المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطيب صالح



ودالحوري
28-11-2003, 01:09 AM
روايات خالدة، عرس الزين...رواية شعبية تكشف تفاصيل المجتمع السوداني








ولد الروائي السوداني الطيب محمد صالح أحمد سنة 1929 في الدبّة محافظة مروي، المحافظة الشمالية للسودان، درس في وادي سيدنا قبل أن ينتقل إلى كلية العلوم بالخرطوم، كما نال شهادة الشئون الدولية من بريطانيا عمل مدرسا قبل أن يتنقل بين عدة وظائف منها عمله في الإذاعة البريطانية في لندن، ممثلا لليونسكو في دول الخليج ومقرها قطر لمدة خمس سنوات بين 19841989، مديرا للإعلام في السودان.


وكما اشتهر يحيى حقي في رواية «قنديل أم هاشم» وأهملت أعماله الأخرى مثل البوسطجي وغيرها حتى احتج على ذلك متسائلا: «هل هي بيضة الديك؟» فإن الطيب صالح قال:«أنا عُرفت برواية اسمها (موسم الهجرة إلى الشمال) لكن هذا ليس ذنبي!» وهي رواية امتازت بثنائية التقاليد. تلك الرواية التي أعجبت البعض إلى الدرجة التي دفعت بها لتدَّرس في الجامعات بينما منعها البعض الآخر لرؤيتهم أنها تتقاطع مع تعاليم الإسلام. ونفى الطيب أن تكون الرواية التي نشرت سنة 1971 تعبر عن سيرته الذاتية أو أن شخصية مصطفى سعيد تمثله هو وعبرَّ عن ذلك قائلا: أنا لست موجودا بحيث يضع للقاريء يده على شخصية ويقول هذا هو الطيب صالح.


والطيب صالح أديب موهوب طوع قلمه لخدمة التراث السوداني، قال مرة: حقيقة التراث أنه موجود في دمنا، وجزء من تكويننا، هو ميراثنا. وفي موضع آخر قال: إنني منذ صغري تشحذ خيالي حكايات الماضي، أذهب إلى جدي فيحدثني عن الحياة قبل أربعين عاما، قبل خمسين عاما، بل ثمانين عاما فيقوى إحساسي بالأمن. ولهذا نجد أعمال الطيب كلها تدور في محيط القرية. ومن أهم أعمال الطيب صالح الأخرى، مريود، نخلة على الجدول، دومة ود حامد، بندر شاه. وكاتبنا الذي نشر أول قصة له سنة 1957 حاز على عدة جوائز دولية منها جائزة زفزاف للرواية العربية. كما أنه حين سئل عن رأيه كونه مرشحا لجائزة نوبل في الأدب قال: هي كاليانصيب ولن تأتي في الغالب.. لو جاءتني سوف أفرح بها ولا أزعم أني فوق هذا، ولكن حقيقة لا أشغل نفسي بها.


أما الرواية الأولى للطيب صالح «عرس الزين» موضوع بحثنا والمنشورة سنة 1962 فقد تحولت إلى فيلم سينمائي على يد المخرج الكويتي خالد الصديق، وتدور أحداثها في بلدة ما من السودان، حيث تسيطر الخرافة والإيمان بالمعجزات. فالزين الذي وصفه المؤلف أنه يشبه جلد المعزة الجاف أو العود اليابس هو الشخصية الأولى التي تدور في فلكها بقية الشخصيات. ويرى أهل القرية في شخصية الزين الكثير من التفكه، فهو عندما يضحك يستلقي على قفاه، يضرب الأرض بيديه ويرفع رجليه في الهواء ثم يضحك بصوت كنهيق الحمار. واشتهر الزين بنهمه في الأكل حتى أن الجميع يتحاشون الجلوس معه حين تأتي سفر الطعام في الأعراس والمناسبات. ويقال عن الزين انه حين ولد انفجر ضاحكا على عكس الأولاد الذين يولدون صارخين، كما يقال انه حين مرَّ على خرابة يشاع انها مسكونة سقطت جميع أسنانه عدا سنّين، في كل فك سن. وحين بلغ الزين مبلغ الرجال لم يكن له لحية أو شارب. ولأنه لهذه الصفات وغيرها يختلف عن الجميع فقد حيكت حوله حكايات كثيرة ويقبل منه الجميع بتصرفات لا يُسمح لغيره بفعلها، فهو مثلا يخالط نساء القرية عند البئر وسط البلد، يملأ أوعيتهن ويمازحن، يضاحكهن ويتمادى في مشاكستهن. أما حين يكون الزين في مجلس للرجال فإن المجلس يتحول إلى مجلس تفكه بوجوده.


واستطاع الزين في أحد هذه المجالس أن يحصل على وعد من محجوب أن يزوجه ابنته علوية، وطلب من الحاضرين أن يكونوا شهودا على ذلك. أما الحاضرون فإنهم يعلمون أن الزين سيسأم هذه الحكاية بعد شهر أو شهرين ليبدأ قصة حب ثانية، ولكنه خلال هذه الفترة لا يسأم من الترديد وبأعلى صوته بين الحين والآخر:«أنا مكتول في حوش محجوب.» وحين ينتهي الزين من عمله في الحقل ويرجع إلى البيت مزهوا، يرجع وسط زفة كبيرة من الصبيان والفتيات الصغار وحينها لا يتردد في الصياح من جديد: «أرروك.. يا ناس الغريق.. يا أهل الحلة.. أنا مكتول في حوش محجوب.» هنا يضحك الشبان بينما يتبرم الشيوخ قائلين:«الولد المطرطش دا يرغي يقول شنو؟»


هكذا استمر الحال مع الزين الذي يختار أروع فتيات البلد جمالا وأحسنهن أدبا وأحلاهن كلاما، اللواتي تفتح جمالهن كما تنتعش النخلة الصبية حين يأتيها الماء بعد الظمأ. ولم يستغرب أهل البلد حين صاح الزين فجأة:«عوك يا أهل الحلة. يا ناس البلد. عزة بنت العمدة كاتلالها كتيل.. الزين مكتول في حوش العمدة.» غير أن العمدة، المهيب الوجه، ملأه الغضب لذلك، ولكنه حين رأى الناس ينظرون إلى الزين الواقف أمامهم كأنه جلد معزة جاف قبل أن ينفجروا في ضحك متصل، حينها قتل الغضب في صدره وخاطب الزين قائلا:«إن بقيت اشتغلت شديد الليلة نعرس لك عزة.» فتكرر ضحك الرجال مرة ثانية. واستغل العمدة ذلك بتكليف الزين بأعمال شاقة يعجز عنها الجن.


هكذا يتكرر صياح الزين بين فترة وأخرى على فتاة من أهل البلد لتجد تلك الفتاة طريقها إلى الزواج بسرعة من شخص يناسبها. ووصلت شهرة الزين إلى البدو وما إن صاح في حق بدوية من عرب القوز قائلا: «أنا مكتول في فريق القوز.. واكتلتني يا ناس.» حتى جاء كثيرون من أثرياء البلد وشبانها المرموقين ووجهائها يخطبونها من أبيها وتزوجها آخر الأمر ابن القاضي. وفطنت الأمهات في البلد إلى أهمية الزين كبوق يدعين به لبناتهن في مجتمع محافظ، تحجب فيه البنات عن الفتيان حتى أصبح الزين رسولا للحب، فأخذن يخطبن وده ويدعنه إلى بيوتهن ويقدمن له أشهى الطعام والشراب، تسلم عليه البنات اللواتي يستلطفن عبثه، وكل واحدة منهن تتمنى أن تقع في قلبه موقعا، فالفتاة التي يخرج اسمها على لسانه تضمن عريسا خلال شهر أو شهرين.


وروجت أم الزين لولدها أنه ولي من أولياء الله الصالحين، حتى أنها لا تبالي أين يقضي ليله أو نهاره، فحيثما يقام عرس تجد الزين هناك لا يحبسه برد ولا عاصفة ولا فيضان، يظهر فجأة صائحا:«عوك يا أهل العرس، يا ناس الرقيص، الزين جاكم.» وقوي ذلك الاعتقاد صداقة الزين مع الحنين، وهو رجل صالح منقطع للعبادة حيث يقضي شطرا طويلا من حياته ضاربا في الصحراء ويتناقل الناس قصصا غريبة عنه. كما كان للزين صداقات من ذلك النوع مع آخرين يعتبرهم أهل البلد من الشواذ مثل عشمانة الطرشاء، وموسى العبد الأعرج، وبخيت المشوه، يصادقهم الزين ويحنو عليهم. وكثرت الأقاويل بحق الزين حتى قال قائلهم:«لعله نبي الله الخضر.»


فالزين رغم نحافته كأنه عود يابس تتدفق في جسمه قوة مريعة جبارة لا طاقة لأحد بها حتى أنه أمسك بقرني ثور جامح وألقاه أرضا، وفي مرة قلع شجرة سنط من جذورها، كما أنه أمسك بخناق سيف الدين بن البدوي وكاد أن يقتله، ولم يستطع جمع من الرجال تخليصه من بين يديه، لكن صوت الحنين الذي جاء فجأة وحده الذي أنقذه من بين يديه. وما إن تكبر صورة الزين في أعين الناس حتى تتحطم حين يهب صائحا:«يا أهل الغريق.. يا ناس الحلة..أنا مكتول..».


كان كل ذلك يجري بينما هناك فتاة مليحة، غاضبة العينين، وقورة المحيّا، تراقب الزين في عبثه ومزاحه، وجدته يوما في مجموعة من النساء يضاحكهن كعادته فانتهرته قائلة:«ما تخلي الطرطشة والكلام الفارغ، تمشي تشوف أشغالك». كان لتلك الكلمات وقعها على الزين حتى أنه أطرق إلى الأرض ومضى خجلا. لقد كانت تلك الفتاة ابنة عمه نعمة بنت الحاج إبراهيم. ولم يمضِ وقت طويل حتى صاح الزين:«أرروك يا ناس الغريق، يا أهل البلد، الزين مكتول، كتلته نعمة بنت الحاج إبراهيم». وسرت شائعات كثيرة في البلد، منها أن الزين صادف نعمة فقال لها:«بنت عمي، تعرسيني؟» فقالت: نعم. وذهب إلى عمه وكلمه في الأمر فقبل الرجل.


قام محجوب وجماعته الذين كانوا يتصرفون في أمور البلدة بإعداد مراسيم الزواج، وذكرهم الزين بوعد الحنين له قبل موته قائلا:« الحنين قال لي قدامكم كلكم (باكر تعرس أحسن بت في البلد).» فكان عرسا لم ترَ البلدة مثله، مئات الزغاريد كانت تنطلق مرة واحدة. قال الشيخ علي«عرس زي دا الله خلقني ما شفت زيه.» وقال الحاج عبد الصمد: «عليَّ بالطلاق الزين عرّس عرس صح مو كدب.» حتى إمام المسجد الذي عارض مثل هذا العرس قال للزين:«مبروك، ربنا يجعله بيت مال وعيال.» وحضر العرس عرب القوز وتجار البلد وموظفوها ووجهاؤها وأعيانها. ولكن الزين اختفى فجأة والناس في ذروة فرحهم بالعرس ليجدوه أخيرا عند قبر الحنين يبكي منتحبا.

HAMADTO
27-11-2004, 04:34 AM
«عرس زي دا الله خلقني ما شفت زيه.»

http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/011.GIF http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/011.GIF

ضياء الدين احمد
27-11-2004, 10:30 AM
والله ياود الحوري طبعا قرأت كل ما كتبه اديبنا الكبير الطيب صالح وفعلا زي ما بقولوا الانطلاق الي العالميه يكون من المحليه والطيب صالح موغل فيها حتي اذنيه بل متقلقل في مسام المجتمع السوداني لذا وصل الي هذه العظمه العالميه وان كان الجميع يعوّل ويتوقع فوزه بجائزه نوبل هذا العام التي ذهبت الي الجزائر ولكن ذلك لا يهم مادام ان الطيب صالح اهم من نوبل نفسه

زيكو منيب
03-12-2004, 06:41 AM
كاتب الرسالة الأصلية HAMADTO
«عرس زي دا الله خلقني ما شفت زيه.»

http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/011.GIF http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/011.GIF