مشاهدة النسخة كاملة : Things Fall Apart " الأشياء تتداعى"
ود الأصيل
12-11-2013, 08:18 PM
Things Fall Apart
الأشياء تتداعى جانباً
رواية كتبت باللغة الانجليزية من إبداع الكاتب
النيجيري تشينوا أتشيبي
و قد نشرت منذ عام1958 بواسطة دار "هينمان المحدودة"
في المملكة المتحدة .مشبعة برمزية عالية كرواية توراتية (تلمودية)
من عيون الأدب الإنجليزي الحديث في أفريقيا ، و واحدة من قلائل الإشراقات
التي نالت استحسان و إشادة الكثيرين من نقاد الأدب في العالم.و تعد من المؤلفات
التربوية الأساسية لطلاب المدارس في أنحاء متفرقة من القارة السمراء. و ينكب عليها القراء
على نطاق واسع في البلدان الناطقة بالإنجليزية في أنحاء المعمورة. لعل عنوان الرواية مقتبس من
قصيدة "البعثة الثانية" لو جاز التعبير، لوليام بتلر ييتس. يأتي دروي هنا في أن قمت بإعداد
دراسة تحليلية نقدية شاملة لمجمل الرواية لكي أقدمها على قدح من الأبنوس ك"جهد مقل" هدية
لأبنائنا و بناتنا الصغار من الجالسين لامتحان الشهادة السودانية لهذا العام على نطاق أم المدائن و
ما حولها و كذا لكل من تطالها يده من شباب بلادي، علماً بأن النص مقرر على قطاع كبير من
طلاب المرحلة الثانوية بالسودان ثم يأتي دوركم أنتم و على رأسكم حمامة المنتدى و ابن
قيم الثقافي الرائع/ ياسر عمر الأمين ليعمل لنا على ضمان إمكانية تثبيت الدراسة
و لو لبعض حين. الأمر الذي دعانا لفصل النص عن البوست المعنون
ب(شفرة دافنشي) عشماً في النظر إليه
بعين الاعتبار لتعميم الفائدة فقط
و إن الدال على الخير كفاعله
و دام أهل الثقافي بكل بخير !!
********^^^^^********
ود الأصيل
12-11-2013, 08:19 PM
الرواية تسرد قصة حياة أوكونكو ، و هو زعيم قبلي و بطل للمصارعة المحلية في يوموفيا:
و تقع ضمن سلسلة خيالية مكونة من تسع قرى نيجيرية، تلك التي يقطنها الإغبو
(حسب فصول الرواية) ،و هي توثق لعائلة الزعيم أوكونكو و سماتها لشخصية ،
فضلاً عن العادات و التقاليد والمعتقدات السائدة في مجتمع الإغبو، و مدى تأثير
الاستعمار البريطاني و مبشري المسيحية عليهم خلال أواخر القرن التاسع عشر .
رواية " الأشياء تتداعى جانباً " أعبقها صدور تتمة في العام (1960 ) بعنوان"لا وقت للراحة" ،
و التي كتبت في الأصل كفصل ثانٍ مكمل لعمل روائي أكبر،و ذلك جنبا إلى جنب مع " سهم الرب" في العام ( 1964) .
يشير أتشيبي إلى أن روايتيه اللتين كتبهما لاحقاً ، بعنوان: "رجل من سواد الناس" في (1966 ) و " انثيلس من سافانا" في ( 1987)،
في حين لا تحكيان شيئاً يذكر عن سلالة أوكونكو، إلا أنهما بمثابة امتداد روحاني لسلسلة أعماله السابقة في نبش التاريخ الأفريقي .
ود الأصيل
12-11-2013, 08:25 PM
http://www.wadmadani.com/vb/m3n/misc/quote_icon.png المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الجزولى
http://www.wadmadani.com/vb/m3n/buttons/viewpost-left.png (http://www.wadmadani.com/vb/showthread.php?p=721863#post721863)عذرا اخي عابر سبيل فقد كتبت هذه المداخله قبل ان ارى ردك عالية
شرفت ياخ وحمد لله على الطله
http://www.wadmadani.com/vb/m3n/misc/quote_icon.png المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الجزولى http://www.wadmadani.com/vb/m3n/buttons/viewpost-left.png (http://www.wadmadani.com/vb/showthread.php?p=721842#post721842)
، و لو دعا ذلك لفصل النص
عن البوست ا لمعنون ب(شفرة دافنشي) فأيضاً لا بأس و إن الدال على الخير كفاعله ودمتم بخير
إتمنى من الأخ العزيز عابر سبيل أن يخصص بوست منفصل لهذه الدراسة حتى يسهل متابعتها
وحاضرين معاك سيدي الكريم ...
دعني أذيع عليك سراً يعلمه الله و لا يعلمه سواه إلا قليل،
منهم الأخ المبجل/رمانة اتزان الثقافي و المنتدى/ ياسر عمر الأمين
ألا و هو أنني منذ يوم أن يممت وجهي شطر هذه المنارة الشماءظل
يلازمني شعور دائم بأنني أزداد كل يوم كيل بعير من منهل الثقافة
و أتنفس الصعداء بعد درب معاناة طويل قطعته إليكم سيراً على قدميَّ
أما وقد نفذنا وصيتك بأن خصصنا بوستاً مستقلاً لملحمة تشينوا أتشيبي:
" Things Fall Apart " الأشياء تتداعى جانباً " :
فدعنا الآن نعرج إلى عرض تحليلي للحبكة الدرامية لملحمة تشينوا أتشيبي
تتناول الرواية تصوير جوانب الحياة في نيجيريا ما قبل الوقوع في يد الاستعمار في تسعينيات القرن التاسع عشر
( علماً بأن نيجيريا عملاق زنجي مارد إذا ما عطس تداعت له أفريقيا بأسرها بالزكام ) لذا جاءت و قائع الملحمة
تسلط الضوء على الصدام الدامي بين ثقافتين ( استعمارية و تقليدية). أوكونكو بطل الرواية يجسد معاني قوة الكارزمة،
و الجد و الجلد، و هو يدأب على نبذ الهوان و إثبات عزيمة الصمود. يحمل أوكونكو جينات لا تقبل الذل و الخزي و العار،
و هي سمات عرف بها والده يونوكا ( و الذي عاش صعلوكاً مبدداً لأمواله ، و مضيعاً لمن كان يعول) ، كما كان خواراً
( بحيث يُغشى عليه لمجرد رؤية حمرة الدم المراق) . فيما عاش أوكونكو بطلاً عصامياً، يكد و يعمل حتى جمع ثروته كاملة
بعرق جبينه، ليموت عزيزاً و ليس كميتة أبيه يونوكا ( الذي رحل مثقلاً بديون تركها بلا وفاء، و قد انفض عنه من حوله)
.ثم جاء ابنه على النقيض ليحظى بحب و تقدير خرافي لدى كل منهم حوله من أزواج ثلاث ، و أبناء بررة، و جيران و عشيرة .
...................فهو زعيم قومه الذين أفنى زهرة شبابه كادحاً في سبيل نيلهم عزتهم و رفعتهم، و لكن هيهات..................
محمد الجزولى
13-11-2013, 04:26 AM
شكرا يليق بقامتك اخي العزيز عابر سبيل
والله يا عابر هذا البوست اجبرني للعودة إلى القراءة بعد ان ضاعت هذا المتعة وسط زحمة الحياة
وماكينة الإغتراب التي ( تودر ) ذاتك وتخليك ( مكنه ) بدون تروس
شكرا يا جميل ( وهادي صنقيره ) في البوست ده
ود الأصيل
13-11-2013, 08:09 PM
شكرا يليق بقامتك اخي العزيز عابر سبيل
والله يا عابر هذا البوست اجبرني للعودة إلى القراءة بعد ان ضاعت هذا المتعة وسط زحمة الحياة
وماكينة الإغتراب التي ( تودر ) ذاتك وتخليك ( مكنه ) بدون تروس
شكرا يا جميل ( وهادي صنقيره ) في البوست ده
شكــــــــراً جزيــــــلاً ود الجــــــــــزولي ،
يا قمة الإحساس النبيل و أيقونة المعدن الأصيل..أين أنت يا فتى و يراعك عابر المدى. يا فائق الوصف لما تنسج خواطرك و تخطه بيمينك.
فكم تعانق الإبداع بوشم حرفك العسجدي على صفحتي البيضاء و كم تفعل معانيك بي الأفاعيل و يرتقي ثناؤك بي مرتقاً صعباً و بونا شاهقاً ،
حد البلوغ بذائقتي مصاف العاشقين لحضورك البهي بيننا. و لعل سر تلكؤي عن الردود هو غيابك ؛ كوني كلما دخلت تاوقت فرأيت الأنجم بازغة
قلت: هذا هو؛ لكنها سرعان ما تتوارى فأقول: كلا ، بل هو أبهر . ثم حين رأيت الأقمار عراجين و أنصاف بدور ناعسة؛ و الشموس أقراصاً حارقة، قلت:
لعل هذا هو؛ لكنها لما أفلت قلت: كلا، و إني لا أحب الأفلين. ثم حزمت رحلي و مشيت أفتش ليك في دوائر الأفاق و حمرة الأشفاق و أسأل
أطياف حنابل المطر فلم أجد لك أثراً.. و عذرك غير مقبول لدينا بعد أن صرت مني و أنا منك؛ إذ كان عليك أن تكتب لنا و لو حرفاً ساكناً،
على خرقة بالية من لحا الأشجار أو تنحت لنا قلباً على صم الحجارة، لأننا ننتظر طلتك بعنف، فهلا استجبت لنداء استغاثتنا للبقاء يا جميل ؟
عموماً وما دمت قد جئت برجليك ، نقول عفا الله عما سلف و دعني أجالسك القرفصاء و سوف أو سعك ثرثرة وسرداً ، و نعود إلى صلب الرواية:
ود الأصيل
13-11-2013, 08:26 PM
بفضل ماتوليه إياه قريته من شرف و تقدير مستحق، يتم تنصيب أوكونكو من قبل أعيان قومه ليكون وصياً على صبي غريب يدعى إيكيميفونا،
كانت انتزعته القرية كرهينة لفرض إيجاد تسوية بين يوموفيا و قرية أخرى مجاورة في نزاع نشب بينهما على خلفية اغتيال امرأة من يوموفيان،
على يد والد إيكيميفونا. أودع الولد لعائلة أوكونكو ليترعرع بينهم و لتنشاً علاقة ود و تعلق بينه و بين هذا الغلام و اذي بدأ ينظر الى أوكونكو
كمثله الأعلى، بل كان يعده أباً ثانياً. تشيء الأقدار أن يحكم أحد الكهان بأن الصبي ينبغي أن يقتل قصاصاً بنهاية المطاف.لذا يتلقى أوكونكو نصحاً
من كبير أعيان القرية و يدعى إيزودا بأن الحصافة تقتضي أن ينأى بنفسه تماماً عن أمر القصاص هذا ، لما في ذلك من مراعاة لشعور البطل بأنه
كأنما يذبح فلذة كبده بيديه . لكن تحاشياً لظهوره بمظهر الضعف و الخذلان أمام أقرانه في القرية، يضرب أوكونكو بكل ذلك عرض الحائط
ليبادر بالمشاركة بتنفيذ الحكم على الصبي، غير آبه بنصح ذاك العجوز . لا بل و يتولى أوكونكو بنفسه ضرب عنق الغلام ،
و على مرأى من نظرات "البنوة الشاخصة "من عينيه إلى " أب " كانتا تتوسمان فيه الرأفة و تتوخيان "الحماية" . غير أنه ،
و ما أن فاضت روح الصبي حتى بدأ أوكونكو يشعر بعقدة الذنب و الحزن تنخران في وجدانه لما اقترفه بيديه بحق نفس بريئة .
ود الأصيل
13-11-2013, 08:46 PM
...يتبع ...
لم تمض سوى أيام معدودات منذ إعدام إيكيميفونا حين تبدأ الأمور تسير على غير ما يرام بالنسبة لأوكونكو.
و لدى خروج طلقات نارية من فوهات البنادق أثناء مراسم موكب جنائزي مهيب كان أقيم لتشييع العم إيزودا،
إذا بعيار طائش يفلت من بندقية أوكونكوي ليردي ابن إيزودا قتيلاً. وعلى إثرذلك يتم إقصاء الجاني أوكونكو و
معه ذويه إلى أرض المنفى ليقضي بها سبع سنوات استرضاءً لآلهتهم والتي أساء إليها بفعلته المتهورة تلك .
ثم أثناء غياب أوكونكو في منفاه ، بدأ رجال من المبشرين البيض يفدون إلى يوموفيا بهدف نشر ديانتهم .
مع تزايد تعداد الصابئين عن ملتهم لاعتناق الدين الجديد، مواطئ أقدام البيض آخذة في الترسخ هناك
شيئاً فشيئاً ؛ إلى أن أقاموا لهم سلطة حاكمة جديدة. فلم يبق للقرية سوى خيارين أحلامها أمر :
فإما الرضوخ أو المواجهة و الصراع ضد السيد الأبيض و منع فرضه لسلطته الغاشمة الوليدة .
ود الأصيل
13-11-2013, 08:59 PM
... يتبع...
لدى عودته من المنفى ، يجد أوكونكو قريته و قد تبدل مكانها أمام زحف أولئك الغزاة البيض .
فيقرر هو و زعماء قبليين أخرون على القيام بمجازفة لاستعادة سيطرتهم على وطنهم ، إذ أقدموا على تدمير كنيسة مسيحية محلية.
و كردة فعل ، يلقي الحاكم الأبيض القبض على الجناة و يقضي بأسرهم في سجونه. حيث يبقى عليهم لفترة وجيزة بغية للحصول من ذويهم على فدية لإطلاق سراحهم.
مما أثار حفائظ زعماء الأهالي لشعورهم بمزيد من الذل والمهانة.و نتيجة لذلك ، و بعد أخذ و رد و تشاور قرر الناس في يوموفيا أن يحشدواحشدهم و يجمعوا جمعهم للمواجهة،
فيما يمكن اعتباره انتفاضة شعبية عارمة للتصدي لطغيان الغزاة البيض. أما أوكونكو ، بوصفه محارباً عنيداً بفطرته ،
ومدافعاً جسوراً عن حمى أعراف وتقاليد مجموعته في يوموفيا ، ومحتقراً بشدةٍ لأي شكل من أشكال الخنوع،
فقد لمع نجمه كواحد من أبرز عرابي و دعاة الحرب ضد البيض .
ود الأصيل
13-11-2013, 09:07 PM
... يتبع...
و عندما أوفدت سلطة البيض الحاكمة رسلها في محاولة لتفريق حشود الجماهير،
إذا بأوكونكو يبادر بقطع رأس أحدهم.و لكنه مدرك تماماً مع كل أسف،
لمدى عجز قومه في يوموفيا عن الكفاح من أجل حماية أنفسهم، فضلاً عن مقدرات أرضهم و عرضهم.
لقناعة متنامية لديه بأن همة استجابتهم له لخوض صراع كهذا ،باتت في رحم العدم ،
و معها قيم و أعراف وتقاليد آخذة في الاندثار. و عندما حضر صاحب الشرطة المحلي لحكومة البيض
إلى منزل أوكونكو لأخذه إلى للمحاكمة ، وجد أنه ذاكالفارس قد ترجل بنفسه،
فشنق نفسه ليزهق روحه بيده (لا بيد عمرو) و قد حرم بذلك مقاصل المستعمر شرف النيل من عنقه.
غير أن أوكونكو و للمفارقة آلت به الأمور ليصبح في نظر قومه في حكم من أفسد آخره أوله و دمر سمعته
و مكانته بين قومه لكون ما قام به يعد انحرافاً حاداً و خروجاً شديداً على معتقدات و تعاليم الإغبو :
بأنه لا يجوز لكائن من كان أن يقدم على جريمة نكران لأنهاء حياته بنفسه بالانتحار .
ود الأصيل
17-11-2013, 11:48 PM
شخوص الرواية
أوكونكو هو بطل الرواية . لديه ثلاث زوجات و ثمانية أبناء ، و هو محارب يوموفياني (نيجيري)مقدام و عزيز قوم مصادم مغوار.
وخلافا لمعظم نظرائه، فإنه يولي عناية لابنته ( إيزنما ) أكثر مما يوليه لنجله ، نوي (الذي يطلق عليه في وقت لاحق اسم إسحاق)،
و الذي يخشى عليه أن يأتي مهزوز الشخصية على شاكلة جده يونوكا ( إذ كان رجلاً ماجناً وبه ميوعة و خمول ،و هي هنات
تجعله بطبيعة الحال ممقوتاً في نظر ابن صلبه أوكونكو، و الذي يسعى جاهداً لشق طريقه في الحياة بكل ثبات و رجولة .
عندما كان فتىً قضاً ألحق الهزيمة بأعتى مصارع في القرية ، الأمر الذي أكسبه مهابة لا تخطئها عين بين أقرانه.
شب أوكونو متبرئاً من كل سمة يرى أنها تمت بصلة لوالده يونوكا من انهزاميةو إسراف و جبن و تهتكو ميوعة،
فضلاً عن ميله لحب الموسيقى و الثرثرة في غير طائل. لذا فطن أوكونكو مبكراً لأهمية تبنيه مُثلاً علياً تكون مغايرة
لكي يصبح رجلاً منتجاً و ذا سعة من المال، و شجاعاً ذا بسطة في النفوذ ، ثم رقماً صعب المراس، مترفعاً عن حب المعازف
و خلافها مما يراه إمعانا في سفاسف الأمور العاطفية. و هو العضو الأكثر جداً وحراكاً في صفوف عشيرته و الأجدربأن يقيل عثرات الآخرين.
يهيمن على أوكونكو هاجس خوف من الفشل و الانهزامية، و بخاصة خوفه من صيرورته شبيهاً لأبيه. و يا لسخرية المفارقة ،
فرغم فرط مقته لأنموذج حياة والده فقد مات منتحراً، لتأتي خاتمته و خيمة و تصبح في عرف و ثقافة قومه كرجس من عمل الشيطان
لا تقل مقتاً من ميتة أبيه يو نوكا ( الذي توفي تعيساً بورم أيضاً). يمثل انتحار أوكونكو ليس فقط نبذاً منه لمعتقد أو عرف سائد في بلده ،
و إنما يعتبر ضرباً بعرض الحائط لكل ما طرأ على ثقافة شعبه من تحولات جسام؛ حيث كان على علم تام بأن مجتمع الإغبو الذي ينتمي إليه
إنما يتعرض لموجة تغيير عاتية من قبل المبشرين المسيحيين تنخر كما السوس في معتقداته و أعرافه و تقاليده الموروثة أباً عن جد و كابراً عن كابر.
ود الأصيل
18-11-2013, 11:13 PM
يونوكا هو والد أوكونكو ، وقد عاش حياةً رخوة ،على النقيض تماماً من نمطية قومه الإغبو الذكورية بامتياز.
فكان مولعاً بالثرثرة، و يطرب للموسيقى و عزف الناي بوجه خاص، فهو خامل النفس و شحيح ذات اليد ،
و مهمل لرعاية زوجاته و عياله ، إلى أن توافيه المنية وهو مثقل بديون غير موفاة. أما أوكونكو
فيمضي حياته ساعياً قصارى جهده كي لا يغدو فاشلاً كأبيه يوكونا .
نوي هو نجل أوكونكو ،و الذي يظل أوكونكو قلقاً بشأنه، خشية شخصية أن يأتي نسخة متكررة من جده يوكونا .
فهو قد لا يحمل الكثير من شيم الرجولة بمعناها العرفي المتأصل في ثقافة الإغبو ،و هي بذلك مرادفة لسمة العنف،
بل انه يفضل الركون لحجر أمه و هي تقص عليه أحاجيها . ثمة علاقة تنشأ بين نوي واكيميفونا ، الذي يجد فيه بديلاً
طبيعياً و ملاذاً حانياً من جو الصرامة لدى و الده أوكونكو. و هو من بين أوائل المتحولين لاعتناق النصرانية،
حدث ذلك في وقت مبكر لدى وصول المبشرين، و تعد فعلته هذه خيانة ما بعدها خيانة في نظر أبيه أوكونكو .
إيكيميفونا هو صبي من قبيلة مبينو . و قد وكلت رعايته لعائلة أوكونكو ضمن تسوية تم التوصل إليها ،
على إثر مقتل زوجة لأحد رجال اليوموفيان على يد رجل من مبينو. ثم تمنيل القصاص من إيكيميفونا بنهاية المطاف ،
وهو عمل لم يشأ أوكونكو للوقوف ضده ، فضلاًعن مشاركته في تنفيذده بيديه ، خوفا من الظهور بمظهر المتخاذل .
إيزنما هي ابنة أوكونكو الأثيرة لديه، و طفلته المدللة و الوحيدة من زوجه إكويفي .و هي تبدو بصورة نقيضة لنمطية المرأة في عرف و ذهنية قومها .
و عادةً ما يصرح أوكونكو بأنها ربما لو جاءت صبياً لكانت ستبلي بلاء أحسن بكثيرمما هي عليه الآن، بل و يتمنى لو كان ذاك حالها منذ رؤيتها لنور الدنيا.
كثيراً ما تناكف إيزنما أباها و تتحداه . و هي بذلك إنما تأخذ بشغاف قلبه ، و تحظى بخالص حبه ، مودته و تقديره لشخصها و الذي يشبهه شخصياً الى حد بعيد.
و يتجلى ذلك تماماً مع بلوغ إيزنما سن النضج لتغدو امرأة شابة فاتنة الجمال.و لكنها تعزف عن الزواج طيلة بقاء عائلتها بالمنفى ،
بل و تختار عوضاً عن ذلك أن تكرس جهدها و وقتها لوقوف بجانب والدها لاستعادة مكانته اللائقة من الاحترام بين صفوف مجتمعه.
ود الأصيل
19-11-2013, 10:44 PM
خلفية اجتماعية
معظم فصول القصة تدور في قرية يوموفيا ، الواقعة إلى الغرب من مدينة اونيتشا ، على الضفة الشرقية لنهر النيجر في نيجيريا.
جرت تلك الأحداث في تسعينات القرن قبل الماضي. ثقافة قوم الإغبو التي ترويها فصول الرواية ، مماثلة تماماً لتلك السائدة في منطقة أوجيدي حيث
مسقط رأس المؤلف نفسه و حيث كان يتعايش أقوام يتحدثون الإغبو في مجموعة قرى مترامية و مستقلة، يخضع حكمها لشيوخ و أعيان ذوي حسب و جاه.
العادات والأعراف التي يوثقها النص تعكس الهوية الأصلية تلك لقوم و نيتشا و الذين عاشوا قرب أوجيدي و هي بيئة مألوفة تماماً لدى الكاتب أتشيبي
بعد مضي أربعين عاماً منذ وصول البريطانيين، و بحدود التاريخ الذي و لد فيه أتشيبي حوالى العام 1930، كان المبشرون قدرسخت أقدامهم هناك .
و كان والد أشيبي من بين أوائل الذين تحولوا لاعتنقوا الديانة المسيحية في أوجيدي، مع نهاية القرن. و كان أشيبي نفسه نشأ يتيما حيث تولى رعايته جده
ذاك الذي عوضاً عن معارضته لتحول حفيده أتشيبي في وقت لاحق لاعتناق النصرانية، قام بمباركة إتمام مراسم الزواج المسيحي لهذا الأخير في عقر داره.
ود الأصيل
20-11-2013, 10:22 PM
اختيار اللغة
تتجلى براعة أتشيبي في كتابة رواياته باللغة الإنجليزية لكون النمط المكتوب من لغة الإغبو إنما هو خليط من عدة لهجات مختلفة ،
حيث نتج عن الجمع فيما بينها هجين أقرب إلى خردة من صياغات مصطنعة و رطانة متكلفة إلى حد كبير لدى الكتابة .
أثناء مقابلة أجرتها معه مجلة "بأريس ريفيو" في عام 1994 ، صرح أتشيبي بأن روايته" تبدو متماشية بسلاسة أكثر بلسان أفرنجي.
إذ إن هناك معضلة عويصة مع لغة الإغبو ، فقد كانت تعاني من عقم حاد من حيث الموروث الحضاري الضارب أطنابه في القدم ؛
وهي لم تقف بعدُ على قدميها سوى في بداية هذا القرن مع وصول بعثات التبشير الانجليكانية،حين قاموا بإرسال مبعوث تبشيري يدعى دنيس .
إنه كبير الشمامسة دنيس ، و كان علّامةً لا يشق له غبار في مضماره. و كان ذاك الاعتقاد بأن الإغبو - و هي بانوراما من لهجات عديدة جداً-
ينبغي أن تتألف منها إن بطريقة أو بأخرى لهجة موحدة(lingua franca) لكي تستخدم في الكتابة لتجنب الخلط بين زحام كل تلك اللهجات المختلفة.
و لكون المبشرين لديهم نفوذ و باع طويل ، فقد كان لهم ما يريدون. فصار ذلك و كأنه قانون مفروض وأمر واقع.
و لكن كما قال إيليا أبو ماضي: " يصنع الصانعون ورداً ولكن وردة الروض لا تضارع شكلاً" فلم يكن في وسع ببغاء
أن يقوى على التغريد خارج سربه. ولا يوجد شيء يمكنك فعله معه لجعله يغرد لوحده ومن تلقاء نفسه.
إذ قد يمنعه من ذلك الثقل، إن لم يكن التعذر.لكون حبال صوته متصلبة
و كأنها خشب مسندة :كيفما تحمل عليها فسوف لن تطاوع؟!.
لقد أثار خيار أشيبي إلى الكتابة باللغة الإنجليزية جدلاً واسعاً . ففي حين توافقت طائفة من النقاد الأفارقة أو سواهم على حد سواء،
حول منطقية تأليف أتشيبي لروايته " الأشياء تتداعى جانباً على غرار نمط الأدب الكلاسيكي السائد في أوروباً، فهم مختلفون حول
جدلية ما إذا كان نصه قادر على التماسك كأنموذج غربي ، أو أنه ، في واقع الأمر،إنما مجرد مسخ و تشويه،
أم أنه قد يصمد في وجه كل ذلك.على أية حال ، مضى أشيبي ينافح عن قراره النابع من قناعته بأن :
" اللغة الإنجليزية إنما هي ثمرة طالما أفنى المرء دهره يتعاهدها بالسقاية و الرفاية ،لذلك فمن الغباء بمكان
أن تأنف عن تناولها يوم أن تينع و يحين قطافها . كذلك ، من حيث منطق مناهضة الاستعمار و إنهاء حالة الخضوع لنيره،
فلم لا تتخذ سلاحاً ماضياً جداً في سبل الكفاح من أجل استعادة أشاءنا المغتصبة!؟ .فالإنجليزية هي لسان حال المستعمر نفسه،
و ليست كمجرد شيء ليستخدمه الناس لكونه وجد عرضاً هكذا.
و يحسب للمبدع أتشيبي استدعاءاته المعهودة والذكية جداً لكثير من الأمثال الشعبية السائرة من لهجات الإغبو ذات الثقافة الشفهية بامتياز ،
ثم رتقها بإتقان لافت في نسيج كتاباته. و قد أشار أشيبي صراحة لسحر هذا النوع من التأثير من خلال رائعته "الأشياء تتداعى جانباً" من أن لغة الإغبو
تعد ذات ثراء و دسم عالٍ جداً من حيث فن المحادثة، و الأمثال بمثابة غموس من زيت النخيل لتؤكل معه مفردات النص الأدبي بكل شهية".
ود الأصيل
26-11-2013, 12:25 AM
محاور و دوافع
مواضيع هذه الرواية تشمل في خطوطها العامة العلاقة ما بين الفرد
( ممثلاً في أوكونكو) و بين ثقافة مجموعته البشرية ، و من ثم
تظهر قوة التأثير المتبادل ما بين ثقافة كل طرف على الآخر .
(1) الأفراد:
عادة ما يكتسبون أبجديات وجودهم الثقافي من مجتمعاتهم والتي تستمد بدورها وقودها الحيوي من مجاميع بشرية ممن ينتمون إليها
و يشكلونبالتالي زخمها الحضاري بين الأمم . في حالة "الأشياء تتداعى"، نجد أن أوكونكو يبني مكانته و يصنع مواقفه بقوة دفع رباعي
من عادات و تقاليد و أعراف ومثل عليا سائدةفي محيطه الاجتماعي ، بما يجلب النفع بالتالي لمجتمعه،
كي يظل على تماسكه و صمود أرادته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ود الأصيل
26-11-2013, 12:36 AM
(2 )
لدى الاحتكاك بثقافات أخرى، فقد لا يخلو الفهم حول نظرية التفوق أو الدونية ، من تيارات شد و جذب ناتجة عن وجود نظرة جزئية قاصرة
وفهم خاطئ و مدمر غالباً للعالم من حولنا. لذا، فحينما تلتقي فتتلاقح الثقافات و تتحاور الأديان، فمن هنا ينشب الصراع من أجل البقاء و الهيمنة.
على سبيل المثال، علاقة المسيحيين بأهالي أوكونكو تعطي مثالاً نموذجياً لزاوية التقاء حرجة للغاية ما بين وترين حساسين، بحيث وجدا صعوبة بالغة في
أيجاد صيغ مثلى و ممكنة للتفاهم، ناهيك عن التعايش و قبول الآخر بكل ثوابته و متغيراته. الأمر الذي يؤدي حتماً إلى نشوء حالة من التشنج و التدافع بعنف،
كما هو الحال مع شن هجوم انتقامي لتدمير كنيسة محلية للنصارى ، راح ضحيته أحد موفديهم على يد الثائر أوكونكو و رفاقه.
ود الأصيل
26-11-2013, 12:39 AM
(3 )
رغم وجود فرص لا تحصى و لا تعد لخلق فهم مثالي ، إلا أن ثمة عوامل قاتلة للولف بين المرء و أخيه.
فمثلاً ، أوكونكو وابنه نوي يفتقران لوجود قواسم مشتركة فيما بينهما لأن لدى كليهما قيماً مختلفة.
ذلك في حين يبذل أوكونكو حيزاً منوقته و يعير مزيداً من عنايته لفتى غريب هو إيكيميفونا،
متجاوزاً في ذلك قيوداً ثقافيةً ماثلة.
ود الأصيل
26-11-2013, 12:51 AM
4 - القيمة الاجتماعية
متمثلة في طموح الفرد، و الذي يعد بناءً، حال موازنته بميزان المثل الأخرى،
يمكن أن يغدو مدمراً عند الغلو فيه على حساب قيم و مقدرات أخرى.
فمثلاً، نجد أن أوكونكو يمجد تقاليد مجتمعه لدرجة لا يمكنه معها قبوله أي تغيير.
( أو بالأحرى القول إن قدسية تلك التقاليد لديه كانت ذات ثمن باهظ دفعه بغية التمسك بها،
أي قتله إيكيميفونا و من ثم الانتقالإلى مبونتا ). ثم يأتي دور تعاليم المسيحية الدخيلة ،
لتحط من شأن كل التضحيات المبذولة من جانب أكونكو فتفرغها من أي معنىً يذكر.
مثلما أن قلقه بسبب ضياع الهوية ، سواء بدافع من ولعه بتقاليده أو ربما كذلك،
من عبء تضحيته من أجلها ،يمكن النظر إليها كدوافع أولية لموته منتحراً.
ود الأصيل
26-11-2013, 01:09 AM
(5)
بما أن النزاع ما بين حداثة التغيير وعراقة التقاليد من الثوابت، فأن هذاالقول أشد ما يتجسد تماماً في حالة أوكونكو.
يمكن لحدوث التغيير أن يُتَقبل بعفويةو بسلاسة متناهية، كما يتبين من كيفية نبذ أهالي يوموفيا لفعلة ابنهم أوكونكو المتهورة حينما يردي موفاداً للبيض (كوتما) قتيلاً .
و ربما لم يكن أوكونكو منزعجاً كثيراً من التغير بحد ذاته ، بقدر انزعاجه بالدرجة الأولي جراء هاجس خسرانه لكل مجد كان قد بناه ، مثل ثروته ، وهيبة، و لقبه، وسمعته
والتي سوف تحل محلها و بلا ريب، قيم و معطيات مستجدة. يظهر ذلك جلياً من خلال ما يوليه من كبير لمثل هذه الأمور عناية عبر فصول الرواية، والمتمثل في مشاعر الحسرة لديه
جراء افتقاره لمثَل يحتذى في شخص أبيه يكون جديراًبالاحترام، كي يرثها منه .أما المحمل الثانيلذلك فيتجلى في جمود أوكونكو حيال أي مد للتغيير الثقافي. و يمكن رؤية انتحاره كوخزة يائسة وأخيرة منه،
عله يلفت نظر أهالي يوموفيا لنتائج تناطح الثقافات ، مما شكل دافعاً لدى أكونكو لشدة تمسكه بثقافة أهله التي ارتضاها كأي أحد منهم. كما أن فشل والده شكل لديه محفزاً قوياً لبلوغ مكانته المرموقة بين أفراد قبيلته .
و لكن ، على إثر انتحارأوكونكو يلجأ أوبيريكا و نظرائه من رجال يوموفيا لإحياء سنة متوارثة منذ القدم بلزوم الإحجام عن دفن من يموت منتحراً أو أداء الطقوس المتعارفة على جنازته. كذلك يترسخ هذا التفسير أكثر من وحي تعليق أوبيريكا بكون أوكونكو رجلاً عظيماً كان مدفوعاً لقتل نفسه جراء تألمه لذهاب تقاليد بلاده أدراج رياح التغيير.و بذا، يصبح اغتيال ذاك الموفد الأبيض على يد أكونكو، ثم انتحار هذا الأخير لاحقاً، إنما يجسد كل ذلك جذوة صراع داخلي محتدم بين حداثة التغيير و عراقة التقليد .
ود الأصيل
26-11-2013, 01:13 AM
(6) دور الهوية الثقافة في الانتماء.
بعيد وفاة إيكيميفونا ، يتقرر نفي أوكونكو إلى خارج وطنه ، وذلك على إثر وقوع أحداث مؤلمة كانت خارجة عن إرادته.
ثم بالنظر إلى أسئلة ملحاحة يطرحها أتشيبي أثناء رحلة من الابنة أيزنما برفقة شيلو ، و لا سيما على لسان أوبيريكا ،
حول ما إذا كان الانتماء الثقافي إلى مجتمع بعينه جديراً بأن يصب في مصلحة المجتمع المعني،
خاصة عندما يكون دونه كثير من المتاعب و التداعيات الجسيمة بحق أوكونكو و أفراد عائلته.
ود الأصيل
26-11-2013, 01:21 AM
(7) انشغال بجدلية النجاح و الفشل.
إن طموح أوكونكو الذاتي لطرد كابوس حياةعنوانها "الفشل" كنمط حياة والده يونوكا،
إنما يحفزه بشدة إلى نيله مكانةمرموقة و صيتاً عالياً بين قومه و تمكينه من الجاه و الثراء،
مع سعيه حيثيثاً لتجنب مزالق الإخفاق. فمفهوم الفشل ربما يسير بالتوازي مع موجة التغيير الثقافي في يوموفيا
و موجة التحول الدرامي في القيم الثقافية. الفشل، بالنسبة لأوكونكو ،هو بمثابة شبح تحوير و مسخ لهوية مجتمعه،
و بالتالي فهو نابع من قناعات متأصلة، و أحيانا تلقائية لدى أوكونكو، تنبئ عنها نزعة نفوره الملحوظ حيال
كل ما هو أجنبي أو مفتقر لما يبدو له كسمات رجولية بامتياز.
ود الأصيل
26-11-2013, 01:28 AM
(8)
من روعة استخدامات أشيبي لمفردات اللغة عبر هذا النص أن حالفه التوفيق في إثباتو (ترسيخ) مفهوم أن ثقافة الإغبو ذات ثراء لغوي و تفرد منقطع النظير .
و ذلك من خلال دمجه بذكاء خارق لألفاظ و تعابير تقليدية من لغة الإغبو مثل لفظة :egwugwu ( كنوع من ا ستدعاء أرواح الأجداد و السلف من قبائل نيجيريا)،
ثم إدخاله لبعض اللوازم الفلكلورية و كذا الأغاني و الأهازيج التي يرددها الأهالي ضمن نص مكتوب بالإنجليزية. هذا فضلاً عن كون المؤلف نجح إلى حد كبير :
من حيث تثبته من كون أي من اللغات و اللهجات الأفريقية تتفرد بكينونتها و تعدمفخرة لمتحدثيها؛ رغم أنها غالباً ما تكون مرتجلة و ممعنة في التعقيد
بالنسبة لمباشري الترجمة إلى لغات أجنبية .و هذامما اوقع أحدهم و هو المستر/ براون في فخ السخرية إثر تنطعه و سوء تأويله لكلمة من لغة الإغبو .
ود الأصيل
26-11-2013, 08:56 PM
تحولات جيوثقافية
الثقافة ليست أمراً جامداً أو ثابتاً على حال ؛
بل إنها من أسرع المتغيرات تقلباً على الدوام ؛
كما أن المرونة لازمة للتكيف بنجاح مع مستجدات الأمور.
بما أن أوكونكو كان يعاني من حالة عسر هضم حاد
تجاه موجة التغيير الذي جلبه البيض المسيحيون ،
لذلك لم يكن في مقدوره ولا في وسعه
البتة نية التكيف مع معطياته أو تبعاته.
فقبل الاستعمار البريطاني، كان شعب الإغبو كما تصفهم رواية أتشيبي
يعيشون في ظل نظام سياسي ذي قالب جماعي و ذي طابع أبوي.
فلم تكن القرارات تتخذ من قبل زعيم أو أي فرد بعينه،
و إنما من قبل مجلس أعلى للشيوخ أو الأعيان الذكور .
و كان رجال الدين أيضاً يُدعَون للمشورة و الإدلاء بما يرون
لتسوية القضايا، مما يكرس مبدأ الإدارة الأهلية لدى الشعب
ود الأصيل
26-11-2013, 09:06 PM
كان البرتغاليون أول من قدموا من أوروبا وعرفوا طريقهم لاستكشاف مجاهل أفريقيا في تلك البقاع.وعلى الرغم من أنه لم يرد ذكر للبرتغال من قبل أتشيبي ،
إلا أنه يمكن ملاحظة التأثير الثقافي لهؤلاء في وجود العديد من الأسماء و الألقاب المحلية. أما البريطانيون فقد وطئت أقدامهم تراب نيجيريا لأول مرة كبعثات تجارية.
و من ثم أنشأوا مستعمرة النيجر الملكية في العام 1886 . و قد أدى نجاح هذه المستعمرة لأن تصبح البلاد محمية بريطانية في العام 1901 .
وصول البريطانيين إلى هناك كان بمثابة معول هدم أو سوسةجعلت رويداً رويداً تنخر في أوصال المجتمع التقليدي.
و كانت حكومة التاج البريطاني كثيراً ما تتعمد حشر أنفها لتسوية النزاعات القبلية ، فلا تترك أهالي الإغبو وشأنهم لحلحلة قضاياهم بطرقهم التقليدية الخاصة.
و لعل نزعة التململ و الإحباط لديهم و الناجمة عن تلك التحولات في موازين القوة تتبين من خلال نضال بطل الرواية أوكونكو في النصف الثاني من هذا العمل.
ود الأصيل
26-11-2013, 09:16 PM
على الرغم من اعتناقه شخصياً للديانة النصرانية ، فقد كتب أتشيبي روايته "الأشياء تتداعى"
ليس فقط كرد على مغالطات كانت شائعة آنذاك في صفوف مواطنيه، و لكن لتمجيد خصال شعبه الأبي.
بوصفه للمؤسسات الديمقراطية لدى الإغبو و ثقافتهم و كأنه يضعهم في محك أمام نقلة ديمقراطية حديثة
تهدف إلى إظهار مدى قابلية الإغبو لتلبية تلك المعايير. فبينما تجنح الرواية لإبراز مدى تصعب الأوروبيين
تجاه ثقافة الإغبو و معتقدهم الديني ، ومن ثم طعنهم للقرويين في صدقية وجدوى آلهتهم (ص 135 ، 162 )،
فإنه يمجد بالمقابل مدى تسامح أهالي الإغبو نحوالثقافات الأخرى ككل. على سبيل المثال ، كأن يرى أوشندو أن:
"ما هو مألوف لدى قوم بعينهم ،فليس لزاماً فرضه على سواهم. (ص 129)،فكأن "كل حزب بما لديهم فرحون".
و مع ذلك، فإن الكاتب لا يكرس روايته لتمجيد شعب الإغبو . بقدرما يلفت أتشيبي قراءه
لوجود شروخ غائرة داخل ثقافتهم فهو يعمد إلى إبراز نقاط ضعفها التي تحتم حدوث نوع من التغيير،
و إلا فإنها سوف تهدد بنسف أركان هذه الثقافة على عروشها. و هم يخشون من حال كحال جنين ،
يُتَخلي عنه بعد رؤيته النور مباشرة ، ثم يُتَرك عرض للتهلكة و ليواجه مصيره وحيداً.
ود الأصيل
26-11-2013, 09:20 PM
يجتهد المؤلف من خلال عمله لمحو بعض أثار التشوه الذي ألحقه الأوربيون فيما مضى بصورة الأفارقة .
و أتشيبي ميال إلى التغاضي عن قرائن دامغة لما يطلق عليه ايزيفباي 'الحضارة المادية الغنية في أفريقيا ،
من أجل تصوير الإغبو كجزيرة أقزام معزولة في واغ الواغ و كأنها نسيج وحدها، بينما "حضارة الغرب"
مفعمة للنخاع بالدفء الإنساني و في تطور دائم. و لعل هذا يوحي بصميم ما يرمي إليه أتشيبي
من إطلاع قرائه على أن ثقافة الإغبو حبلى بأمل واعد في خلق عوامل للتغيير
كفيلة لتجعلها أهلاً للبقاء على قيد الحياة في مقبل الأيام و السنين.
ود الأصيل
26-11-2013, 09:30 PM
يتعمد أتشيبي فضح مشاعر الغربيين تجاه الأفارقة بأنها مغلوطة و مجحفة . و وفقاً لديانا أكرز رودز ، "
فلعل الخطأ الأبرزمن جهة البريطانيين هو اعتقادهم أنه لزامٌ على كل حضارة أن تتقدم لتنتقل ،
كما فعلوا هم تماماً ، من مرحلة القبليةعبر النظام الملكي إلى حكومة برلمانية ذات تمثيل نيابي .
فلدى وصولهم لأول مرة في مبانتا ، فقد توقع المبشرون أن يعثروا على ملك متوج على عرشه هناك (ص 138 )،
وحيث إنهم لم يجدوا أي موظفين للعمل معهم، فقد قاموا بإنشاء نظامهم الهرمي الخاص بهم لإدارة شؤونهم هنالك،
و الذي يستمد صلاحياته مباشرة من ملكة التاج في إنجلترا عبر مفوضي المقاطعات ، يليهم مبعوثون لدى رموز الإدارة الأهلية-
و هم أجانب لا يخضعون لنفوذ الحكم المحلي بأية حال (ص 160). و بما أن الأهالي من مناطق أخرى متفرقة من نيجيريا لا يدينون بأي ولاء
لتلك القرى حيث يضطلع بسن الأوامر مفوضو المقاطعات،خاصة و أن البريطانيين جاءوا بنظام دخيل ،يؤدي إلى تكريس ظواهر الرشوة و الفساد،
بدلاً من التنمية و التقدم ". هذا فيما يتبنى أهالي الإغبو ،و على النقيض، تماماً نهجاً أقرب لما يمكن تسميته "ديمغراطية الشجرة"
و هو نظام عادل يقوم على مبدأ التكافل و روح النفير ، و فيه حرص تام على إعطاء كل ذي حق حقه في حين إلزام كل ذي واجب بواجبه.
ود الأصيل
27-11-2013, 07:56 PM
جديلة النوع البشري
تتخذ الرجولة تعريفات متباينة من مجتمع لآخر باختلاف الأعراف و الثقافات .
و هنا ، ينظر إلى التمايز بين الجنسين من واقع تصنيف الإغبولأنماط الجريمة.
يلجأ الراوي من خلال "الأشياء تتداعى" إلى تصنيف جريمة [القتل] إلى نوعين،
أحدهما ذكوري و الآخر أنثوي. حيث إن تلك التي اقترفها أوكونكو تدرج ضمن
الصنف الأنثوي، لكونها ناشئة عن حادث عرضي و من غير ترصد و لاسبق إصرار.
مما يحدو بهم للتلطف عليه في العقوبة فيُسمح له بالعودة من منفاه إلى عشيرته بعد سبع سنوات .
و كأن أوكونكو يلوذ بالفرار إلى ديار أمه في مبانتا. فلعل أحدنا كثيراً ما ينشد ملاذه الآمن في حضن و الدته.
في واقع الأمر، فإن أتشيبي يترك الباب موارباً لإلماحة ثاقبة و لاذعة في ذات الوقت بشأن طبيعة الذكورية
في مجتمعه بتجسيده إياها في شخوص رموز القبيلة. مما جعله يجمع لأكونكو أربع أبعاد مركبة في شخصيته :
أحدها رجولته، و ثانيها، ملكة عطفه الأبوي، و ثالثها تفوق عائلته، و رابعها طموحه للنجاح وعقدته من كابوس الفشل .
ولعل تكوين كل هذه الجوانب مجتمعة في شخص واحد هو أوكونكو، إنما يطلق العنان للكاتب أتشيبي ليبحر عميقاً في تحليل صفة الرجولة.
كما يتفلسف أوشندو في تفسير ذلك لأوكونكو، بقوله :"صحيح كما يقال: إن الولد سر أبيه و مستقره في صلب والده؛ و ليس رحم أمه سوى
مستودع أو حضانة لحفظه ريثهما يولد ، و لكن عندما يقسو الأب على ابنه أو يبطش به، فلا ملجأً و لامنجى له من بأسه - بعد الله - سوى حجر أمه.
مثلما أن أحدنا قد يُنسب انتماؤه إلى وطن أبيه طالما كانت الأمور سالكة و الحياة ميسورة،و لكن كلما تحل الأحزان و تستحكم حلق الكرب و المرارات،
فعادةً ما نلتمس الدفء و المواساة في صدور أمهاتنا. فهن قد خلقن من ضلوع عوجاء لكي ندس رؤوسنا بين حناياها، و لعل هذا هو السر وراء قولنا:
"إن الأمومة هي الأسمى دوماً ".
ود الأصيل
30-11-2013, 08:14 PM
المعتقد الديني ، الأسطورة و ذاكرة التاريخ
لعل من أبرز وأهم ما تنطوي عليه النظرية التحليلية في التاريخ الثقافي هوالأساطير ،المعتقدات الدينية، و الطواطم (الأرواح) و الخرافات و الطقوس والأشكال والرموز.
في سياق "الأشياء تتداعى"، يتخذ القناع ، والأرض ، و الأسطورة و الطق,س الشعائرية جميعها أهميةً كبرى و تلعب دوراً مؤثراً في بنية الحبك الدرامي ،
كما تستدعي كذلك جوانب بارزة من التاريخ في ثقافة الإغبو .
وفقاً لغردون بالدوين : "يأخذ الدين حيزاً واسعاً في حياة الإنسانالبدائي. و ليست المسألة مجرد يوم واحد من أيام الله السبعة ، لتمر دُوَلاً كمرور الكرام، كما هو الحال عموما بالنسبة لنا.
حيث إن الشعوب البدائية تمضي أيامها وشهورها على مدار السنين وهي تأكل وتشرب و تعمل وتلهو وتنام وتصحو بالدين. و كل شيء تقريبا في روتين الحياة اليومية في مجتمع بدائي :
من صيد البر والبحر ، و منزراعة وحصاد، و من حرب و سلم، و من زواج و ولادة و بلوغ لسن الرشد ، و كذا من مرض ، وشفاء أو موت، ومن تشييد لمأوى أو صنع لقارب أو لفأس،
إنما يكون كل ذلك مرتبطاً ب"كجور"أو طقوس سحرية أو شعوذات و دجل أو أي ضرب آخر من ضروب النشاط الروحاني.
أولا، هناك استخدام القناع لاستحضار و تلبيس روح الآلهة في جسد مخلوق ما. و تعد جريمةً نكراء و خطيئة لا تغتفر في ثقافة الإغبو
أن يجرؤ كائن من كان،على إبداء أي نوع من الازدراءأو التشكيل في مدى صدقية أو أخلاقية أي من الإيغوغو، و هي رموز تمثل روح الأسلاف.
و في نحو خواتيم الرواية ،يقدم أحد المحاربين وقد صبأ عن عقيدته السابقة فتحول لاعتناق الديانة المسيحية،
أقدم على تعرية و إزهاق روح واحد من أسلافه الأولين، الأمر الذي جعل أهله يندبون حظهم ،
كما لو ينعون نعش عشيرتهم في شخصه،لخشيتهم أن شراً محدقاً يوشك أن يحل بأرضهم.
ود الأصيل
30-11-2013, 08:15 PM
المعتقد الديني ، الأسطورة و ذاكرة التاريخ
لعل من أبرز وأهم ما تنطوي عليه النظرية التحليلية في التاريخ الثقافي هوالأساطير ،المعتقدات الدينية، و الطواطم (الأرواح) و الخرافات و الطقوس والأشكال والرموز.
في سياق "الأشياء تتداعى"، يتخذ القناع ، والأرض ، و الأسطورة و الطق,س الشعائرية جميعها أهميةً كبرى و تلعب دوراً مؤثراً في بنية الحبك الدرامي ،
كما تستدعي كذلك جوانب بارزة من التاريخ في ثقافة الإغبو .
وفقاً لغردون بالدوين : "يأخذ الدين حيزاً واسعاً في حياة الإنسانالبدائي. و ليست المسألة مجرد يوم واحد من أيام الله السبعة ، لتمر دُوَلاً كمرور الكرام، كما هو الحال عموما بالنسبة لنا.
حيث إن الشعوب البدائية تمضي أيامهاوشهورها على مدار السنين وهي تأكل وتشرب و تعمل وتلهو وتنام وتصحو بالدين. و كل شيء تقريبا في روتين الحياة اليومية في مجتمع بدائي :
من صيد البر والبحر ، و منزراعة وحصاد، و من حرب و سلم، و من زواج و ولادة و بلوغ لسن الرشد ، و كذا من مرض ، وشفاء أو موت، ومن تشييد لمأوى أو صنع لقارب أو لفأس،
إنما يكون كل ذلك مرتبطاً ب"كجور"أو طقوس سحرية أو شعوذات و دجل أو أي ضرب آخر من ضروب النشاط الروحاني.
أولا، هناك استخدام القناع لاستحضار و تلبيس روح الآلهة في جسد مخلوق ما. و تعد جريمةً نكراء و خطيئة لا تغتفر في ثقافة الإغبو
أن يجرؤ كائن من كان،على إبداء أي نوع من الازدراءأو التشكيل في مدى صدقية أو أخلاقية أي من الإيغوغو، و هي رموز تمثل روح الأسلاف.
و في نحو خواتيم الرواية ،يقدم أحد المحاربين وقد صبأ عن عقيدته السابقة فتحول لاعتناق الديانة المسيحية،
أقدم على تعرية و إزهاق روح واحد من أسلافه الأولين، الأمر الذي جعل أهله يندبون حظهم ،
كما لو ينعون نعش عشيرتهم في شخصه،لخشيتهم أن شراً محدقاً يوشك أن يحل بأرضهم.
ود الأصيل
30-11-2013, 08:25 PM
في أعماق ذاكرة التاريخ الثقافي لنيجيريا نجد أيضا أن ظاهرةالطقوس المعقدة تلعب دوراً كبيراً في سير دولاب الحياة اليومية للأهالي.
تعكس رواية أتشيبي هذا الاهتمام المفرط بالطقوس و الخزعبلات. أوكونكو يبرهن على تمسكه بتقاليد عشيرته من خلال ضلوعه
في قتل صبي في مقام ولده بالتبني،و لكنه ضحى به لتسوية نزاع نشب بينهم و قبيلة أخرى، ضاغطاًبذلك مشاعر عطفه الأبوي
نحو ذاك الصبي المغلوب على أمره . حينما يقدم أوكونكومكرهاً على تنفيذ الإعدام بحق إيكيميفونا إنما يفعل ذلك درءً لمظنة،
أن يصمه قومه بالجبن فيقال أنه " كان خائر القوىأمام حدث جلل يمس كرامة أهله". ثم بعدذلك نجد أن صوت ضميره يصحو ،
ليقض مضجعه ويذهب ريح شهيته من فرط الحسرة و الندامة."إذ يشعر و كأنه مارد مخمور راح يتعثر فيمشيه مع بعوضة ".
ذلك أن بون العلاقة بين هوية الفرد و أسلافه يبدو ضيقاً للغاية رغم الفارق الزمني . في الواقع ،أتشيبي يذهب بعيداً إلى حد القول :
"إن ديار الأحياء لا تبعد قيد أنملة عن جو أسلافهم ، و كأن هنالك جيئة وذهاب بين أجيال الحاضر وأرواح من رحلواقديماً .
خصوصا أثناء طقوس المناسبات لدى أفراحهم و أتراحهم ، و بخاصة لدى تشييعهمأحداً من كبار السن إلى مثواه الأخير،
و ذلك لاعتقادهم بقربه الشديد من روح الأجداد.فكأنما حياة النفس البشرية من مهدها و إلى لحدها إنما في لهاث شديد
و هي عبارة عنسلسلة من العادات والطقوس التي تمتطي سير طاحونة حلزوني، يظل راحلاً ليطوي بهاطيات المدى
شيئاً فشيئاً نحو أجل محتوم على مدارج السالكين من أجداده القدماء في عالم الموتى.
ود الأصيل
30-11-2013, 10:11 PM
تذخر رواية " الأشياء تتداعى" بالعديد من الأساطير و الخرافات التي تدور قصصها حول: الأرض و السماء،البعوض و الأذن ؛ السلاحف و الطيور.
و وفقا ل روزنبرغ "فإن الأساطير تكحي و تجسد تجاربَ إنسانيةً و تحمل قيماً و آثراً روحانية للفعل الثقافي". لذا فإن قيم الحياة الدنيا و رؤاها المنتشرة
في العالم بأسره عبر الأساطير تكتسب أهمية عظمى لبقاء ثقافة كل مجتمع. و من الأساطير ما هو "إلهائي" يحلى لأغراض التسلية و الترويح عن النفس
و منها أيضاً ما هو "إرشادي" بالدرجة الأولى، حيث يروى لفك الطلاسم و تفسير خبايا طبيعة الأشياء في هذا الكون الفسيح ، بقصد بذل الموعظة و أخذ العبر:
( كأساطير تدورحول الخصوبة والانجاب وغيرها)، و لتبصير أفراد المجتمع حول مواقف و سلوكيات لازمة لنيلحسن البلاء في إطار ثقافة بعينها( كأساطير الملاحم و البطولات )
في سياق " الأشياء تتداعى" ، يلعب سحر البيان اللغوي دوراً مزاحماً لدور الأسطورة؛ "ففي ثقافة الإغبو يحتل فن الخطابة منزلة عليا ، و لأمثالهم الشعبية القدح المعلى في ذلك،
فهي بمثابة الإدام من "زيت النخيل الذي تغمس فيهالمفردات غمساً لتؤكل هنيئاً مريئاً مع أطراف ا لأنامل ". فالمثل و الأسطورة يمثلان كلاهما أسلوبان مغايران لنقل المعاني
دونما حاجة لصب صريح العبارات صباً في أذن المتلقي.من هنا تتجلى براعة أتشيبي و تفرده عبر إبرازه لأهمية اتقان فن السرد ضمن سياق أي من قصصه التي التي يسوقها .
ود الأصيل
01-12-2013, 07:47 PM
"الأشياء تتداعى جانباً" أجدرما تكون بتصنيفها ك "مأساة أغريقية عصرية ". ذلك لكونها غاصة بنفس عناصر الحبك الدرامي في التراجيديا اليونانية ،
بما في ذلك نسج الأحداث و جعلها تدور بإيقاع محسوب في فلك بطل تعيس الطالع، فيما يمثل نموذجاً لسلسلة منتظمة بعناية فائقة، الخ. فمثلاً كأنما أوكونكو بطل تراجيدي كلاسيكي،
على الرغم من أن فصول مأساته تجري على مسرح في أزمنة أكثر حداثة. فهو يحمل سمات شخصية مركبة، بما في ذلك الغطرسة التي يمكن اعتبارها ( اعتداداً بالنفس) مع شيء من (التهور).
و هذه الصفات الشخصية ربما هي التي تودي به إلى التهلكة،مع حظه العاثر، و بالتالي إلى سقوط مدوٍ بنهاية المطاف. و لعل علة مأساته ناجمة عن تلك النقلات الاجتماعية الخطيرة التي جاء بها البيض
لتضع العربة أمام حصانه في طريق تدرجه على سلم المجد في مجتمعه التقليدي البسيط .لقد أصبح أوكونكو في موقف لا يحسد عليه بفعل ظهور منظومة قيم جديدة. حيث إن أولئك الذين يقتلون أنفسهم
بأنفسهم لم يعد لهم مكان في عرف مجتمعه التقليدي القائم على نظرية تقديس الأسلاف. إلى درجة تجعل مجرد الاقتراب من المنتحر أو لمسه محرماً، الأمر الذي يحرمهم شرف الفوز بموكب جنائزي يليق بكرامة الميت.
المفارقة هي أن يضحي أوكونكو بفقدان مكانته تماماً في كلتا منظومتي القيم ، سواء منها التقليدية الأصيلة أو الأفرنجية الدخيلة. و لا شك في أن أوكونكو كانت لديه حقاً نوايا حسنة و مآرب نبيلة ، و لكن حاجته لأن تظل الأمور في قبضته من ناحية مع توجسه من ناحية أخرى من أن يصمه الآخرون بضعف الشخصية هما عاملان يدفعانه دفعاً لاتخاذ قرارات مصيرية و لكن متهورة بعض الشي، سواء أكان ذلك بمحض وعية و إرادته أم كان لا شعورياً. و لكن المؤكد أن ذلك ما كان أوكونكو يأسف له حقاً و يؤرقه طوال مسيرة نضاله في حياته و سعيه نحو لقاء حتفه بنهاية مأساوية.
ود الأصيل
02-12-2013, 08:26 PM
حضور أدبي و قبول لدى القارئ
تشكل "الأشياء تتداعى جانباً" علامة فارقة على خارطة الأدب الأفريقي. و قد قيض لها أن يُنظر إليها بوصفها الرواية التوراتية الأفريقية العصرية بامتياز و المتخلقة في رحم لغة الفرنجة.
و هي تحظى بقبول مشرف لدي جمهورمقدر من ذوي القرائح الذواقة لروائع الإبداع ، سواء في نيجيريا أو في جميع أنحاء القارة السمراء. و لعلها تحتل مقعد الصدارة بلا منازع بين كافة أعمال أتشيبي
لكونها الأوسع انتشاراً بين المتلقين، حيث تحظى بنصيب الأسد من الاهتمام و التجاوب، و هي بالتالي الأكثر عرضة لمجهر التمحيص والنقد الأدبي. و هي تدرس على نطاق واسع عبر أوروبا و أمريكا الشمالية ،
حيث صارت مرتعاً خصباً و منهلاً عذباً انبثقت عنه العديد من الأعمال التحليلية والتربوية في المرحلة الثانوية و مراحل التعليم العالي.كما أنها حظيت بسمعة لا تقل عن ذلك في بلاد الهند و أستراليا و أوقيانوسيا .
و باعتبارها من أعذب عيون ما أبدعه يراع الكاتب أتشيبي من أدب، فإنها قد حققت مبيعات بما يربو على 8 ملايين نسخة غدت نافدةً في جميعها فيمكتبات منتشرة في أنحاء العالم. وقد صنفت مجلة التايم الرواية ذات يوم ضمن أبرز 100 من الأعمال الناطقة باللغة الانجليزيةمنذ كتابتها في 1923عام وحتى عام 2005 . كما ترجمت الرواية إلى أكثر من خمسين من لغات العالم الحية؛ و هي غالبا ما تتخذ كمرجع هام في مجال الدراسات الأدبية،
و تاريخ العالم، والدورات التي تعقد حول الدراسات الأفريقية على نطاق المعمورة بأسرها.
ود الأصيل
03-12-2013, 01:32 AM
يتربع أتشيبي الآن كسارية على رأسها نارٌ بين الروائيين الحادبين على رفع لواء الهوية الأفريقية و القومية ،
و إنهاء حالة الركون لنير الاستعمار.يجيء التركيز بشكل أساسي لدى أشيبي على مظاهر الاستلاب الحضاري،
مع وجود غموض وشد جذب ثقافي . تداخل الأمور وتشابك الأحداث في عمل روائي بحجم "الأشياء تتداعى جانباً"
لا بدو أن يبرز من خلاله مدى براعة أتشيبي في صهره لخليط من نظم ثقافية متنافرة و لغات متباينة
في بوتقة واحدة، و على مستوى بديع من الحضور و التلاقح و أيضاً التدافع (إن شئت) .
ود الأصيل
03-12-2013, 01:44 AM
لقد أشاد مراقبون كثر بمدى حيادية الأسلوب الروائي لدى أتشيبي و ذهب البعض إلى حد وصف الرواية بالعمل الأبداعي الواقعي.
الكثير من السجالات الهامة التي تدور حول "الأشياء تتداعى" إنما تتناول بوجه خاص المغازي و الأبعاد الاجتماعية و السياسية للرواية،
بما في ذلك التناحر بين صفوف مجتمع الإغبو أنفسهم و هم يتصدون للوجود الطفيلي الطاغي للقوى الغربية المتغولة و معتقداتها الدخيلة .
يعلق ارنست أيمينيونو ب"أننا بصدددراسة كلاسيكية بحق، و لسان حال لسوء فهم قائم بين فئة ما ذات مواعين و مشارب ثقافية حادة الطبع و المزاج ،
و بقية الإنسانية جمعاء. إذ يتأتى ذلك عندما تتحرف ثقافة أو حضارة لغزو ثقافات و حضارات أخرى ، و هي مشحونة بدوافع الغطرسة و التعصب العرقي الأثيم"
ود الأصيل
03-12-2013, 01:54 AM
حينما يكتب أتشيبي عن المجتمعات الأفريقية بصفة عامة ،إنما ينطلق من وجهة نظر أفريقية بحتةليسرد قصة
استعمار غاشم جثم على صدر أهالي الإغبو.و لكنه ميال في ذات الوقت إلى تسفيه ذاك الاعتقاد الخاطئ
بأن الثقافة الافريقية كانت بدائية و وحشية. في "الأشياء تتداعى"،توصم الثقافة الغربية بأنها " جائرة"
و قائمة على مبادئ الغطرسة و التعصب العرقي "،مصراً على أن الثقافة الإفريقية بحاجة إلى راع يقظ.
لكنه يعزو تعرض الأهالي في يوموفيا لغزو الحضارة الغربية إلى افتقارهم لأي زعيم أو قائد ملهم ليلي أمرهم و يتقدم صفوفهم.
هنالك اعتقاد بأن التغاضي عمداً عن لغة الإغبو في نهاية الرواية، له إسهام إلى حد كبير في تلاشي الثقافة و طمس الهوية القومية.
على الرغم من أن المؤلف لديه ميول وأشواق للثقافة الأفريقية في نمطها القديم لما قبل ظهور الغزو الغربي، إلا أنه ينحي باللائمة عن
ضياع ثقافة بلادهعلى "وجود بذور للتفكك في صميم هيكلها الاجتماعي الأصلي"أتشيبي يصور الثقافة هنا و كأنها كلٌ لا يتجزأ من
دستور حياة متكاملله دين و سلطةحاكمة و نظام اقتصادي و أعراف و تقاليد فنية، فضلاً عن نظام قضائي فعال. .
ود الأصيل
03-12-2013, 09:18 PM
ريادة أبداعية
لعله لو لم يكن لهذه الرواية من حسنة تذكر قط، فيكفيها شرفاً أنها فتحت شهية العديد من الروائيين الأفارقة
ليشحذوا سنان أقلامهم كي تترع صفحات القرطاس بنطف مدادهم وهم يحذون حذو ذاك المبدع تشنوا أتشيبي .
فبسبب هذا العمل الجريء ، تمكن الروائيون بعد أتشيبي من العثور على ضالتهم في نمط بلاغي رصين و ذو طلاوة
للتعبير باقتدار لتوصيف الحالة الاجتماعية الخاصة و كذلك المنزلة التاريخية و الثقافية للقارة السمراء على خارطة طريق الحداثة .
فقبل صدور" الأشياء تتداعى جانباً" ، كان الأوروبيون هم من يتصدون لكتابة معظم الروايات حول أفريقيا، حيث كانوا يصورون الأفارقة عموماً
و كأنهم مجرد قطعان رعاع همجيين و بأمس حاجة إلى من يسوقهم سوقاً ليخرجهم من ظلمات ثالوث الجهل والفقر و الجوع إلى نور النهضة .
لكن أتشيبي نجح تماماً بدحض مثل تلك النظريات من خلال إسقاطه أضواءً كاشفة إيجابية و متعاطفة إلى أبعد حد مع مجتمعه الإغبو البسيط،
مما ينبه القاريء لأهمية إمعان النظر كرتين في عيوب الاستعمار الأوروبي و آثاره الوخيمة من منظور مختلف. و قد علق على ذلك ذات مرة بقوله:
(إن شعبية"الأشياء تتداعى جانباً"" في أوساط قراء بلادي يمكن تفسيرها و فهمها بكل سهولة و يسر. فقد آن الأوان ،و لأول المرة كي نرى أنفسنا على سجيتها،
كوننا أنفساً بشرية ولدتنا أمهاتنا أحراراً ، ولسنا أنصاف خلق مستعبدين، أو كما يحلو لهم" تشبيهنا ب"مذنبات آدمية" قادمة من وراء شمس العصور الحجرية".
ود الأصيل
03-12-2013, 09:40 PM
النص جاء سهلاً ممتنعاً و بلغة رصينة على بساطتها، ليس فقط للحد الذي فتن به ألباب النقاد،
بل شكل أيضاً عموداً فقرياً و وقوداً حيوياً لما يعرف بالرواية الأفريقية الحديثة، كي ترى النور.
لأن أتشيبي و قد صاغها بلغة إنجليزية سلسة، برع في تصويرحياة الإغبو
من منظور إنسان أفريقي معايش لواقعه بكل حذافيره،
مستخدماً مفردات لغة قومه و ناطقاً بلسان حالهم،
فكان متمكناً من ترك بصمته دامغةً تماماً
على كتابات رفاقه الروائيين الأفارقة،
و الذين كان حرياً بهم النظر إليه
على أنه رائدهم بكل جدارة و استحقاق .
ود الأصيل
03-12-2013, 10:01 PM
لا يزال أشيبي بخياله الخصب ملهماً للنقاد و مؤثراً للنخاع في الكتاب و المهتمين بالأدب على نطاق العالم أجمع.
هيلاري مانتيل، الروائية الحائزة على جائزة بوكر كتب في 7 مايو 2012 مقالة في مجلة نيوزويك ، بعنوان"
الروايات التاريخية المفضلة لهيلاري مانتيل "، صنفت من خلاله " الأشياء تتداعى جانباً"
كواحدة من بين خمس روايات مفضلة لديها من هذا الطراز
و ثمة بعث جديد و جيل حديث بكامله من الكتاب الأفارقة من أمثال بينيافانغا و ينينا الحائز على جائزة كين و هو
( المدير الحالي لمركز تشينوا أتشيبي في كلية بارد) و هيلون هابيلا، مؤلف (في انتظار ملاك [2004 ]و صندوق الدنيا[2007 ]
و كذلك يوزودينما إيويالا صاحب (وحوش بلا وطن [2005 ] ) و البروفيسور أوكي نديبل كاتب ( حنابل المطر [2000 ].
كلهم ممن يدينون للمعلم تشينوا أتشيبي بعظيم أثره على أعمالهم الروائية.
.شيماماندا نغوزي أديشي، مؤلفالروايات الشعبية والانتقادات اللاذعة مثل: شراب الكركديه الأرجواني (2003)، و شمس نصف مصفرة(2006)،
أفاد لدى مقابلة أجريت معه في العام 2006، بأن "تشينوا أتشيبي سوف يظل دوماً في مقام مثلي الأعلى، ذلك لأن أعماله المترعة أبداعاً
لم تكن ملهمة فقط لأسلوبي بقدر ما هي ملهمة كذلك لفلسفتي في الكتابة: قراءتي له تعيد شحني كل مرة بقوة دفع رباعي من الجرأة،
إنها تمنحني إذن عبور للكتابة عن أشياء كنت أعيها جيداً ".
ود الأصيل
04-12-2013, 01:10 AM
انتاج العمل تلفزيونياً و مسرحياً
خلال شهر ابريل نيسان من عام 1961جرى تقديم برنامج إذاعي درامي باسم:
" أوكونكو" حيث صيغ نص سيناريو رائع له مأخوذ من أحداث الرواية و هو من انتاج
الهيئة القومية للإذاعة. و كان قد ظهر من خلاله وول سوينكا حينذاك في دور مساند.
ثم في العام 1987، تمكنوا ايضاً من إعادة انتاج أحداث الرواية في شكل مسلسل ملحمي كان
قد حقق نجاحاً باهراً، و كان من إخراج ديفيد أريري و بثه التلفزيون النيجيري عن هيئة التلفزة النيجيرة.
و تقاسمت بطولته كوكبة من ألمع نجوم صناعة السينما ، بمن فيهم بيتي يدوتشي، نكيم أووه و سام لوكو.
ود الأصيل
04-12-2013, 01:11 AM
انتاج العمل تلفزيونياً و مسرحياً
خلال شهر ابريل نيسان من عام 1961جرى تقديم برنامج إذاعي درامي باسم:
" أوكونكو" حيث صيغ نص سيناريو رائع له مأخوذ من أحداث الرواية و هو من انتاج
الهيئة القومية للإذاعة. و كان قد ظهر من خلاله وول سوينكا حينذاك في دور مساند.
ثم في العام 1987، تمكنوا ايضاً من إعادة انتاج أحداث الرواية في شكل مسلسل ملحمي كان
قد حقق نجاحاً باهراً، و كان من إخراج ديفيد أريري و بثه التلفزيون النيجيري عن هيئة التلفزة النيجيرة.
و تقاسمت بطولته كوكبة من ألمع نجوم صناعة السينما ، بمن فيهم بيتي يدوتشي، نكيم أووه و سام لوكو.
ود الأصيل
04-12-2013, 07:59 PM
خــــــــاتــــــــمـــــــــة
( فأيُ أشياءٍ يعنيها تشنوا أتشيبي و يتنبؤ بسقوطها)
لعله يرمز إلى سقوط أقنعة الزيف عن وجه الحقيقة ، حينما ينقشع السواد عن نوايا ذاك "المبشر" اللعين،
من جاء يستعمر ليستخرب البلاد و يستعبد العباد و يفرق ليسود فهل تراه يجوّع كلابه لتتبعه، أم يسمنها لتأكله ذات يوم!؟
على أن أهم و أغلى شيء تهاوى صرحه بالنسبة لأفريقياً بأسرها ممثلة في شخص البطل أوكونكو هي قضية الهوية و المعتقد،
ثم راحت بقية باقية من أشياء و عادات و تقاليد تهوي فتتناثر كورق الخريف، و تندثر الأعراف في غياهب تاريخ لا يعرف المحاباة
و تنسلخ قيم و ثوابت من ذاكرة شعوب مطحونة لم تعد تبالي بأن أن تباع بأسواق النخاسة في سبيل أن تبقى و لو في ذيل الأمم.
ود الأصيل
04-12-2013, 08:20 PM
حيث ظلت جذوة الثورة الأفريقية مخمدة منذ بدايات القرون الوسطى بسبب رواج الرق و النخاسة.
حيث مكثنا نرزح تحت نير العبودية و الاستعمار ردحاً من الزمان امتد لأربعة قرون و نصف القرن.
لكننا نرى اليوم ثورة ثقافية تتفجر في أرجاء قارتيا. و هي تنبيء عن نفسها عبر طرق و وسائل شتى،
مشبعة بروح العزم على التحرر من ذلك العبء الذي أثقل كواهلنا طوال قرون قد خلت. إذاً،
فنحن بصدد ميلاد لأفريقيا، و لكن بمعايير العصر الراهن، هو بمثابة ميلاد ثان و بعث جديد لنا؛
لعل من يحلمون بإمكانية النهوض محقون في ذلك تماماً، فقط يجب ألا تظل تلك أضغاث أوهام ،
بل هدف أصيل و طموح كبير نصبو من خلاله لانتشال قارتنا السمراء من غياهب النسيان العالمي،
و لطرح حقائق جوهرية من شأنها أن تضعنا على جادة التانمية كي نلحق بركب الإنسانية المتحضرة.
ود الأصيل
04-12-2013, 08:32 PM
فمنذ أن ارتكب أحد ابني آدم حماقة نكراء بحق أخيه فقتله ثم عجز أن يوراي سوءته لجهله بثقافة الدفن التي بعث الله غراباً إليه ليعلمه إياها.
منذ أ ن حلت تلك الكارثة ظل الأمر هاجساً يؤرق الناس والكيانات و الدول إلى أن تخلقت منه قضية شائكة عمرها الدهر..هي جدلية (الأنا و أنت).
فهل كان آدم وحواء التي من ضلعه أسودان؟ ربما أغلب الظن، لأن أأدم (من الأدمة) تعني سليل الأديم (أي التراب)إذاً, لعله من هنا فقط،أي :
من إفريقيا بدأت مغامرة بعمر البشرية. حيث انطلق أجدادنا لغزو الكوكب تسوقهم خطاهم إلى أقدار قديرة، فارتكبوا خطايا و حماقات كبيرة
ثم أرسلت الشمس أشعتها لتتولى مهمة طلاء سحنات الأجداد بألوان من لوحة قوس قزح الأرض الذي تفوق أطيافه قزح السماء الموشح بالسواد
المفارقة أن أولئك الأشد بياضاً هم قادمون من أفريقيا . لا بأس إن تنكر بعضنا لبضعه الآخر, لأن العنصرية مرض خبيث يسبب فقدان الذاكرة
و يدفع لتفسخ الذات عن جلدتها لتذوب في ذوات الآخرين. لقد عميت أبصارنا فكدنا ننسى أن العالم بأسره كان عائلة واحدة تتربع على عرش
مملكة شاسعة لا تحددها خرط و لا حواكير؛ و كانت أرجلنا هي جواز العبور الوحيد المطلوب لنمشي في مناكب الأرض ون نسافر أنى نشاء.
ود الأصيل
04-12-2013, 08:47 PM
حينما تتدلى الراشحات من أسقف الكهوف؛ وتتراكم القطرات فوق أرض الجمود.. لتتكون كرات من كرستال هش رقيق القوام,
من عرق الصخور في أعماق كهوف منحوتة بفعل الماء و الزمن في أحشاء الجبال لتظل عبر القرون تنضح قطرة قطرة وتبحث عن بعضها
لتتلامس في غياهب ظلمة لا تبدو على عجلة من أمرها.
علموني أن النار خالدة منذ عصر الجير و الحجر, غير أني لما جربت ففركت حجري صوان أو قدحت عودي ثقاب, لم يخرج لي شرر.
لكن إخفاقي لا يلغي أن للنار مزايا. فهي التي وقتنا البرد..و طبخت لصغارنا الطعام..و أضاءت ليلنا.
وطردت عنا ضاريات الوحوش ثم دعتنا للتحلق حولها و الجلوس لنقرأ الدروس.
ن
إذاً، من أين استوحى قدماؤنا فنونهم للرسم على جدران الكهوف؟ من أين ابتكروا تلك الصور المفعمة بنسج من خيال؟..
فيها روح تجريدية لأبقار و غزلان و زرافات طوال.. و عمرها سنون ضوئية و هي تتناسق في خطوط هوائية كأني بها تتحرر من الصخر
و تنبثق نحو الفضاء الرحيب في صحاري و فلوات يباب. يجدر بنا أن نسأل هنا ماذا كان يأكل أهل الصحاري القدامى و ماذا كانوا يشربون؟
هل كانوا يأكلون القحط أم يشربون الرمال؟ تنبؤ أثارهم أنهم كانوا في عيش رغيد؛ ثم أضطروا لأسباب مبهمة لهجران بلدانهم جنوباً بحثاً عن كلأ مفقود .
ود الأصيل
04-12-2013, 08:56 PM
اليوم تنكر الإنسان لأخيه الأنسان. رغم تجمعنا من شتات و ضمنا بوتق للأنصهار و لفنا سير الحضارة في مدائنها الفضليات ومبانيها الحديثة الذكية الناطحات.
لعل ذعرنا من التوحد و الظلام هو صدى لخوفنا البدائي الدفين. فكيف تجرأنا لنصبح سباعاً بعدما كنا عرضة للالتهام. كان تاريخنا المبكر محفوفاً بضباب العدم
و لم نكن نحذق سوى كسر الحجارة لنضرب بعضها ببعض لنشعل نيران الحروب. و تظل عين الزمان ثاقبة و ذاكرة التاريخ حاضرة، فصرنا عصابات يفتك قويها بالضعيف
و بأشياء يندى لها جبين الوحوش. فهل لنا أن نثق بمبادئ حضارتنا الراهنة و لو ليوم؟ كلا، فهي حضارة بنيت على خلاصات أنانية مثل قول بعضهم :"اعتن بشؤونك الخاصة"
و شمسونية مثل قولهم :"أنا و من بعدي الطوفان". كنا نخاف ظلنا ثم بتنا نخيف.. و من فرائس مرتجفة غدونا وحوشاً كاسرة ، بعد أن نبتت لنا أنياب بارزات و مخالب من حديد.
السباع التي كانت تضايقنا أصبحت مرهونة للإقامة قسراً في درابزيننا الحصين ، حيث نطوقها بأطواق تأبى إلا أن تضيق فصارت الوحوش زخارف لأعلام أوطاننا و شطرَ بيتٍ للقصيد.
ود الأصيل
04-12-2013, 09:07 PM
أصلاً، كان "حام" من أبناء جلدتنا السمراء..تم اصطياده من هناك كأي قردٍ ليرتادوا به العوالم البعيدة؛ يشدون وثاقه بحبال تجر الجبال.
فوضعوه في مكوك فضاء لتجريب قدرات المذنبات البشرية على غزو الهواء. تصدرت صورة جدنا أغلفة ومانشيتات مجلة "الحياة" العريقة؛
أما حياته فقد أفنى ما بقي منها محبوساً في حديقة. و لكن لايزال هنالك تقدميون إلى الوراء يزعمون افتراءً بأن أصل التلوث البيئي:
أن رهطاً من قبائل الأقزام تميزوا بقصر القامة و طول الذاكرة؛ فاخترقوا الأزمان و اختلقوا الأزمات متوهمين أن الأرض سقف للسماء،
و أن النفايات كانت "تتساقط مع بقايا الأشياء" في حركية عكسية من أديم الأرض إلى عنان السماء. و تسمم غذاء سكانها الأبرياء.
فأراد الأقزام غزو الفضاء ليسكنوه و يركنوا هنالك في العلالي بعيداً عنا و هم سالمون؛ ثم ليرسلوا علينا من هناك صواعق حمماً
لتدهسنا و تبقينا في الحضيض. فإلام سنظل تحتهم إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، أذاً، فماذا نحن قائلون في ما تسمعون!؟.
ود الأصيل
04-12-2013, 09:11 PM
كانت السماوات والأرض رتقاً ففتقهما العلي القدير وجعل الخير و الشر, الولادة والموت ثم النشور.
وعاقب الليل و النهار آيتين؛ خلق للرجال من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها. لكن يبدوأ ن الإنسان هو أزمة نفسه وضحية صنائعة..
راح يهيم على وجهه وينشد الترفيه عن نفسه عبر الاختلاطات المارقة؛ تحدوه حيل شيطانية ليغلو في التشبع بالمباحات على كثرتها
ثم ليبغي في الأرض فيستبيح حرمات الله. حينها تنقلب الأشياء، يوم أن تخرج النساء من مسام الرجال و يخرج الرجال من تحت "عروق النسا".
. يوم أن يخضر اليابس و يغدو الأخضر حفنات من يباب..يوم يولد الموتى و يموت الولدان و تلد الأمة سيدتها؛
حتى تتبرم بقية الأحياء و تشكو بأن عالم اليوم لم يعد به شبر للشراكة و التعايش في أمان.
إلى هنا، و دام الجميع غانمين سالمين، ثم إلى جنان الخلد عابرين
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir