المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ريبورتاج ..رواية جديدة



عبدالغني خلف الله
30-06-2013, 08:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ريبورتاج ..رواية جديدة ..
عبدالغني خلف الله
الحلقة الأولي
الطبيب البارع همام خرج من رحم المعاناة وقرر ألاّ يعود إليها ابدآ..خاض في طفولته معركة رهيبة ومثيرة..إسمها البقاء علي قيد الحياة وكانت له أساليبه وألاعيبه الخاصة به..قاوم الملاريا والبلهارسيا واليرقان ..وعندما قبلوه بالمدرسة الوسطي وأودعتة الحكومة إحدى داخلياتها شعر أنه قد وصل إلي بر الامان .. ونشأته تلك جعلته يكره الفقر والحرمان .. لذلك لم يشعر فى يوم من الأيام أن المرتب الذي يتقاضاه من وزارة الصحة والدخل الذي تدره عليه عيادته الخاصة يلبيان ذلك الأفتقار التاريخي للأشياء لديه. والطبيب همام لم يكن مقتنعاً بعمله كطبيب ..فهو لا يأبه كثيراً للوجاهة الاجتماعية وليس معنياً بعذابات الناس الغلابة الذين خرج من صلبهم .. ولعّل أكثر صفقة خرج بها من عمله كطبيب هى زوجته المذهلة نهلة وطفلتها ريم التي تخطو أولى خطواتها فى الثانوية العامة ..نهلة عبد القادر .. تاريخ ناصع من الوسامة والجمال .. قادتها قدماها الى عيادة الدكتور همام .. فقد كانت تريد أن تعمل (ريجيم) تحت إشراف طبيب لتحافظ على رشاقتها فلا تفوتها المنافسة المعلنة بنادى التنس .. كيف لا وهي تجيد كرة المضرب وتحلم بأن تكون فى يوم من الأيام فى مستوى (شتيفي قراف) والأخيرة هذه لا بد أن تكون لاعبه تنس.. وهي لا تحتاج لأكثر من التلويح بمصربها ذاك فتنهال الدولارات من ذلك الجمهور المتعطش للأناقة .. وشتان ما بين جمهور التنس وجمهور الألعاب الأخرى .. بادي ذي بدء لعلك لن تجد متفرجات بنظارات سوداء في تلك الميادين وأن وجدن فلن توجد منهن في مستوي ذلك الألق العجيب .. وجمهور أي رياضة أخرى متشنج .. ومنفعل .. أما جمهور التنس فهو رائق . فنان.. يعرف متى يصفق ومتى يصمت . لا مثل ذلك الشغب وحصب الملعب بالحجارة والزجاجات الفارغة . وأغرب مايميز لاعبي التنس أن المهزوم يصافح المنتصر ويذهبان سوياً نحو الحكم. لذلك كانت نهلة تتبع (ريجيماً) قاسياً (كالورينات) بالعدد تساعدها فى ذلك الحالة الطيبة للحاج عبد القادر (قولو ما شاء الله) . وفي أمسية رائعة ناعسة فجر الدكتور همام رغبته بعدم التوجه للعيادة وأعقب ذلك بأن أعلن لنهلة وريم وتخلية نهائياً عن مهنة الطب . نهلة أسقطت كتاباً كانت تقرأ فيه على الأرض وشهقت من هول المفاجأة . كيف يجرؤ الدكتور همام علي مصادرة أحب الألقاب الي قلبها وهي تقدم نفسها لصديقاتها الجدد بنادي التنس . معقول بس أنت متزوجة .؟ طبعآ . . ما باين عليك ,اليشوفك يقول عمرك خمستاشر سنة . وكمان عندى طفله فى أولي ثانوي عام , بختك والله ..زوجك دكتور وعندك طفله؟ لكن ورينا بتعملى شنو؟ من وين ليك كل هذه الرشاقة والأناقة ؟ لا أبدآ كل ما فى الأمر أنو (باباي) ما كان ببخل على بحاجة . يعني العربية ورحلات لبيروت وجنيفا . والآن (همام) مامقصر بس بدرجة أقل ..يعنى بنطلع على أركويت وبورتسودان. وعلى عكس نهلة تقبلت ريم الواعدة الموضوع برحابة صدر وبدأت تفكر بصوت مسموع مع والدها حول البديل المناسب . رأيك شنو يابابي لو تشترى (دفارات؟) نيفين صاحبتي وزميلتي فى المدرسة باباها عندو دفارات وأنا شفت العمارة بتاعتهم . حاجة (أورجنال) خالص ونيفين سايقة هوندا . دفارات؟ دكتور همام يسال فى إهتمام شديد .. يابت انت جنيتي ولاّ شنو ؟ تلقيهو وارث أو كدة وحكاية الدفارات دى للتسلية لا أكثر, تلقي الواحد يقول ليك الدفار يدخّل مائة الف فى اليوم ويجيك السواق كاتل حيلو والنتيجة كسور وبواقي .لا..لا يا (ريمونا) أنسي حكاية الدفارات دى خالص . طيب يا بابي تعمل مصنع زيوت . ناني صاحبتي فى المدرسة عندهم مصنع ومبسوطين خالص والدليل أنو (ناني) سايقة (تيكو) وكل إجازة يمشو لندن.. ريم يا حبيبتي إنتي ما عارفة حاجة . من وين أجيب كل يوم شحنة سمسم وشحنة فول . هو أنا فاضي؟ نهلة التقطت جريدة من الطاولة التى أمامها وحاولت أن توحي لهم بانها تتشاغل بالقراءة وهي فى الواقع كانت تداري دموعها التى سالت على خدها دون هوادة ،وفات على همام أنها تبكي .. همام نظر إليها وقال .. ما تختي الجريدة دي يا حبيبتي وتشاركينا فى النقاش.. الجريده.. الجريده ؟؟ طيب ليه ما نصّدر جريده ؟ ثم.. أسمعوا ايها السادة والسيدات ، لقد قررت أن أصدر جريده.. جريده ؟ نهلة هتفت بحرارة .. وحتنشر صورتي أذا ما فزت ببطولة الجمهورية ؟ .. وعلى صفحة كاملة يانهلة .. جريده ؟ ودى بتجيب شنو ؟ ريم تساءلت فى براءة ، هذا يعتمد على مستوى الموضوعات التى تنشر بها ومدى التأثير الذى تحدثه فى نفوس القراء ،والله يابابا أنا ما مقتنعة لكن لو ماما وافقت أنا موافقة . الصحافة مهنة محترمة يا ريم ..نهلة وقد تبنت الفكرة ..بس نسميها شنو ؟ بسيطة يا نهلة نسميها أخبار الساعة ..لا لا .. ساعة أيه، نسميها مرآة الأحداث .. ريم الواعدة تشارك فى عملية البحث عن إسم ، لا ياريم ده اسم برنامج فى التلفزيون .. أصلك انت داخله طوالى على القنوات الفى الدنيا كلها.. أنا أقترح نسميها المجهر ، تانى رجعنا للطب ؟ أبدا يا ريمونا المجهر معناه أنك تضع كل الاحداث تحت دائرة الضوء . معناه التحليل العلمى للأشياء . ومعناه الموضوعية، معناه ..خلاص .. خلاص ياهمام نسميها المجهر . ************

عبدالغني خلف الله
30-06-2013, 08:46 PM
الحلقة الثانية
وهكذا أصبح الحلم حقيقة إذ رأت المجهر النور . وتلقفها الجمهور بشغف شديد وخرجت فى ثوب قشيب أدهشت السودان ومنطقة الشرق الاوسط بأسرها . ذلك لأنها توظف التكنولوجيا بشمولية مطلقة . فالجريدة تدخل الانترنت وتطبع فى لندن وتوزع عبر القمر الصناعي (موزه) اذ يقذف الموزع الإلكتروني الجريدة فى شكل موزه ، تماماً كما يفعل رماة الكرة البرازيلية . .فهى تطير من وسط لندن مروراً بالمتوسط وجبل طارق لتحط الرحال فى الخرطوم ، وجريدة المجهر تنمو وتزدهر بإستمرار وتسجل مبيعاتها أرقاماً أصابت الكمبيوتر بأزمة قلبيه. حقيقة يحق للمرء أن يفخر بوجود صحيفة فى الساحة السودانية بمثل هذه المصداقية والأنتشار.. ولكن ماهو السر وراء هذه النجاحات ياترى ؟! هل هي التكنلوجيا التي تستخدمها الصحيفة أم كادرها الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة . فمعروف أن الدكتور همام هو رئيس مجلس الأدارة ورئيس التحرير وسكرتير التحرير والأستاذ ناجي الذى هو فى الأصل فنان تشكيلي يرسم الكاريكاتير ويحرر الصفحات الرياضية والفنية وعمود المجهر وراء شكواك ويشرف على الشئون السياسية والعسكرية وأخبار الجريمة .. ثم الأستاذ عليان وهو فى الأصل مبرمج كمبيوتر غير أنه أضحي الآن مستشار الشئون العامة للجريدة . وتبقت لنا الرائعة كوثر سكرتيرة الدكتور همام والمحررة الذائعة الصيت ولا ننسي الحاجة صفية والأستاذ عليان. وتحت الضغط العالمي والأقليمي طلباً للصحيفة أعلنت المجهر فى صدر صفحتها الأولي عن حاجتها لمحررين من حملة (الليسانس فى الاعلام) إلا أن الأستاذ ناجي أضاف مؤهل الأحياء فى الأعلان لتقليل عدد المتقدمين للانضمام للجريدة ونسي أن فى هذا السودان البلد الواحد ليس بوسعك وضع الناس أمام معضله .فكل مشكلة ولها حل.وكل تخصص يقبل التخصص الآخر. فمثلاً كل السياسين كانوا مهندسين وحقوقيين وعساكر فى آن واحد . كيف ؟ لا أدرى .. وتجد الموسيقار من هؤلاء يحمل دبلوم معهد الموسيقي والمسرح بجانب ليسانس كيمسترى . لذلك لم يكن مستغرباً أن يتقدم سبعة أشخاص من حملة الليسانس فى الأحياء والأعلام لملء الوظائف المعلن عنها. الدكتور همام أسقط فى يده فدعا لإجتماع عاجل لمجلس الأدارة وهيئة التحرير للتفاكر حول الطريقة المثلي التى يتم بها استيعاب العدد المطلوب من بين هؤلاء الساده.. وخرج الإجتماع بضرورة إخضاع المتقدمين لإمتحان تحريرى ، وتم تكليف الأستاذ ناجى والأستاذ عليان بوضع أسئلة الامتحان ، وذكّرهم الدكتور همام بأن يكون الامتحان (قلوبال) ومتعمق ، فتقاسما الأسئلة بحيث يضع الأستاذ ناجى أسئلة التاريخ والجغرافيا والعلوم والأستاذ عليان أسئلة الإعلام والشئون السياسية والإقتصاد. جلس الأستاذ ناجى وأمامه ثلاث علب من السجائر (وسيرموس شاى) وبدأ يفكر فى مادة الأسئلة وكتب مادة التاريخ: 1. أذكر عدد ضحايا الحرب الكونية الأولى وحرب داحس والغبراء. 2. متى وأين ولد تشرشل و المهاتما غاندى.؟ 3. متى وأين توفي الأسكندر الثاني والفهرر هتلر؟ ثم أسئلة الأحياء . 1. تكلم عن الإستنساخ بين النظرية والتطبيق. 2. عبارة (سى سى) إختصار لوحدة معروفة .. ماهى؟ 3. من هو مكتشف أنثى الأنافوليس؟ 4. من هو صاحب نظرية العلاج عن طريق الموجات الجيوفزيائية ؟ 5. كم تبلغ درجة الحرارة على عمق ثلاثة أمتار بساحل البحر الأحمر صيفاً ؟ ثم الجغرافيا: 1. وضح خطوط الطول والعرض لمدينة نيالا. 2. أين يزرع محصول القوار؟ 3. كم تبلغ المسافة بين الأرض والقمر وبين القمر وكوكب المريخ ؟ 4. إشرح الآتي : أ‌) الكسوف. ب‌) الخسوف. ج) المدّ والجزر. د) طبقة الأوزون. حمل الاستاذ ناجي ورقته سعيدا بأسئلته التي كلفته حوالي 20 سيجارة وخمسة أقداح من القهوة ، وقبل تقديمها للدكتور همام عرج علي مكتب الأستاذ عليان للاطمئنان علي أنه يقوم بواجبه علي الوجه الأكمل ..الأستاذ عليان إستغرب من سهولة الأسئلة التي اقترحها الأستاذ ناجي وخمّن أن يكون هنالك عدد من معارفه أو الذين يهمهم أمرهم بين الذين سيجلسون للامتحان ، ومن ثمّ أطلعه علي بعض الأفكار التي ستشكل الأسئلة الخاصة به .. سألهم في مجال الإعلام عن أول صحيفة صدرت في العالم ومن هو رئيس تحريرها وسألهم عن متوسط مبيعات هآرتس في الإسبوع وطلب منهم توضيح الفرق بين اللقاء الصحفي والمقابلة الصحفية علي خليفية البعد المكاني والزماني وسإلهم عن أول شهيد لمراسلي وكالات الأنباء في الحرب الكورية وعدد أسماء الصحف التي تصدر في بكين وأشياء من هذا القبيل، أما في مجال الاقتصاد فقد سألهم عن مؤشر داو جونز ومؤشر نيكاى وعن قيمة بعض العملات مثل القلدر الهولندى والراند الجنوب أفريقي واليورو مقابل الدولار وسألهم عن الشركات المائة الكبرى وبماذا أقفلت بورصة لندن من حيث الأسهم والمستندات .. د/ همام لاحظ أنهما أهملا الأسئلة السياسية .. فتناول ورقة وقلم وكتب .. ما هي المادة في الدستور التي تخول رئيس الجمهورية صلاحيات إعلان الحرب ؟.. عرف الآتي : الديماجوجي .. البراغماتي .. الميكيافليه .. ثم أراح ظهره علي الكرسي وهو يردد .. أوكي .. أوكي . ************************

عبدالغني خلف الله
01-07-2013, 08:11 PM
الحلقة الثالثة
الآنسة كوثر دعت لإجتماع هيئة التحرير الذي درجت الجريدة علي إنعقادة الساعه الخامسة ونصف صباح كل ثلاثاء.. د/ همام يعتقد أن هذا هو أنسب وقت لعقد الاجتماعات وقال في هذا الصدد: - واحدين تلقاهم يدعوك لإجتماع الساعة الواحدة ظهرآ يعني تتوقع شنو من ناس زي ديل الواحد فيهم جاري طول النهار .. وعلي غير عادته خاطب د/همام الاجتماع لمدة ساعة كاملة .. وكان في الإجتماعات السابقة يفضل الإستماع أكثر من الكلام .."الإجتماعات في حد ذاتها مدارس كما تعلم أخي العزيز أختي العزيزه " وكان يقصد الآنسة كوثر .الصحافة هي علم قراءة المستقبل وفن صياغة التوقعات واستباق الأحداث –د/همام يواصل حديثه – وقد قرأ في وجوه الحاضرين إنبهارهم بهذا التنظير ..أن تصف الحدث هذا سهل وميسور وتقوم به الكاميرا أن تتوقع حدوثه هنا تكمن العبقريه .. علي الصحفي أن يكون قريبا من الجماهير يسعد لسعادتهم ويحزن لحزنهم ..الصحفي هو سماعة الطبيب التي يقيس بها اهل الحكم نبض المجتمع .. - عدنا للطب تاني يا دكتور ( أستاذ عليان يحدث نفسه) الغريبة الزول ده ما درس صحافة لكن ينظّر ليك في الصحافة بمنطق الطب .. مثلآ يقول ليك .. حمي الأسعار والسودان إسترد عافيته وعبارات زي شريان الحياة وفي قلب المعركة .. - الصحفي الذي يكتب من داخل غرفة أو تربيزة صحفي ديواني " د/همام وقد تجرع نصف كوب من الماء لتجميع أفكاره " .. إن جلوسك علي قمة النجاح يتطلب ضعف المجهود الذي أوصلك اليه .. وهذا هو ديدن جريدة المجهر .. تصفيق من الحضور نصفه بالإيدي ونصفه بالوريقات التي يكتبون عليها الملاحظات " الصحفي يعطيك الصورة يا أبيض يا أسود .. اللون الرمادي لا وجود له في عالم الصحافة " الآنسة كوثر بدأت تتململ وقد نفذ صبرها إذ أنها تتوقع تلفون من خطيبها في قطر ".. والصحفي النابه هو الذي يشكّل المجتمع لا أن يتبوتق معه في بوتقة واحدة.. - عم صديق يشارك بمداخلة قصيرة – وقال للإجتماع إن برنامجي وبرنامج هذه الجريدة يلتقيان في رضاء الله ورضاء المواطن، ويجب ان يبقي هذا البرنامج مستمرا واردف مستخدما لغة الكمبيوتر ( لا تعوقوا أي برنامج ما دام ذلك البرنامج يعمل بكفاءة)Don’t disturb aworking program .. إنتهي الإجتماع قبيل التاسعة بقليل والآنسة كوثر فاتها تلفون خطيبها ولكنها استمعت إلي رسالته التي سجلها لها علي جهاز ال (آنسر ماشين) فشعرت بسعادة عظيمة جراء الكلمات العذبة التي التي صاغها لها خطيبها المتيم وتذكرت حديث الدكتور همام حول الخروج للشارع واستلهام آراء الناس من أفواههم وعلي الطبيعة .. وقررت ان تتبع القول بالعمل .. وصلت منطقة السوق ووجدت مجموعة من النسوة في انتظار الباص وكان النهار حارآ والغبار يلف المكان .. لفتت إنتباه إحداهن قائلة: يا خالة أنا صحفيه من جريدة المجهر وعندي ليك سؤال حول التقاليد البالية زي الشلوخ والمشاط وكدة ، تقولي شنو للقاريء الكريم؟ - يا بت إنت راميك جمل ..شلوخ شنو ومشاط شنو في الحر دا ..نحن هسع في عرض حافلة توصلنا بيوتنا ولاّ في أسئلة؟ _ما هو يا خالة الموضوع وما فيهو.. _يا بت زحيتي من جنبي زحيتي وإلا قسمت بالله أمعّط ليك شعيراتك ديل.. الآنسة كوثر أصابها إحباط من نوع غريب لدرجة أنها بكت .. وأخرجت منديلها لتجفف دموعها ، وفي هذه الأثناء جاءت حافلة فهرع الجميع نحوها وتركوا كوثر وحدها .. كوثر هذه جميلة وكأن أباها القمر .. عصبية وكأنها البهار، لذلك صممت أن تأخذ الحافلة التالية لتحلق بهده المرأة وتذهب وراءها لإي مكان ولو أدى ذلك للمجازفة بحياتها.. يجب أن تأخذ بيد هذه السيدة الغارقة فى دياجير الجهل والتخلف .. غير أنها تأخرت قليلاً وهي تصلح هندامها .. فانطلق سائق الحافلة الحاقد بالرغم من أنه رآها وهي تحاول اللحاق به .. عادت تجرجر أذيال الخيبة الى مبنى الجريدة وفى ذهنها ضحكة ذلك المساعد الذي أرسل لها عدة إشارات تنم عن الصعلكة ، وصرخ فى وجهها بلغة الشماسة " دقست يافرده" .. دخلت على الدكتور همام وبقايا من دموع علقت برموشها الطويلة .. دكتور همام قام من مقعده وبحنان أبوى خالص أخذها من يدها وهو يتمتم .. - الله … الله آنسة كوثر .. شكلك ما عاجبني أبدآ الظاهر أنك ( أتخانقت) فى التلفون مع خطيبك .. ردت عليه بأدب شديد وحياء أشد ( ولا حاجة يا دكتور بس صداع بسيط ) .. إنحنى فوقها يطبطب على كتفها فغمره عطرها المتميز الذى أرسله لها خطيبها من (قطر) طلبت منه أن يرسل لها نوعاً معيناً من العطر فأرسل لها "كرتونة" كاملة على عنوان الجريده.. وكان الدكتور همام يود سؤالها عن إسم ذلك العطر ليشترى منه زجاجة (لنهلة) .. إنسابت الدموع على خدها الناصع فأرتبك الدكتور همام .. ناولها منديل ورق كبادرة محبة ظلت سجينة صدره وأعصابه لا يستطيع الإفصاح عنها وتمنى لو أنها بكت على كتفيه ولو أنها تسأله عن أخباره ، على حد تعبير نجاة الصغيرة التى أصبحت كبيرة وبالرغم من ذلك يكاد صوتها يشق ثمرة الفؤاد الى نصفين .

عبدالغني خلف الله
03-07-2013, 09:46 AM
الحلقة الرابعة آنسه كوثر وقد سيطرت عليها أفكار دكتور همام حول الاحتكاك بالجماهير أخذت عربة أجرة وطلبت من السائق التوجه نحو السوق الشعبي..سائق التاكسي ذهل من حجم الأناقة التي ارتمت بالمقعد الخلفي وكان في بالة موضوع (فك التسجيلات) والمنافسة التي إحتدمت بين الهلال و المريخ حول أحد اللاعبين القادمين من زائير..وكان قد سمع أن سعرة تجاوز المليار جنية (شوية والله)..قالها بصوت عال..آنسة كوثر قالت لة نعم؟! السائق إستدرك وحول رقبتة باتجاهها وهو يتمتم: لا مافي حاجة يا أستاذة ، ولم ينس طبعا ان يملأ عينية من جمالها الأخاذ وتنسم عطرها المتميز (بتاع قطر)..بس في الحقيقة إتذكرت لي موضوع ما بخص البنات..كوثر الشغوفة بالتوغل في دواخل الآخرين شجعتة بالإستمرار في الحديث.. - موضوع شنو بالضبط ؟ آسفة إذا سألت يعني .. - بصراحة كده أنا هلالابي وماعاوز الهلال يفرط في اللاعب الزائيرى وسمعت أنو المريخ سيوسط رئيس زائير . - لوران كابيلا ؟ السائق أدرك أنه أمام مثقفة حقيقية فأجابها بثقافة أشد : في الحقيقة أنا مع الرأى الذى يقول أن ( موبوتو سي سيكو) سيربح الحرب بعد التدخل السافر من فرنسا وأنو الفرانكفونية نهج متجذر في افريقيا .. كوثر لاذت بالصمت وخمنت أن هذا السائق لابد أن يكون أستاذ جامعي .. فقد حدثتها إحدي صديقاتها بأن كل سائق تاكسي تسأله عن نفسه يجيبها بأنه أستاذ جامعي . أخيراً وصلت إلي السوق الشعبي .. ترجلت ونقدته بعض المال .. قبضة وقال لها : مرسي بكو ,, اوروفوا.. - يا ساتر ..معقولة دى ؟ توغلت في السوق الشعبي وفي ذهنها سؤال حول ما يمثله الوداع بالنسبة للمسافرين وبينما هي تتجه نحو الجزء المخصص للبصات المسافره للاقاليم وجدت ان أصدق وصف يمكن أن يطلق علي السوق الشعبي هو ( السوق الشعبي ) .. جلست علي ( الكنبه ) تستجمع قواها وكانت هنالك قرويتان في العشرينات من العمر يتجاذبن أطراف الحديث .. قالت كبراهن لأختها : - والله الدكتور حق أمبارح علم وكمان وجاهة .. بس عيبو الشعر المشيب .. لكن عاد ما حظ مرتو .. عينيهو ما برفعن يملأ شوفو منك . - تلقيهو هسع ولا معرس. - أجي يابت أمي .. ومنتظر شنو ؟ - نهايتو الراجل مشيب لكن ما كل الشياب شياب .. واسمعي نصيحتي يا أمونة، شايب البندر إن جاك عرسيهو طوالي وحذارى حذارى من شايب الضهارى . - هسع كان خطبك الدكتور حق أمبارح ده بتعرسيهو ؟ -كيفن ما بعرسو..والله أنظّمو ليك جنس نظام ..نسوان البندر قايمات بهواهن وما مهتمات برجالن ، الواحد تلقيهو في الأكل ده ما ممهول ..والله كان عرسني أحّمر ليهو جدادة يوماتي . آنسة كوثر أصغت بإهتمام لهذا الحوار وحدثت نفسها قائلة:أجهز ليهو جدادة يوماتي ..والله إلا ما أنا ..ديل حريم مغفلات وبس. آنسة كوثر العنيده صممت علي إنهاء موضوع هاجس الوداع لينزل في العدد الإسبوعي للصحيفة ..حملت أوراقها وأقلامها وتوجهت نحو المغادرين بالمطار وهناك إستوقفها أحدهم وسألها عن التذكرة فأجابته بهدوء شديد أنا في الواقع صحفية وأود إجراء إستطلاع مع المسافرين إلي أبوظبي.. -ممكن أشوف البطاقه بتاعتك ؟ -طبعا بكل سرور..إ تفضل.. -البطاقه دي غير مجدده يعني بإختصار كده (نن فاليد) -لا أبدا..الحقيقه أنشغلت شويه الأيام الفاتت وإن شاء الله تتجدد.. -طيب عندك إذن من مدير المطار ؟ -لا ما عندي..ثم وفي إرتباك واضح..ما الموضوع وما فيه..الحكايه وكده كلها دردشه خفيفه وما بتحتاج لإذن وكده.. -دردشة زي شنو مثلا؟ -والله ياأخ سؤالي بدور حول هاجس (الوداع ) بالنسبه للمسافر. -الوداع؟!!..وداع منو ؟..ممكن تنتظري دقيقة.. إختفي ذلك الشخص وأحضر معه موظف يرتدي زيآ رسميآ..حياها ذلك الموظف بحراره وعندما تفرس فرس في ملامحها إزدادت حرارة الإستقبال: -مرحبا بناس السلطة الرابعة..إتفضلي المطار مطارك.. آنسه كوثر الإنتقائيه تفحصت وجوه الركاب وحاولت من خلالها قراءة مستوياتهم الفكرية والذوقية..هكذا كوثر..فهي عندما قبلت عصام كخطيب كان ترتيبه نمره عشرين من جملة الذين تقدموا لها..إ ذ كانت تخضع كل متقدم لها لمقاييس علميه ومنهجيه دقيقه..بادئه بالصفات الفسيولوجيه والمورفولوجيه ثم الجينات الوراثيه للتأكد من أنه لا أحد من الأبوين لديه أمراض وراثيه ثم بعد ذلك تنتقل للمقدرات الخاصة والعامه كقوة الشخصيه وقوة التأثير والحضور وفن التفاوض وفن إدارة الحوار ومن ثمّ مستويات الإنفاق العام والخاص والمظهر العام وأشياء من هذا القبيل ..وكان عصام محظوظا فقد حصل علي سته من عشره بتقدير فوق الوسط بينما رسب الباقون رسوبآ مشرفآ. إقتربت كوثر من أحد المغادرين وكان محاصرآ بزوجته وعدد من الأطفال في سن السادسه والثالثه والذين حولوا الصالة إلي مضمار سباق سيارات (الفورميولا واحد ) ..قالت له في أريحية مطلقه: -نود أخي الكريم أن نسألكم عن هاجس (الوداع ) وأنتم تغادرون الوطن إلي مرافئ الغربة..ماذا تود أن تقول لقراء صحيفتنا..صحيفة المجهر ؟ ذهل الرجل من شدة المفاجأه..أولآ لكون كوثر متألقة لدرجة المبالغة وساحره وهيفاء وممشوقة القوام ولكونها إقتربت منه أكثر مما يجب..إلتفت نحو (الحاجه) ثم عاد يتطلع نحو كوثر من جديد وهمهم في إرتباك واضح وهو يوزع نظراته بينها وبين زوجته التي أنزلت رضيعها من حجرها وناولته لإبنتها الكبري وبينما كانت تقف لتعيد لف ثوبها عليها تبعثرت أوراقها واندلقت محتويات حقيبة يدها فانكب أطفالها يجمعونها وهمم يهزجون في فرح طفولي غامر.. -الحكاية شنو يا أبو السارة؟!! -لا مافي حاجه..الأخت صحفية..قلت لي الموضوع شنو؟ -هاجس (الوداع) وأنتم ذاهبون إلي الغربة.. -الغربة ياتا؟ يابت الناس..؟!! الزوجه وقد إنفجرت صائحة وكأنها تريد أن تفرغ كل عوامل الإحباط التي عاشتها أثناء الإجازة..شي جمارك وشي مساهمات وضرائب وشي مجاملات..رجعنا يابت أمي لا بيت لا قطعة أرض وبعد ده كلو جاية تغني لينا موال الغربة والإغتراب.. -إنتظري ثانية يا علوية الحكاية مش كده..الزوج وهو يحاول دون جدوي إسكات زوجته..آنسه كوثر لم تحتمل أعصابها المرهفة ذلك الموقف..فاعتذرت(بشفافيه) وغادرت الصاله مسرعة ومن المطار إلي مكاتب الصحيفة حيث الدكتور همام الذي مسح دموعها وأحاطها بحنان أبوي خالص..ولم يفته تنسم ذلك العطر المنداح..عطر (قطر). **********

عبدالغني خلف الله
06-07-2013, 04:37 AM
الحلقة الخامسة
ظهرت نتيجة الإمتحان العجيب الذي وضعه همام والبقيه ونجح كل من أمير ومهيد والآنستان ناهد وسلمي ، ولدي مقابلتهم له هنأهم علي الوصول الي المربع الذهبي وأخطرهم بأن المرحلة القادمة تتطلب إظهار المهارات والقدرات الكامنة في وجدان كل واحد منهم ، إذ يتحتم علي كل واحد منهم عمل (ريبورتاج) في واحد من الموضوعات التي تشغل الرأي العام هذه الايام ، وأصدر أوامره وكأنه جنرال في الجيش . آنسة ناهد مطلوب منك عمل ريبورتاج عن غلاء المعيشة. آنسة سلمي ..معدلات الجريمة ..الإبن أمير الفساد المالي والإداري في مؤسسات القطاع العام ..الإبن مهيد ..دور الإذاعة والتلفاز في تنمية المجتمع .. أي سؤال ؟ إنصرف الجميع ..والحيرة تملأ نفوسهم باستثناء أمير الذي صوب نحوه حوالي مائة سؤال ..غير أن د/ همام إعتذر بأنه ينتظر وصول سفير دولة مهمه بين كل لحظة وأخري والواقع يقول بأنه تحاشي الرد علي إستفسارات أمير·
الآنسة ناهد وضعت لنفسها خطة عمل وقررت أن تنتقل من بيئتها العائلية في ذلك الحي الراقي وأن تذهب لتعيش مع عمها الذّي يسكن أحد الأحياء الشعبيه هنالك وسط عامة المواطنين المسحوقين حيث لا وفرة تغيظ ولا فلوس ..جن جنون والدتها وكاد أن يغمي عليها لدي سماعها الخبر ودخلت في نقاش عميق مع إبنتها حول جدوي الموضوع من أساسه..يا ماما صحفية أيه وصحف أيه ؟ دي أشياء عفا عليها الزمن ..دلوقت الناس في عصر الإنترنت ..مافي إنسان فاضي عشان يقرأ ليه جريده في حجم السجاده العجميه ..المعلومه الآن يا ناهد بقت في (بانفلتس ) وفي ال( سي ديز)والمايكروفلمز ..غيرأن ناهد كانت قد حددت أهدافها ووسائلها الخاصة بتحقيق تلك الأهداف فتصدت لوالدتها تقارعها الحجة بالحجه ..ماماياحبيبتي..كل إنسان وقناعاتو في هذه الحياه ..الصحافه بالنسبه لي مسألة أكون أو لا أكون ..بعدين أنا ماشه وين يعني ..ما بيت ناس عمي لا أكثر ..وأنا يا ناهد مابهمك إحساسي شنو نحو الرحيل المفاجيء ده ؟ولي وين ؟ بؤره بتاعة أمراض وسوء تغذيه و.. في دي إنت غلطانه يا ماما بالعكس هناك حألقي ناس حبوبه وتماضر بت عمي وعمي صالح ..لكن يا ناهد أنا خايفه عليك ..العقارب والباعوضه والكتاحه ..لا لا يا ماما إنت مكبّره الحكايه ساكت وحأثبت ليك إنك غلطانه ..وهكذا نجحت ناهد في تخطي أكبر عقبه كان من الممكن أن تهدم كل خططها .. طلبت من السائق توصيلها.. وتدحرجت العربه بين ثنايا الأزقه والحواري ولدي توقفها أمام منزل عمها ثارت فوضي لا مثيل لها وحاصر الصبية العربة وناهد (عليك الله فسحينا ..عليك الله لغاية اللفه وبس ).
· غلاء المعيشه ..غلاء المعيشه ؟..رأيك شنو يا تماضر في الموضوع ده ؟ بصراحه يا ناهد الوالد خير من يفتيك في هذا الأمر .. ما تعقدي المواضيع .. بقولو إنو قفة الصباح هي المقياس الحقيقي لغلاء المعيشه ..مش ؟ ..قصدك قفة الفلاح ؟ ..حاجه زي كده ..أكان كده الحكايه بسيطه ،نمشي سوق الخضار وزنك اللحمه ونشوف الحاصل ..وهوكذلك ..وأنا الليله عازماكم قفة ملاح .. وانطلقتا معآ لا تلويان علي شيء ..ناهد تحاول أن تتخيل شكل تلك (القفه ) وتماضر وقد أدركت أنهم سيظفرون بخضار الأسبوع ..وكان أول ما لفت إنتباه ناهد الزحام الشديد والصبيه الذين يحملون أكياسآ سوداء يعرضونها للبيع بإلحاح شديد ..هنا تذكرت تماضر النشالين واستغربت ناهد وجود مثل تلك الأكياس التي يوضع فيها (القاربتش)..تصوري نحن بنشيل فيها الحاجات ..قالت ذلك وهي لم تستوعب معني تلك العباره الأنجليزيه بالرغم من أنها في ثالثه عالي ..معليش يا ناهد إنقليزيتي تعبانه ..هوأنا أنا اتكلمت إنجليزي ياعم القدامك دي شنو ..دي باميه يا بتي ..الدسته منها بكم ؟ ..هس يا ناهد ، بضحكو عليك ..ليه هو أنا قلت حاجه غلط ؟ يا بت دي ببيعوها بالكوم أو الكيلو .. معليش يا تماضر ..أصلي أنا عمري ما إشتريت خضار ..الخضرجي توقف عند الجينز والشعر المعقوص في شكل ذنب الحصان ..والبشره الناعمه التي غرقت في شعاع الشمس ..هتف دون أن يدري : أهلآ بالرايقين ..شرفتوا والله يا بناتي .. القدامك دي شنو يا عمو ؟..
دي فلفليه خضراء ..ما في منها ألوان تاني ؟ ..كمان سويتن ليها ألوان ؟ما بغلبكن .آنسه ناهد وتماضر غادرتا زنك الخضار وتوجهتا للجزاره لرصد أسعار اللحوم ..واستغربت ناهد من تدافع النسوه في الجزاره ، ولاحظت إزدياد الطلب علي إمعاء الخروف وأحيانآ كميات قليلة جدآ من اللحوم تتراوح بين نصف وربع الكيلو..وتذكرت عشرات الأكياس المعبأه باللحوم والفراخ والسجق القابعه في ( الديب فريزر ) بمنزلهم وشعرت كما لو أنها مدانه لهؤلاء الناس بإعتذار شديد عن التخمه التي تعاني منها أسرتها ، وقررت أن تكتب في الريبورتاج الخاص بها حول غلاء المعيشه بأنه لايوجد شيء إسمه غلاء المعيشه ، إذ لاتوجد معيشه أصلآ .. تماضر قالت لها نحن نحمد الله علي ربع الكيلو ..لأنو بعض الأسر عايشه علي ( الكمونيه ) وأخري علي الطماطم بال(دكوه ) . & & & & & ..

عبدالغني خلف الله
06-07-2013, 04:41 AM
الحلقة السادسة
· أخذ مهيد أوراقه وأقلامه وحمل معه خطابآ من سكرتير التحرير لكل من مدير التلفزيون ومدير الإذاعه لتسهيل مهمة الصحفي المبتدئ مهيد هكذا عرّفه الأستاذ ناجي ..موظف الأستقبال بالتلفزيون أخجل تواضعه بكرم الضيافه وسمح له بالتوغل في دهاليز المبني ولدي دخوله كانت هنالك عربة ( دبل كابين ) بها عدد من المذيعين والمذيعات وكاميرات تصوير تتأهب للإنطلاق فقد كان طاقم برنامج( من الخرطوم سلام وأم درمان تحيه ) علي وشك الخروج لتسجيل بعض المشاهد الخارجيه .. مهيد لمح إحدي المذيعات اللاتي يحتفظ لهن بمكانه خاصه في وجدانه وعندما رآها أمامه وجهآ لوجه كاد أن يغمي عليه ..إضطرب إضرابآ شديدآ وسقطت منه نظارته الطبيه علي الأرض وعندما استعادها وجد أن عدسة العين اليسري قد انفلقت إلي نصفين ، تحركت العربه فهرول خلفها وهو يمارس إبداعاته في إصطياد الدفارات وجلس قريبآ من المصور علي حافة العربه وسأله : · -إنتو ماشين وين ؟ · -تصوير خارجي .. · -في الخارجيه ؟ · -لا في الداخليه ..إنت جاي من وين ؟ · -أنا صحفي مبتدئ من صحيفة المجهر .. · -وعاوز شنو ؟ · -مش إنتو الفريق العامل في برنامج الخرطوم سلام ؟ في الحقيقه أنا عاوز آخدكم زي عينه لريبورتاج ، مش دي العروض الختاميه للبرنامج ؟ · -نعم.. إتشرفنا .. · -العروض الختاميه معناها عمل مكثف .. يقول ليك مسرحية كذا وكذا في عروضها الختاميه لذلك تجد الناس بالصفوف ونكتشف بعد أسابيع أن المسرحيه لاتزال تواصل عروضها ألا توافقني فيما ذهبت إليه ؟ · -يابوي العربيه وقفت وأهو داك مخرج البرنامج ألا ذهبت إليه ؟ · مهيد قرر أن يراقب ويتأمل ويدون كل كبيره وصغيره في هذه (السانحه) التي هبطت عليه من السماء وألآ يوجه أية أسئله . · ترجل الجميع وطلب المخرج من الفنان المخضرم أن يسير علي مهل علي الجانب الأيمن من كوبري شمبات بأتجاه أمدرمان وأن يرسل نظراته نحو المياه المنسابه ثم يحرك شفتيه في تأثر بالغ وهو يهمس بكلمات تلك الأغنيه المعروفه التي تقطّع نياط القلب وتحتلب الدموع وتستنفر الأشجان التي هي أصلآ مستنفره ، ومن ثّم خطا الفنان أولي خطواته وبدأ يدندن بكلمات الأغنيه والتيم العامل والكاميرا خلفه وفي تلك الأثناء مرت بالقرب منهم عربة بوكس محمله بالفواكه وقد أدرك السائق بأن هؤلاء الساده لا بد أن يكونوا( ناس الخرتوم سلام وأمدرمان هديه )..أوقف عربته وأمر مساعده بأنزال أكبر كميه من ( القريب فروت ) والبرتقال وهو يردد : أهلآ بناس الخرتوم سلام (حرّم تشيلو ) وبعد أن سلم كل واحد منهم كميه لا بأس بها من الفواكه، أهدي الفنان المبدع (سبيطة موز)ومن ثّم واصل مشواره .. المخرج أصابه إحباط شديد ذلك لأنه كان قد أوشك علي إنهاء تصوير المشهد فجاء ذلك المواطن ليخرب كل شئ ، ومرة أخري طلب من الفنان إعادة اللقطات .. في البدايه سار بتمهل وهو يدندن بكلمات الأغنيه غير أن خطواته بدأت تتسارع والتيم العامل يركض خلفه محاولآ اللحاق به دون جدوي وبدا وكأن الجميع يهرولون حتي نهاية الكوبري .. جلس الجميع لألتقاط أنفاسهم بما فيهم مهيد الذّي لم يتأثر بالمشوار لكثرة تعوده علي قطع المسافات الطويلة مشيآ علي الأقدام ..ومن هناك أمر المخرج السائق التوجه نحو بوابة عبدالقيوم وما أن أخذ كل واحد موقعه حتي خرج عليهم مذيع شاب وهو يردد كلامآ مثل : الإطار الزماني بواكير هذا القرن ..المدي والرؤيا يستبقان نحو المجد الأثيل والتراجيديا تعانق تداعيات الماضي بينما رويدآ رويدآ يسدل الستار و..هنا تدخل المخرج طالبآ منه إعادة هذا المقطع وهو يقول :يا أستاذ ..يا أستاذ عاوزين أحاسيس ..لا بد من إعطاء النص شوية (spirit) .. · إتفضل … وأستمرت الجوله ومهيد لا يكاد يفهم شيئآ وكانت نظراته علي تلك المذيعه التي ستكلفه نظاره جديده ،لا تفارقها لحظه .

عبدالغني خلف الله
06-07-2013, 08:25 PM
الحلقة السابعة
آنسه كوثر قررت الذهاب إلي قسم الحركه لتجديد رخصة القياده إثرإستلامها للعربة الجديده التي أهداها لها خطيبها، فهي منضبطه جدآ في مثل هذه الأشياء لذلك تجدها تدون في أجندتها تفاصيل أوراقها الثبوتيه من حيث إنتهاء مدة الصلاحية ومن ثّم وقعت على إشعار بإستلام تحويل به حفنة لا بأس بها من الدولارات أرسله لها عصام وقبل أن تعيد الورقه لموظف البريد لاحظت أن توقيعها ( مش ولا بد ) ، لقد جلست الساعات الطوال تبحث عن توقيع مناسب يليق ورصيدها المتنامي من العملات الحره وها هو توقيعها يشبه كلمة ( مبشر ) وربما مغفل لا تدري . توقفت قرب ( صينية ) الحركه عند رجل يجلس ذاهلآ عمّا حوله وبالرغم من ملابسه الرثة فهو أبعد ما يكون عن المتسولين .. وبفضول الصحفي وتعطشه للأكتشاف قررت كوثر أن تتعرف علي هذا المذهول فهي تعتقد أن كل دابة علي وجه هذه الأرض تحمل في دواخلها دراما حقيقيه .. جلست بقربه وحيته بلطف شديد : _ صباح الخير يا أستاذ .. _ من … ؟ سوزان ؟ !!..( ماي لف .. ماي دارلنق ) ومن ثّم طفق ينشد أغنية أنجليزيه تقول كلماتها ( سوزان تأخذك ألي كوخها الخشبي قرب النهر ..وهنالك تجترح أعماقك الشاسعة ببشرتها الناصعه ومعآ تستوضحان كينونة الألم ..سوزان .. _ يا أستاذ أنا متأكده بأنك ما مجنون وأنك في كامل وعيك وفي الحقيقه …

_ الحقيقه .. آه ..أين الحقيقه ؟ نصفها عند الأرواح الهائمة في الديجور والنصف الآخر في براثن العدم .. أيها الأبد ..أيها الأبد .. _ ما بلاش الحركات دي يا أستاذ ..أرجوك أعتبرني زي أختك الصغيره وقول لي قصتك شنو ؟

_ ميمونه !! ميمونه !! قالها وهو يبكي بحرقة وأسي وبين الدموع والتنهدات تتكشف الحقيقه عن روح معذبة وضائعه .. كوثر الموسومة بالحنان غزيرة الدموع سريعة التأثر بكت وأخرجت منديلها تجفف دموعها وهي تردد : حأرجع ليك مره تانيه .. أكيد حأرجع ليك مره تانيه ..ثم أومات علي عربة تاكسي أخذتها الي مباني الجريده حيث الدكتور همام الذي تلقفها بحنان أبوي خالص ولن يغيب عنه طبعآ تنسم ذلك العطر العجيب المرسل من ( قطر ).
دكتور همام غادر قاعة الطعام متوجهآ لحضور مؤتمر صحفي طارئ دعا له السيد وزير الزراعه حول نفير الحصاد..ولج إلي قاعة المؤتمر وهو يوزع الإبتسامات يمنة ويسرة وقد أسعده كثيرآ حرص محرري الصحف علي الإحتفاء به حتي أن مندوب إحدي الوكالات الأجنبية إعتقد أنة الوزير فسارع ليطلب منه موعدآ خاصآ بوكالته وعندما وصل الوزير تحول الاهتمام نحوه فذهل(الخواجه) مما يحدث أمامه خاصة وأنه يزور السودان لأول مره . الوزير طالب أجهزة اإاعلام بتعبئة الرأي العام للمشاركة في حملة الحصاد..دكتور همام أعطي الفرصة الأولي لتوجية الأسئلة..فقال بعد أن توقف هنيهة ريثما ينتبه الحاضرون: لماذا يا سيادة الوزير تكون الوفره كما الندرة مشكله في السودان ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! شكرا سيدي الوزير ..قال هذا وجلس..سؤال مختصر ومحدد وليس كما يفعل بعض الصحفيين..تجد الواحد من هؤلاء يصوب لك أربعه أسئله دفعه واحده أما أصحاب (سؤال اخير ) فهؤلاء يصيبونك باليأس قبل يسلموا (المايك ) لزميل آخر ونوع آخر يحاضر المسئول نصف ساعه كامله قبل أن يقذف بالسؤال ..الوزير إرتبك قليلآ وهو يستمع لسؤال الدكتور همام غير أنه إستعاد رباطة جاشه بسرعه وأرجع الاسباب إلي أشياء مثل البنيات التحتية ومثل التقلبات المناخية وتذبذب الأسعار وإلي النهج الإستهلاكي للفرد السوداني وغياب المعلومات وعندما ترجمت الإجابة صفق مندوب الوكالةالأجنبية بحرارة..الشئ الذي أسعد الحضور . نتهي المؤتمر وعاد د/ همام ليجد مباني الصحيفة وقد عمتها الفوضي فأقسم أنه سيحل أندية هلال مريخ عبرنهج علمي ممرحل ثم غادر إلي منزله ليجد أكثر من مفاجأه بإنتظاره..حقيبتان في بهو الصالون الأنيق وقد جلست نهلة وريم الواعدة في كامل أناقتهما.. -السلام عليكم إن شاء الله خير ؟ إنتوا مسافرين ولاّ شنو ؟! -(والتيك أوف ) بعد ساعتين.. -مسافرين وين؟ وليه ما أخطرتموني؟ -مسافرين (كان ) لحضور المهرجان الدولي للسينما وقلنا تكون مفاجاه سارة بالنسبة ليك. دكتور همام رجع بذاكرته إلي أيام صباه وكان وقتها طالبا بالمدرسة الوسطي..كان كل طموحه أن يزور الخرطوم ولو لمره واحده..نهله قالت له وهي تفتعل الأهميه :حأرسل ليك تقارير وصور طازجه لفعاليات المهرجان..ريم الواعده إحتجت علي كلمة (فعاليات) وهي تضرب(الموكيت) بأرجلها : يا عالم المفرده دي كرهتوها العيشه..فعاليات فعاليات؟! ********

عبدالغني خلف الله
22-07-2013, 10:15 PM
الحلقة الثامنة
رمضان كريم ومعذرة للغياب بسبب (التايفويد ) ..ومعكم نواصل بإذنه تعالي :
لم تكد تمضي بضعة أيام حتي عادت كوثر لصاحبنا المذهول إياه ..إقتربت منه وحيته بإبتسامة عريضه ومدت يدها نحوه تصافحه ..أمسك يدها وأنحني فوقها يقّبل ظاهر كفها وهو يهمهم بلغة أجنبيه غير الإنجليزيه ..ناولته كوثر رزمة من الأوراق وطقم ألوان وفرشاه وطلبت منه أن يرسم لها بعض اللوحات ثم إبتعدت عنه دون أن تنتظر منه جوابآ .. غير أنها رجعت إليه بعد بضعة ساعات لتفاجأ بإستجابته لها إذ ناولها عددآ من اللوحات في غاية الغرابه ..شكرته بحراره ولم تداري شعورها بالفرح أمامه ولاحظت أن الدماء قد عاودت التدفق بين ضفتي عينيه فيما بدأ لها، ومنحها إبتسامة هي مزيج من الأحساس بالإمتنان والفرح وشيعها بنظراته حتي عربتها وكأنه يرجوها أن تأخذه معها ثم أطرق نحو الأرض . أخذت كوثر اللوحات للأستاذ ناجي ليفسر لها كنه تلكم الرسومات .. ناجي إستنتج أن هذا الأنسان يعيش مأساة حقيقيه وأن القاسم المشترك بين اللوحات يتمثل في إمرأة وطفل وطائره وهنالك سحب ودخان وعواصف وأمطار تلون قسمآ كبيرآ من كل لوحه ..كوثر المنفعله بما أنجزت قررت أخذ الرسومات معها إلي المنزل ومحاولة فهمها في جوء يسوده الهدوء .. والدتها إستغربت عودتها في ذلك الوقت المبكر .. سلّمت عليها وأغلقت باب غرفتها .. أخذت جهاز الراديو ذي الإثني عشرة موجه الذّي أرسله لها خطيبها وشعرت بأنها بحاجة لسماع شيء من الموسيقي لعلها تخرج من كل هذا التوتر والإرتباك الذّي سيطر عليها منذ تعرفها علي ذلك المذهول ..أدارت مؤشر الراديو فجاءها صوت يقول ( وأحييكم من وسط لندن في مستهل هذه الجولة التي ستنقلنا إلي الجزائر ومصرع عشرين قرويآ علي أيدي جماعة مسلحه وإلي بوسنيا وواحدة من أبشع المذابح التي أرتكبها الصرب لكننا نبدأ من واشنطن ..) ..أعرف هذا الصوت جيدآ ..كوثر تحدث نفسها .. ليس في هذا الظرف يا جورج مصري ..غادرت محطة لندن بحثآ عن الموسيقي أي موسيقي ..ها هو تصفيق وزعيق لا بد أنه تسجيل لحفل ساهر.. ولكن وبدلآ عن الغناء جاءها صوت يقول ( أيها الشعب ..أيها الشعب المناضل )..وخمنت كوثر أنه لا بد أن يكون أحد الحكام العرب الذين يستثيرون حماسة الجماهير ..غادرت هذه المحطه بسرعه وها هي الموسيقي والصوت المعتق يردد ( أنساك ده كلام.. أنساك يا سلام ) هذا ما كانت تبحث عنه كوثر والجمهور يصرخ ويصفق وأم كلثوم تعيد المقطع من جديد ..تري لو أنها لا تزال علي قيد الحياه هل ستجد جمهورآ يستمع إليها حتي الفجر ..أنا شخصيآ أشك في ذلك لسببين ..أولاهما أن إنسان اليوم يعود لمنزله وقد إستنزفته الحياة مثل حصان كان يجر عربته طوال اليوم ..فهو حتمآ سيأوي إلي فراشه لدي أول فرصة تسنح له إستعدادآ للمشاوير الماراثونيه التي بأنتظاره صباح اليوم التالي ..والسبب الثاني يتلخص ببساطه في الإفتقار إلي المزاج الذّي يحرض علي الإستماع ..كوثر لاذت بسريرها ووسادتها الأثيرة لديها ..والتي كثيرآ ما تشاجرت مع شقيقتها بسببها ..كل شيء ولا هذه الوساده ، إنها لاترتاح إلا بها وعليها..تضع خدها عليها وتبكي عندما يصرعها الأحساس بالضياع ..تقذف بها شقيقتها وهما يلعبان ..إن من يراقب كوثر يشك في أنها إمتلأت من طفولتها وإلا فيم كل هذه اللعب والمقتنيات اللافته للإنتباه .. لعلها تحاول أن تعود طفلة كما كانت ..لا ..لا إنها لاترغب في ذلك ويكفيها هذا الشعور العميق بالشجن .. صوبت عينيها نحو سقف الحجره وحاولت فك طلاسم التبقعات التي تناثرت بين ثنايا الأخشاب ..ولاحظت أن ثمة عنكبوت ينشط وهو يذرذر المكان بذلك النسيج الشفاف في همة لا تفتر ..لماذا في جميع الرسومات طفلة وطائرة وحريق ؟ هذا الأمر محير فعلآ ..كوثر إستنجدت بثقافتها في علم النفس وربطت بين الأنا العليا والأنا السفلي ..لا بد أن هذا الرجل قد فقد طفلته في حادث تحطم طائره ولكن ماحكاية ذلك الوجه الأوروبي المشدود من شعره بذيل الطائره ؟ هل هو لزوجته ؟ ثم ورويدآ رويدآ أحست كوثر بالنعاس ..ونعست كذلك العنكبوت وصمت الغناء ولف الغرفة سكون مريب سرعان ما أدخلها في دوائر زرقاء وأخري بنفسجيه وطاشت في مخيلتها أشياء وأشياء أدخلتها في حلم غريب وعجيب وعندما إستيقظت أقسمت ألآ تخبر به أحد ولا حتي نفسها .

عبدالغني خلف الله
23-07-2013, 11:04 PM
الحلقة التاسعة
ربما تكون الأخت سلمي عمر الأمين أكثر حظاً من ناهد ومهيد لوضوح الموضوع المناط بها ألا وهو موضوع الجريمه فقد إصطحبت معها صديقتها وجارتها (ناريمان) التي تدرس علم البحار في( قبرص )وقد حضرت في زياره قصيره للأهل ..طلبا من سائق التاكسي أن يأخذهما إلي المباحث الجنائيه ببري المحس ..ترجلتا من التاكسي لتواجهان مبني المباحث الضخم الذي يبعث علي الخوف والرهبه ولم تضيعا وقتآ إذ توجهتا نحو الضابط المسئول عن السجلات الجنائيه ..وبعد أن إطّلع علي خطاب رئيس تحرير جريدة المجهر أخرج كتيبآ من درج مكتبه يشتمل علي التقريرالجنائي السنوي وقرأ عليهم أرقامآ عن الأموال المسروقه والمسترده ، بالدينار والجنيه والمليم ..سلمي أطرقت هنيهة وتذكرت بلاغ الحاجه صفيه عندما زارهم اللص ليلآ وأخذ حفنة من الملاءات وبعض الأشياء التافهه لكنها قالت للشرطه لحظة تدوين البلاغ أ نها فقدت ( ستين ملايه أمريكانيه وصيغة سعيده بتي وخمسه غوائش أحفظ مالك وشبكة رقيه بتي آآى وكمان بديو ومليون جنيه نقديه ) في حين أن الحاجه صفيه كانت تغادر منزلها عبر (نفاج ) الجيران تفاديآ لصاحب البقاله آخر الشارع ، وأستنجدت الحاجه صفيه بأبن أخيها الضابط بقسم الحركه ولإثبات هيبته أمام العشيره هرع إلي قسم الكلاب البوليسيه وأحضر الكلب البوليسي (مرعب ) الذي هو فعلآ مرعب ..وتجمعت النسوه وأطفال الحي وحتي الكبار يتأملون ذلك الكلب العجيب ، وكان يومآ سيظل عالقآ بذاكرة الجميع ..لذلك لم تقتنع سلمي بتلك الأحصائيات وعبّرت عن شعورها هذا صراحة للسيد العقيد الذي أوضح لها بدوره أنهم يعطون هامشآ معينآ لمثل هذه التجاوزات المتوقعه ومن ثمّ يقوم الكمبيوتر بضبط الأحصائيه وبمنطق الشخص المدافع عن قضيته سالها :الكمبيوتر كمان بغلط ؟ سلمي قالت له : إنتو تقولو الكمبيوتر ما بغلط وناس الكهرباء يقولو نفس الكلام ..دي شنو المصيبه الطلعت علينا ؟ ..عمومآ سلمي وجهت له بعض الأسئله التي رد عليها باستفاضه وأحالها إلي نقيب يدعي عصام ليجيب علي بقية الأسئله ..جناب النقيب رحب بسلمي ترحيبآ حارآ وأصابته سلمي برصانتها ووسامتها في (مقتل ) فأرسل في طلب (حاجه )بارده لها ولصديقتها ناريمان وبدأت الأسئله والأجوبه ..وشعر النقيب عصام أن سلمي هذه قفزت فوق جميع حوائطه الدفاعيه وهبشت في دواخله (بكانات) الكلام علي حد تعبير الأغاني هذه الأيام ..ناريمان أعجبها الحوار لدرجة أنها إقترحت علي سلمي همسآ بأن تقابل وزير الداخليه .. الوزير حته واحده ؟ سلمي مستغربه ..يعني شنو ..تلقيهوهسه إنسان عادي جدآ ..ما تغرك المناصب والأشياء دي ..ثقتك بنفسك توصلك رئيس الجمهوريه ..الرئيس حته واحده ..يعني شنو تلقيهو هسه إنسان عادي جدآ ..سلمي نظرت إلي ناريمان بسمنتها الزائده عن الحد وأيقنت أن العنصر البشري يجب الآّ يقاس بالشكل الخارجي ..فكم من إمرأة جميله تحمل في دواخلها كل القبح الموجود في العالم وكم من إمرأة عادية الشكل تحمل في دواخلها الرقه والذوق ورهافة الحس وكذلك الشفافيه ..والكلمه الأخيره هذه ظلت تسمعها وتقرأها طوال الأسبوع الفائت..ومن ثمّ عادت سلمي إلي النقيب عصام الذي تأملها ولأسباب يجهلها ربط بينها وبين الأغنيه التي تقول (حاجه فيك تقطع نفس خيل القصائد ) ولا أعتقد أن الشاعر يعني الخيول التي عندنا في السواري ..هكذا حدث عصام نفسه ..وكفايه أنو كلابنا البوليسيه مقياس للتطور ..كما خيول الديربي اللندنيه التي ربما عناها الشاعر ..وكأن سلمي قد قرأت أفكار عصام فسألته عن أنواع الكلاب البوليسيه المستخدمه في المباحث ..عصام رد عليها بأن لديهم نوع إسمه (الجيرمان شيبرد) ومعناها الراعي الألماني وهي (سمينه ..مبغبغه) ..ناريمان رجعت بأكتافها إلي الوراء وقد لحقها رأس( الصوط) كما يقولون ..وعندنا نوع تاني إسمو (الدوبرمان ) وهي خطيره جد وبنحبها ..تفاجيء الأنسان بجمالها وجبروتها لدرجة الإجهاز عليه وتحطيم معنوياته إذا لم يعرف كيف يتصرف معها ويفهمها وتفهمه ..ناريمان الفنانه العائده من قبرص للتو قرأت ما بين السطور وقد إنهمكت سلمي الغبيه في كتابة كل كلمه بإخلاص شديد ..ولدينا أيضآ ( البلدّي هوند والتراكر دوقز )وهذه يمكن إستخدامها في تفريق المظاهرات ..سلمي المشهوره بتصديها لقضايا الجماهير عبر الإتحاد بالجامعه إرتعشت من الخوف ..إ ستمر الحوار هادئآ لا تنغصه منغصات..وقد خطر لسلمي أن تجري عدد من المقابلات مع بعض معتادي الإجرام بالحراسه ..عصام أخذها إلي قسم التحقيق ولدي إقترابهم من المكان سمعت أحدهم يقول (آخ ..آخ ) سلمي توقفت وسألت عصام عن مصدر ذلك الصوت ..عصام قال لها هذا أحد معتادي الأجرام المعروفين بالتمثيل ..الواحد من زي ديل تلقيهو قدر الحيطه وإذا أديتو كف صغير يقعد يدلع . أول مجرم أحضروه لسلمي يدعي دي جانجو ..معتاد (سطو علي الأمكنه ليلآ ) سلمي لاحظت أن عناوين الجرائم تشبه إلي حد كبير لغة الأغاني المتداوله هذه الأيام ..سلمي سألته عن أكبر عملية سطو شارك فيها ..المعتاد لم يصدق أن كل هذه الوسامه توجه له الأسئله وتنصت له ..فحكي لها عن أشياء قام بها فعلآ وأخري من نسج الخيال ليقضي أطول وقت ممكن في المكتب ذي ( الأيركونديشن )قبل إعادته للزنزانه ....سلمي قالت له لماذا يا عم لا تقلع عن إرتكاب الجرائم وتتوب ؟ المجرم قال لها ( بس يدوني كشك ..بالله عليك كلمي لي المحافظ يديني كشك وشوفي لو أرتكب جريمه تاني ) . - أكيد ده حيكون الكشك الخامس .. وبدلآ من تقعد فيها بعتها للتجار بأرخص تمن .. ناريمان وقد إنبهرت بمجريات هذا اليوم سألت عصام عمّا يعرف ب(المودس أوبراندي )وهي عباره لاتينيه ، لتدلل علي معرفتها باللغه اللاتينيه التي درستها في قبرص ..عصام شرح لها معني هذا المصطلح ومعناه الأسلوب الأجرامي ..وقال لها وهو يوجه حديثه نحو سلمي ..وده معناه أن لكل مجرم تخصص ..وفي كل تخصص هنالك عدة أساليب ..فالنشال مثلآ..والكلام لا يزال يوجه لسلمي ..ليس بإمكانه السطو ليلآ ..ومعتاد السرقات الليليه لا يفقه شيء في النشل وقس علي ذلك ناس السرقات النهاريه ..أهو ديل عندهم عمي ليلي الواحد تلقيهو من المغرب يلزم محلو ..
في ختام المقابله سلمي طلبت مقابلة مدير المباحث .

عبدالغني خلف الله
24-07-2013, 10:51 PM
الحلقة العاشرة
عاد أنور صالح شقيق تماضر وإبن عم ناهد الطالب بالجامعه والذي يحضر للماجستير في التاريخ ..عاد إلي منزلهم وقد وجد حالة طواريء غير معلنه تسيطر علي المنزل ..لفت إنتباهه لدي دخوله منظر المدخل وقد تمت نظافته وعمدت إحدي الفتيات الصغيرات من الجيران علي رشه بالماء وعندما توغل قليلا فاجأته إصص الأزهار التي بثت هنا وهناك ولفحته رأئحة بخور التيمان و( المستكا )..فأدرك أن ضيفآ إستثنائيآ موجودآ بالداخل ، ولم يخف سعادته عندما إكتشف أن المحتفي به ليس سوي إبنة عمه ناهد وفرح فرحآ شديدآ عندما علم أنها ستمضي معهم بضعة أيام بعد أن كانت زياراتها لهم لا تتعدي بضعة دقائق وفي صحبة والدتها وأيام الأعياد لا أكثر ..شق طريقه نحوها وسط حشد من فتيات (الفريق)..اللاتي أتين للترحيب بها بعد أن جاست تماضر عبر جميع ( النفاجات ) التي توصلهم بالجيران تخطرهم بوجود الغاليه ناهد بمنزلهم ..وكان الجميع قد إنتهي لتوه من تناول طعام الغداء وقرأ التوقيعات المنحوته في (الصواني) ..ملك فلانه وفلانه ليكتشف أن كل فتاه منهن قد جاءت بما هو متاح من ألوان الطعام إحتفاءآ بمقدم ناهد ..سلم عليها وهو يكرر عبارة (شرفتينآ) معني لا قولآ فقط ثلاث مرات وناهد تعيد علي مسامعه عبارة (شرف الله قدرك) ..فتغامزت الفتيات يعلقن علي الإرتباك الذي تغّشاه ..جلس ليس ببعيد عنها وهي ممسكة بكوب من الشاي والفرح يلون قسماتها الجميله وكان صوت المغني المنبعث من آلة التسجيل يردد ( ...الحمامات الحزينه ..قامت أدتا برتكانه ) نظر نحوها بعمق يقارن بينها وبينهن وأدرك أنه لا (حمامات حزينه ) سواهن . طلبت تماضر من شقيقها أنور أن يأخذهما إلي مكان عام للإحتفاء بإبنة عمهم ناهد ..وكان في بالها الفلم الهندي الرهيب ( قاهر الأقوياء ) ..الذي تعرضه قاعة الأخوه هذه الايام ..فلم الإثاره والمتعه ..أقوي أفلام (الآكشن ) علي الإطلاق ..وقاعة الأخوه ( مو..كن.. دشه وهااادئه ..أنور طالب التاريخ الذي يحضر للماجستير حول الحضاره النوبيه رد عليها قائلآ : بل سنذهب للمتحف القومي السوداني ..تماضر إعترضت بشده : إنت قايلنا تلميذات في الأبتدائي ؟ ..ما هو ده الفهم الخاطيء المعشعش في أذهان الناس ..الدنيا كلها تقوم وما تقعد عندما يتم إكتشاف مقبره في مكان ما من الصحراء وفتيات في سنكم شغالات في الحفريات الأثريه في عز الصيف وإنتو أسياد الحضاره دي .. ما بتكلفوا نفسكم تمشوا المتحف عشان تشوفوا عظمة الأجداد .. العظمه المكتشفه بواسطة بنات زي قطعة ( المارون قلاس ) ..الواحده تلقيها جايه من برلين أو كوبنهاقن ..تركن المدينه الجد والسينمات الجد ..وجايه هسه تقولي لي بكل بجاحه : ودينا القاعه ..تماضر صفقت له في إستهزاء وهي تقول له :أهو ده الإنت فالح فيه ..تاريخ شنو وأمجاد شنو .. ما خلاص كل واحد راح لحالو .. نحن ما عندنا وقت نضيعو في موميات وحاجات زي آمون وخفرع ..وريني كدارس للتاريخ كان إنت أو ناس البلد عمومآ نصيبكم شنو من التاريخ الجاي لما بعد مئات السنين حتكونوا أصبحتو جزء من التاريخ ..بنيتو شنو؟ إكتشفتو شنو ؟ ضيعتو الزمن في ساس يسوس بدون أي فائده ..ناهد الرائعه التي كانت تتابع النقاش وهي ترسم فوق شفتيها نصف إبتسامه تدخلت في النقاش وهي تقول لهما بمرح ..يا أخوانا إنتو الأتنين غلطانين ..يا تماضر التاريخ هو كتاب الأيام الخوالي ..عيب تتكلمي عنو بالشكل ده وكمان يا أنور ..المتاحف دي بقت موضه قديمه وحاجه متخلفه ..أنا شخصيآ بشوف المتحف من عربيتي وأنا ماشه أم درمان ..يعني ما تزعل مني إذا قلت ليك مافي زول الأيام دي بسيب شغلو عشان يتفرج علي العصر الخزفي ومش عارفه أيه ..أنور رد عليها بإستياء واضح ..معقول يا ناهد إنتي الإعلاميه المثقفه تقولي كلام زي ده ؟.. الأجانب بقطعوا تذاكر طيارات من آخر الدنيا عشان لحظة تأمل في بهو الحضارات القديمه من خلال المتاحف ..وتحت ضغطه وإصراره وافقتا علي الذهاب للمتحف وقد شعرت تماضر بأنها أهينت ..لذلك لم تشارك بكلمه واحده طوال المشوار ..غير أن الوضع إختلف تمامآ بعد طوافهن علي أقسام المتحف وقد تخيلت ناهد نفسها كأميره من أميرات مملكة علوه وفي الواقع كانت كل لفته من لفتاتها تقول إنها لكذلك . &&&&&&

عبدالغني خلف الله
27-07-2013, 12:26 AM
الحلقة (11)
أما أخونا أمير فقد إعتكف عدة أيام بالمكتب الخاص بوالده داخل المنزل لوضع تصور للروبرتاج الخاص به حول الفساد المالي والأداري ..مكتب داخل المنزل وخادمه تذهب بقهوة الصباح لتضعها للسيد الوالد .. ربما يكون هذا الرجل أول من يطبق حكاية المكتب داخل البيت وأظنه سيطبق أيضآ حكاية ( الكنبه) التي سينام عليها بعد أن (يزعل ) مع زوجته والسبب أين سنقضي الأجازه الصيفيه هذا العام . هو يقول لها أديس أبابا وهي تقول له (جده ). جلس أمير يعيد ترتيب أفكاره ووالدته تسأله ..أحضّر ليك العشاء ؟ وهو يرد عليها ما ليش نفس .. ومن ثمّ أمرت كل واحد من أولادها بالذهاب إلي النوم ..يالاّ يا أولاد كل واحد علي أوضتو ..وطبعآ كل أوضه يتصل بها حمام بانيو ..والأيركونديشن يفح فحيحآ كأن لديه إحتقان في الأنف .. أمير ومن خلال تواجده بشركة والده العامله في مجال الإستيراد والتصدير يعرف الكثير عن السوق والأساليب الملتويه وغير الملتويه والمسأله بالنسبة له مسألة وقائع ومستندات والأخيره هذه ضع تحتها مليون خط ..التهريب سهل وميسور إذا وجدت مستندات والتهرب من الضرائب أسهل في ظل المستندات وحبذا لو كانت هنالك إعفاءات..وهو يفهم كثيرآ في الشيكات ..(يقول ليك شيك مكرس وشيك درافت وكاونتر شيك وشيك آر دي )..وهو قد عام عومآ في بحار السوق الأسود والعملات وكذلك الصفقات ..متكافئه وأخري عبر البروتوكولات ..ويعرف كيف يقايض العربات، هذا الولد (جن مصّرم )..يعرف من أين تؤكل الكتف ..ولم يقل لنا المثل أي كتف هذا ..وكثير من الأدبيات دخلت إلي ذاكرة السوق ولم تغادر ..كأن يقولون لك فلان( ده بحسبا صاح ) أو من النوع الذي يفيد ويستفيد وإلا (مستفيدي ) وعبارات زي (كوّن نفسو ..ومرتاح ومرطب )..عمومآ هذا الشاب لا بأس به ..وهاهو سيبدأ الروبرتاج الخاص به حول الفساد الأداري بسوء إ ستخدام العربات الحكوميه ..هل يعقل هذا يا أمير أفندي ؟ ألم تجد أمامك سوي الموظفين المسحوقين لتبدأ بهم ؟..أرجو أن لا تفهمني خطأ يا أستاذ ..هذه واحده من التجاوزات الخطيره التي يركز عليها البنك الدولي وصندوق النقد لارتباطها الوثيق بتخفيض الإنفاق الحكومي .. أمير قرأ مظهره من خلال مرآه ثلاثية الأبعاد تغطي نصف غرفته ..وميزة تلك المرآه أنها تعطيك البعد الثالث ..وتجسم ( البروفايل )وبعد التأكد من أن كل شيء علي ما يرام ..إمتطي عربته وأدار شريط كاسيت ل (مادونا) ..وتوجه نحوسوق الخضار بأم درمان والذي يشار إليه إختصارآ ب(الملجه ) فقد نما إلي علمه أن الموظفين يستغلون العربات الحكوميه في شراء الخضروات من هناك كل جمعه ..وها هي عربه بلوحه صفراء تحمل علامة الهيئه العامه للكهرباء ..توجه نحو السائق وقدم له نفسه في أدب جم ..في الحقيقه يا باشمهندس أنا صحفي من جريدة المجهر وقد كثر الحديث في الآونه الأخيره حول سوء إستخدام العربات الحكوميه ..فالعربه الحكوميه تأخذ الأولاد إلي المدارس والنساء للعزاء وتأتي باللحمه والخضار وفي هذا إهدار للمال العام ..فما هو تعليقكم ؟..السائق نظر إليه شذرآ وبغضب شديد ناوله إذن بالعمل لمدة 24 ساعه ..أمير أخذ علي حين غره ..إ ستلمه في حياء وأمعن فيه النظر :-لكن ده عشان الأعطال ؟-ومالو يا إبني ..تعال معاي شوف نحن بنعمل في شنو ؟-بتعملوا في شنو ؟-نحن يا سيدي بنركب في كيبل جديد ..-يعني إنتو ما جايين تشتروا لحمه وخضار ..-يا أستاذ الليله يوم كم ؟-اليوم 25 في الشهر ..-وحأشتري من وين ؟والله إلا أكون حرامي .. أمير إعتذر له بشده وصار يكرر عبارة أنا آسف ..حقيقه أنا آسف ..ومن ثم ّتوقفت عربه حكوميه أخري وترجل منها رجل تبدو عليه سيماء المسئوليه ..بينما بقي ثلاثة من الصبيه في كامل أناقتهم داخل العربه.. توغل الرجل داخل السوق وقام السائق بشراء حفنة من الموز وأعطي كل واحد من الصبيه قطعه ..ويبدو أن هنالك علاقة ود ومحبه بينه والصبيه..وما يحار منه عم عبدو السواق ..أن أولاد المسئولين عمومآ يتمتعون بالذكاء واللطافه غير أنهم وبدون إ ستثناء في غاية النحافه ..وليسوا مثل أطفال الحي الذي يسكن فيه.. تجد الواحد من هؤلاء كبير الرأس منتفخ البطن..عم عبده يعتقد أن الصحه للأطفال هكذا يا (بلاش).. سليمان الممرض صحح له هذا الفهم ..إذ أن ما ذكره كعلامات للصحه هي علي العكس تمامآ علامات للأنيميا وشرح له ذلك (..يعني يا عم عبدو فقر دم عديل ..مما تشوف الرويس الماكن والكريشه اللازه ودّي الشافع المستشفي بدون تأخير ). أمير تردد كثيرآ في سؤال تلك الشخصيه ( الجهبوذه ) شكلآ ومضمونآ وسأله بعد المقدمات الضروريه ..إن كان هذا لايضايقكم ..وعفوآ للإزعاج وكده ..إبنكم صحفي من جريدة المجهر ولا يخفي علي سيادتكم التسيب وسوء إستخدام العربات من قبل موظفي الدوله ..نود أن نسأل لماذا أنتم هنا بالعربه الحكوميه واليوم بالطبع يوم جمعه ..الرجل أرسل ضحكه مدويه وهو يقول لامير ..تعرف يا إبني أنا هنا لأراقب العربات الحكوميه ..وكل ما لدّي من إمكانات لا تتجاوز الثلاثة عربات وموتر ..يعني أراقب منو وأخلي منو ؟ أمير أصيب بإحباط شديد ..ودعه بحراره وتمني له التوفيق واستأذن الإنصراف .

عبدالغني خلف الله
27-07-2013, 12:38 AM
الحلقة ( 12 )
الهدوء يلف مكاتب الجريده وثمة بعض أشخاص تبدو عليهم سيماء الأهميه بأنتظار الدخول للدكتور همام ..حاول أحدهم أن يجد مدخلآ للتحدث للآنسه كوثر دون جدوي كما يحلو للكثير من زوارالمكاتب الحكومية والرسمية إذ يفاجأون بجميلات يستعصين علي الإختراق ولديهن الترياق الشافي لكل متطفل يحاول عبر التعليقات الماكره غير المنضبطه الوصول إليهن دون جدوي ..فقد كانت كوثر من هذا النوع الذي قلّ أن يسلم من المتطفلين ومن يدري فقد يكونون من الموسومين بعشق الجمال والأناقة ..إضافة إلي أن كوثر كانت مستغرقه فيما يشبه الأحلام مع صاحبنا المذهول وتفكر في شكل الخطوه القادمه معه ..رن جرس الهاتف لتجد الدكتور علي الجانب الآخر ..أخبرها بأن الأستاذ عليان إتصل قبل لحظات وأشار إلي وجود حالة شروع في الإنتحار بكوبري أم درمان وطلب منها أن تأخذ المصوروتذهب فورآ لموقع الحدث لإستجلاء الأمر ..وصلت إلي هناك لتجد الزحام علي أشده وعلمت من الحضور أن شخصآ ما تسلق الكوبري وهدد بالأنتحار إن لم يحضروا له وزير الخارجيه فورآ وعلمت كوثر أنه يشهر مسد سآ ويهدد بضرب كل من تسول له نفسه الإقتراب منه ..وقد حاولت شرطة المرور عبثآ تنظيم الحركه لكن رتلآ ضخمآ من العربات يسد الأفق .. إقتربت أكثر فأكثر وسألت أحد رجال المطافيء عن الحاصل وكانت مجموعه كبيره من زملاءه قد أحاطوا بالرجل وبدأوا يبثون له النداءات من (مايكرفون ) صغير كالذّي ينادي به الباعة في الأسواق وثارت تكهنات كثيره ..هذا الشخص يناصر القضيه الفلسطينيه وإلا لماذا يطلب وزير الخارجيه بالتحديد ..لا يا أخونا الزول ده طالب لجوء سياسي ..وهكذا تحولت الساحه إلي نقاشات سياسيه وإجتماعيه ..البعض ليس وراءه شيء يعمله ..وآخرون غادروا منازلهم بمنطق (السايقه واصله ) ..قليلون هم من حدد وجهته قبل مغادرته منزله ..وأهو (زي ما تجي ..تجي ). كوثر طلبت من المصور أن يستأجر قاربآ ويأخذ موقعه قريبآ من الرجل وأن يصور لحظة قفزه في الهواء ولحظة إرتضامه بالماء علي أن تكون الصور من جميع الزوايا ..ومن ثمّ شقت طريقها بصعوبه شديده لتكون أكثر قربآ ..غير أن رجال المطافيء كادوا أن يفسدوعليها خططها ..وأخيرآ وجدت نفسها وجهآ لوجه مع الضحيه ..وكانت أكثر من مفاجأه بإنتظارها ..في تلك الأثناء تبقت دقيقتان فقط من آخر تمديد للإنذار الذي قطعه ذلك المجهول ..ولكن إنه هو ..صاحبها المذهول ..صرخت لأأأأأأأأأأأأأأ..ودوت صرختها حتي الشاطيء الآخر ..يبعثرها الموج والصدي في جميع الأتجاهات ..تمالكت نفسها وطلبت من الضابط المشرف علي الحدث أن يعطيها المايكرفون ..غير أنه رد عليها بغلظه شديده ..( يا بتنا نحن شغالين زي ما شايفه ..ده ما مجال بتاع كلام فارغ ) ..توسلت إليه والدموع تنهمر منها بغزاره أن يعطيها إياه ..الضابط أحس بأنه ربما يكون قد أخطأ في حقها ..ناولها المايكرفون وهو يعتذر لها بشده وأمر جنوده بأن يفسحوا لها الطريق ..عندها لفتت إنتباهه وهي تردد ( أنا سوزان ..سوزان يا ..عاوزه أتكلم معاك ) ..إنتفض الرجل وكأن به جنه ..وصرخ في إنفعال شديد (سوزااااان) وفي تلك الأثناء زلت قدمه وهوي نحو النهر وصدي صرخته لا يزال يتردد في المكان ..حبس الجميع أنفاسهم ..وتهاوت كوثر نحو الأرض وهتف الناس بصوت واحد( أستر يا رب ..أستر يا رب ).
كوثر العائده من فترة النقاهه إثر الموقف المأساوي الذي عاشته لحظة بلحظه ..ظلت صورة الرجل وهو يهوي نحو الماء تسيطر علي حواسها ..ولم تكن لتحتاج لكثير عناء لتعرف ما حدث بعد ذلك ..فقد نجا من الموت بعد أن أصيب برضوض قاسيه وكدمات في الوجه وبعد أن أسعف للمستشفي نقل إلي مصحة السجن إنتظارآ لمحاكمته بتهمة الشروع في الإنتحار ..كوثر قررت أن تخلع عنها هذه المره ثوب الصحفيه وأن تذهب لزيارته كأنسانه تربطها به تلك الوشائج الأنسانيه بمعناها الواسع..دخلت عليه وهي تحمل بعض الفواكه والحلوي ..الحارس المتعب إستغرب وجودها إلي جانبه وكان قد إعتقد أنه لا أحد يأبه لهذا الشقي ..وبالفعل لم يحضر أي إنسان سواها للسؤال عنه ..تري من يكون ؟ومن أين أتي ؟وإلي أي مكان ينتمي ؟ إنها الوحده القاسيه والغربه الأليمه والضياع الأبدي .. نظر نحوها عبر عينيه الغائرتين المعصوبتين إلا من مساحة صغيرة تكاد لا تبين ..وحاول تحاشي نظراتها باديء الأمر ولكنه عاد ليتأملها في صمت مطبق وترك الدموع تنساب تحت الأربطه بلا توقف ..إبتسمت في وجهه وقالت له : حمدآ لله علي السلامه ..إن شاء الله حتطلع من المستشفي وحتأخد غرامه بسيطه وحسن سير وسلوك وأنا حأدفع الغرامه وحأضمنك ..بس إنت حافظ علي نفسك وفكر في بكره وخلي ثقتك في الله عظيمه ..أنسي الماضي أيآ كان ولازم تكون رجل بمعني الكلمه وما تضعف ..يا أخي مافي مكان في هذه الدنيا للضعفاء ..ووجدت نفسها تتحدث وتكرر الحديث والرجل ينظر نحوها بعينين مقروحتين لا تكفان عن البكاء ..ولم تتمالك كوثر نفسها هي الأخري فبكت بحراره وخطفت حقيبتها وهرولت نحو الباب وهي تقول له حأرجع ليك مره تانيه ..أكيد حأرجع ليك ..ومن هناك عادت لمباني الجريده حيث الدكتور همام الذي تلقفها بحنان أبوي خالص ولم يفته بالطبع تنسم عطرها المسفوح القادم من قطر..ويبدو أن الدكتور همام كان ينتظرها فعلآ ..ولأول مرة منذ إلتحاقها بالجريده يفوتها تذكير ه بدعوة مجلس الصحافه والمطبوعات ..وهي تدرك جيدآ أن أفكارها مشتته هذه الأيام وباتت متوتره أكثر من اللازم ..لدرجة أنها صرخت في وجه الأستاذ ناجي عندما طلب منها توصيله بلندن وكان دكتور همام قد كلفه بمراجعة المطبعه هناك فيما يتعلق بالشكل الجديد للجريده ..كوثر لم تضيع وقتآ ..حملت أوراقها وأقلامها لتدوين وقائع الأجتماع الذي سيشرفه السيد وزير الأعلام ..بدا لها المكان أ سريآ مريحآ ..وليس كمباني المجهر في قلب الخرطوم وهي بصفة عامه تعتقد أن بحري أكثر رومانسيه من الخرطوم ..فيها الطابع الريفي مع شيء من قشور المدينه وأهلها رائقون ناعسون حالمون متواضعون . .