كانوا صغاراً جداً عندما توفي والدهم الذي كان يحمل كل معاني الطيبة في قلبه،
وبما أنهم في بلاد الغُربة فكان لزاماً عليهم أن يعودوا لأرض الوطن،
مرّت سنوات عديدة لم أرهم فيها،
إما لأن إجازاتي قصيرة،
وإما لأن الظروف لم تسمح،
وربما أكون أراهم ولكنني لا أعرفهم!!
وفي أحد المرّات التي حطّت طائرتي فيها في أرض الوطن،
مُعلنة بأنني لن أرحل خارجه،
وإن فعلت سيكون لوقت قصير،
بدأت برؤيتهم في الكثير من المناسبات،
وأحياناً في الشارع،
وأحياناً عندما نزورهم،
ولكن
رؤيتي لهم تُحزنني جداً،
فهُم ما زالوا صغاراً،
ونشأوا دون الإحساس بحنان الأب وحُبه ورعايته،
دون أب عندما يأتي من عمله يفرحون برؤيته ويتسابقون في الوصول إليه،
وهو حاملاً معهم الحلوى التي أتى لهم بها،
إما هدية منهُ، أو طلباً منهم.
دون أب يطلب إليهم الإهتمام بدروسهم،
أو يُدرسهم ويُعلمهم ما لا يعلمونه أو حتى لا يفهمونه من دروس،
دون أب يزجرهم إذا عاندوهُ ببراءتهم الطفولية في أمر ما،
دون أب يأمرهم بالنوم باكراً حتى يستطيعون الإستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة،
وأب يسألهم عن الصلاة ويُعلمهم القرآن!!
و........
و..........!
أُحسُ فقد الأب في عيونهم،
وحتى وجوههم أحياناً بها مسحات من الحُزن،
أما والدتهم التي رفضت الزواج وفاء لزوجها الراحل،
ولتتفرغ لتربية أبنائها الثلاثة،
ما زالت آثار الحُزن رغم مرور السنوات العديدة على رحيله ظاهرة جداً،
حتى ليُخيل للمرء أنهُ توفي منذ أشهر قليلة،
ولم تعُد تلك المرأة المُتقدة شباباً وحيوية،
كيف تكون والحُزن يُصبح ويُمسي كالقرينُ لها؟؟!!
كل ما أرى فرد منهم،
أُجاهد دموعي لكي تعلق في رموشي على الأقل ولا تنهمر،
أبتسم رغم الغصّة التي تكادُ تفضحني وأنا أحاول أن أُسلم أو أتحدث معهم بصورة عادية،
أبتسم رغم صعوبة ذلك الإحساس.
و
للحزن أوجه عديدة!!!
المفضلات