المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرق شاسع ما بين لذةٍ و سعادةٍ



ود الأصيل
25-09-2013, 09:23 PM
فرق شاسع ما بين لذةٍ و سعادةٍ
أما اللذة فطابعها التفلت و عاقبتها تورث الشعور بالملل ، وبخاصةٍ عندما يتعلق الأمر بشهوتي البطن والفرج،
و اللتين ما يشبع منهما ابن آدم و يقضي و طره ، حتى تصيران كأبغض الحلال إلى نفسه.
والملذات عادةً ، لا تتأتى إلا على إثر تأثر بمؤثر خارجي كالارتواء بماء بارد أو إمتاع النظر بالخضرة و الوجه الحسن.
و لا بد للمرء من توافر ثلاثة عوامل معاً لكي تتحقق له إمكانية التمتع بلمذات الدنيا الزائلة. ألا وهي: الصحة والفراغ والمال.
و هي مغبون فيها كثير من الناس، إذ من الصعوبة إن لم نقل الاستحالة بمكان اجتماعها في آن و على صعيد واحد.
فالأنسان في مقتبل عمره قد يكون صحيحاً معافىً في بدنه ولديه متسع كافٍ من الوقت للتسكع بالطرقات بحثاً عن الهوى،
و لكن قد يعوزه ضيق ذات اليد من المال!
و أما في منتصف عمره فقد يجد ويجتهد في كنز أموال تكفيه لبلوغ مرادات نفسه الأمارة بالسوء ،
غير أن وقته مزحوم وهو ملفوف بسير طاحونة مشاغله الذي لا ينفك راحلاً .
و أما في خريف أيامه و سن يأسه و لو كان عجوزاً متصابياً يعاني ويلات أزمة مابعد منتصف عمره و مراهقته الثانية
، بينما يهم بتسليم ورثته كل عهدته من أموال اقترفها، حينذاك قد يقع الرجل فريسة سهلة لفراغ قاتل و هو ينتظر لقاء حتفه.
و بذا تكون اللذة سهلة ممتنعة و عبارة عن أكذوبة، بل هي فقاعة هائلة من اللعب على ذقون البشر.

هذا بطبيعة الحال، بخلاف السعادة التي ليست بحاجة لشيء مما تقدم من مطلوبات اللذائذ من عوامل خاريجة.
فهي على النقيض مبعث للرضا النفسي .و يكفي المرء منها مجرد شعور داخلي في قرارة نفسه
بأنه قريب من ربه و هو قريب منه، حتى و لو كان في زنزانة أو على ظهر صفيح ساخن.
فقد وجدها سيدنا إبراهيم عليه و على نبينا السلام ،
في سواء الجحيم وقد نادى منادٍ (أن يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم).
ثم استشعرها أيضاً نبينا الكريم مع صاحبه في غار ثور و هما مطاردان من قبل مشركي قريش.
بهذه المناسبة فقد ورد في السيرة أنه لما أيس قفاؤو الأثر من العثور على أثر للنبي صلى الله عليه وسلم ،
وهو أسفل الغار يُطمئن صاحبه بقوله مواسياً: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
ولما جلس أحدهم يتبول على ذاك الجحر المهجور، و قد نسجت العنكبوت خيوط بيتها فوقه و باضت الحمامة عليه
هنا بلغ الأمر بأبي بكر الصديق رضي الله عنه أن كاد يطير قلقاً و جزعاً على حبيبه رسول الله الذي كان ذلك بالعكس
مبعثاً لارتياحه صلى الله عليه وسلم، لعلمه بأن قومه ذوو نخوة تجعل أحدهم يستنكف عن النظر إلى موضع بوله.