المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : // درامِياتُ أعمَىً و كسيحٍ ، يَحْمِلُه أصَمُّ أبْكَمُ //



ود الأصيل
20-09-2016, 08:55 PM
// درامِياتُ أعمَىً و كسيحٍ ، يَحْمِلُه أصَمُّ أبْكَمُ//
* *****(((((1)))))******
في ساعة متأخرة من ليلة باردة ظلماء،
خرج أعْمَي يشقُّ سكونَ العَتْمةِ بِعصَا خَيْزَرانَ ،
ليلتقيَ قَدَراً، بمجهولَينِ اثنينِ. فسُرعانَ ما دخلَ
الكلُّمن حيثِهم و فورِهم في حوارٍ صامتٍ
بينَ طُرْشَانَ و عُمْيانَ:
*****(((((+)))))*****
بدأ الأعْمَى يُنَاجِي نفسه الأمرة بالسوء:
” تُرى إلى أينَ تقودُني ساقايَ في ظَلَامٍ دامسٍ ،
حيثُ لا أنيسَ لوَحشتي، ثُمَّ إذا سألَني سائل عن وُجهة سيري
على غير هدىً، ماذا تُرانِي قائلٌ له؟!”. بابتسامةٍ خاطفةٍ مشوبة
بحذرٍ، فترقُبٍ. بادرَ بالتَّحية، ثم أردفها مراراً لمن أحسَّهم بجُوارِه :”
أهل الله اللي هناك!”. لم يعانقْ صوتُه أذُنَيْ أحَدٍ .فلا حياةَ هناك لمن يُنَاغِم.
كان أحد صاحبَيه كسيرَ الجناحِ؛ ظل متسمراً على كتفي حامله, أصمُّ أبكمُ ،
و قد كَلَّ متْنُه من ثُقْل حِمْلِه، فلم يشأْ، أو الأحرَى لم يقدرْ أصلاً ليبادلَ مُفاتِحه
بِمِثْلِ التَّحية لا بمثلِها و لا بأسوأَ منها. طفِقَ الأعمَى يمارس هوايته و حقه
في إطلاقِ جحافلِ أسئلةٍ على عواهنِها كخبطِ عشواءَ في جوفِ فراغٍ
عَرِيضٍ: “ما سرُّ لزومِ الصمت هكذا, كما لو كُنَّا في جَبَّانةٍ؟!
ألهذا الحدِّ صِرْتُ ممجوجاً من أول وهلة؟!؟” “
و لكنْ، فلو كان الأمر كذلك، فلِمَ
يُهْرَع المارةُ دوماً للأخذ بيدي
لقطع إشاراتِ المُرورِ”.
*****(((((+)))))*****

ود الأصيل
20-09-2016, 09:34 PM
*****(((((2)))))*****
راحتْ عيناه المنطفئتانِ تحملقانِ
من خلفِ جدارٍ عازلٍ تضربُه نظَّارةٌ قاتمةُ السَّوادِ؛
تكادُ ، مع لِحيتِه الكثَّةِ تطْمِسانِ ملامحَ وجهِه المتحفزِ دوماً
للانقضاض على شيء ما. مرَّتْ لحظاتٌ و كمان ساعاتٌ مُتَوتِّرةٌ في
سكونٍ كالذي يسودُ عادةً قُبيلَ هبوبِ العاصفةِ. عادَ الرجلُ يطرحُ أساريره؛
كصاحب ضالةٍ يصطنعً التفاؤلَ بالعثورِ عليها. فيلاطفها بهِنْدامِه الدونجواني
المتأنِّقِ، و نظَّارتِه المُعْتِمةِ كرجالِ المافيا، فطَلَاوةِ هَمْسِه الشيِّقِ المعطونِ
ببُرمةِ عسلٍ . فكُلُّها أدواتٌ سِحْرِيةٌ ناجعةٌ لصَيد الغواني. و فيها سِرُّ تعلّقِهِنَّ
بشَخْصِه و تَعَقُبِهِنَّ لأثَرَه حَيْثُما ذَهَب.قال”:لعلي بصددِ دَلُّوعةٍ غنجاءَ هذه ا
لمرة، نعم أنثى أو ربما أنثيين. و لِمَ لا؟! ألا يحِلُّ لي منهن مَثنَى و ثُلاثٌ
و رُباعٌ ؟! هذَا فضلاً ، بالطبعِ، عن ملك اليمين !إذنْ، لنبدأُ الليلةَ
بواحدةٍ، جاءَتني في زمانِه و مكانِه تماماً, كمرِّ السحابةِ
لا ريثٌ و لا عجلٌ. ربما تودُّ فقط مساعدتي دونما
رغبةٍ لمجاذبَتي طرفَي دردشةٍ
بلا أيِّما طائلَ مع أمثالي.”
*****(((((+)))))*****
تحاملَ بجسدهِ المنتحلِ ،
فوجَّهَ بوصلة فضولِه نحوَ مصدر
تلك الأنفاسِ المتوهجة، مُهمهِماً تماماً
كما القطِّ الأليفِ.ربما يُعانِقُ أرنبتَي أنفِهِ
فيُدغدغُ أذنيْهِ بوحٌ شفيفٌ على شاطئِ هادئ
للراحةٍ بأحضانِ دفءٍ (بطانية بشرية) جاءَه
لغية عنده. بس( تميراات فو راس فكي.
بالله علسك شوف ليك بس جنس
(شلاقة عَمَاية آخر زمنٍ)
*****(((((+)))))*****

ود الأصيل
20-09-2016, 09:35 PM
(3)
تذكر صباه مع (دايناصورة)
كانت تحتطبُ لتسرجَ النارَ حتى الهزيع الأخير؛
يتدفَّأنِ و يتدافعانِ كوبَ الشاي(مَنْ يرشفُ أولاً؟!):
أماه ما أحْوجَني إليك الآنَ و أنا هنا رهينُ المحبسَينِ!
(فقدانِ بًصًري و ليلٍ مُدْلَهِمٍّ).يا من أدرتِ ظهرَكِ باكِراً
لمتاعِ الدُّنيا، لتسُدِّي فراغ والدي، كادحةً، فقابعةً
ليلَ نهارَ خلف مكنةِ سنجرٍ (أبو فراشةٍ)!!
*******(((((((++))))))))*******

ود الأصيل
20-09-2016, 09:37 PM
(4)

في الأثناءِ، وقفَ الأخرسُ على مقربةٍ،
يجاذب نفسَه طَيفاً من خواطرِها. تذكرَ أيضاً
تفاني أمه حين ضاقتْ بها الدُّنيا بما رَحُبت سعياً
لحلِّ عُقدةِ لِسانِه. لإيمانِها بأنهُ ما من داءٍ إلا جُعِل له دواءٌ،
عَلِمَه من عَلِمَه و جَهِلَه من جَهِلَه، و أنَّها ستهتدي إليه بالنية.
هرولتْ به تطرقُ أبواب عيادات البصراء و خلوات المُشعوذينً ،
مُغدِقةً عليهِم بسخاءٍ. سقَتْهُ أعشاباً و محاياتٍ و دواياتٍ بقدرما
طالت ذاتِ يدِها. عَلَّقتْ لهُ كل ما جَلًبت من تعاويذَ و تمائمَ.
ليَتَبيَّنَ لاحِقاً أنه ليسَ مسحُوراً. إنما كان تشوهاً خَلْقِيَّاً
بطَبْلَةِ أذُنِهِ الوسْطَى، ليَعيشَه بقيةَ عمُرِهِ.
*******((((((+++)))))))*******[/

ود الأصيل
20-09-2016, 09:39 PM
5)

تَمَلْمَلَ الأعْمَى زاحفاً بجسدِه سعياً
لِكسرِ جليدِ الوجومِ ، ليُلامسَ لحافاً بشرياً مُتَوَهَّماً.
فيما جَفْنُ الليلِ مُسْدَل، و قانونُ الصَّمتِ مُتسَيِّدٌ للمشهد؛
فيُوشِكُ النعاسُ يطبقُ رُمُوشَه. دوامة ثرثرتِهِ ما تلبث تنقشعُ حتى
تعود لتثُورَ مجدداً. انتَكسَ يعزف منفرداً: “لِنَتوسَّمْ بأن السكوتَ
علامةُ الرِّضَا)؛ فلكأنَّ سنّارتِي غمزتْ أخيراً (عجلةً حنيذة).
أم لا يعدُو كونُ الأمرَ برُمَّته مجردَ مزحةٍ سَمِجةٍ،
خَبَزَتْهَا إِحْدَاهُنَّ، تريدُ اللَّعبَ بأعصابِ
رجُلٍ ضَريرٍ تعِيسٍ مِثْلِي؟!”
***(((+)))***

ود الأصيل
20-09-2016, 09:40 PM
(6)

بخُبْثٍ شَديدٍ ، يراقبُ الكسيحُ الموقف
ُ عنْ كثبٍ فيما يغالبُ فلتانَ قهقهاتِه على
ظهرِ حمارُه الأبكمُ .قال: “لِندَعْه الأحمقَ يُلاصقنا
لِينشدَ الدفءَ: تُرى ما الذي يخرجُه الآن ليَقفزَ في
جُنْحِ الظَّلامِ: و هل يحسّ العُميان الفرقَ أصلاً ؟!
فهُم في ليلٍ سرمَديِّ لا ينجلِي، إلا
بصبحٍ ليسَ مِنْهُ بأمثَلِ”.
***(((+)))***

ود الأصيل
20-09-2016, 09:41 PM
(7)

التفَتَ الأبكمُ إلى ذاكَ الذي يَعتَلِي ظهرَه؛
و لسانُ حالِه يُهَمْهِمُ بلغة الإشارةِ لنفسه و قد
طارت شُعَاعاً:” ما لهذَا الضرير لا ينفكّ يلتهم الظلامَ بفَكَيْهِ،
بِلا هَوادةٍ. لَيْتَني أبتَلِعُ حِزاماً ناسفاً لأفجِّرَ صَمتاً يسكنُني، فتَندلقُ
دَواخِلي أنْهاراً من أَذَانِ الطُرْشَانِ في مالِطة. ” رقَّ قلبُه لحالِ الأعمَى
لِيمدُّ يدَه مترفقاً ـ ليربتَ على كًتِفِه ، مهدِئاً منْ روعِه، لَمَّا رأى فرائصًه
ترتعدُ بنَوبةِ هلوسةٍ تُوشكُ تُلامسُ خطوط سُروالِه (الحمراء). إذ عادَ
يُتوهم نفْسَهُ فريسةً سهلةً لغيداءَ حسناءَ من بنات اللَّيل، مرقَتْ
لتَوِّها تَنْشُدُ ضالَّةًلتَبيعَها الهَوى في الهَواءِ الطَّلْقِ . فتراءتْ له
نُعومةٌ صورتٍها المائيةٍب(شَوْفِ بصِيرةٍ عمياءَ لا يَصْطَادُ غزالاً).
لكنْ،ألا يَكْفِي أن تُلازمَه ليلةً من ألفِ ليلةٍ و ليلةٍ؟!.
يتَسَامرانِ؛ و تُطْعِمُهُ لُقَيْمَاتِ الدَّسَمِ مشبَّعةً بريقِها.
فكم يقلقه ما يُلجِم لسانَها، فلم تنبسْ ببنتِ شَفَةٍ،
حتى حينِه؟! تراها تلاعبه بغنجٍ لا طائلَ منه؟!
فليس معنِياً أبداً بِبَهاءِ طَلعتِها، أو ما لو
كانتْ بعْلةً بِرَأْسِ بغْلةً في إبريقٍ.
****((((++))))****

ود الأصيل
20-09-2016, 09:43 PM
(8)

لا يزالُ الأعمَى يَتَعَشَّمُ انتعاشِ جو المكان
بقَرْعِ كَعْبَي أُنثَى؛ متحرفاً لقتالِ فحلٍ غريمٍ وهميٍّ (مفترضٍّ) .
قال:” سأنتزعُها لنُكمِلَ روعةَ المشهدِ بداري، بمعزِلٍ عن أعْينِ العُزَّالِ،
نتقاسمُ هُجوعَ اللَّيلِ ورديَّاً.. نفْترشُ أَدِيمَ الأرضَ و نلْتحفُ زُرْقةَ السَّماءِ،
تلفّ خاصرتَيَّ بمِعْصَمَينِ مخمليَّيَنِ ، لِنسُوحَ كَجمرتَي بخورٍ تَوأمٍ. تتلاشَيَانِ
بِحُضْنِ مِسرجةٍ، تفوح بِعَبَقِ العِشْقِ هُيَاماً في غمراتِ العِنَاقِ على صفيحِ الهَــــوى
السَّاخِنِ .حتى لا نُدْركْ :أيُّ قلبَينا ذاك النابِضُ بيْنَنا”.” خِلْتُنِي و قَدْ تَّرفَّقَ ساعِدي
فَطَــواها ، و تأوَّدتْ أعْطافُ بانِها في يـِدَي، و احمرَّ من خَفْرَيهِما خَـــدَّاها،
فدخلْتُ في لَيلَينِ فَرْعِها و الدُّجى؛ و لثمتُ كالصُّبحِ المُنَوِّرِ فاها؛
و تعطلتْ لغةُ الكلامِ و خاطـــبتْ عينَيَّ في لغةِ الهَوى
عَـــيْنَاها ؛ فلا أمسُ من عمرِ الزَّمانِ و لا غــدٌ،
جُمِعَ الزَّمانُ فَكانَ يومُ رِضَــاهَا”.
****((((+))))****

ود الأصيل
20-09-2016, 09:44 PM
(9)


سارَ الأصمُّ يأْخُذُ بِيَدِ الأعْمَى،
متبسِّماً برِضا؛ ليَقِفَ به على أعُتابِ دارِه،
مضْطَرَّاً لدَفْعِه داخلاً؛بدمعة حُزنٍ سخينةٍ تغالبُ
مُقْلَتَيْهِ ثم مضي قدماً بخطَىًضائِعةٍ في جوفِ
لَيْلٍ بَهِيْمٍ، إذا أخرجَ يدَه لم يَكَدْ يَراهَا. و كَتِفَاهُ
تَنُوءَانِ بحِمْلِ كسيحٍ راحَ يقهقُ شامِتاً.
سُقِطَ في يد الضَّريرِ، غيرَ مستوعبٍ لشيء
مِمَّا يَجْري.و هو طريحُ التُّرابِ، يتلمسُ عَصاهُ
ليتَوكأَ عليها؛ فيهُشّبها ذُبابَ جِلْدِه. تلكَ التي كُلَّما
حَدَاه أمَلٌ في استرْدادِ بَصَرَهِ،يتوعَّدُها بإضْرامِ
النار فيها ليُضَيئَ بها ليالِيَه المِلاحِ
ابتهجاً برُؤْيتِه النُّورَ مُجدَّداً.
(كأبشَعِ صُورةٍ لنُكْرانِ الجَمِيْلِ).