عشرون ووجهة واحدة ..رواية .
بسم الله الرحمن الرحيم
عشرون ووجهة واحدة ( رواية )
عبدالغني خلف الله
( 1 )
أوقف(علم) عربته الجديدة التي تعمل علي خط كسلا ـ الخرطوم وقد كتب علي صفحتها الخلفية بخط كبير(دحدوح) ثم وبخط أصغر عبارة(علي كف القدر نمشي ولاندري ما المكتوب). أوقفها في المكان المخصص للركاب المسافرين للخرطوم..وقبل أن تتوقف تماماً فتح مساعده(الجوكر) باب الباص بحركة بهلوانية وبدأ يردد(الخرطوم..الخرطوم) وعلي غير عادة(علم) جاء للموقف متأخراً بعض الشئ إذ كان عليه أن يحمّل بعض طرود المانجو والجوافة من السواقي الجنوبية..ولأن سقف العربة ضاق بتلك الطرود.. إستغني عن المقاعد الخلفية.
علم إنسان بسيط.. رمت به الاقدار الي كسلا بعد أن غادر موطنه الاصلي بضواحي(مكوار) وكان يعمل سائق تراكتور بمنطقة الدمازين.. وهو متزوج من (نعيمه) المعلمة برياض الاطفال .. وهي من أسرة عريقة لها جذور من البني عامر والصومال واليمن.. والحلنقة.. وعندما جاءت والدة(علم) من البلد برفقة إبنتها لخطبة(نعيمه) تساءلت في سرها.. يا ربي دي إنس ولهّ جن؟.. حتي أن شقيقته حين عادت إلي البلد أطلقت إشاعة بأن شقيقها عقد علي جنية..
أولاد الحي الذي يقطن فيه ينادونها بـ (جميلة ومستحيلة) وهي من فرط رقتها وعذوبتها تعطي كل من تقابله إنطباعاً بأنها تهتم به.. فمثلاً صاحب البقالة المجاورة لهم لا يقيّد(الجروره) كما ينبغي من شدة اعجابه بها..(يكتب حاجه ويفط حاجه).. وصاحب الجزارة القريبه من حيهم يوزن لها ربع كيلو زيادة كلما جاءت للجزارة..ومفتش رياض الاطفال المتزوج من ثلاث زوجات هام بها عشقاً بالرغم من صدها له..وأطفال الروضة هم أيضاً أدركوا بحسهم الطفولي بأن ماما نعيمه تتميز علي زميلاتها بشئ لذيذ يجهلون كنهه.. غير أن الطفل(هشام) ابن مدير البنك عبر عن إحساسه صراحة أمام أمه ونعيمه عندما حضرت لاخذه آخر اليوم الدراسي.. قال في براءة يحسده عليها الكثيرون من الذين يكتمون مشاعرهم نحو اخرين(ماما..ماما..أنا عاوزأعرس ماما نعيمه) ضحكت نعيمه من أعماقها وقالت لامه وهي تغالب الضحك(ولدك مفصول من الروضة لسوء السلوك).
أما(الجوكر) فهو من غرب القاش وأطلقوا عليه هذا الاسم لأنه يجيد اللعب في جميع الخانات ضمن إحدي الفرق في الجانب الآخر من النهر وهو عندما ينطلق بالكرة في خانة الجناح الأيسر.. وجد أنه من الحكمة أن يتركه(الظهير اليمين) يمر بدلاً من إعتراضه.. فأنت ان أنقضضت عليه تفقد أحد ساقيك.. وما تفعله فرق كسلا شرق القاش مع الجوكر لا يعدو عن كونه(حرفنه) صريحه.. فهي تنصب له مصيدة تسلل.. وأكثر ما أدهش جمهور كسلا ذلك المدافع النحيل من فريق(الشباب).. فقد قفز عالياً في كرة مشتركة معه.. فوقع(الجوكر) علي الارض فاقداً الوعي.. ووقف مدافع الشباب مذهولاً أمام الانجاز الذي حققه.. إلا أن المسطبه الجنوبية زأرت(عيب يا جوكر عيب)فأنتفض مثل الجن الاحمر وكأنه لم يصب حتي أن حكم المباراة أمر بإعادة النقاله من حيث أتت...
لا يزال الوقت مبكراً علي الحكم بالغاء هذه الرحلة فالساعه الآن قد تجاوزت الثامنه بقليل..وبدأ القلق علي وجه(علم) ولكن هاهما راكبان يتقدمان نحو الباص..إنهما عروسان..نعم عروسان..وأعتليا درج البص بأناقه لا تصدق..هرع الجوكر وأخذ عنهما الشنطة السامسونايت الكبيره وأختها الاصغر وترك لهم الثالثه..ولاحظ الجوكر الشبه الشديد بين الحقائب الثلاثه..ودفع العريس عروسته برفق وكأنه يخشي عليها من ملامسة قوائم كراسي البص..وأجلسها كمن يضع باقة ورد علي النافذه..إنها وفاء من مدني..وعريسها المهندس حيدر مغترب بالسعوديه..ووفاء هذه أدهشت أولاد وبنات كسلا وحيرت عقولهم..فقد تعودت علي الخروج عصر كل يوم من الفندق والتنزه علي شاطئ القاش الذي فاض بصوره لم يتعودها أهالي كسلا..نعم وفاء هذه جعلت فتيات كسلا وهن الغارقات في الجمال حتي النخاع يتأملنها في ذهول كلما مر بهما العروسان..حيدر يعمل بالسعوديه منذ عدة سنوات ووفاء تعمل موظفة بإحدي المصالح الحكوميه بمدني..ومن فرط جمالها تباري شعراء المدينه القدامي والجدد في وصفها..ووفاء أجمل انسان في مدني تقريباً وانت لا شك تدري حجم أهمية مدني في مثل هذه المسائل الجمالية .. فبالله عليك تخيل معي كيف يكون..
* * *