المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طرق الاداء في الحكايه الشعبيه



العراف الأفعي
15-01-2013, 08:04 AM
لأسطورة والحكاية الشعبية فى السودان
د. الوليد محمد الحسن إدريس – جامعة بحري

السودان يتميز بموقع وسطى أتاح له أن يكون معبرا بين أفريقيا السوداء وآسيا من جهة وبين شمال وجنوب تتوسطهم صحراء ويربط بينهم نهر النيل شريانا يجعل الربط بين شمال الصحراء وجنوبها ممكننا كمورد للماء يجعل الحياة ممكنة – بكل قصصها وحكاياتها .
هنالك مجموعة من العناصر جعلت للسودان ميزة تمثلت فى التعدد العرقى واللغوى والدينى وأيضا تعددت النشاطات الإقتصادية وبالتالى كونت ذلك الهجين .
( فهى ثقافة تختلف وتتباين فى مظهرها لكنها تتحد وتتالف فى جوهرها ، وتتجلى هذه الوحدة التواثقية ، وذلك الإختلاف التباينى فى أشكال المأثورات الشعبية المنبثقة منها والمعبرة عنها والدالة عليها والتى تحتوى فى باطنها صورا متفاوتة من ناحية تعبيرية من أنماط متنوعة من عناصر الدراما الشعبية )[1]
تم ذلك من خلال حركة تراكمية فى خلال عقود طويلة من الزمان علما بأن هنالك تاريخ قديم وحضارة لإنسان السودان ، هذا بالإضافة إلى تميز التركيبة السودانية من عنصرين رئيسيين هما المحلى الزنجى والعربى الوافد حتى أصبحت التركيبة السكانية توصف بالهجين (زنجى - عربى ) وهذه العناصر فى حالة من التأثر والتأثير فيما بينها مما يمكن وصف القومية السودانية بأنها فى طور التكوين .
(كان التجار والكهان والساسة من بلاد الحضارة فى ذلك الزمان الهند والصين ومصر القديمة والبحر الوسيط اليمن السعيد وكانوا يأتونها فيرون عقائد القارة الأفريقية ورموزها الدينية فيحملونها كلا شطرا لأقاليمهم المتعدده ، وتأخذ مروى عنهم وسائل الزرع والحصد والصناعة ، تحملها الى القارة فى كل صوب فى الشرق المطل على المحيط الهندى ، وفى الغرب المجاور لبحيرة تشاد ، وفى الوسط عند نهر زامبيرى وكانت لذلك ثرية حتى أسماها أحد المؤرخين المحدثين ( بيرمنجهام أفريقيا) وكانت متعلمة حتى أسماها العارفون ببعض آثارها المعروفة ( أثينا أفريقيا) . لم تكن تنقل حضارة الشمال نقلا ، كانت تطورها تطويرا ، وتحدث اثرها فيها وتطبعها بشئ منها وتضيف شيئا هنا ، تؤفرقها إن شئت ) [2]
والسودان بذلك قد شكل معبرا فى المستوى الثقافى وحلقة وصل من خلال موقعه الوسطى المذكور سابقا.
( نعلم أن فقهاء الإسلام كانوا يقسمون العالم الى قسمين دار حرب ويعنى غير المسلمين ودار سلام والمفروض أن نسمى دار سلام أى المسلمين ونرى أن العلاقات العربية النوبية لم تتبع هذه المعادلة . فلقد اضيف بعد ثالث هو دار مهادنة – ويقصد إتفاقية البقط المعروفة – ومن خلال فكرة المهادنة سياسيا وثقافيا بدأت العلاقات العربية والسودانية النوبية وبذلك إختطت الثقافة السودانية نهجا جديدا )[3]
ويخلص الباحث إلى أن السودان يحمل ثقافة مركبة وهجين قديم ، وحديثا لم تؤثر عليها كاملا حركة المد العربى الإسلامى من خلال وضعها العسكرى وبالتالى الثقافى .
وعليه تكون جزور السرد الشعبى فى السودان لاتنفصل من هذا التكوين الأثنى والتركيب الهجين –وهناك دراسات فى الثراث الشعبى حول هذا المضمار مثل دراسة (بروفسر حريز)الحكاية الشعبية عند الجعليين (تداخل العناصر الأفريقية والعربية الأسلامية) وغيرها مما يؤكد خصوصية فى التكوين لملامح السرد الشعبى السودانى كما يراها الباحث إذا أخذنا فى الإعتبار أن السرد الشعبى أصلا يشكل نقاط تلاقى لحركة لبنى البشر حول وحدة أصيلة فيهم .
إلا أن الباحث لاحظ ندرة وجود اللأسطورة فى المدونات المكتوبة للباحثين الفلكلوريين وبالتالى لدارسى ونقاد المسرح فى السودان ما عدا القليل الذى وجده فى أسطورة سالى فوحمر .
(وهنا تقف فى صدارة المسرحيات التى أتخذت الأسطورة موضوعا لها مسرحية نبته حبيبتى 1973 و1974 للكاتب هاشم صديق متكئا على مصدرأسطورى وهو قصة خراب كوش التى إختار لها الكاتب جمال محمد أحمد عنوانا بديلا عنها وهوسالى فوحمر)[4].
مما يجعل الباحث يشير إلى ندرة الأسطورة من خلال مقارنتها بالحكاية الشعبية وتعدد وجود إستلهامها ومساحتها فى المسرح السودانى مثل تاجوج و المحلق لأبو الروس والمك نمر للعبادى الشهيرتان فى المسرح السودانى .
معمارية السرد الشعبى فى الحكايات الشعبية والأساطير فى السودان :
لاحظ الباحث مما توفر لدية من دراسات ندرة ظهور الأسطورة فى السرد الشعبى السودانى قياسا بالحكايات الشعبية إلا فيما تعلق بالنيل وأسطورة سالى فوحمر المدونة لجمال محمد أحمد ، ممايجعل أشكال البناء الواضحة فى الدراسة هى أشكال الحكاية الشعبية وطرق سردها، ويمكن النظر إلى شكل بناءها والذى تتميزه البساطة .
(بساطة القصص الشعبى السودانى تبرز أمامنا اذا ما قورنت هذا القصص الشعبي بالقصص الشعبى العالمى وفى الوقت نفسه تميز طريقة الراوى السودانى . ومعنى هذا ان قدرا من البساطة ينتمى الى طبيعتة والقدر الآخر ينتمى الى منهج الراوى نفسه)[5]
يشير د. عزالدين إسماعيل الى أن أهم ما يميز القصص الشعبى السودانى هو البساطة التى أوضح عناصرها فى الآتى :
1. الراوى السودانى لايحب كثرة الكلام والتفصيلات . فيتجه الى الإيجاز والإقتصاد فى العبارة .
2. الوصول الى النتيجة المطلوبة مباشرة دون إنتظار للظروف التى تنير الفعل أو تنضجه . فليس بين بين الفعل والنتيجة أى فسحة للتعرف على مقدمات هذه النتيجة والإجابة على كيفية تحقيقها .
والراوى بذلك لا يقيم أى وزنا للصعوبات التى تكتنف تحقيق الفعل المراد تحقيقه – ويتحقق هذا الفعل فورا بمجرد التفكير فيه والرغبة فى تحقيقه .
ويرى الباحث أنها ميزة تجعل الأداء يتركز على الفعل بشكل يتجاوزه الى ما وراءه أو الى الهدف من وجوده ومغزاه ، وهنا ينفتح الفعل الى أفق أرحب ويتجاوز نفسه الى الإندماج الى وحدة أكبر أهمية منه وهى وحدة الحدث والتى يحققانها وهى تمثل الوحدة العضوية لما يعرف بالبداية والوسط والنهاية .
( فى كل القصص الشعبى العالمى تؤدى بداية الحكاية ونهايتها كما هو الشأن فى الأدب القصصى الذى ينشئه أفراد الأدباء وظيفة فنية لها أهميتها من الناحيتين المعمارية والمعنوية)[6]
1- البداية والنهاية :
هما يمثلان طرفا الحلقة وإطارا يضم الأفعال والمواقف فعلى أساس البداية تتوالى الأحداث ثم تأتى النهاية متوجة لها .
(أما الناحية المعنوية فالبداية والنهاية تقترنان فى ذهن السامع وتساعدانه على إدراك المغذى وتفهم الهدف المعنوى للحكاية)[7]
ويرى الباحث القصة بأحداثها تتجه من خلال أدواتها المختلفة ولغتها المنطوقة التى تتحدث بها الشخصيات إلى هدف منشود يكمن وراء هذه اللغة ووراء الشخصيات ،،تسعى القصة إلى الوصول إليه وهى ما تفعله الشخصيات الإنسانية .
وخير توضيح لذلك يمكننا القول أنه تختطط القصة إتجاها وهدفا إلى أن تضيق مساحات الشخصيات وأقوالها إلى درجه حتى تكون (الأفعال) مقصودة فى حد ذاتها – للخروج بالعبرة .
والبداية فى الحكاية الشعبية تتخذ تقليدا بعينه – إلا فيما ندر فى الحكايات التى تروى عن تجارب أصحابها الخاصة بهم وأبرز ظاهرة أمكن ملاحظتها هى التعميم والتجهيل فيما يخص الزمان .
(فالحكاية دائما تبدأ أحداثها فى زمان ما ، لمجرد أنها لا بد أن تبدأ فى زمان غير محدد وهذا ما يؤكد لنا الرغبة فى التعميم الذى يجعلنا جاهلين بالحدود التاريخية للأحداث حيث يزيل من الذهن كل الابعاد الزمانية )[8]
والحكايات السودانية دائما لا تميل إلى التطويل وإيراد التفاصيل نسبيا – بل تكتفى غالبا بفعل الكينونة دون تحديد زمن الكينونة لتحقيق هدف التعميم والتجهيل الذى ذكرناه سابقا .والمكان نادرا ما يتم تحديده فى وقائع الحكاية .
(ربما كانت النهاية والإعتناء بها أكثر خطرا من البداية ، فالنهاية هى آخر شئ يقع فى أذن المستمع ونفسه وهى الحلقة التى تحدد المغزى الأخير لكل ما سبقها من أحداث وهى فضلا عن كل هذا وذاك أشد ما تكون إرتباطا بالبطل الذى مر بكل الأحداث والذى حدث بينه وبين المستمع إتحاد أوتعاطف نفسى طوال الحكاية)[9]
وهى تمثل نهاية الحلقات التى بدأت من خلال البداية ذات المواصفات المحددة وهى تمثل الحل الأخير والمخرج النهائى للبطل بعد سلسلة من الأحداث والمواقف العصيبة أو انها التتويج الأخير لمحاولات النجاح المتعددة للبطل فى صراعه.
ويرى الباحث أنها لن تكون كذلك إذا لم يكن الوسط بين البداية والنهاية ثلاثيهما يشكلان وحدة عضوية فى معمارية النسيج الحكائى من خلال مواصفات البداية السابقة وبساطة عناصر التحرك وتجاوز الحواشى والإتجاه نحو الهدف الذى يكمن وراء الفعل .
(نهاية الحكايات لها توقيفا أى تقاليدا غنية مطردة .ومن ثم تحدد طابع النهاية فى الحكاية فصارت فى الغالب متفائلة أو ما درج بتسميته بالنهايات السعيدة)[10]
إلا أنه قد يكون هنالك شذوذا من هذه القاعدة والحكايات الشعبية قد تنتهى نهاية سعيدة أونهاية اخرى كأن تكون وعظية مثلا.
* الألغاز(لغة السرد)
تكشف ا لرؤ يا الى الحل * التوقيف الزمنى
§ * منهج التردد والخوف
البداية والنهاية
2- مابين البداية والنهاية:
وجد الباحث من خلال جملة الطرز التى تعتمد عليها الحكاية الشعبية فى السودان وفق د .عزالدين اسماعيل[11] ويمكن تلخيصها فى الآتى :
1. منهج التردد بين الخوف والرجاء : فى جسم الحكاية سلسلة من الوقائع – تكتنف حركة الشخصية الرئيسية ( البطل) فهو ما يكاد يخرج من موقف عصيب يؤذن بخطر حتى يقع فى موقف أشد قسوة وأكثر خطورة- مع ملاحظة ان هذا لا يحدث بشكل مستقل، بل يسلم بعضه البعض فى وحدة بنائية متماسكة .
2. التوقيف الزمانى : وهو أن يتعلق الحادث بظروف معينة ، فإذا لم تتوافر إستحال وقوع الحدث . كأن تقول العجوز..للذى يريد أن ينقذ الاميرة من الغول :( الغول) حسيسو دهر ونومو شهر .وإذا نام يتصاعد دخان .وإذا وجدته نائما إخرج شعرة من رأس السعلوة ستعود الاميرة المسحورة ، ولكن إحزر قبل أن تفارق دار الغول .إحرق كل شئ – فيفعل وينسى أن يحرق ضفرا كان بمنزل الغول وكلب الغول ..وتتوالى الأحداث .
3. الألغاز : ( الرموز التى تشبه الألغاز)
فهى من العناصر التى تعتمد عليها الحكاية ، لتوفر أكبر قدر من التشويق وهى من أنجح الوسائل لتنشيط ذهن المستمع وإثارة خيال المستمع ، بل يتعدى هذه الوظيفة إلى تحريك شخصيات الحكاية ، حتى تكون أشبه بالنبوءة.
( غير انه ينبغى هنا التنبيه إلى أن هذه الرموز التى تصنع الرمز لا تنتمى إلى الرمزية الفنيةsymbolism بل يمكن تسميته التمثيل الرامزAllegroy أى أن القاص يستخدم للغز هذه العناصر الرامزة أو المتمثلة للأشياء ويتوقف فهم مضمون اللغز على إدراكها)[12]
وقد تكون هنالك طرق اخرى (كالحيلة) و(القوة والعجز) .
ويرى الباحث أنه وفق ماسبق ذكره أنه تأتى النهاية فى حالة التكشف أو النجاح كنتيجة غير منفصلة من شكل التركيب السابق كحتمية منطقية .

[1] د . سليمان يحي محمد . ورقة بحثية مقدمة للمؤتمر الدولى حول المأثورات العربية فى المائة عام الماضية القاهرة . 2001 ص(1)
[2] جمال محمد أحمد .سالى فوحمر .دار جامعة الخرطوم للتأليف والنشر .الخرطوم 1975 ص(107-108)
[3] بروفسر سيد حامد حريز .جزور الأداء الشعبى فى السودان . المهرجان القومى للاداب والفنون 1975 ص(11)
[4] د. عثمان جمال الدين . الفلكلور فى المسرح السودانى .مؤسسة أروقه للثقافه والعلوم .ص(18)
[5] د عزالدين اسماعيل . القصص الشعبى فى السودان .المطبعة المصرية العامة للتأليف والنشر .1971ص(7)
[6] المرجع السابق ص(12)
[7] د عزالدين اسماعيل مرجع سابق ص12
[8] د عزالدين اسماعيل مرجع سابق ص12
[9] د عزالدين اسماعيل مرجع سابق . ص(17)
[10] د عزالدين اسماعيل مرجع سابق نفس الصفحة
[11] د عزالدين اسماعيل مرجع سابق ص(26-53)
[12] د عزالدين اسماعيل مرجع سابق ص(37)
ELWALEED MOHAMMED ELHASSAN IRISS

ساريه
15-01-2013, 08:45 AM
معلومات قيمة تجبرنا على القراءة وطرح مثمر كامل الدسم ....
أهنيك اخى العراف واهنى انفسنا بوجودك بيننا ...
وأنه لجميل ان تكون رسالتك من اولى مشاركاتك فى المنتدى .....
نورت وعشرات حبابك ...

بدر الدين محمد
15-01-2013, 09:45 PM
العراف الافعى في مشاركته رقم (2)

نقلنا الى موضوع جادي وجميل وفي نفس الوقت مهمل

فالحكاية الشعبية جانب تجاهلته المؤسسات الثقافية
ومن اشهر الكتب التي صدرت في هذا الاتجاه كتاب الاحاجي السودانية للدكتور عبد الله الطيب وهذا الكتاب لا توجد منه ولا نسخة واحدة في المكتبات

يا ريت اخي العراف تنقب لنا عنه

عبدالغني خلف الله
16-01-2013, 08:36 AM
أستاذ العراف ..مساءات الجمال والروعة لك ولمن حولك وشكراً جزيلاً علي هذا الطرح العلمي المتميز والذي يلامس الحكاية الشعبية والأسطورة وقد أتيحت لي فرصة العمل بجنوب وشرق وغرب السودان ..حيث الثراء اللامتناهي للموروث الشعبي ..وقد حاول بعض الساسة إيصال رسالتهم عبر تلك الأساطير ..أذكر أن سياسياً جنوبياً زار مدينة بور..حيث كنت أعمل وحكي للجمهور الكبير الذي تجمع لتحيته ..هذه الأسطورة قال لهم بلهجة الدينكا (تشاجرت الشمس والرياح علي جبة موشاه بالذهب كان يرتديها أحد الامراء وقد خرج للنزهه..قال الريح أنا آخذها منه..ضحكت الشمس وقالت للريح لن تستطيع أيها العنيف أبداً..وبرغم ذلك سأمنحك الفرصة لتحاول..إمتلأ الريح بالهواء وركض صوب الامير ودهمه بكل ما يملك من عنفوان..إلا أن الأمير تشبث بجبته وظل يدور ويدور..وعندما أصاب الارهاق والتعب كلاهما..إنصرف الريح وذهب إلي الشمس التي كانت تراقب الموقف عن كثب وإعترف لها بفشله..وجاء الدور علي الشمس..فبدأت بتسخين الجو شيئاً فشيئاً..والامير يتضايق من الحراره..وزادت من ضغطها عليه فما كان منه الا أن خلع جبته..ساعتها قالت الشمس للريح..إذهب وخذ جبتك فهي هديتي لك..)ولعل هذا ما حدث بعد أن سئمنا مهام المحافظة علي الجنوب تماماً كما فعل ذلك الأمير لا أكثر ..ودمت بألق

mahagoub
19-01-2013, 05:05 AM
رائع مع بداية انطلاقتك
فقد اتحفتنا بموضوع يحتاج الى البحث والتنقيب
فى بواطنه وثبر اغواره ولو بحثنا فى الميراث الشعبى
فلن تكفينا كل السطور لكتابته