سمل الحلفاوى
13-02-2006, 08:06 PM
ثمة شجرة وارفة الظلال يقال لها اللبخ تقف منتصبة وشامخة لتعكس معلماً بارزاً من معالم ميمن توو.
وقد سُطرت على لحائها باقة من الذكريات المنقوشة تماماً كتلك التي خطت على جدران قهوة عكاشة. وتطل هذه الشجرة مباشرة على النيل والمروج الخضراء التي تشكل مرتعاً للخراف والشياه، والطيور تحلق مزهوة في سماءاتها الممتدة. والفراشات تحوم و تعبر الروابي. "والخضرة في الضفة، وهمس النسيم الماش". ومن الشمال تمتد الأشجار الظليلة وباسقات النخيل. ومن الشرق راسيات الجبال حيث يقع ضريح عبد الرحمن ابن عوف ولا أدري يقيناً إن كان ضريحاً بالفعل أم أن أحداً قد رآه في المنام هناك! فأياً كانت الحقيقة فهذا الورع يحرسهم ويتحفهم ببركاته الميمونة، أما من الجنوب فلا سحر يذكر إلا من بيوت مهجورة ومأهولة تتناثر ذات اليمن وذات الشمال. في خضم هذه الطبيعة الخلابة ومن وحي ذلك الألق الذي يلف المكان ويحيط به، استلهم عملاقنا شاعريته الثرة ، واستمد حسه الموسيقي المرهف الذي يكاد ينطق سحراً وبهاءاً، فصدق إذ أنشد يصف جمال ميمن توو عندما تشرف الشمس على المغيب:
" إننان قونج مَشَن قُدكا جوو داوكا ميمن توو فنتيقا"
هأنذا أعود مجدداً للحديث عن شاعرنا الملهم مندق
فكما أسلفت فإنه ابن هذه البيئة الفاتنة المعطاءة وقد ورث الفن من أهل والدته "المرحومة" في تروي بسركمتو أما أجداده من أبوه وهم أجدادي أيضاً "معشر الكَفن أَسي" فقد كانوا رحمهم الله تقاة وأهل ورع ونسك. أما شقيقاه فكانا لا يمتان إلى الأدب والفن والموسيقى بصلة بيد أنهما اشتهرا بالفكاهة وخفة الظل.
وتاريخ شاعرنا مندق حافل بكوكبة من الأغاني الشجية وباقة من الألحان الحالمة
كأغنية (ودَعوس ووا دلقدوني) (تلو مَن دستو) (مسوو ويكا جاقتم) وسلسلة من أروع الأغاني التي تلامس شغاف القلوب وتدغدغ الأحاسيس أما القريبة مني أنا شخصياً فهي رائعته (هكر كر نلويا أي تدو)
فيبدو أن شاعرنا كان مسافراً إلى الشقيقة مصر وترك وراءه حبيبته وإليكم ما تيسر لي من الترجمة:
(تُرى! كيف سيتسنى لي رؤيتك هنا ،،، وأنا مسافرٌ إلى هناك و كلي شوق إليك
قد تابعت النهر شمالاً وأنا أقول سوف أعود سريعاً
وحسبت أن مياه الدميرة المتدفقة ما هي إلا دموعك التي تذرفينها لوعة
فلماذا يا أنت قد اغرورقت عيناك بالدموع وأنت التي كنت تقولين لي دوماً إياك والبكاء
التحية لهذا العملاق الأغر
لا زال الليل طفلاً يحبو على قدميه، ولم يدرك شهرزاد الصباح ليكف عن الكلام المباح، فدعوني أمضي قدماً في الحديث عن ميمن توو موطن أديبنا الذي أنجب لنا جميعاً عملاقاً جباراً. وأذكر أنهم كانوا يطلقون على ميمن توو (المنطقة الدبلوماسية) وسر تسميتها أنه ومن المفارقات الغريبة أن كل الزوجات في هذه القرية كن لا ينتمين إليها ولا لفركة برمتها وإن كان شاعرنا قد كسر هذه القاعدة مؤخراً فتزوج من أقاصي فركة (أسعدهما الله).
وبالعودة إلى مندق ثانية، يجب أن أسلط الضوء قليلاً علي جوانب أخرى من ابداعاته الثرية فهو أيضاً أديب رفيع وله عدة إنجازات أدبية وشعرية لا مجال لحصرها هنا ولكن ثمة قصيدة أجادت بها قريحته عن الراحل المقيم صلاح عاشة فكانت قمة في الرقة والسلاسة وقصيدة أخرى كان يخاطب من خلالها بنت أخيه أشواق التي كانت طفلة حديثة الولادة آنئذ. وربما أضيفت لسجل إنجازاته الشعرية والغنائية دررٌ أخري لتستكمل منظومة العقد الفريد ولكنني وإياه لسنا على اتصال ووصال لمشاغل الحياة وربما للبعد .
ولكن لا ضير في أن يتحفنا شاعرنا وسائر معجبيه بروائعه عبر هذا المنتدى
وذلك أضعف الإيمان!!!!
ولمبدعنا التحية والود غير مقللين
عذراً أحبتي إذا شوقاً دخلت إليكم من باب الخروج وبعد أن كنت قد أزجيت لمبدعنا التحية والود غير مقللين حيث وجدت أن الحديث عنه يطول كثيراً. فإضافة إلى شاعريته وفصاحته في اللغة العربية نثراً وشعراً إلا أنه أيضاً متعه الله بالصحة والعافية يتمتع أيضاً بأنامل ذهبية ذات براعة فائقة في العزف على أوتار العود حيث نجد أن كافة اغنياته الخالدة تعد من تلحينه . ففي ذات ليلة من ليالي الرياض الحالمة كان كوكبة من السمار تضمهم جلسة سمر فرايحية وبعد أن شارفت الأمسية على الانتهاء وكدنا نتأهب لإعداد العشاء، إذا بنجمنا المخضرم يمسك بالعود ثانية ويصدح مردداً أغنيات الراحل الجابري ببراعة منقطعة النظير فكان بحق تحفة في الأداء والعزف مع الأخذ في الحسبان صعوبة أداء وعزف أغنيات الجابري التي تتسم بالمزج بين المقامات الشرقية وأرباع التون وبين السلم الخماسي في آن واحد . ولا أخالكم تجهلون أنه يجيد أيضاً وبنفس البراعة العزف على آلة الطنبور غير أنه لم يسبق له قط أن لحن أغنية من أغنياته بآلة الطنبور ولو كان قد فعل ذلك لأضاف بعداً جديداً وألقاً فريداً لباقة روائعه .
ولا مجال هنا للإشارة إلى ملكات إبداعية أخرى حباه الله إياه كموهبتي الرسم والخط
هيا بنا نمضي قدماً في التجوال في الساحة المندقية الخضراء التي لا تحدها الحدود ونتفيئ الظلال في ذلك الدوح الظليل. فثمة أغنية لأسطورتنا الملهمة تعجبني كثيراً لسحر كلماتها التي تتدفق حناناً وشوقاً إلى الوطن إذ يقول فيها: " إيقادين أيقا هدو آقلي ،،،،، إندويا والله تدو آقلي"
حيث يهيم فيها مبدعنا عشقاً وولهاً لأرض فركة الفتية - أو لربما جسد حب الوطن الكبير أو البلد برمته ورمز إليه بفركة - حتى أنه تمنى من فرط حبه لو يدفن فيها عند الممات (بعد عمر مديد بإذن الله) لكى يتسني لزوار قبور "جملة" زيارته ليغمرونه ويشملونه بفيض من دعواتهم المباركة. ويسترسل فيها مخاطباً أحبته الذين يكنون له الشوق والمحبة ويقول :ويا ووا أيقا مشككو،،، أيل أُدَن هسون تيقسي ،،، هلبت أي تُوسَفيليني،، ووا يو سامحي مسي،
يا لها من كلمات رقيقة غارقة في بحور من السحر و تنم عن إحساس غاية في الرقة والسلاسة.
وإن كانت هذه الأغنية دون غيرها قد تم تلحينها بوتيرة واحدة فلا يتغير اللحن إلى نهاية الأغنية.
ولا أدري يقيناً ما السر في ذلك، مع الأخذ في الحسبان أن مندق يتمتع بملكة خارقة في التلحين والتنويع!!
لست أدري، فربما كانت هنالك أسباب فنية بحتة ترجع إلى تركيبة الكلمات ونسقها وهو أعلم بذلك غير أن الأغنية تعد من الأغنيات الحميمة بالنسبة لي شخصياً .
وقد سُطرت على لحائها باقة من الذكريات المنقوشة تماماً كتلك التي خطت على جدران قهوة عكاشة. وتطل هذه الشجرة مباشرة على النيل والمروج الخضراء التي تشكل مرتعاً للخراف والشياه، والطيور تحلق مزهوة في سماءاتها الممتدة. والفراشات تحوم و تعبر الروابي. "والخضرة في الضفة، وهمس النسيم الماش". ومن الشمال تمتد الأشجار الظليلة وباسقات النخيل. ومن الشرق راسيات الجبال حيث يقع ضريح عبد الرحمن ابن عوف ولا أدري يقيناً إن كان ضريحاً بالفعل أم أن أحداً قد رآه في المنام هناك! فأياً كانت الحقيقة فهذا الورع يحرسهم ويتحفهم ببركاته الميمونة، أما من الجنوب فلا سحر يذكر إلا من بيوت مهجورة ومأهولة تتناثر ذات اليمن وذات الشمال. في خضم هذه الطبيعة الخلابة ومن وحي ذلك الألق الذي يلف المكان ويحيط به، استلهم عملاقنا شاعريته الثرة ، واستمد حسه الموسيقي المرهف الذي يكاد ينطق سحراً وبهاءاً، فصدق إذ أنشد يصف جمال ميمن توو عندما تشرف الشمس على المغيب:
" إننان قونج مَشَن قُدكا جوو داوكا ميمن توو فنتيقا"
هأنذا أعود مجدداً للحديث عن شاعرنا الملهم مندق
فكما أسلفت فإنه ابن هذه البيئة الفاتنة المعطاءة وقد ورث الفن من أهل والدته "المرحومة" في تروي بسركمتو أما أجداده من أبوه وهم أجدادي أيضاً "معشر الكَفن أَسي" فقد كانوا رحمهم الله تقاة وأهل ورع ونسك. أما شقيقاه فكانا لا يمتان إلى الأدب والفن والموسيقى بصلة بيد أنهما اشتهرا بالفكاهة وخفة الظل.
وتاريخ شاعرنا مندق حافل بكوكبة من الأغاني الشجية وباقة من الألحان الحالمة
كأغنية (ودَعوس ووا دلقدوني) (تلو مَن دستو) (مسوو ويكا جاقتم) وسلسلة من أروع الأغاني التي تلامس شغاف القلوب وتدغدغ الأحاسيس أما القريبة مني أنا شخصياً فهي رائعته (هكر كر نلويا أي تدو)
فيبدو أن شاعرنا كان مسافراً إلى الشقيقة مصر وترك وراءه حبيبته وإليكم ما تيسر لي من الترجمة:
(تُرى! كيف سيتسنى لي رؤيتك هنا ،،، وأنا مسافرٌ إلى هناك و كلي شوق إليك
قد تابعت النهر شمالاً وأنا أقول سوف أعود سريعاً
وحسبت أن مياه الدميرة المتدفقة ما هي إلا دموعك التي تذرفينها لوعة
فلماذا يا أنت قد اغرورقت عيناك بالدموع وأنت التي كنت تقولين لي دوماً إياك والبكاء
التحية لهذا العملاق الأغر
لا زال الليل طفلاً يحبو على قدميه، ولم يدرك شهرزاد الصباح ليكف عن الكلام المباح، فدعوني أمضي قدماً في الحديث عن ميمن توو موطن أديبنا الذي أنجب لنا جميعاً عملاقاً جباراً. وأذكر أنهم كانوا يطلقون على ميمن توو (المنطقة الدبلوماسية) وسر تسميتها أنه ومن المفارقات الغريبة أن كل الزوجات في هذه القرية كن لا ينتمين إليها ولا لفركة برمتها وإن كان شاعرنا قد كسر هذه القاعدة مؤخراً فتزوج من أقاصي فركة (أسعدهما الله).
وبالعودة إلى مندق ثانية، يجب أن أسلط الضوء قليلاً علي جوانب أخرى من ابداعاته الثرية فهو أيضاً أديب رفيع وله عدة إنجازات أدبية وشعرية لا مجال لحصرها هنا ولكن ثمة قصيدة أجادت بها قريحته عن الراحل المقيم صلاح عاشة فكانت قمة في الرقة والسلاسة وقصيدة أخرى كان يخاطب من خلالها بنت أخيه أشواق التي كانت طفلة حديثة الولادة آنئذ. وربما أضيفت لسجل إنجازاته الشعرية والغنائية دررٌ أخري لتستكمل منظومة العقد الفريد ولكنني وإياه لسنا على اتصال ووصال لمشاغل الحياة وربما للبعد .
ولكن لا ضير في أن يتحفنا شاعرنا وسائر معجبيه بروائعه عبر هذا المنتدى
وذلك أضعف الإيمان!!!!
ولمبدعنا التحية والود غير مقللين
عذراً أحبتي إذا شوقاً دخلت إليكم من باب الخروج وبعد أن كنت قد أزجيت لمبدعنا التحية والود غير مقللين حيث وجدت أن الحديث عنه يطول كثيراً. فإضافة إلى شاعريته وفصاحته في اللغة العربية نثراً وشعراً إلا أنه أيضاً متعه الله بالصحة والعافية يتمتع أيضاً بأنامل ذهبية ذات براعة فائقة في العزف على أوتار العود حيث نجد أن كافة اغنياته الخالدة تعد من تلحينه . ففي ذات ليلة من ليالي الرياض الحالمة كان كوكبة من السمار تضمهم جلسة سمر فرايحية وبعد أن شارفت الأمسية على الانتهاء وكدنا نتأهب لإعداد العشاء، إذا بنجمنا المخضرم يمسك بالعود ثانية ويصدح مردداً أغنيات الراحل الجابري ببراعة منقطعة النظير فكان بحق تحفة في الأداء والعزف مع الأخذ في الحسبان صعوبة أداء وعزف أغنيات الجابري التي تتسم بالمزج بين المقامات الشرقية وأرباع التون وبين السلم الخماسي في آن واحد . ولا أخالكم تجهلون أنه يجيد أيضاً وبنفس البراعة العزف على آلة الطنبور غير أنه لم يسبق له قط أن لحن أغنية من أغنياته بآلة الطنبور ولو كان قد فعل ذلك لأضاف بعداً جديداً وألقاً فريداً لباقة روائعه .
ولا مجال هنا للإشارة إلى ملكات إبداعية أخرى حباه الله إياه كموهبتي الرسم والخط
هيا بنا نمضي قدماً في التجوال في الساحة المندقية الخضراء التي لا تحدها الحدود ونتفيئ الظلال في ذلك الدوح الظليل. فثمة أغنية لأسطورتنا الملهمة تعجبني كثيراً لسحر كلماتها التي تتدفق حناناً وشوقاً إلى الوطن إذ يقول فيها: " إيقادين أيقا هدو آقلي ،،،،، إندويا والله تدو آقلي"
حيث يهيم فيها مبدعنا عشقاً وولهاً لأرض فركة الفتية - أو لربما جسد حب الوطن الكبير أو البلد برمته ورمز إليه بفركة - حتى أنه تمنى من فرط حبه لو يدفن فيها عند الممات (بعد عمر مديد بإذن الله) لكى يتسني لزوار قبور "جملة" زيارته ليغمرونه ويشملونه بفيض من دعواتهم المباركة. ويسترسل فيها مخاطباً أحبته الذين يكنون له الشوق والمحبة ويقول :ويا ووا أيقا مشككو،،، أيل أُدَن هسون تيقسي ،،، هلبت أي تُوسَفيليني،، ووا يو سامحي مسي،
يا لها من كلمات رقيقة غارقة في بحور من السحر و تنم عن إحساس غاية في الرقة والسلاسة.
وإن كانت هذه الأغنية دون غيرها قد تم تلحينها بوتيرة واحدة فلا يتغير اللحن إلى نهاية الأغنية.
ولا أدري يقيناً ما السر في ذلك، مع الأخذ في الحسبان أن مندق يتمتع بملكة خارقة في التلحين والتنويع!!
لست أدري، فربما كانت هنالك أسباب فنية بحتة ترجع إلى تركيبة الكلمات ونسقها وهو أعلم بذلك غير أن الأغنية تعد من الأغنيات الحميمة بالنسبة لي شخصياً .