لا أكذب و لكني فقط أتجمل
بينما العائلة الصغيرة مجتمعةعلى المائدة إذابجرس الهاتف يرن فينطلق أصغر الأبناء لالتقاط السماعة:ألو مين معاي؟
الطرف الآخر: ياابني وينأبوك؟ هنا غمز الأب الغاضب لأبنه بأن: قل ليهه أبوي مافيش ياخي!
فردد الطفل كماسمعت ماماً: يا عمو أبوي بقول ليك إنو مافيش هنا يعين بح، فصعق الطرفان,؛
أولاً المتصل جراءالكذبعلى عينك..ثانياً الشافع المسكين من هول كف أبيه تلوح في الهواء بأصابعها الغليظة،
قبل أن تعانق وجهه البرئ بصفعة مدوية.. وهو غير مستوعب لما يجري. إذن ماذنب هذا؟ نعم لأنه(شالق).
كذبة بيضاء تفوت و لا حديموت.. كان عليه أن يتعاون في هذا الاتجاه فيجنب أباه حرجاً غير محسوب .
نعم هنالك كذبات بالأحجام و بالألون, بيضاء وغبشاء؛ تنزع من إبليس نفسه ابتسامته الصفراء،
إعجاباً وعجباً من أناستفوقواعلى شيخهم وبرعوا في تفانين صناعة النفاق والسحر الأسود.
هناك ظاهرة الكاميرا الخفية..فدعوني أولاً أهنئ أولئك الذين ابتكروها كونهم ليسوا بأقل خبثاً من أولئك الغشماء،
الذين يقعون يومياً فيشراكها المنصوبة هنا وهناك, تتطفل على سوءات خلق الله و تشف تصرفاتهم شفاً ،
و تنقلها بالصورة والصوتعلى رؤوس الأشهاد. نحن بصدد أداة خطيرة و آلة مدمرة لها منتجون ومخرجون,
من اتخذوا منها كنتين(تشاشة) متنقل لابتزاز العالم والاتجار بهفوات وسقطات الأبرياء في نخاسة(القرية الواحدة).
نعم هي مادة ربحية وحيلة ماكرة اتجهت إليها فئة مرتزقة من قدامى الفنانين غير المبدعين وساقطين من (قد قفة)النجومية،
فأ صبح الواحد منهمفيذعر من الموت مهملاً بعد صراع طويل مع المرض أو بعلة لم تمهل طويلاً.
بقي أن المفارقة فيأنالتسمية ذاتها "Candidcamera" آفة أفرنجية المنشأ تعني في لاتينيتها: الكاميرا النزيهة،
أي العبيطةيعني ما تجامل(اللي على عدستها طوالي على شاشتها) ؛ ولا أدري من أينأتي نشامتنا العربان بهذه الترجمة النشاز؟!.
لعلها كذبة هيالأخرى علىطريقتنا.. وهي فعلاً عبيطة لأنها في حيرة من أمرها فأيهما الأولى بالفضح؟
هل كان عليها أن تحرجمنساقتهم أقدارهم لتضعهم في مرمى نيران عدساتها الحارقة؟!
أم عليها أن تفضحوتعريتلك الأرواح الشريرة التي تسكن مصممي الكاميرا؟!!
إذن فقد ضرب الكذب أطنابه فيقلب الأمة وصار هو و قبيله السلعة الأكثر رواجاً؛ فالرجل يكذب على أهلبيته ؛
المجتمع يغرر بأفراده,وولي الأمر مع رعيته لا يريهم إلا ما يرى ولا يهديهم ألاسبيل الرشاد (من وجهة نظره,طبعاً).
يحكى أنه لجأ وفد من القوم لفيه فقيه لديهم، يتظلمون لديه من جور السلطان و فيما هم جلوس عنده،
مر بهم السلطان شخصياًفي موكبه المهيب؛ هنا سقط في يد الفقيه وكاد يبتلع لسانه منورطة حقيقية وجد نفسه متلبساًبها .
إذ لا قبل له بمناصرةهؤلاء المستضعفين أمام الحاكم وجبروته.. فلجأ بدوره إلى ملاذ التورية والعروض ( لعل فيه مندوحة عن الكذب) ،
فبادر الوالي بسؤالٍ من كلمة واحدة من حرفين فيها تعريض وإبهام قال : (لم؟) ،فرد عليه الوالي بغطائهاأيضاً كلمة واحدة قال: (كما!)،
ثم مضىلشأنه؛ هنا تنفسشيخنا الصعداء؛ وقبل أن ينفض سامرا لحضور أوقفهم وشرح لهم: أولاً سألته لم؟)،وكانه يعاتبة بقوله:
لم لم تقم بين رعيتك بالقسط؟ ولكن رد السليطان جاء بأبلغ منها: (كما!) أي: " كما تكونوايؤمرعليكم".
أنا أتصور أنه وجب على ذاكالسلطان أن يطأطئ رأسه تجلة لعبقرية ذاك الفقيه
ويشكر له صنيعه بأن وفرعليه عناء التوقف ولو لبرهة أمامنظرات المتظلمين.
نسمع هذه الأيام عن تقليعة جديدة اسمها الشفافية والمحاسبية وهما عبارتان رنانتان ، لكنهما فارغتان ،
وهما حاضرتان في الاذهان ثقيلتان على الأذان, وغريبتان على هذه الأزمان.و لا ثقل لهما في الميزان, ميزان الأفعال.
فلا يكاد مقال أو خطابأ مام حضور كريم أو مؤتمرين من ساسة أو رجالات أعمال أو صحافة يخلوا منهما،
بل ويترصع صدرك ل كلام ويتدبج متن كل هراء بهذا البزخ اللغوي الفاحش.
أقول هذا و عيني على الحقيقة التي سطوا عليها فكمموا فمها وحشروها في (قمقم) ضيق يوم أن حشرت "البغلة في الإبريق".
أقول هذا ايضاً و لايزال في قيعان ذاكرتي شيء من حتى الزمن التليد الجميل, يوم أن ولي أمرنا ولاة زهادفي الإمارة,
ممن حكموا فأمنوا لماأقاموا العدل بين الناس فناموا نوم قرير العين هانئها. ويوم أن لوسرقت فاطمة بنت محمد لتعهد محمد بقطع يدها.
اللهم أرض عنا ورضنا,واعف عنا وعافنا, واهدنا اللهم واهدبنا واجعلنا سبيلاً لم اهتدى..الهم آميـن
عـــــــــابــــر