لا زلت أذكر أيام الطفولة وأيام كنا نذهب لزيارة خِيّم الطرق الصوفية بميدان بانت او( ميدان المولد) كما يحلو تسميته.
لا زالت بعض المواقف عالقة بالذاكرة وكنا حين ننظر للطريقة التي يذكُر بها المريدين ويصيحون ويخرجون عن نسق الأيقاع ويصرخون وبعضهم يسقط علي الأرض في شبه إغماءة ، وهي حالة (الجذب) و (الفناء). كنا نحن الأطفال نحاول تقليدهم وكان بعضنا يريد ان يثبت وصوله الي حالة (الجذب) كالمريدين.
نكبر ونتعلم ونتزود بالمعرفة ، لكن تظل جذور تجربة الطفولة كامنة في اعماقنا وتترائي امامنا بعض المشاهد الطاغية التي لا تنسي.
كنا نتجول في ساحة المولد من خيمة الي أخري، لكننا خصصنا خيمة الطريقة البرهانية متكأ لنا، لا لشئ سوي الشاي!! للشاي عندهم نكهة مميزة.
كان ميدان المولد وجنباته ملعبا لنا وعندما تسكنه الطرق الصوفية ولا نجد مكانا نلعب فيه ننخرط في تلك الأجواء الصاخبة ،متناسين مذاكرة دروسنا إذ لا مجال لها مع مكبرات الصوت و قرع النوبة والآلات المصاحبة ، كان ذلك يعطينا مبررا كافيا نقارع به كل من يطلب منا المذاكرة.
شكلت تلك الثقافات والممارسات تفاصيل حياتنا ، كنا نعيش في تلك الأوساط لم يمر اسبوع حتي نسمع صوت حولية او مديح ، كنا نحترم كل من يمشط شعره ويرتدي جلبابا اخضر ، كان يطلق علية (الفقير) وهو دائما يحتاج الي مساعدة لم اره غير ذلك ، يده سفلي.
كان لوالدي موقفا واضحا تجاه الطرق الصوفية ، يعتبرها محدثة اتت بما لم يأتي به الأوائل ، كنا ذات يوم نجلس امام منزلنا ثم اتي (فقير) يحمل طارا وكان يريد مساعدة ولكنه يريد ان يقدم مقابلها ثمن ،رفع الفقير الطار وقال ( بسم الله ابتديت) قال له والدي ( والله ما تبدأ من هنا)...
استوقفتني تلك التفاصيل وبدأت افكر وأتساءل ،هل الأسلام هو المديح واللبس الأخضر والحوليات ام هناك أشياء أخري بالطبع الصلاة والصيام والحج الخ .. كانت تشكل الأساسيات ولكن كان ينتابني احساس بالتقصيرفأردت ان افعل شيئا اضافيا يقربني الي ربي.
في مرة من المرات دخلنا خيمة الطريقة القادرية ورأينا رجلا نحيفا يتوافد اليه المريدون من كل حدب وصوب يقبلون يده ويجلونه ويعظمونه تعظيما شديدا ، جرني احد المريدين لأقبل يد الشيخ ...تلقائيا لم استسيق ذلك واكتفيت بمد يدي اليه مصافحاً.
نواصل ..
المفضلات