مقاطع تائهة بين المتعة .. والضياع .. والفضيلة
مقاطع تائهة بين المتعة .. والضياع .. والفضيلة
( المقطع الأول )
ذات صباح ربيعي رائع .. شمسه اختبأت خلف غيوم تسكنها الخيرات المنتظرة .. ونسائمه هبت عليلة تكابد قسوة الأيام وترسم فى النفوس بسمة شوق تخفف عبء السمر الكادحين .. .. خرجت ليلي من دارها مسكونة بالفتنة والجمال .. ترسل عطرها الأخاذ ينفث فى الإنوف ذكريات ليالي العبث المنسية .. .. رأت طفلا يافعاً يقبع فى ركن الدار لا يعرف حلم الأطفال ولا يمارس لعب الأطفال .. ولا يجد للبسمة مجال .. دنت منه وبغنج ممجوج سألته عن أسمه فرد عليها بصوت مخنوق قتلته الأوساخ المتراكمة على وجهه المكحل بالعذاب .. " طلال " .. .. وكمن داس على جمر ندت منها آه مكتومة .. وكررت سؤالها .. ورد عليها بصوت أكثر انكساراً " طلاااااال " .. شريط الذكريات المكنونة فى الخاطر انبلج كصباح يوم جديد .. تفجر صدي الأيام فى النفس وكر سريعاً بين الحنايا يدغدغ الذاكرة التى ماتت من سهر الليالي فى العبث الماجن واللهو الصاخب فى الحانات .. .. تجمدت ليلي فى مكانها وعادت بمخيلتها للوراء أربعة سنين .. .. وطل من بين الغشاوة المرتسمة أمام عينيها وجه رفيقتها " دنيا " التى التقتها فى أحد الحانات .. جمعت بينهما رغبات مشتركة .. .. وعندما تنتهى لحظات المجون كانتا تجلسان تحكيان غدر الأيام ومرارة السنين كلٍ حسب تجربتها لتبرر خطأً من فعل النفس الأمارة بالسوء .. وترميان اللوم على الأقدار .. وتغتالان صحوة الضمير التى كانت تطعن فى النفوس من حين لحين ..
( المقطع الثاني )
" جميل " فارس امتطي صهوة الشهوات .. واسرج خيله يجوب الحانات .. الوجه يحمل الاسم ولكن قبح الفعل يزينه جهل الدواخل المعدمة الفارغة كمنطادٍ ارتفع بنارٍ وهمية .. التقى " دنيا " فى بيت عجوز كانت تسكن فى ضاحية المدينة الغربية تجمع الويل والأسية .. وتبني منازل فى رمل السراب فتسقط الحسان بين الأحضان مغشية .. .. .. الليل والجمال .. الفتنة وعنفوان الشباب .. والجهل والفراغ .. والماضي المرتكز على الضياع .. عندها يرتع الشيطان وتكبر الآثام .. وفى لحظة مسروقة من بين الإشراق ومن عمر العفة والأمان .. قد يولد إنسان .. وبالفعل كان " طلال " .. ..
( المقطع الثالث )
انكسرت ليلي أمام هذا السيل الجارف من الذكريات .. وأعادت النظر فى وجه طلال وحدقت فيه ملياً .. تبحث عن ملامح طفل .. وترنو للبراءة .. ولكن يرتد إليها البصر خاسئاً .. باكيا .. فالوجه سمج الملامح والبراءة اغتيلت فيه بالحرمان .. فكررت له السؤال : - أأنت طلاااال . - نعم . - هل تعرف اسم أمك .. لم يرد عليها .. فكررت السؤال مرة واثنين .. ولكن الطفل كجلمود صخرٍ ساكن لا ينبث .. وعندما كررت للمرة الثالثة .. انحدرت دمعتان على خده .. وتمردت طفولته .. وأرسل حجراً بيده الصغيرة إلى وجهها .. ولكن القدر تلطف .. .. وهرعت ليلي إلى حيث تنوي .. لترسم فى خارطة المهانة لوحة مموهة .. مخلوطة .. مشبوهة .. وآه آهٍ .. يا زمن العفاف ..
( المقطع الرابع )
هجم الليل .. يحمل بين طياته آهات المكلومين وأسرار المعذبين وأنات المتعبين .. وفى شقة على ضفاف النيل كانت ليلي بين الأحضان تتمرق .. وبين الفينة والأخرى يدور حوار .. وفجأة تقفز من سريرها وتصرخ .. " أأنت جميل " .. " أأنت جميل حقاً " ؟؟ .. ويرد عليها رفيقها مشدوهاً .. - ما بك .. هل تعرفينني .. - أتذكر .. " دنيا " .. نظر إليها باستغراب ولملم الملاءة حول جسده .. ورد بكل جرأة .. - أي " دنيا " تقصدين .. فمسيرة حياتي كلها نساء .. - أنت تعرف من أقصد .. اقصد رفيقتي " دنيا " - وكيف لى أن اعرف أنها رفيقتك فأنا أعرف أكثر من فتاة بهذا الاسم .. - تلك التى التقيتها فى بيت ( سميرة ) فى الضاحية الغربية .. - " بصوت أكثر غضباً " دعى عنك هذا الهراء .. فلم نأت هنا لنحكي ذكريات - يجب أن تخبرني .. - أسمعي لا أسمح لأحد بأن يكلمني بهذه اللهجة .. إن شئت نكمل .. وإلا فانصرفي .. - لماذا لا تريد أن تعترف .. لماذا لا تريد أن تقول .. أرجوك .. أرجوك .. أرجوك .. " وارتمت على السرير تبكي وتصرخ "
( المقطع الخامس )
الظلام يسكن فى أعماق النفس المملوءة حقداً على المجتمع الراقد فى أحضان النسيان والمسافر فى طرق التشتت والأوهام .. تلك النفس المتشبعة بالتعفن الذي تراكم عبر الممارسات .. ومات فيها الضمير .. واصبح الفحش والعهر الملاذ .. .. وكثيراً ما يهرب صاحبها من واقعٍ أليم .. وتتبخر لحظة المتعة كما تبخر " جميل " فى ذلك الليل الكالح السواد وأسرج جواده يبحث عن غانيات الحانات وعن بقية أحضان ولدت من رحم المأساة .. وترعرعت بين الركون والرذيلة .. ومضى فى سفره .. وترك ليلي ترفع رأسها لترى نوراً لم تعهده .. .. ويموج بداخلها إحساس لم تعرفه .. واندفعت وهى لا تلوي على كبح جماح ساقيها .. وأسلمت النفس للطريق فهي لا تعرف كيف تعاندهما .. .. - أهلاً وسهلاً .. تفضلي - شكراً .. أنا آسفة للإزعاج والدخول بهذه الطريقة المزعجة .. - لا .. لا داعي للأسف فأنا هنا لخدمة المجتمع .. ويبدو أنك تعانين من مشكلة .. - " تلعثمت وترددت ثم نطقت " حقيقة وباختصار .. هل لى أن أكون أماً بديلة .. - هذا أمر يسعدنا .. فقط نطلعك على بعض الأوراق ونطلب منك بعض الإثباتات .. - سأشرح لك باختصار سيرتي .. وأطلعك على كل أسراري فقط لى طلب واحد أتمنى أن أحققه حتى يكون لي بداية حياةٍ جديدة .. - تفضلي .. وأنا كلي أذن مصغية ..
( المقطع السادس )
الليل والصباح .. الطهر والمجون .. الضوء والظلام .. الصحو والضباب .. إنها الأضداد واقع محتوم وقدر مكتوب .. وفى داخل النفس تتصارع المتناقضات فى بوتقة الذات وتتفاعل لتولد لحظات تُحرك الخطى وتحكم السلوك .. .. وما بين الشروق والمغيب الغسق الكامن بين الاثنين حيث كانت تتحرك الرغبات الآثمة وتبدأ الخطوات .. وكما للدرب بداية .. .. .. لابد من النهاية .. .. .. ولكل ليل بهيم صبح جميل .. وما أروع صباح النفس عندما تشرق بالضياء الذاتي وتغتسل بماء الورد المسكوب من روح الجنان وتفوح عطراً ملائكيا .. وتنشر الوئام .. وتروي العروق بالمحبة والإحسان وترفع الأكف دوماً للتوبة والغفران .. .. وما بين هذا وذاك ولدت " ليلي " من جديد .. وبدأت تمخر فى عباب بحر مضيء وقررت أن تكون .. وأن تفعل ما يجب أن يكون .. لتغفر ما قد كان .. واندفعت .. وقطعت الطرقات .. وطوت المسافات من غير أن تدري .. ولم تحس إلا وسيارة الأجرة تقف أمام باب كبير كتبت عليه لافته بالخط العريض ( قرية رعاية الأطفال المهملين والأيتام ) .. .. دلفت إلى داخل الدار .. وقصدت باباً عرفته قدماها .. حيث كتبت بداخله مولد الإبحار إلى دنيا الوعي والحقيقة .. وبداية قصةٍ جديدة .. - تفضلي بالتوقيع .. - انشاء الله .. - نتمني ان لا تنقطع زيارتك - أكيد .. وفى عرض الطريق كانت تسير .. تكاد تطير .. وترسم فوق الرمال بداية عهد جديد .. وغرس جديد .. وطهر جديد ولد من عمق ليل طويل .. .. وتحس بعنقها يطاول هامات الجبال .. وتمسك بيمناها " طلال " .. .. تسرع الخطي لتكتب المحال حقيقة وتبدأ الفضيلة .
عصام عبدالرحيم
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر
لك التحية والود يا أخ النور
لك مني كل الود والتحية .. وأتمنى أن نتواصل ونلتقى في عمل إبداعي قريباً .. كما اتنمي أن يجد موضوع هذه القصة بعض المناقشات التى تمس واقعنا المعاش مقارنة بأحداث القصة .
مدينة النار .. .. ماذا وراء الجدار ؟
مدينة النار .. ماذا وراء الجدار
مدينتي عريقة .. حبلي بالكثير المثير .. راقدة في أحضان (النهرين) .. نهر النيل الآتي من صوب العاصمة يحمل بين طياته صخبها وضجيجها وملاحة أبنائها و(العطبراوي) ذلك النهر الثائر الهادر المتدفق موسمياً من تلال الشرق يحمل عنفوان (الهبباي) وطيبة وسماحة وبشاشة أهل الشرق .. مدينة متناقضة .. ضجيجها فى النهار يحرك القطار .. وهدوءها ووداعتها فى الليل تخدر العقول .. إنها مدينة الثوار تروي للأجيال عن الصمود والنضال .. إنها مدينة ( الحديد والنار ) تنطلق أعمدة الدخان تتصاعد منذ الفجر وحتى الغروب كل يوم ترسل إشارات الجد والكد والكفاح .. وصوت صافرة الصباح يكسر تداعيات الزمن .. وهمم الرجال .. وسواعد الرجال تعرك فى رحى (الماكينات) وتقف أمام (الأفران) وتكتب قصة الكفاح وملاحم النضال .
تحت ظل شجرة (النيم) العتيقة كان يلتقى أحمد مع نفر من العمال .. استقر بهم الحال في هذه المدينة التي خلقت لتشعل النار وتطوع الحديد والمحال ..
ولكن الزمن تغير والحلم تبدل .. والآهات استطالت وامتدت إلي أعماق الزمن الأجوف ووقفت حاجزاً بين الطموح والآمال .. ماذا جري .. ماذا جري .. إنه الزمن الأسود .. إنه العقوق ونكران الجميل والطعن فى سواعد الأمل الأخضر لتموت فيها الحياة ويستحيل عليها العودة للتفكير .
أحمد .. ذبل عوده وأُنهكت قواه وتقوس ظهره الذي كان باسقاً كنحيل بلادي علي شط النهر التليد .. (( أحيل للصالح العام )) وماتت ابتسامته التى كانت حبلى بالزمن الوليد الذي يأتلق في عينيه ويرتسم في جبينه الذي أصبح داكناً كليل "العتامير" .. تقوقع فى كرسيه القماشي العتيق يتلفت حوليه ممسكاً بيده اليمني صحيفة اختلط فيها سواد المداد بصفرة الورق كثوب حداد تدثرت به أرملة أنهكها الزمن المفجع .. تقاطيع وجهه الكالح تقول إنه مهموم .. مهموم حتي النخاع .. .
- أحمد .. أحمد .. .. " صوت عجوز مبحوح جاءه من داخل الدار " .
- نعم .. ماذا جري يا أماه ..
- ولدك .. محمد .. الحمي .. الحمي أنهكت قواه .. وأصبح يهزأ كالمجنون .
قفز من كرسيه وهو يهمهم " لعنها الله الملاريا .. لعنها الله " وخطى بخطوات واسعة نحو الدار .. ثواني ثم رجع إلي الخارج مندفعاً كالثور الجريح .. تارة يدخل يديه فى جيوب ثوبه البالي وتخرج خالية الوفاض .. وتارة أخري يرفعهما إلي رأسه وهو يهمهم " ماذا أفعل .. .... لا أملك حتي جنيهاً واحداً .. والولد يحتضر .. ليس أمامي سوى عم علي صاحب الدكان " .. وفجأة أسرع الخطى .. مشغول البال .. _ ارتحل بعقله بعيداً فوق سحابة سوداء ارتسمت أمامه .. غارقاً فى همه وغمه .. سابحاً فى بحر مشاكله مع عم علي والدين الذي عليه ولا يعرف متي يستطيع حله _ .. استفاق علي صوت عجلات قديمة يدب إلي اذنيه فاستدار إلي الخلف بحركة لا إرادية فإذا بعربة _ كارو _ يجرها حصان أعرج طاوي البطن متعب العينين .. وبها أكياس وبضائع مختلفة .. وعليها رجلان أحدهما ارتسمت فى ملامحه كل أوجاع الزمان وهموم بني الإنسان .. والآخر نموذج للغطرسة والعنجهية .. وكأن المشهد لوحة فنان سريالي مس عقله الجنون فاختلطت عليه الأفكار والألوان واضطربت الفرشاة فى يديه فأصبح لا يعرف إلا المتناقضات .. ..
- أحمد ماذا تريد .. لن أسمح لك بأخذ أي شيء من الدكان حتي لو كان صابونة .
- نحن الآن فى أهم من ذلك .. إبني الصغير يحتضر من شدة الحمي .. وأنا لا أملك ما آخذه به للطبيب واليوم الجمعة المركز الصحي مغلق .. وو ..
- آآآآآآآ .. تريد فلوس .. هذا ما تبقي .. بضاعة وكمان سلف ؟ ! .. وفى الآخر نفس القصة المملة التى تكررها لي كل شهر .
- ولكن ماذا أفعل .. لا أمل لي سواك .. أرجوك .. أرجوك .. أر..
- أسمع أنا ليست لدي فلوس أوزعها علي كل محتاج .. أذهب واتصل بابنك ليرسل لك الدولارات التي صممت بها مسامعنا من يوم أن سافر .
- الله يسامحك .. إنت عارف إنه لم يجد عمل حتي اليوم .. وهو عاله على بعض أبناء الجيران هناك .
- هذه ليست قضية تهمني .. اذهب ودعني أرتب بضاعتي .
.. طفلة حافية القدمين عارية إلا من سروال وسخ .. جاءت مهرولة وهي تصيح بنفس متقطع .. ودمعها يتقاطر من عينيها الذابلتين " أبوي .. ابوي .. محمد مات .. محمد مات !!!! " " .
وتمضي عربة الزمن بكل ما تحمله من مرارة وقسوة .. وجبال الصبر الكامنة فى أعماق أحمد تتشرخ ببراكين الحياة الملتهبة فى أحشائه .. والبحث المضني عن عمل يحل به المعضلة أصبح سراب .. حتي جاء ساعي البريد يحمل رسالة من خارج الحدود .. فتحت أبواب الأمل الراقد فى غياهب النفوس المنهكة .. وبأنامل مرتعشة وعيون نهمة التهم حروفها واسطرها .. وفجأة خاب الأمل وضاع الرجاء المرتقب .. وتبخر السراب .. وغاب أحمد في لجة عميقة من التفكير والعبوس ..
- أحمد .. أحمد .. ماذا بالرسالة " صوت زوجته وهي تكاد تقفز من مكانها " .
- آآآآآآآه ..
- ماذا .. ماذا .. ربنا يستر ..
- ربنا يستر !! .. ربنا يستر !!! .. أنا أعتقد أن الستر لم يبقي له مكان فى بيتنا .. حتي حسن يريد الرجوع ولا يجد ثمن التذكرة .
هام على وجهه يبحث عن مخرج ويريد حلاً .. ولكن وجد الأبواب موصده والنفوس متشبعة بالحقد الدفين تجاه كل ما هو عكس التيار .. ! ! .. وجميع مداخل الأعمال أصبحت حكراً علي بعض التجار .. ورخاص النفوس .. والدوائر الحكومية والمؤسسات الوطنية باتت لمن يرفع الشعار وينفخ فى المزمار ويلبس قناعاً مستعار .. كل سبل الكرامة أغلقت .. .. والطريق واحد !!! واحد .. غير معبد .. غير آمن .. تحفه المخاطر وتحرسه الوحوش الكواسر ... ووقع أحمد في فخ الزمن الغادر .. وسلك الطريق الواحد .. وقبل أن يجني ثمار خطاه الأولي كان قدره المرسوم .. في غياهب سجن لا قرار له .. تحفه جدرانٌ سوداء أربعة .
وكانت النهاية فيها بداية .. .. ..
( عصام عبدالرحيم )
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر
فاطمة السحمة ... وآلام المخاض
فاطمة السمحة .. .. وآلام المخاض
الأعوام تمضي .. والأيام تسرف فى الجريان .. وطعم الغربة يزداد مرارة .. ولم تعد السماوات السخية تجود .. ولم تعد النفوس الطيبة تسالم وتعانق بالبشر والترحاب .. و(عم علي) أفنى عمره يبحث عن محال ويبحر فى سراب .. ساعات العمل تمر ثقيلة مملة .. والأمسيات تحمل بين طياتها التفكير المضني والعذاب المر .. سنوات الغربة كرت مبتورة من عمر الزمان .. ولكن العـزاء فى الهجعة بعد الترحال .. والسلوان فى غرس ونبت أينع وحان قطافه .. أطفال شبوا عن الطوق .. وإلى ربوع فاطمة السمحة اندفعوا ليهنئوا بالأحضان .. وينهلوا من العلم ويرسموا المستقبل الجديد ,, .. ولكن .. ولكن .. للزمان كلمة .. أمواج تتلاطم .. وبركان ثائر .. والصقيع الموحش يغمس عوده بين الضلوع .. والموت راحه .. والسكون رحمة .. ويتدخل القدر المحتوم .. ويفارق (عم علي) .. ويبدأ غرسه فى مواجهة الحياة ويعيش وسط البركان يبحث عن الأمان ..
وكما كبر الغرس وارتحل لربوع فاطمة السمحة ففى لحظة مكتوبة فى لوح القدر سيعود المهاجرون .. سيعود الحادبون والناغمون .. وكلهم معجبون .. وبفاطمة السمحة مفتونون .. ولها يكتبون ويبدعون ويعملون .. ويتعلمون ويأملون .. فاطمة السمحة يا روضة غناء .. فاطمة السمحة يا غابات الموز العذراء .. يا عز القبيلة ووهج الفضيلة .. يا لمة دراويش الصوفية .. والمزن الهاربة فى ليلة خريفية .. أناديك من بين تراكمات الغربة وليل الخوف والأسية .. أناديك من وجع الأطفال ومن سهر الأرامل ومن رحيل الكبار .. أصرخ واصرخ وأناديك من الإحساس بوجع المخاض .. وبلحظة الميلاد .. .. وتكبر الصرخة وتطال جبال (التاكا) و (الأنقسنا) وترحل إلى (مره) تغازل (تبلدي) تليد ويرتد صداها على موج النيل ينعش غابات النخيل .. وتكبر الصرخة وتزيد مع الترحال والتجوال فى ربوعك الريان .. وتصبح غنوة يغنيها وسط الساحة (منقو) و (جبريل) .. وترقص معها (التاية) و (أم كلثوم) .. .. وتخبو الصرخة فى عز الليل مع الهجعة والتسبيح والترتيل من كتاب محكم التنزيل .. وصوت (عم عبدالرحيم) تلاوة تحيل الليل نهار وتبهر السهار .. وتهجع النفوس بطمأنينة الذكري وآيات عروس القرآن تزيد الصبر والإيمان .. وتسكن الأنفس وتحبس العبرات ففاطمة السمحة فى لحظات المخاض .. المخاض العسير .. ولكنه ليس بمستحيل ..
يا أيها الراقدون على ضفائر فاطمة السمحة .. الرافلون فى أثواب العلياء فى مسرح القضية .. أنصتوا .. أسمعوا .. ارحموا القابضون على جمر الحقيقة .. بل تعالوا لتروا مشاهد الفجيعة ووقع القطيعة على مسرح المدينة .. ..
( المشهد الأول )
المكان : ساحة المولد .
الزمان : ليلة من ليالي يوليو الممطرة .
الحدث : امرأة جاوزت الثلاثين بقليل .. تقاطيع الوجه زنجية .. واللكنة عربية .. تكابد ليل الأسية وتطوي البطن على طعام من كسرة خبز كانت فى أكوام القمامة ملقية .. تحمل على جنبها الأيمن طفل رضيع .. وجهه عنوان لمرارة الواقع .. تمد يديها .. تسأل .. تسأل .. تسـأل كل من يعبر الطريق .. ودواخلها تلعن الحرب والفجيعة .. وبين حناياها يكمن الأمل المعقود على حبات الندي الراقدة فى مهب الريح ..
( المشهد الثاني )
المكان : حافلة تعبر ملتقى النيلين .
الزمان : منتصف الظهيرة .. وشمس يوليو تلهب الوجوه الناعمة وتكوي الجباه السمر .
الحدث : عدد من الناس .. فى نقاش .. وجدال .. الأصوات تعلو وتخفت .. تارةً تصرخ سلوي وأخري يرتفع صوت أوشيك .. وثالثة يقاطع دينق ورابعة تسيطر على النقاش أم ضي وحاج السر صامت ينصت .. ورغم تفاوت الأعمار إلا أن النفوس مملوءة بنهر يموج دفقاً ويتدفق وعياً وإحساساً بالقضية ورفضاً للمعاناة .. ويعلو الجميع فوق متاهات الخلاف وتنضج الأفكار وكما يأتي اللحن شجياً من بين النفخات والأوتار المتباينة تنطلق المشاعر واحدة موحدة متناقمة متجانسة تعزف لحن الوطن ( السودان .. الألف اللام السين الواو الدال الألف النون .. .. السودان البلد الواحد .. الوطن الواحد ) .. ويصمموا ألا يرهنوا الأنفس للماضي البغيض ..
( المشهد الثالث )
المكان : الساحة الخضراء .
الزمان : الجمعة الثامن من يوليو .
الحدث : حشد مليوني .. .. لا تستطيع معه النظر لتراب الأرض .. .. امتزجت الألوان .. تناغمت الهتافات .. .. وعبرت الرايات .. .. ورغم العرق المتصبب على الجباه التى أحرقتها سنين المعاناة إلا أن النفوس والدواخل مفعمة بالحب والتسامح والأمل المنظور .. وبكل صراحة ووضوح قالت الجموع كلمتها في وضح النهار .. ليفهم المهتمون والمعنيون هدفها .. وفي ذات اللحظات كان عناق ولقاء .. وبدأ المشوار الذي خطته خلفية الآلام والأسية ومرارة الفرقة والقطيعة .. وشيد على جدران الوئام والوفاق لحظة الاتفاق .. إنه الحدث .. إنه حدث للتاريخ وللإنسان وللسودان .. مكتوب عليه أن يعبر فوق المسارات الضيقة والتكتلات المشبوهة .. وأن ينزع فتيل الأحقاد والأضغان .. ويغرس شتل المحبة وورود السلام .. وشجيرات الخير والنماء .. لتمتد الجسور .. في كل الربوع .. وتعبر فاطمة السمحة لحليلها المفتون .. .. وتزف لشعبها الصابر المكلوم .. .. .
وننام ونصحو على أمل اللحظة المنتظرة والألم المضني فى ليل المخاض .. وسماحة النفوس وأصالة فاطمة السمحة تأكد أن صرخة الميلاد آتية .. رغم الضنك رغم العذاب .
عصام عبدالرحيم
عصام الدين أحمد عبدالرحيم تابر
من قطار الشوق .. سوف نطوف على بساط الغربة .. وسنلتقي كثيرا
الأخ العزيز / مرتضي يوسف ,,
كم أنت رائع بأحاسيسك الطيبة النبيلة .. لك التحية والتقدير وللجميع .. وأنا بصراحة أتضاءل أمام كرمكم وحفاوة لقائكم الرائع .. جميعاً مشرفين وإداريين وأعضاء وقراء لهذا المنتدي الأروع على ما اعتقد بين المنتديات السودانية عبر النت ..
وبكل صدق وأمانه أقولها لك نحن مكبولون بعشق الوطن ( فاطمة السمحة ) ومسكون في دواخلنا ونحن فيه نسافر بين فيافيه بقطار الشوق .. وها نحن بعيدين عنه وأيضا نترحل إليه ببساط الشوق .. وسوف يكون لقاءنا القادم عبر بساط الشوق لفاطمة السمحة ..
ولكم جميعاً حبي وتقديري
سنتواصل مع فاطمة السمحة ..
الأخ العزيز / Mohalnour
لك التحية .. كما أنا سعيد بوجودي بينكم .. وكم تفرحني كلماتكم عندما تطلبوا المزيد شوقاً لفاطمة السمحة التي لا نرتوي من عشفها أبداً ..
أعدك بأن نتواصل مع فاطمة السمحة .. وسترى قريباً على الزاوية .. المزيد عن فاطمة السمحة ..
أثبت أنك حقا خبرة يا خبرة
العزيز / محمد خبرة ...
والله العظيم زهلت وأنا أقرأ نصك القصصي الرائع .. فلقد أحسست أني بين يدي كاتب قصصي متمكن .. يمتلك أدوات الإبداع .. ويتحكم في السرد والحبك بحنكة .. فإلي الأمام دوما .. وأتحفنا بالمزيد المزيد ...
لك التحية