المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المحطة الأخيرة قصة قصيرة/ صلاح الدين سر الختم على



صلاح سر الختم علي
03-06-2015, 09:30 AM
من بلاد بعيدة تطحنها حرب أهلية لم يعرف لها سبب ولا امد خرجت خائفة تترقب، تركت خلفها قرية أشتعل فيها الأخضر واليابس ونفق أهلها في العراء مع حيواناتهم المتفحمة،إختبأت من الموت الزاحف خلف الأشجار وفوق رؤوسها ،ركضت ليلا ونهارا،ثم ركبت الحمير حيث تيسر لها، ووجدت نفسها على ظهر عربة تنهب الصحراء نهباً باتجاه الحدود،انفقت ماكان بيدها كله في هروبها من الجحيم المستعر،وأخيرا بلغت وطنا ليس وطنها لكنه بلاحرب تمزقه، تنهدت تنهيدة راحة لم تدم طويلا،فقد صفعها حرس الحدود بلاسبب، ثم جاست أيديهم في ( بقجتها) الكبيرة الخاوية مما يسرهم،تحسسوا صدرها بلؤْم خبيث،أخذوا من السائق مايريدون وتبادلوا معه ابتسامات صفراء، ثم انزلوا حمولته من البشر وتركوه يمضى لحال سبيله،باتوا ليلتهم في العراء ،اصبح الصبح عليها وقد فقدت أعز ماتملكه الأنثى،كانت تشعر بجسدها غريبا عنها وعبئا ثقيلا عليها يملؤوها نفورا واشمئزازا وهى تستعيد بذاكرتها الأنفاس المخمورة والرائحة المنتنة لذلك الجندى الذى حط فوقها ليلا تحت القمر كنسر أسطورى وجثم فوقها وأخذها غصباً كما تؤخذ شاة من المرعى الى المذبح. كانت ترفس باقدامها وتعضه باسنانها ولايجدى ذلك فتيلا، وترتفع اصوات رفاقه الصاخبة من حولها كمهووسين يتابعون مباراة في كرة القدم،وفي النهاية حين قضى وطره منها تمدد على ظهره وأرتفع شخيره مثل صوت قاطرة تلج محطة. مضت تجوب بلادا عجفاء من اقصاها الى اقصاها، من خيمة الى معسكر، الى منزل شاحب تغسل فيه وتطبخ وتنظف نظير لقيمات ونقود قليلة، حتى استقر بها المقام أخيراً خادمة في منزل في قرية صغيرة على ضفة النيل،كان بيتا واسعا وهو خليط بين المزرعة والسكن ، منحوها غرفة منزوية هى اول سقف يظلها منذ احتراق قريتها وتشردها في البلاد،كان في اهل البيت من صفات اهل الريف الكثير، فضمدوا جراحها دون ان يدروا، وغشيتها سكينة وطمانينة ياطالما كانت حلما بعيد المنال، ظنت إنها وجدت ملاذاً آمناً وحضناً دافئاً في ذلك البيت ،لكن هيهات، تاتى الرياح بما لاتشتهى السفن، فقد قذفت عطلة الجامعة من المجهول بشاة سوداء لتلك العائلة الصغيرة، ومنذ اليوم الأول لحلوله ادركت بغريزة طورتها ايام الشقاء والعذابات االكثيرة أنه شوكة الحوت التى( لاتنبلع ولاتفوت) كما يقول المثل الشعبي الرائج هنا،فقد كان يراقبها في غدوها ورواحها كصقر يراقب فريسته قبل ان ينقض عليها، يكاد يأكلها بعينيه الجائعة جوعا ظاهرا، لم تفتها ملاحظة ذلك، تحرك رادر الأنثي فيها وتيقظت كل حواس النمرة وهى تستعيد مرارات كثيرة مرت بها، تجنبته ما استطاعت الى ذلك سبيلا برغم محدودية المساحة التى يتحركا فيها، فهى خادمة مقيمة في بيت أسرته يحتم عليها عملها ان تكون تحت عينيه دوما، وكانت الجامعة وأيام دراسته فيها هى حليفها الوحيد الذي يمنحها نجاة مؤقتة من نيران عينيه الحارقة التى تلاحقها بإصرار صياد يخشي نجاح فريسته في الهرب من شباكه التى احكمها حولها،لكن المحظور وقع، أفاقت ذات ليلة غاب فيها القمر وعم الظلام على يد تتحسسها وهى نائمة في غرفتها البعيدة وشعرت بأنفاس حارة تطوقها، إتسعت أحداقها رعباً حين فتحت عينيها فوجدته منحنيا عليها وعيونه تقدح شررا ورغبة مجنونة، حين صرخت أطبق على فمها بكفه العريضة بقوة، قاومته بشراسة، لطمته على وجهه بأقرب شئ عثرت عليه يدها وهو فرشاة شعرها، ترنح وتراجع الى الخلف قليلا، صرخت بصوت أعلى والتمست طريقا للفرار، لمعت المدية الحادة في يده، تقدم نحوها، تراجعت مذعورة، تعثرت ، سقطت على ظهرها في ارضية الغرفة، إنهال عليها طعنا، إنفجر الدم بركانا، صرخت صرختها الأخيرة، ظل يهوى عليها بالمدية في جنون كمن يهوى بعصا على كتلة قطن، سكنت حركتها، ظلت أحداقها شاخصة نحو الأعلى.
أمام القاضي وقف هادئا كملاك صغير، نظر في بلاهة الى السكين الملوثة بالدماء، وإلي ملابسها الممزقة ،أجاب على أسئلة القاضي بصمت مصطنع، قدم المحامى شهادة جنون مدفوعة الثمن، دفع اهله الدية لقريب جاء من بلاد تطحنها حرب أهلية لم يعرف لها أمد ولاسبب،خرج القريب سعيدا بغنيمته، وخرج القاتل من قاعة المحكمة الى مصحة فخمة ، ظل طائر الصدى يحلق بلا إنقطاع ظامئا فوق رأسه. وظلت الجثة تتململ في تراب غريب وهى تكاد تتفجر غضباً.يلمح العابرون نارا تخرج من الأرض ، فيركضوا ويولوا الأدبار.
صلاح الدين سر الختم على
مروى 3 يونيو 2015