوي.
السودان جزء من مصر
في 1922 أنهت الحكومة البريطانية الانتداب على مصر بقرار منفرد من جانبها رغم تعثر مفاوضاتها مع زعيم الوفد المصري سعد زغلول بل توقفها على عقبة المسألة السودانية إذ كان يطالب بأن السودان جزء لا يتجزأ من مصر.
ولقد نشرت أقوال سعد سراً في السودان وحضر في أبريل اللورد اللنبي المندوب البريطاني السامي بالقاهرة إلى الخرطوم لكي يؤكد للموالين لبريطانيا بألا محل لمخاوفهم من تسليم بريطانيا السودان لمصر.
وقد أعلنت الحكومة أنه من مختلف الجهات وفي كثير من المناسبات العامة صدرت التماسات كثيرة ملحة لإعلان صريح بأن من المحظور اتساع وتوغل النفوذ المصري أو أنه إن كان لبريطانيا رغبة في الانسحاب من السودان فإنه يتعين إعلان ذلك لشعب السودان حتى يستطيع حماية مصالحه الخاصة.
ونيابة عن الأعيان رحب الزعيم الديني الأكبر السيد علي الميرغني بعزم بريطانيا على تطوير البلاد صوب الاستقلال.
ونشرت التعليقات والمقالات الموالية لبريطانيا عقب زيارة اللنبي في جريدة الحضارة كما نشرت القصائد الموالية لمصر والمعادية لبريطانيا بالجرائد والمجلات المصرية.
علي عبداللطيف
بيد أن علي عبداللطيف ذهب إلى محرر الحضارة وطلب نشر مقال دعا فيه للمطالبة بالحكم الذاتي وذكر أن الأمة السودانية إن كانت في حاجة إلى من يرشدها قبل نيل الاستقلال فإن من حقها اختيار المرشد سواء أكانت مصر أم بريطانيا وطالب بمزيد من التعليم والقضاء على احتكار الحكومة لتجارة السكر والحاق الموظفين السودانيين بوظائف أكبر في سلك الخدمة المدنية.
ورغم أن رئيس تحرير جريدة الحضارة رفض نشر مقال علي عبداللطيف أنه تم القبض عليه وعلى رئيس التحرير بل حوكم علي عبداللطيف بالسجن
ولم يحاكم لأنه كتب كلمة واحدة عن مصر بل لأنه طالب بأن تكون حكومة السودان للسودانيين فحسب وإنهاء الحكم الأجنبي في لهجة ثورية عنيفة. ومن ناحية غير رسمية اعترف رجال الحكومة بأن عبداللطيف قد عبر عن مشاعر صادقة كان يحس بها ويعتقد فيها كثير من ناشئة الخريجين وهي مطالب اتصلت بأطر دستورية وحظيت بدعوة وإصرار عليها من جانب أفضل العناصر الوطنية في البلاد.
ولما أطلق سراح علي عبداللطيف بعد عام من سجنه أضفت الدعاية المصرية على الملازم السابق هالة من التمجيد جعلته يبدو في مركز البطل الوطني بين زملائه وبعض الخريجين.
شخصيات ومواقف / الفوال
في ظل الحكم الأجنبي
البريطانيون كانوا يعتقدون أن الحركة
الوطنية السودانية أوحى بها الوطنيون المصريون
كتاب الدكتور جعفر محمد علي بخيت
الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان
كتاب يحكي عن تاريخ الحركة الوطنية حري بنا أن نتصفح صفحاته ونحن في الذكرى 56 لإعلان استقلال السودان.. تقدمه (أخبار اليوم) وهو بقلم الراحل الدكتور جعفر محمد علي بخيت الوزير السابق في حكومة مايو. فإلى دنيا الأسرار والتاريخ والوقائع
جمعية الاتحاد السوداني
هنالك أدلة مقبولة يمكن أن يستخلص منها استخلاص سائغ بأن الفترة ما بين 1922-2925 قد شهدت مولد الحركة الوطنية السودانية التي أدت إلى استقلال البلاد في مطلع 1956 ذلك أنه تكون في تلك الفترة على الأقل( أول حزب حديث) كما حدث في الأقطار الأخرى التي خضعت للحكم الأجنبي. وكيفما كان سحر مثل تلك الحركات فقد تلثمت أصولها بالسرية الكاملة لذلك يصعب تمحيص تاريخها على وجه الدقة وإننا نحاول جهدنا أن نستعرض ذلك اعتماداً على ما ورد بملفات مكتب المخابرات بالخرطوم ومحاكمات زعماء ثورة 1924 وذكرياتهم المروية أو المكتوبة ومحادثاتنا مع الأحياء من الثوار. ولكن مهما يكن من أمر فغن البريطانيين بالخرطوم كانوا يعتقدون صواباً أو خطأ بأن الحركة الوطنية
السودانية قد نظمت فعلاً بل أوحي بها الوطنيون المصريون وذلك لأن الرأي العام السوداني كان حتى آخر عام 1920- وفقا لما ورد في تقرير لمكتب المخابرات بالخرطوم - منطوياً على القلق خشية أن تنجح مصر في إضعاف مركز الحكم البريطاني في البلاد على أية وجهة.
الوحدة بين مصر والسودان
عندما أثار تقرير ملنر في عام 21 مسألة مستقبل السودان بالنسبة لمصر فإن الدعاية بالنسبة لوحدة مصر والسودان أضحت جزءاً لا يتجزأ من برامج كثير من الأحزاب السياسية في مصر وفي نفس الوقت بدأت تنتشر الإثارة السياسية الحديثة بالسودان عن طريق توزيع المنشورات المعادية لبريطانيا.
في أوائل 1920 أسست جمعية الاتحاد السوداني بأم درمان وهي أول تنظيم سياسي حديث من خمسة أعضاء مؤسسين من أبناء الجيل الصاعد فقد كان عبيد حاج الأمين وتوفيق صالح جبريل ومحيي الدين جمال ابو سيف وإبراهيم بدري وسليمان كشة أعضاء حديثي السن من أبناء العائلات المعروفة.
فقد كان عبيد ابن أخ لعالمين من العلماء الذين سافروا في الوفد الذي زار بريطانيا في عام 1919 لتهنئة الملك على انتصار بريطانيا في الحرب العالمية الأولى وتوفيق ابن لأحد كبار تجار أم درمان ومحيي الدين ابن أحد رؤساء الكتبة. وكان ابراهيم وسليمان من أبناء التجار ولم يكن اي منهم من المسملين المتعصبين ولكنهم من ذوي الاتجاهات الاصلاحية فأربعة منهم من خريجي كلية غردون ولم يحالف التوفيق الخامس في اجتياز المدرسة الوسطى.
السياسة وكلية غردون
وكان معظمهم من الموظفين الصغار فقد كان توفيق صالح جبريل وإبراهيم بدري مساعدي مأمور وعبيد حاج الأمين ومحيي الدين جمال موظفين أحدهما بمصلحة البوستة والآخر بمصلحة الأشغال وكانوا جميعا من الأدباء أو النقاد أو المثقفين الاجتماعيين. وعلى هذا بدا أن السياسة السودانية الحديثة قد نشأت لصيقة بكلية غردون التذكارية والحركة الأدبية العربية ونادي الخريجين ومحيط صغار الكتبة والموظفين بالحكومة.
ولعل ما أكد ذلك الضرب من الرجال الذين انضموا إليها مثل خلف الله خالد (نائب المامور) والأمين علي مدني ( المدرس والناقد الأدبي) ومكاوي يعقوب ( الموظف الشاعر) وعبدالله خليل ( ضابط الجيش) الذي أصبح رئيسا للوزراء في عام 56. ومحمد صالح الشنقيطي ( نائب مامور) وبابكر قباني (موظف بالبوستة) وخليل فرح أشهر فنان وموسيقي في ذلك الوقت ومحمد عمرابي الذي كانت دراسته تختلف عن دراسة الآخرين إذ تخرج من معهد أم درمان العلمي.
انقسم الاتحاد إلى مدرستين حول كيفية جعل أعماله أكثر فعالية وإيجابية فقد رغب الجناح المتطرف في أن يكون العمل السياسي علانية والدخول مع الإدارة البريطانية في معركة سياسية ضارية لكسب التأييد الشعبي في حين أن الجناح الآخر الأكثر تحفظاً واعتدالاً فضّل الاستمرار في العمل السري واكتساب مزيد من التأييد نتيجة تقديم خدمات اجتماعية وأدبية ومسرحية.
وكان أكثر ما احتاج إليه الجناح المتطرف بروز بطل محبوب مستعذب للاستشهاد علي أيدي البريطانيين إن دعا الأمر لذلك. وتجسد ذلك البطل في شخصية الملازم ثاني علي عبداللطيف وهو من أصل دينكاوي.
السودان جزء من مصر
في 1922 أنهت الحكومة البريطانية الانتداب على مصر بقرار منفرد من جانبها رغم تعثر مفاوضاتها مع زعيم الوفد المصري سعد زغلول بل توقفها على عقبة المسألة السودانية إذ كان يطالب بأن السودان جزء لا يتجزأ من مصر.
ولقد نشرت أقوال سعد سراً في السودان وحضر في أبريل اللورد اللنبي المندوب البريطاني السامي بالقاهرة إلى الخرطوم لكي يؤكد للموالين لبريطانيا بألا محل لمخاوفهم من تسليم بريطانيا السودان لمصر.
وقد أعلنت الحكومة أنه من مختلف الجهات وفي كثير من المناسبات العامة صدرت التماسات كثيرة ملحة لإعلان صريح بأن من المحظور اتساع وتوغل النفوذ المصري أو أنه إن كان لبريطانيا رغبة في الانسحاب من السودان فإنه يتعين إعلان ذلك لشعب السودان حتى يستطيع حماية مصالحه الخاصة.
ونيابة عن الأعيان رحب الزعيم الديني الأكبر السيد علي الميرغني بعزم بريطانيا على تطوير البلاد صوب الاستقلال.
ونشرت التعليقات والمقالات الموالية لبريطانيا عقب زيارة اللنبي في جريدة الحضارة كما نشرت القصائد الموالية لمصر والمعادية لبريطانيا بالجرائد والمجلات المصرية.
علي عبداللطيف
بيد أن علي عبداللطيف ذهب إلى محرر الحضارة وطلب نشر مقال دعا فيه للمطالبة بالحكم الذاتي وذكر أن الأمة السودانية إن كانت في حاجة إلى من يرشدها قبل نيل الاستقلال فإن من حقها اختيار المرشد سواء أكانت مصر أم بريطانيا وطالب بمزيد من التعليم والقضاء على احتكار الحكومة لتجارة السكر والحاق الموظفين السودانيين بوظائف أكبر في سلك الخدمة المدنية.
ورغم أن رئيس تحرير جريدة الحضارة رفض نشر مقال علي عبداللطيف أنه تم القبض عليه وعلى رئيس التحرير بل حوكم علي عبداللطيف بالسجن
ولم يحاكم لأنه كتب كلمة واحدة عن مصر بل لأنه طالب بأن تكون حكومة السودان للسودانيين فحسب وإنهاء الحكم الأجنبي في لهجة ثورية عنيفة. ومن ناحية غير رسمية اعترف رجال الحكومة بأن عبداللطيف قد عبر عن مشاعر صادقة كان يحس بها ويعتقد فيها كثير من ناشئة الخريجين وهي مطالب اتصلت بأطر دستورية وحظيت بدعوة وإصرار عليها من جانب أفضل العناصر الوطنية في البلاد.
ولما أطلق سراح علي عبداللطيف بعد عام من سجنه أضفت الدعاية المصرية على الملازم السابق هالة من التمجيد جعلته يبدو في مركز البطل الوطني بين زملائه وبعض الخريجين.