كثرت الفتاوى هذه الأيام من تلك التي تحرم عربات الاتصالات على أساس أنها ضرب من ضروب الميسر إلى تلك التي تحرم المظاهرات على أساس أنها خروج على ولي الأمر وكلما صدرت فتوى بهذا المعنى يتصدى لها البعض بحجة إما أنها انصرافية أو موالية للسلطان أي أن قائلها من علماء السوء بلغة الإمام المهدي، بيد أننا نود أن نقف اليوم أمام خطبة مولانا إمام المسجد الكبير في الجمعة الماضية التي أوردتها صحيفة آخر لحظة الصادرة يوم السبت الثاني من ابريل الجاري، في صدر صفحتها الأولى ، وبهذا يكون أثر الخطبة قد تجاوز حضورها إلى قراء تلك الصحيفة المحترمة كما أنه لا يمكن وصف قائلها بأنه من علماء السلطان كما سيتضح.
ابتدر مولانا خطبته بهجوم كاسح على قناة النيل الأزرق وقال فيها ما لم يقله جعفر شيخ ادريس في الترابي، ووصفها بالفاسدة والفاجرة والمبتذلة وليس لديها خلق أو حياء مشيرا إلى برنامج أفراح أفراح الذي تقدمه القناة يوم الخميس في برنامج مساء جديد اليومي، وقال إن القناة تدخل بيوت الناس وصالات الأفراح وتعرض النساء العاريات الراقصات والرقص المختلط كأنها تريد أن تقول للعالم إننا تخلصنا من قيود الإسلام، وصب مولانا جام غضبه على القائمين على أمر القناة وقال إنهم ينفذون أجندة الحركة الشعبية.
بالطبع لدينا رأي مخالف لمولانا الإمام في هذا الأمر ولكننا لكي نكون منصفين نستعرض بقية محتويات الخطبة ثم نرجع لبرنامج أفراح أفراح.
وجه مولانا انتقادات عنيفة للمفسيدين من ولاة الأمر وحذر من استشراء الجهوية والمحسوبية والقبلية في التوظيف الحكومي وطالب بالمساواة أمام القانون وقال: الأمناء أصبحوا قلة والأمانة انتهت لأنهم يسندون الأمر إلى غير أهله وهاجم حكاية الحافز ووصفه بأنه بلوى كبيرة، وقال إن أموال الدولة تهدر في غير موقعها وهي أموال المساكين الفقراء الذين يحتاجون للتعليم والصحة، وطالب بمحاكمة حتى الذين يعترفون بأنهم أكلوا أموال الشعب بالباطل، وفي نهاية خطبته دعا بالنصر للثوار في ليبيا.
لا أحد يمكن أن يصف مولانا هذا بأنه انصرافي أو من علماء السلطان فالإخلاص بائن في مجمل خطبته ومثله يحلو النقاش معه؛ ففي تقديري أن مولانا ظلم قناة النيل الأزرق في برنامجها أفراح أفراح فهذا البرنامج من أعلى برامج القناة مشاهدة حيث تلتف حوله الأسر؛ لأنه برنامج صادق حيث يعرض أفراحا حقيقية، نعم العروس تظهر بملابس الزفاف متأبطة ذراع عريسها وأحيانا تتراقص معه محاطين بالأهل الفرحين المبشرين والمزغرادت والذين يتمايلون طربا وأهل العريس والعروس يشكرون المهنئين لهم لا بل يشكرون القناة التي دعوها لنقل فرحتهم لعموم الأهل، فهذا المنظر ليس فيه أي إثارة للغرائز فالعروس هنا لا تقوم بدور درامي يبعث على الفتنة لأنها عروس حقيقية وملابس الزفاف مهما كان شكلها لا تهيج الغرائز إنما تشع الفرح في النفس.
فهذا البرانامج يشجع على الزواج لا بل يبعث الراحة في النفوس ويذكرنا أن الدنيا بخير كما قال الشاعر الراحل عمر الطيب الدوش (دقت الدلوكة / قلنا اإن الدنيا ما زالت بخير/ اهو ناس تعرس وتنبسط). آخر حلقة شاهدتها في هذا البرنامج أعجبني فيها العرسان في ثلاث زيجات قادمين من أصقاع سودانية متابينة وليس بينهم أية صلة قرابة وهذا دون شك يشجع على التدامج القومي في السودان.
في تقديري أن مولانا ظلم هذا البرنامج ويبدو لي أنه اكتفى بنظرة خاطفة وأصدر حكمه، فلو جلس أمام الشاشة وأكمل الحلقة لأيقن أن الشغلانة كلها أفراح في أفراح أي اسم على مسمى وليس فيها حركة شعبية أو مؤامرة صهيونية على الإسلام والمسلمين.
منقول وقد نُـشر من قبل ... للرائع
د. عبداللطيف البوني - حاطب ليل
المفضلات