هذا المقعد غير مريح .. انه يورثك الاحساس بانك اخذ في الانشطار .. هاهي مبادئ عدم الراحة تظهر على ملامحك التي لوحتها الشمس فاصبح من المستحيل وصفك بلون معين ... (تمالك نفسك ايها التعس انها فرصة اخرى لتثبت انتماءك لهذه الدنيا ) ... ولكن هذا المقعد غيرمريح وانت تحس انك تتعرض لنوع من التعذيب بجلوسك عليه طيلة تلك المدة , ولكن هذا المقعد يخيل اليك انه افضل بكثير من ملامح هذا الرجل الذي حياك وجلس قبالتك تماما وحدجك بعينيه الكلبيتين .. وبدا على وجهه انه لا يبالي بوجودك حتى ناهيك عن ان يستمع اليك وانت تبدأ في الاجابة على اسئلته ..
لا .. انتظر لن يبدأ في سؤالك قبل ان يستعرض مهارته في اجراء المعاينات ليثبت لك اولا انه الرجل المناسب في المكان المناسب .. ثم ليشبع رغبته المريضة في التسلط وهذا ما خيل اليك وانت تصتنت اليه وهو وكانه يستثمر اخر فرصة له بالحديث في هذه الدنيا ورذأتك الاقدار بان تكون مستمعه الوحيد وانت في هذا الوضع السيئ والذي زاد من سوءه جلوسك على هذا المقعد غير المريح ...
- قلت لي حافظ كم جزو يا شيخنا ؟
سألت نفسك وان لم يبد ذلك عليك ( ترى ما علاقة الاجزاء بكتلة شهادة الهندسة التي تحملها داخل حقيبتك المهترئة تلك )..
- والله يا استاذ ما كتير .. يعني سور متفرقة لكن بحاول اواصل في المسألة دي لى قدام ..
- اممممممممممممممممم .. طيب ... يبقى التجويد اكيد برضو ما عارف فيهو كتير ...؟
- والله على حسب القريتو يعني ما بطال ..
رميت هذه الكلمات وانت تبتلع احساسا بخيبة الامل مع بقايا لعابك الحامض الشحيح والذي تظن انه قد شح بفعل فاعل فقد كان في زمان مضى غزيرا وطاعما ...
- طيب يا شيخنا نخش معاك لى جوة شوية .. تفتكر انو الجهاد الليلة في بلدنا فرض عين ولا فرض كفاية ..؟
سألك مضيفك البدين السمج هذا السؤال وقد تحولت عيناه الى عيني ذئب .. وشعرت بطمام سخيف لا تدري هل هو بفعل الملاريا التي استاجرتك منزلا لها ام انه بسبب احساسك ان مضيفك قد بدأ في التهام احلامك بنيل الوظيفة التي انت في معاينتها الاولى ..
- والله ما متاكد لكن اتخيل لي انو فرض عين ...
وها انت ذا مرة اخرى تتوكأ على اجابة بطعم الحنظل .. سحقا .. اذا كان هذا اخر ما تتوكا عليه في هذا الزمان النجس ...
- طيب سيب لينا عنوانينك وبنتصل عليك ...
هكذا بمنتهى البساطة التهم صاحبنا ما تبقى من احلامك .. اغرب ما في الامر انك تعودت على ذلك لماذا هذا الضيق اذن ؟ ها انت ذا تقبض على حقيبتك جيدا وتخرج .. حقيبتك المهترئة التي لم تفتحها طوال اشهر رغم انك تحملها يوميا من شباك الىشبك ومن مكتب الى اخر بحثا عن عمل مستحيل ...
الشارع .. الغبار ووهج الشمس .. الوجوه الكالحة والتي خيل اليك انها اكتسبت هذا اللون بفعل القدم ليس الا ...
انها الثانية ظهرا .. انت لم تفطر بعد .. ستعرج على (نفيسة ) بائعة المدمس التي تفترش بضاعتها امام البوابة الامامية لوزارة الري التي خرجت توا من بابها غير الامامي وفي نفسك حسرة بحجم الكون وبعض الكدمات النفسية ..
لن تذهب الي المنزل .. على الاقل ليس الان ربما في اخر الليل حينها ستجد (مصطفى) اصغر اخوتك قد استسلم للنوم وحينها لن تكون مضطرا الى وعده بان ستعطيه الف جنيه ليشتري بها شيئا لا يعرفه .. وعلى الاقل لن تضطر الى رسم ابتسامة مجاملة لامك الحنون حينما تسألك كعادتها (اها .. ان شا الله خير ؟) ولن تضطر الي كثير من الاشياء التي كرهت فعلها يوميا ومنذ شهور ..
ستعبر الشارع .. لا تدقق النظر الي هذه الفتاة الفارعة التي تعبر امامك .. انها تشبه فتاتك التي احببتها اثناء فترة دراستك بالجامعة ووعدتها بغد اجمل واورثتها حفنة من الرياح ..
- يا زول .. خلي بالك ..
صرير اطارات عربة تحاول التوقف في استماتة ...
- لا حول ولا قوة الا بالله ..
- كدي شوفو الزول ده لو عندو بطاقة في جيبو ...
- (فلان الفلاني) .. طالب .. خريج .. من جامعة كدا .. ساكن كدا ..
_ يا جماعة زول يتصل بناس الاسعاف ....
(مصطفى ) يجلس بهدوء امام بوابة المنزل ..
-( امي .. اخوي اتاخر كتير ) ...