أثبت أنك حقا خبرة يا خبرة
العزيز / محمد خبرة ...
والله العظيم زهلت وأنا أقرأ نصك القصصي الرائع .. فلقد أحسست أني بين يدي كاتب قصصي متمكن .. يمتلك أدوات الإبداع .. ويتحكم في السرد والحبك بحنكة .. فإلي الأمام دوما .. وأتحفنا بالمزيد المزيد ...
لك التحية
رحلة شوق .. .. إلي فاطمة السمحة
رحلة شوق .. إلى فاطمة السمحة
اشتقت وشوقى عربيد يمرح من غير سياج .. ويجبرني دوماً أن استسلم وأطيع .. ومن منا لا يلبي نداء الشوق .. ؟ .. وشوقي مشتعل وهجاً مضيئاً .. ومنبثق من القمر الفاضح ليل العتامير المندثرة تحت تراكمات الزمن .. وممزوج بصفاء ونقاء نسائم نيلنا عندما تهب مارةً بالجروف المكتنزة خضرة وعطاءً وخبزا .. .. نار .. نار شوقي .. وما أحيلاه على نفسي .. يرغمني علي الرحيل إلي موطني .. إلى ديار الغبش الذين علموني أن أشتاق .. وأن أرحل إليهم وأنا بعيد عنهم .. .. ما أحيلاه على نفسي وهو يأخذني إلى حبيبتي الأبية فاطمة السمحة .. وعلي بساط الشوق ارتحلت وأنا لا أعلم كيف وصلت ؟
رجل ممتلئ إصراراً وعزماً رغم شروخ الزمن المرتسمة على محياه .. يضرب الأرض ضرباً .. .. وحبيبات العرق توشح صدقه المرسوم شيباً وعزة .. ومع ضربات المعول .. تتفجر الأرض رخاءً وزهرا .. استوقفني هذا الراهب فى معبد أرضه لحظة .. وبادرته بالسؤال :
- أبتي .. أنت تجهد نفسك .. وترهق جسدك ..
- جهدي يا ولدى مثمر فى حينه .. .. فأنا عشقت هذه الأرض .. وكل صباح أكدح فيها لتثمر لى تمراً وريحاناً وقمحا .
- أليس لديك من يعينك .. ؟
- يا بني رحل الأبناء .. الكبار إلي ديار الغربة بحثاً عن الغد المشرق والطريق السهل إلي تأمين المستقبل .. أو هرباً بالفكر والمبدأ .. والصغار ذهبوا إلي قاعات الدرس منتفخين طموحاً وشموخاً وعزة .. وأنا سأظل أجاهد ما دام للجهد ثمرا .. وما دام فى البدن قوة.
وغضضت بصري وشرد ذهني .. فى هذا الحديث .. فأنا من ارتحل أيضاً .. وسألت نفسي "ولكن أليس من بيننا من أدمن الارتحال ؟!! .. بدون هدف أو مطلب ينال" وسار بي بساط الشوق من غير إرادة لى فى تحديد المسار واختيار المشوار .. وكومض البرق الخاطف فى الليالي الريانة بعرس السماء المنداح فى الأودية الولود مرت بجانبي ...
ولحقت بها .. رأيتها .. خارجة من ليل الضياع .. مغروسة فى بحر الأسية .. فارسها إنكفأ به فرسه فى ليلة شتوية .. وتركها بقايا أرملة .. تصارع من أجل صغار أربعة .. دنوت منها .. شممت فيها رائحة النخيلات السامقات فى وجه المزن الهاربة .. وفاح منها عبق التاريخ ..
- إلي أين أنت ذاهبة . " سألتها "
جسورة ( كجان دارك ) ردت علي :
- بأناملي المثقوبة .. وظهري المكشوف .. أتوكأ علي إيماني .. وأسعي إلى رزقي ورزق فلذاتي .. انتزعه من أفواه الأسود المارقة .. وأخطفه من بين مخالب النسور الكاسرة .. وأحياناً كثيرة لا تضن علي هذه الأرض الولود بكسرة خبز .. فعلي أن أسعي ولي فى ضعاف الطير أسوة ..
- هنيئا لك يا أختاه .. فأنت حفيدة دقنة وترهاقا .. وأرملة علي عبداللطيف .. وأخت القرشي ورفاقه .. فليس هذا بغريب عليك .. فأنت تجعليني أنحني إجلالا لك ..
.. وطاف بي بساط الشوق فى رحاب فاطمة السمحة .. فى أرض القماري المفروشة بالسندس .. يتلكأ فى رحلته منتشياً بضوء القمر المستدير كوجه حبيبتي المكبول بين جوانحي .. والمنعكس ضياءه لؤلؤا وذهباً علي حبيبات الرمل الراقدة فى الفيافي البكر .. وبجواري المذياع ينبعث منه صوت الشادي .. وأنا أردد معه :
يا بلادي .. يا بلاداً حوت مآثرنا كالفراديس فيضها منن
قد جري النيل فى أباطحها يكفل العيش وهى تحتضن
وتغني هزارها فرحاً كعشوق حدا به شجن
ردد الشيب .. والشباب معاً .. .. ..
أنا سوداني أنا .. أنا سوداني أنا
وأظل أردد وأكرر هذا المقطع الأخير مليون مرة ومرة .. فإذا ببساط الشوق فجأةً يفجعني .. وينكشف من تحتي محترقاً بنار الشوق والبعد عن وطني .. وأسقط بأرض الواقـــع متكورا فى دياجير غربتي .. ويأتيني صوت مطربٍ آخر :
الغريب عن وطنـــــه ..
مهما طال غيابـه ..
مصيره .. يرجع تاني ..
لي أهله وصحابــــــه
وتنتهي رحلة الشوق الذى لا يصدأ أبدا .. وأعيش علي صدي الذكري .. وانتظر حلم الوصول إلي مرافىء الوطن الحنون .
( عصام عبدالرحيم )
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر