صرامة السودانيين من يشتريها ؟
السودانيون بصفة عامة يتميزون بصرامة الملامح والجدية الشديدة ( أكتر من اللازم ) مما يعطى إنطباعاً أولياً بالحذر فى التعامل معهم أو الإقتراب منهم أو الهمس فى آذانهم بسر ولكن سرعان ما يتبدد ذلك الإعتقاد عند الكثيرين بعد أن يكتشفوا صفات وحسنات السوداني التى لم يتوقعوها أو خطرت ببالهم ، منها أنه ساخر جداً وضاحك ملىء شدقيه ومتحدث لبق ويجيد التغزل فى الجمال أيضاً .
ولكن دعونا نعود إلى سر التقطيب الملازم لمعظم الوجوه السودانية إبتداءً من رئيسها إلى أصغر تربال فى السواقى ، فهل يا ترى هى نتاج التربية الصارمة منذ الطفولة أصلاً والتذكيرالمستمر للذى ضُـبط متلبساً بالضحك إلى المثل القاتل للفرح :
( الضحك بدون سبب قلة أدب ) والغريب فى أمر هذا المثل أنه يطلق فى حالتى وجود السبب أو عدمه للضاحك.
أو ربما تسمع من أحدهم عندما يرى مجموعة من الأشخاص يضحكون أو يتضاحكون من أمر ٍ ما : ( إستغفروا الله يا جماعة )
( تذكروا الموت )
أو من يقول لك : ( دا قلبو ميـّتْ ) لأنه كثير الإبتسام أو الضحك لأى سبب
ثم تتوالى بعد ذلك إحباطات الحياة وضغوطها إبتداءً من المنزل والمدرسة بكافة أشكالهما مروراً بالضغوط الإقتصادية ووصولاً إلى الضغط السياسي الرهيب الذى يساعد بدوره على تثبيت ( التكشيرة ) على الوجه والقلب واللسان ، فترى الجميع لا يتحملون أو يحتملون حتى مجرد النظر إليهم ، وقد يبادرك أحدهم فى تحد ٍ إذا رأى نظراتك تتفحصه : ( أكلنى )
أو يقول لك :
( مالك يا زول فى حاجه ) ؟!
وناهيك عن أن توجه لوماً أو عتاباً لأحدهم أو تدلى برأيك فى موضوع ٍ ما حتى تـُحرج وتبحث عن طريق الخلاص من كمية الأسئلة والزبد المتطاير والصوت المجلجل والأنفاس النارية المتحدية التى ستلتهمك فى ( رمشة عين ) إن بدرت منك كلمة أخرى وخاصة إذا كان الشخص الذى إصطدمت به مر لتوه بمشكلة ما ولم يجد متنفساً لها إلا أنت ( فيا ويلك ) ولكن الغريب فى الأمر إن بعض الصداقات القوية جداً فى مجتمعنا إبتدأت بمشادة كلامية حامية أو صراع بالأيدى مما يفسر طيبة النفس السودانية وسماحتها رغم القناع الرهيب الذى يكسو وجوهنا .
وفى المقابل أيضاً قد تجد كثير من الأسر السودانية لا تلقى بالسلام على بعضها البعض أو تقول صباح الخير مثلاً عندما تصحو من نومها كما تفعل بعض الدول المجاورة للسودان بالرغم من أن لا مشكلة بين أفرادها البتة وأنهم يعيشون ( عسل على عسل ، على عسل ) ، وأذكر هنا أن جورج قرداحى قد إستضاف أحد السودانيين فى برنامجه ( من سيربح المليون ) وعندما رأى أن صاحبنا مقطب الوجه سأله بعفوية قائلاً :
إنت فى حد مزعلك ؟
فرد أخونا بإبتسامة صارمة : لا
فابتسم القرداحى وأكمل أسئلته .
فالنكتة التى تضحك أربعة سودانيين من أصل عشره تعتبر ممتازة جداً فى السودان ، فهذه الطريقة فى التربية والنشأة سلبت منا حتى طفولتنا .
وهناك دولٌ وشعوب معروفة بصرامة الملامح واليد أيضاً كالصينيين واليابانيين وأخرى موسومة بحدة المزاج كالفرنسيين الذين لا يزعجهم شىء فى هذه الدنيا سوى برود الإنجليز ، والغريب فى أمر البعض أنهم يفسرون تلك الإبتسامة بالضعف وفى بعض الحالات بالجبن ، فهل هناك من يشترى منا هذه ( التكشيرة ) بتعريفة حتى نحضن بعضنا بعضاً بدونها فى كل إشراقة شمس ؟!
المفضلات