طابور الصباح....طريقة عقيمة للتعليم
أرجو أن تتسع صدوركم حتى تفهموا مقصدي ...ولن أعفيكم كأفراد من دوركم نحو مجتمعكم .... لا بد من المساهمة في انتشال ما يمكن انتشاله قبل الفاس تقع في الرِأس ...
******
هل نتذكر أول يوم ذهبنا فيه إلى المدرسة؟ كيف كان شعورنا ونحن نقف للطابور مصطفين نردد الأناشيد أو الأهازيج أو السلام الوطني؟ هل كنا وقتها واثقين من أن هذه هي الطريقة المثلى لكي نتخرج عبرها ناضجين للحياة؟ هل كنا ندرك أن بقاءنا لست أو سبع ساعات في الفصل كل يوم هو الطريقة المثلى لتعليمنا؟ كيف كنا تتعامل أو نتصرف إن تخلل تلك الساعات المتواصلة يوميا من يكدرها بصفة مستمرة بان يكون معلما لإحدى المواد جافا في تعامله أو لاسعا في تعليقاته؟
إذا قدر لك اليوم أن تكون في موقع المسئولية مسئولا عن قطاع عريض من التعليم في بلادي كيف يمكنك التعامل مع هذه الجموع المختلفة في مستوياتها الاجتماعية والتربوية والاستيعابية وتجعل لهم تلك الساعات التي يقضونها في المدرسة ساعات ممتعة يهرب إليها التلاميذ ولا يهربون منها؟
كيف لو قدر لك أن تكون المسئول عن معالجة السأم والملل الذي ينتاب البعض من هذه الطريقة المستمرة في التلقين.....تلقين ثم استرجاع ما تم تلقينه...دون ربط بالواقع أو بالحياة.... كيف تستطيع كسر هذا الملل الذي ينتاب بعض الطلاب...مثلا في حفظ جداول الضرب؟ هل ستفكر في عمل المنافسات للطلاب كي يتنافسوا في اختراع طريقة جديدة لحفظ الجداول أو فهم أي موضوع وإخضاع تلك الجداول أو المواضيع للحياة اليومية من دون فصل بين الجداول والمسائل والاختبارات؟
هل سوف تتبع نفس الطريقة التي استخدمت قبل عشرات السنين لتعليم طفلك الحروف حرفا حرفا ثم دمجا في كلمات وأفعال بسيطة ثم إلى جمل أم أن هناك طريقة أخرى؟
هناك محاولات كثيرة من كثير من الطلاب يلتفون بها حول هذه المعضلات فلماذا لا يتم فتح المجال لجمعها وتصنيفها ودراستها وتطويرها بطريقة رسمية وبقنوات معروفة وواضحة؟
ولنقرب أكثر ما نصبو إليه من هذا الموضوع نأخذ هذا المثال:
حتى تطمئن على استفادة طفلك من جداول الضرب في حياته وجعلها شيئا غير مرتبط بالمدرسة بل بالحياة قم بمساعدته تدريجبا بدون ذكر ان هذه عملية لل ضرب أو أن هذا جدول ضرب أو قسمة أو طرح أو جمع ...بعيدا عن المصطلحات المدرسية ....بطريقتنا الدارجية العامية.......واختر مسميات قريبة لواقعه وبيئته....... مثلا واحد في البادية يتعامل مع الابل والبقر والاغنام ..... نقول له هذه زيبة فيها 50 بقرة عاوزين نعمل منها زرائب صغيرات .... وكل زريبة عاوزين فيها 5 بقرات .... فحاول شوف لينا بنحصل على كم زريبة؟
ونعكس العملية حتى نصل في النهاية إلى أن الطفل عرف أن 50 بها خمس عشرات وأن خمسين بها 10 خمسات وأننا لو وزعنا هذه الـ 50 على عشرة عشرة سنحصل على 5 مجموعات وهكذا بالنسبة للارقام الأخرى ..... 77 بها كم سبعة ، و 77 بها كم 11 وبعدها ندخل في ذهنه علامات الضرب والقسمة والجمع والطرح ......
مثال آخر ....في الكيمياء بكلمة بسيطة وبترديد لعشر مرات يمكنك حفظ الجدول الدوري Periodic Table .....في الكيمياء .... هذا الجدول الذي يدوخ العالم كله وتتبني عليه الكثير من النظريات وبفهمه تستطيع فهم تعامل جميع أو أغلب العناصر المعروفة حتى اليوم.... يمكنك ابتداع طريقة بسيطة لحفظه .... مثلا :
لايبــري بــوك ناكــــسو فليـــــريان
صمغـــــلو سلك فكــــب كـــــلارجن....... الخ
وبتفصيل ذلك نجد أن (لايبري) هي ليثيوم بريليوم حيث أخذنا الحروف الأولى من الاسم فقط (بوك ) هي بوتاسيوم اكسجين كربون بأخذ الاحرف الأولى أيضا...... وبعد تنزيل هذه المسميات على الورقة مرتبة يسهل بعد ذلك تنزيل الصفات الكيميائية للمجموعات والتكافؤات ودرجات الفلزية والحمضية والقاعدية .....
مثال آخر : في تعليم اللغة الانجليزية ..... يجب تعليم طفلنا بطريقة لا تفصله عن محيطه أو واقعه ..... فنحن ركزنا للطفل في اللغة العربية على علامات الإعراب من فتحة وضمة وكسرة وسكون ....فلو أننا في دقيقتين أفهمنا طالبنا أن هذه الحركات لها مثيل في اللغة الانجليزية أو الفرنسية وهي الحروف المتحركة (A,E,I,O,U) وأعطينا الطفل كلمة نكونها نحن من أذهاننا وتكون غير معروفة لديه ولم يسمع عنها ثم نطلب منه قراءتها بدون "تشكيل" فلن يستطيع ولكنه يقرأها إذا شكَّلناها له..... مثلا نكتب
كمنتمندمنكم
بدون تشكيل .... لا يستطيع قراءتها... وهي بلا معني لأننا نهدف فقط إلى تعليمه القراءة .
نقوم الآن بكتابتها له بالتشكيل
كَـمُـنْـتَـمِـنْـدَمِـنْـدَكُمْ
ونفهمه أن الفتحة نستعيض عنها بالحرف (A) والكسرة الخفيفة مثلما في (YES) نستعيض عنها بالحرف (E) والكسرة الثقيلة مثلما في (Hit)نستعيض عنها بالحرف (I) والضمة الخفيفة مثلما في (No) نستعيض عنها بالحرف (O) والضمة الثقيلة مثلما في (Sudan) نستعيض عنها بالحرف (U ) ثم نحاول كتابة الكلمة أعلاه باللغة الانجليزية
Ka mo n ta me n da mi n da kum
وبتكرار ذلك يتعلم الطفل الأساسيات في القراءة بل يجد نفسه قادرا على كتابة أي كلمة يسمعها حسب النطق وبالتكرار يعرف حالات التجاوز لمثل هذه القاعدة ..... وليكن ذلك بطريقة تنافسية بين الأطفال في البيت ... لن يكره المدرسة ولن يكره حصة الانجليزي ..... ولن يتمنى استبدال أستاذ الانجليزي بأستاذ التاريخ ليحكي له قصة .....
أتمنى أن أكون قد وفقت في توصيل ما أصبو إليه ...... وهو أن المدرسة ليست هي الوسيلة الوحيدة لتعليم أبنائنا .... وبمحاولاتنا فهم معضلات أبنائنا التعليمية يمكننا أيضا المساهمة في ابتكار أساليب تعينهم على تخطي تلك الصعاب.
النور
المعضلات الاجتماعية و التربوية والاستيعابية
عزيزي المحترم النور محمد يوسف
لك مني خالص التحية والتقدير ..
بوست جميل ورائع بسلاسة السرد المنمق ... فمرحباً بك
أولاً : قد لا يتبادر إلى ذهني في هذه اللحيظات ذكرى أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة بكامل مفرداته وسكناته وقد تكون الصورة شبه باهتــه كمعالم الأشياء التي لمستها في روعة ذلك اليوم .. لكن الشئ الذي لا يفارق ذهني البته هو ذهابي أول يوم إلى المدرسة مع والدي آنذاك مصطحبي إلى سور المدرسة الأبيض وأنا في كامل هندامي شبه الأبيض ( الدمورية المكوية ) المشرئب باللون الأصفر قليلاًً ... وبعدها دار الحديث بين الاثنين دقائق معدودة ثم أشار الأستاذ ( الناظر) إلى لأقف في مكان محدد داخل الفناء الواسع الكبير مصطفاً مع أخواني وزملائي الطلاب ( سنة أولى ) .. ونعم رددنا نشيد العلم ونشيد الصباح بصوت مدوي قوي ونحن نصيح بأعلى أصواتنا ... وقد كانت تلك أولى اللبنــات لنضع أقدامنا في طريق العلم والرشاد ثم نشق فيما بعد إلى المجد نوراً وسراجاً مجيداً .
ولا استطيع أن أحدد هل فترة بقائي مع أقراني لست أو سبع ساعات في الفصل كل يوم هي الطريقة المثلى لتعليمنا ؟ ولا استطيع أن أصف لك كيف كنا تتعامل أو نتصرف طوال تلكم الساعات المتواصلة يوميا وبصفة مستمرة أياماً وشهوراً وحتى انتهت المرحلة الابتدائية ( آنذاك الوقت ) بحكم المرحلة التعليمية وقصورنا في التقييم ( وهذا أمر بديهي ) يقبله كل واحد منّا ( فنحن تلاميذ وطلاب علم – نشغف للنهل العلم من أستاذتنا ) هكذا كانت يا سيدي الفاضل بدايات ذكرياتي مع أول لحظات لي في المدرسة وطابور الصباح ونشيد العلم .
ثانيــاً : أما تساؤلك إذا ما قدر لي في يوم من الأيام لأكون في موقع المسئولية ومسئولاً عن قطاع عريض من التعليم في بلادي وكيف يمكنني التعامل مع هذه الجموع المختلفة في مستوياتها الاجتماعية والتربوية والاستيعابية وكيف لي أن اجعل لهم تلك الساعات التي يقضونها في المدرسة ساعات ممتعة يهرب إليها التلاميذ ولا يهربون منها ؟؟ فاستسمح منك عزيزي الفاضل بأن نرجع قليلاً ونتعمق في بحثنا ونحن نتعامل مع مستويات متباينة المستوي الاجتماعي والتربوي مما ينعكس عليه مقدار التحصيل والاستيعاب لدى الشريحة موضوع بحثنا ولابد لنا من وقفة بسيطة مع المختصين في التربية والوزارة التعليمية لنبحث عن هذا التباين الاجتماعي ؛ اهو وليد ساعته أم هو ضارب في القدم بمعنى أن نضع أيدينا على الفوارق الاجتماعية والطبقية لأفراد هذه الشريحة الواحدة من أين ظهرت لنا بهذا المنحى ( كمستويات اجتماعية ثم تتمحور إلى تربوية ثم كطاقة استيعابية كناتج طبيعي ) لان التعليم والعلم بصورة عامة لا يزدهر في ظل وجود عامل العوز والمرض والفقـر .. أليس كذلك سيدي الفاضل ؟؟ وحتى لو فرزنا تلك ( الكيمان الطبقية ) كلٍ على حدا ( مستوى اجتماعي مع مثيله ) وكذا لبقية المستويات الموصوفة هنا لابد لنا من الموازنة بين الساعات التي يقضونها في المدرسة ومتعتها بالإضافة إلى كم من المعلومات قد تلاقها هؤلاء التلاميذ ؟؟ وكيف لنا بجعلها لهم ملاذاً يحتمون تحت صومعته ( وملجأ متعة وتعلم) إليهم .... أقول لك يا سيدي الفاضل مجيباً لابد لنا م التغلغل في بحر البحث من القاع البعيد وسبر أغوار المعضلات سواء الاجتماعية أو التربوية كانت أم الاستيعابية ...
المعضلات الاجتماعية كبيرة ومتشعبة وتنوعها يعتمد على حسب الظواهر التي ظهرت منها كعادات وتقاليد لها من الأشكال العديد .
المعضلات التربوية أيضاً هي الأخرى لا تقل في الكبر والتشعب عن أختها الاجتماعية الشيء الكبير غير أنها هنا تخاطب أولئك الرجال الذي على عاتقهم يقع تطوير المنهج والسُـلم التعليمي تبعاً للظروف والواقع المعاش فالذي كان يصلح بالأمس يصبح عديم الفائدة والتحصيل اليوم ولابد لهم من تواكب كل جديد مثمر بثري الساحة التربوية من كتب ومقررات علمية حديثة تتماشي و القرن الحالي من تطور تكنولوجي وعلمي وبحثي لدفع عجلة التطور إلى الأمام .
المضلات الاستيعابية تتفاوت من متلقي وأخر وهذا ديدن عقلي منسجم مع الطبيعة البشرية ويكثر أو يقل من فئة دون الأخرى فنجد هناك النابغ بطبعه وأيضاً بجانبه ذلك المتوسط الطاقة الاستيعابية وأمامهم تلك الفئة دون المتوسطة في التلقي والاستيعاب .
ثالثاً أما معالجة السأم والملل الذي ينتاب البعض من الطريقة التقليدية في التلقين كما تفضلت بالإشارة إليها مشكوراً ( تلقين ثم استرجاع ثم تلقين ثم استرجاع ما تم تلقينه ) فهذه رتابة وتكديس للعلم في الذهون دون تفجير العلم السليم المدروس بنهج منطقي وعلمي وحتى دون الربط بالواقع الحياتي المعاش .. وفي وجه نظري البسيطة هي هشاشة العلم بعينها ... إذ لابد من أن يكون هناك منهج مبوتقع في دائرة النشاط الفكري والتعليم السليم بأخذ الرأي والمشورة من ذوي الاختصاص التربويين الأجلاء فقد اعتركوا في ساحات نضال المعرفة والدرس لسنوات هي كفيلة بترسهم بهذه الترسانة والذخيرة العلمية من تجارب خاضوها في السابق فخرجوا لنا بجوهر بنات أفكارهم التي يجب أن نعتز بها ونمجدها حق تمجيد ونرعاها حق رعاية .
( هذا إن وفقت في طرح نظريتي البسيطة واستطعت أن أوصل لكمما أرمي إليه – فعذراً منكم إن لم اقدر عليها ) فسنجتمع في مرات لاحقات آخر لتدارس ذلك – بإذن الله – فلكم العتبى .
وحتى لا يشعر البعض بالملل ولأن المساحة للجميع فاستأذنكم سادتي لبعض الوقت ولا زال في جعبتي المزيد ولكن انتظر المساهمات البــناء من الآخرون فهم أكثر من دراية ولأفكارهم الحيز الكبير للتطبيق ومناقشة الأمر من زوايا أخرى قد تكزن غائبة أو فائته عني .
وإن لم يكن الفهم والمناقشة عضدي وحليفي أتمنى منكم تقويمي وتوضيح الرؤية من خلال أقلامكم اللامعــة وإن أصبحت جزء من الحقيقة ووضعت يدي على بعض منها فحمد لله على سلامة فهمي وتقديري ..
أحبائي ... آسف جداً على الإطالة والإسهاب في الحديث
عزيزي النور ... نورنا ببعض الإيضاحات أنار الباري دربك وسدد بالخير خطاك
و يتواصل الحديث لاحقاً لنعقب حول بقية النقاط التي ورد ذكرها في هذا المقال النّـير .....
أبو مازن ..
أتنحى جانباً الآن وأجلس القرفصــاء في ترقب وانتظار
عزيزي المحترم النور محمد يوسف
لك مني خالص التحية والتقدير ..
لا أملك أمام هذا الأدب الجم والسيل الجارف من أيات الاحترام وسعة الإدارك الباينة في مستهل حيثك إلاّ وأن أقف إجلالاً لكِبــر الخاطر وارفع قبعاتي لتنحني قامتي أمام هذه الرؤى النيــرة وهذه الأفكار والأطروحات لبناء غــدٍ مشــرقٍ حافل بمزيد من إنجازات الماضي التليد الذي أخاف أن يأتي يوماً ونتغنى به كما صرنا اليوم نتغنى ببعض الشئ عن ما مضى منّا ( وما مضى فقد مضى ولن يعــود ) ..!!
أما مدرك واعرف أن هناك أناس حوالينا هنا في هذه الصفحات الثــرة رجال لهم التجارب قد خاضوها في معترك حياتهم ونضالهم وقد ازدانت واكتست جمالاً بعبق رحيق الأيام خبرةً ودرايـة ... فهلا جادت لنا أقلامهم وهم ( ينفضحون الغبار ) عن أولى صفاحتهم المشرقة بالشئ القليل منه ؟؟؟ لنضعه نبراســاً لنا دووس نتتلمذ بها وخيطاً أبيضاً أملجاً ( ليضوي ) لدنيا مسيرة التعليم والبحث عندنا ويجلي ظلمات بعض الرؤى لدينا ...!!
أتنحى جانباً في ساعتي هذه وأجلس القرفصــاء الآن بجانب هذا الركن القصـي لاسمع بهلب الشوق الكثير عن ذلك الدرس والإرشاد الجليل فكلي أذن صاغيــة الآن ...
هلا جادت تلك الأقلام بالشئ القليل ؟؟!!
ننتظر ونترقــب ...!!!
لكم دوماً جميعاً خالص محبتي وتقديري ...
أبو مازن