المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لو تصحو الجدات



أبونبيل
04-06-2012, 10:34 AM
لو تصحو الجدات



أتخيل لو تصحو إحدى أولئك اللاتي غادرن عالمنا منذ سنين، وتخرج من قبرها، نافضة عباءة الرمل، وتقف في شارع من شوارع مدننا الزاهية.. ثم ترفع رأسها، وتقرأ يافطات المحال.. محال التجميل، المنثورة في كل مكان، المتناثرة في هذا الزمان، المبعثرة في الأشجان والوجدان، آسرة الخلد، ممسكة بالوجد الأنثوي حتى نخاع الأسئلة المبهمة.










ماذا ستقول هذه العجوز القديمة، عن واقع غير واقعها، عن موقعة اجتماعية تغيرت فيها الملامح والملاحم، واستبد الوقت بالعالم والمعالم، وصار للألوان على الجسد صبوة وسطوة، وبدت الوجوه غير الوجوه، والابتسامة تطوقها زخرفة قوس قزح، ماذا ستقول عن حفيدة لها لا تشبهها، ولا تنتمي إلى فصيلة اللاتي جذبن الماء من قاع التعب، حتى ارتفاع الهامة، أولئك اللاتي قارعن “الغاف” خصوبة وخصوصية في تنعيم الأظافر من شوكة توقظ العزيمة لوليمة في الصحراء القاحلة، في تخضيب اليدين بلون الطين، أولئك زرعن عيونهن نبوغاً، وكحلن الرموش بعرق، وما نزفه الحدق.. ماذا ستقول هذه العجوز، وهي ترى طوابير السيارات تصطف في انتظار الأدوار المؤجلة والألوان المجلجلة، ومساحيق مرحلة نهشت من جذر مرحلة، ماذا ستقول عن أولئك اللاتي لحفن الجسد بقماشة الشظف، ومشطن الجديلة بدهن النارجيل، وقلن حمداً لله على العافية، نمنّ.. ونمنّ، وفي الصباح الباكر أدين الفريضة، ثم نهضن لإعداد ما تفوح منه رائحة الشوق الأنثوي، وأنفاس العاشقات لجهد ذاتي من دون التسكع عند أرصفة كافيتريا أبو ساعد أسمر، ووزار” .. ماذا ستقول هذه العجوز، لو رأت ما يراه النائم في كوابيسه، نساء يحطبن في المولات، ويسألن عن أحدث الموديلات، ويقطبن الحاجبين، على الجبين اللجين، عندما لا يعثرن على زجاجة العطر التي شاهدنها عند إحدى الصديقات، ناعمة القد، مرهفة الحواس.ماذا ستقول السيدة العجوز عن علاقة حب جوهرية في حياة بعض الناس مع محال التجميل، والمجلات، والشاشات الرابحة هي التي تضخ مزيداً من الإعلانات عن أحدث موضات التجميل، وأجود ما أنتجته المصانع الفرنسية من أروع وأبدع وأمتع مستحضرات التجميل التي تحول السوداء إلى بيضاء، والحولاء إلى دعجاء، والخمرية إلى قرمزية، والفضية إلى بنية، ولا داعي للشكوى أو النجوى لأن الجيل الجديد يمرح ويسرح على كف الراحة.
ماذا ستقول السيدة العجوز، وهي تحدق في أفق استبدل جلبابه بجلباب مطرز مخرز، معزز بالبريق الأنيق، محزز بخاصرة وبادرة، فقد تغضب، وقد تعتب، وقد تقطب وتكرب، لكنها بطبيعة الحال لن تنسى أنها امرأة تغار حتى من ظلها إن لاحقها، وتتوجس من عينيها إن غبشت، ولم تر ما تراه الأخريات من جمال الكون، وتتوحش إذا شعرت بند منافس، وتفترس إذا كان الخطر داهماً لا محالة..
ستستنفر السيدة العجوز وطراً غير وطرها، لكنها بعد حين ستتذكر أنها امرأة.. وأنها تريد ما لا تريده لغيرها.

على ابو الريش ** الاتحاد