الريف و الحنين :
يالتلك الامكنة التي تستوطن دواخلنا كل مكوناتها
صبحاً بدري تصحي علي صوت ( ديك ) حبوبتك فلانة
وهو مؤذناً من فوق راكوبة او كُرنك او حتي صريف قصب
اصوات البهائم تتلاقح مع همبريب الصيف الذي يزور الديار صبحاً
ويكون الناتج هجيناً لبدايات يوم روتينه ثابت لايتغيّر الا بتغيير الفصول
بيوتات الطين تلك التي لاتفارقها الابتسامة مطلقاً مرصوصة بعناية
فطرية متوارثة , اشجار النيم والطّندب تتقاسم المساحات
الداخلية مع البيوت , وتلك المزيرة التي ترتكز علي كمين شعبة
وكلاليق القصب او القش , منادات الحبوبات والامهات مصبّحات علي
الجيران ويالجمال تلك النداءات التي بدأت تتلاشي الآن ..
تلك الامكنة أناسها كانوا بيض القلوب كما الحمائم جميعهم ,
والآمال رغم بساطتها كانت حيّة لم يغشاها الرهق والنعاس
زراعة , رعي , وبعض تجارة هكذا كانت حياتهم ,
قال لي صديق جميل امسك في تعويذة ناس زمان
( انّ كل ارض الله مرعي والسماء علف سنوات قادمات )
هكذا كانوا هم ( ناس زمان ) يأتيهم الصيف وتجدك تسأل نفسك :
كيف لهؤلاء العيش هنا ؟ ويمر الصيف كما الشتاء والخريف
والحال كما هو لم يتغيّر فيه شيئ هي نفس تلك الحياة البسيطة
يزرعون خريفاً , رغم ان الخريف بامطاره ورعده وشعفوفته كان
يفعل ببيوتهم الافاعيل يبنونها صيفا والقوي منها هو مايصمد
امام تلك الامطار لتنتظر خريفاً آخر ومنها مايذهب طيناً مع المياه
الملاريا تلك اللعينة شريكة لهم طوال فترة الخريف لايعرفون لها
كلوريكيناً او راجمات , ( العلاج البلدي ) بعض اعشاب وقرَض
يقول جدي الله يرحمه ( نحنا ساسنا متين بنيناه باللبن والسمن والعسل )
فهبشات تلك البعوضة لايعطونها اهتمام يستحق ..
والحنين يمتد الي : المدرسة الابتدائية والشفخانة والصهريج تلك التي تستطرفها
القري دوماً لتكون في الاطراف , بص ود قرض الذي كان يشتغل فقط بعد الحصاد
( الدّرت ) حيث الكل قد زرع وحصد وباع , والتسفارات القريبة علي الدواب
الي الاسواق المجاورة والمناسبات ..
ويمتد الي ايام الشفعنة وتلك الالعاب الليلية ( شدّت , شلّكم به , ام دساسيت
واخريات ) تلك الازمنة المليانة براءة ومحنّة , كم نحن نفتقدها اليوم ..
( حنين زمان ) هل من عودة هل ..
المفضلات