الأخوة الأعزاء
حاولت ان أجمع عن هذه القامة المنسية من هنا وهناك علنا نستطيع تجميع بعض ما كتب عنه وبأقلامنا وبحثنا جميعآ هيا نفرد لهذه القامة مساحة.
د. محمد عبد الحي: إليوت (لا يسرق) شعر أحد.. !
العدد رقم: 5297 2008-03-18
خالد أحمد بابكر
Khalidkamtoor185@hotmail.com
في الحوار الذي أجرته مجلة "الرافد" الخليجية في عددها رقم (47)، يوليو 2001م، مع الشاعر والباحث المدقِّق المرحوم د. محمد عبد الحي محمود ü، سأله المحرر عن رأيه في سلسلة من المقالات كان نشرها الأديب العالِم عبد الله الطيب المجذوب رحمه الله في مجلة الدوحة القطرية، عن الشاعر الإنجليزي (ت. س إليوت)، ووصفه بأنه سارق حَذِق من الشعر العربي القديم.
وجاء عند عبد الحي، أنَّ اختلافه مع البروفيسور عبد الله الطيب حول هذه المسألة، هو اختلاف أكاديمي في بعض الجوانب، واتفاق على بعضها. وأنه كتب أربع مقالات عن (إليوت)، أولها حملت عنوان "إليوت والقارئ العربي": تناولت الناحية التاريخية الأدبية، واستطاع عبرها أن يُقيِّم تلك الفترة. ويذكر عبد الحي أنَّ الأديب الكبير والناقد السوداني معاوية نور كتب في الثلاثينيات في مجلة "الرسالة" المصرية عن الشعر الرومانتيكي العربي من وجهة نظر (إليوت) والشعر الإنجليزي الحديث، وقال بأنَّ علي محمود طه وإبراهيم ناجي رومانتيكيان تغيب فيهما التجربة الحيّة.. وأنَّ دقة القطع الشعري ـ كما عند معاوية نور ـ وإحكام النسيج الفني وحيوية الوعي ومعاناة عواصف الفكر المعاصر وتجنب الشعريات ضمن أساس الشعر الجديد. ومن كُتُب معاوية نور استقى عبد الحي ـ كمثال (ليفز) واتجاهات الشعر الحديث الذي صدر عام 1932م، وكتاب هربرت ريد "مراحل الشعر الإنجليزي"، وضرب مثالاً للشعر بـ (د. هـ لورانس) و(هيول) و(ت. س إليوت) و(عزرا باوند).
في المقالة الثانية تحدث عن المستشرق الإنجليزي (آرثر أربري)، وهي مقالة بالعربية نشرتها مجلة "أدب وفن" المصرية، وكذا جرى نشرها في مجلة "الكاتب" على عهد رئيس تحريرها طه حسين. جاءت المقالة الثالثة بعنوان "أنشودة المطر: شيللي وإليوت والتراث العربي"، التي أبان فيها نقطتين هما: مفهوم المطر وتأثر السيّاب بـ (شيللي) أكثر من تأثره بــ (ت. س إليوت).. ومفهوم المطر والاستسقاء كما يشير، يمتد إلى عصر سحيق في بابل وسومر والديانات العربية القديمة.. والشعر الجاهلي كَتَب عن المطر كتابات مستفيضة كلها ذات نغمة دينية كما عند امرئ القيس ولبيد، وامتدت مفاهيم المطر حتى العصر الحاضر. فبدر شاكر السيّاب استحضر ربما في ذهنٍ غير واعٍ أو لا وعيه مفاهيم المطر وآرائه الاجتماعية والسياسية في قصيدته "أنشودة المطر". هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، المؤثرات الأدبية.. فقصيدة الشاعر الرومانتيكي (شيللي) عن (أنشودة الرياح الغربية) قد أثّرت تأثيراً عميقاً بالشعراء العرب في الفترة الرومانتيكية الأولى بين (1900-1950م)، ولها عدة ترجمات، وقد درس السيّاب فيما درس كتاب الشعر "الذخيرة الأدبية"، وقصيدة (شيللي) كانت في هذا الكتاب. ويذهب عبد الحي إلى أنَّ هذا التأثير كان مجرد تأثير للتراث العربي من أول تاريخ الشعر وهو مفهوم المطر والاستسقاء. كانت قصيدة (شيللي) ـ فلنقل هذا ـ مجرد ريح هبّت على رماد دفن تحته جمر تراث الشعر العربي، ثم هناك شيء يعمله من قرأ قصيدة (شيللي) وتبحّر في قصيدة إليوت "الأرض الخراب". فمن يدرس هذا يرى المعنى والمبنى مختلفين اختلافاً عميقاً بين الشعر الرومانتيكي والشعر الجديد، وقصيدة السيّاب قصيدة رومانتيكية.
أما ما ورد عند البروفيسور عبد الله الطيب، يقول عبد الحي إذا استخلصنا ما قاله في مقالاته، نجد أنها ذات ثلاث شُعب: الأول استفادته من شعر لبيد في المُعلّقة، فالقصيدتان ـ لبيد وإليوت ـ تعمدان على المطر. وأقول هذا بحث عبقري لكنه يقف دون دليل ثابت، فكون المستشرق (جونس) كان أستاذاً لـ (إليوت) أمر يحتاج إلى بحث. فمن المعروف أنَّ (إليوت) قد انتهى من (هارفارد) وجاء إلى (السوربون) ثم (أكسفورد) وكتب الرسالة الفلسفية البحثية عن (برادلي)، وبعد أن سلمها لم يأبه إلى الامتحان النهائي، بل ذهب إلى لندن وعمل في بنك (ليود) وكتب مقالات في الأدب الإنجليزي وقصائده، وذلك منذ عام 1915م. ثم إنه نظم قصيدته"الأرض الخراب" وأشار فيها إشارة واضحة للأنثروبولوجي (فريزر) صاحب كتاب "الغصن الذهبي" وفيها ما فيها عن كل الديانات في الشرق الأوسط، ولا يغيب عنا أنّ كل هذه الديانات ربطت (المطر) كمفهوم أساسي، وفي الجزء الخامس من قصيدته كان معتمداً مفهوم المطر بنزوله وعدم نزوله في الديانة الهندية القديمة (السنسكريتية) وفيها مفهوم المطر بل والطبيعة الهندية. ثم أشار إشارة واضحة إلى أنّ كتاب جيسي وستون "من الطقس إلى الرومانس" وفيها الأرض الخراب ودورة الخصب والجدب يرزحان تحت ركام من الرموز المسيحية المتصلة بأسطورة "الكأس المقدسة". ولا يغيب عنا كذلك أن (جيفري تشوسر) قد كتب قصيدة طويلة هي "حكاية كنتربري" في مقدمتها عن المطر، مطر الربيع أي مطر ربيعي في أول أبريل، وقال فيها "عندما يكون رذاذ شهر الربيع العذب قد تساقط واحترق جافُّ شهر مارس، وأجثته من جذوره، يكون قد أروى كل شريان بسائل يتميز بأنه سبب حياة الزهور...". ويبدو أن البروفيسور عبد الله الطيب قد لاحظ فعلاً هذه المشابهة بين لبيد و(تشوسر) كما لاحظتها وهذا أمر غريب. يقول لبيد:
عفت الديـار محلها فمقامها
بمنىً تأبّد غولهـا فرجامها
ومدافع الريّان عرّى رسمها
دمنا تجـرم بعـد أنيسـها
ولكن أن ينزل المطر في الربيع أمر عادي في كل بقاع العالم. كل هذا يجعل من شعر لبيد كتأثر في شعر (إليوت). وهنا (جيمس فريزر) بمطره وديانته، و(جيسي وستون) بمسيحيتها ومطرها العقيم في أرضها الخراب.
هذه نقطة، والنقطة الثانية أن (ت. س إليوت) يعرف تقريباً ثماني من اللغات الأجنبية (سواء عن معرفة عميقة أو عن قراءة أو تحليل أكاديمي).. ثم في أسلوبه في"الأرض الخراب" في التركيب الدرامي الذي يعتمد مستويات لغوية مختلفة ـ عامية وفصيحة وأجنبية ـ لخلق نوع من التوتر الذهني العاطفي بما تحمله تلك المستويات من تضاد وتطابق أو تناظر. والنقطة الأخيرة، هي نقطة غير مهمة أنّ إليوت (لا يسرق) شعر أحد، بل أسلوبه ومفاهيمه بالتراث الأوربي ـ كما يفسر هو ويوضح هذا ـ يعتمد هذا الأمر.
من المقالات التي نشرتها مجلة (الدوحة 1982م) مقالة للبروفيسور عبد الله الطيب المجذوب جاءت تحت عنوان "الفتنة بإليوت خطر على الأدب العربي"، و فيها يأخذ على الشاعر الإنجليزي (إليوت) في قصيدته"الأرض الخراب" أنه أضْرب فيها عن ذكر العرب وما يمت إليهم بصلة، ونوّه بأنَّ القصيدة احتوت على اقتباسات من شعراء إنجليز فيها ذكر واضح للعرب.
وكان الشاعر الإنجليزي (والتر دي لامير) قد أشار إلى ذكر العرب في مطلع إحدى قصائده (جزيرة العرب) بقوله:
Far are the shades of Arabia
Where princes ride at noon
بعيدةٌ هي ظلالُ جزيرة العرب
حيثُ يركبُ الأمراء في الظهيرة
يذهب عبد الله الطيب إلى أنَّ (إليوت) ضمّن قصيدته شيئاً من شعر (دي لامير) هذا وتعمد إغفال الإشارة إليه في الهوامش، في قوله:
Where fishermen lounge at noon,
where the walls of Magnus Martyr hold
Inexplicable splendour of lonian
white and gold,
حيث يستريح صائدو السمك عند الظهيرة
حيث جدران كنيسة الشهيد ماغنس
تتجلى منها روعة لا تفسر
من بياض أيونيا وذهبها
هنا وفي هذه المقاطع بالتحديد يرى البروفيسور عبد الله الطيب أن (إليوت):" استبدل عبارة (دي لامير) ـ (ظلال جزيرة العرب) بعبارته هو (جدران كنيسة الشهيد ماغنس). واستبدل لفظ (الأمراء) بقوله (صائدو السمك)، وقول (دي لا مير) ـ يركب ـ بقوله هو (يستريح) واحتفظ بلفظ نصف النهار ـ وهو وحده كافٍ في النميمة بالمحاكاة ". ثم يقول كذلك: " حذف (إليوت) اللفظ الدال على العرب وهو جزيرة العرب واستبدله بكنيسة (ماغنس الشهيد) وجعل الجدران في مكان الظلال التي في عبارة (والتر دي لامير). ولا يُخفى أنَّ الجدران وثيقة الصلة بالظلال". انتهى
فاصلة
لـ (أبي الطيب المتنبئ):
أفي كل يومٍ تحت ضـبني شويعر
ضـعيف يقاويني قصـير يطاول
لساني بنطقي صـامت عنه عادل
وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل
وأتعـب من ناداك من لا تجيـبه
وأغيظ من عاداك من لا تشـاكل
يقول الأستاذ عبد المنعم عجب الفيا: شاكل يشاكل شكلة، ترد في كلام أهل السودان بمعنى اشتجر يتشاجر مشاجرة واشتجاراً، وقد وردت عند المتنبئ في الأبيات أعلاه بهذا المعنى. لكنّ شُرّاح ديوان المتنبئ فات عليهم إدراك المعنى (السوداني( الذي قصده الشاعر من لفظ (تشاكل) واضطرهم ذلك إلى التصرف في مقصد الشاعر مسايرة لدلالة اللفظ عندهم.
فأبو البقاء العكبري وعبد الرحمن البرقوقي ـ وهما من شُرّاح ديوان المتنبئ ـ قد أخذا لفظ (تشاكل) بمعنى تماثل وتساوى، من المشاكلة وهي الموافقة والتطابق. ولا يستقيم المعنى إلا إذا قلت في شرح البيت: أتعب منادٍ لك من ناداك ولم ترد عليه، وأغيظ أعدائك من عاداك (شاكلك) ولم تعاديه (تشاكله) أي تخاصمه وتشتجر معه..
ويرى أنَّ (تشاكل) بالمعنى (السوداني) من أشكل الأمر، إذا التبس، فهو مشكل ومشكلة، ولكنّا نحن نُسقط الميم فتصير: شكلة. وهذا كثير في كلامنا. مسبحة تتحول عندنا إلى سبحة، وهكذا لا نأبه لميم مفعلة نسقطها.
ü الحوار اجراه الاستاذ محمد عوض أمان
أخبار مرتبطة:
المؤثرات الحياتية والثقافية التي شكلت شعر محمد عبد الحي -بقلم: علي مؤمن
حــــول مفهــــــــوم «العودة» في شعر محمد عبدالحي -راشد مصطفي بخيت
المفضلات