-
القسوة والمجد لا يلتقيان
من أروع الأفكار التي طرحها المفكر الإيطالي المعروف " نقولو ميكيافيللي " و ظلت تتفاعل حتى يومنا هذا ، فكرة أساليب الوصول إلى القيادة ، وقد حدد الفكر الكبير أربعة سبل لبلوغ موع القيادة أو الإمارة ، هي كالتالي :
الكفاءة الشخصية و الحظ و دم أو قناعة المواطنين و أخيرا النذالة و القبح 0
و من أروع التعليقات التي تركها ميكيافيللي نفسه على تلك الأسباب ، أن الأسلوب الأخير للوصول إلى القيادة " النذالة و القبح " لا يعطي صاحبه مهما جمع من سلطة و نفوذ و سطوة بين يديه ، خلال فترة حياته ، أي مجد حقيقي في حياته ، كما لا يعطيه أي مجد بعد وفاته ، بل على العكس سترتبط فترة هذا النوع من القادة و سيرته التاريخية بالقبح و سوء السلوك 0
و قد اتفق أكثر من رأي باحث على أن هناك مجموعة من الصفات المشتركة بين الحكام و القادة الذين يصلون لمراكزهم عن طريق الأسلوب الرابع و الأخير ، حيث يتميز هؤلاء بصورة عامة بعدة صفات سلبية ، في مقدمتها تأتي صفتا القسوة والعنف إضافة إلى المكر و الخديعة و كبت المشاعر و الانقياد التام ، و بمجرد الوصول إلى موقع السلطة تبرز القسوة الفعلية ، و يبدأ هذا النوع من القادة بتصفية كافة حساباته و انحناءاته السابقة و إبراز كافة مشاعره الدفينة نحو الأفراد و الأسر و الأماكن و حتى الأيام 0
و من المدهش ان المفكر و القائد الروسي المعروف " لينين " رغم كل ما عرف عنه من تطرف أيديولوجي و ميل للعنف المبدئي و الدكتاتورية الحزينة و رغم ما عرف عن تأييده للتصفيات الجسدية و سماها بالتطهير الثوري اللازم ... كان يهمس لخاصته محذرا من " ستالين " لأنه يتميز بقسوة شديدة ، مقابل بروز صفات شخصية لديه تضعه من ضمن الصنف الرابع من أصناف الحكام أو القادة ، حيث كان بسيط الثقافة ، محدود الاطلاع ، و يبالغ في تنفيذ الأوامر و طاعة قادته ، إضافة إلى تذلله لمن هو أعلى منه مرتبة ... و قد ضمّن لينين وصيته تحذيرا واضحا من تسلم ستالين للحكم .. لكنه حكم و صدقت نبوءة ميكيافيللي ، و صحت مخاوف لينين من ستالين 0
و في عالمنا العربي ، بلا شك من السهل جدا فرز القادة وفقا لقاعدة ميكيافيللي لبرياعية ، وأترك عملية الفرز لقارئي الكريم الذي يغنيني ذكاؤه عن الفرز الشخصي حتى لا أتهم بالمجاملة أو النفاق من جانب ، و بالتحامل أو عدم الموضوعية من جانب آخر ، رغم أن القسوة و العنف و الظلم و الوحشية لا يمكن تغطيتها في عالمنا العربي ، مهما حاولت بعض الأنظمة أو حاول البعض المنتفع من وجودهاو استمرارها في الحكم