ليس قــَابــِـلاً لـِلكـَسـِر
ذات مساء سقطت في عبي ورقة توت يابسة، منقوش عليها بريشة من نبات البردي ما مؤداه أن "كل شيء قابل للكسر". ولكن لولا مظنة التجني ، لخربشت عليها بفحمة ، مضيفاً ، من قبيل نافلة القول: إن ثمة أشياء ليتها تتحطم و تسلخ بجرة واحدة من على جدار ذاكرة الزمان الخربة المفقودة.
أشياء كثيرة جميلة . ثمينة نسعد بوجودها بحياتنا ؛ و لـشدّة اهميتها و رقّتها في ذات الوقت نتعاهد مناولتها برفق القوارير ، فنلصق عليها ديباجة }قابل لـلكسر {..و لكن ... لـسببٍ ما نغفل أحياناً فلا نولي تلكـ القوارير العناية اللازمة فتسقط سهواً أو إهمالاً لـتكون عرضة لمخاطر التهشم . قد تجبر بعض الرضوض و بعض الجراح قد يندمل.. وبعض الكدمات قد يلتئم. هذا صحيح، ولكن حتى تلك التي تتماثل للبرء .. قد لا تمحى نهائياً. إنما تخلف وراءها أثراً بعد عين. ربما يدوم طوال العمر ، يذكّر ناظره بـنكبة تتدثر بإهابه. فليست كل تشوهاتنا قبلة لجرحة التجميل. بل إن كسر بعضها هو نهاية أمره...و بعض الشظايا أحياناً نسعى ل جاهدين وعبثاً للملمتها. لا بأس أن نفلح أو نفشل، و لكن حتى لو وفقنا فليس أكثر من نجاح العطار في إصلاح ما يفسده الدهر. وهناك شروخ غائرة في العظم ، يستعصي تشافيها.. وبوجه خاص حينما يتعلق الأمر مثلاً ببطش اللسان عندما يظل ينكأ النفس و ينكت في سويداء الضمير :كسفه الأحلام و طعن الشرف و كسر الخواطر و قتل المروءة- و هدر الثقة و ضياع بوصلة الطفولة .
رقائق شتى في حياتنا مهددة بالعطب فلـنحافظ عليها قدر مستطاعنا قبل فوات الأوان و لات حين مناص . قلوب كالزجاج هشاشة و قلوب تتشكل في أيادينا كعجينة الصلصال. فالأفئدة المرهفة تشكلها لفتة بارعة و قد تحطمها كلمة جارحة، رغم صلادتها وهي لا تجود بسر تشكيلها إلا لمن عرف سرها. وإن القلوب إذا تنافر ودها، مثل الزجاجة كسرها لا يجبر. و لكن قافلة الحياة لا تنفك ماضية و إن يكن بها عرج :
وعلى النقيض هنالك أشياء قبيحة وذميمة في حياتنا ليست قابلة للكسر إلا بعناء شديد و جهد جهيد وليتها تنكسر و لا تلتئم ابداً ؛ لكن هيهات فهي تظل عصية على نوائب الدهر، تأخذها العزة بالإثم و لا تأبه بسخط الساخطين و لا بأنين المعذبين.. فلنستمع لهذا الأنموذج المعبر.
جزيرة المشاعر
يحكى أنه كان يا ما كان هنالك جزيرة للمشاعر تعيش عليها كل المشاعر و أخواتها من الخلجات والخواطر والضمائر تعيش جميعها معاً في وئام تام و تحت ظل عريشة واحدة.
و في ذات يوم هبت عاصفة شديدة .. و باتت الجزيرة على و شك الغرق .كل المشاعر كانت ترتعش خوفاً.ما عدا الحب الذي كان مشغولاً بصنع قارب ورقي صغير للهرب على متنه مع بقية أخواته و ما أن فرغ الحب من صنع قاربه. دعا بقية المشاعر لتصعد على متنه فتبحر غلى بر الأمان. باستثناء شعور واحد، هل تعرفون من هو ذاك العنيد؟ نزل الحب ليرى من؟ لقد كان هو و ليس غيره.. إنه الشعور بالغرور والأنفة و النرجسية.. حاول معه الحب و عافر، و لكن دون جدوى فالغرور لم يشأ ليتحرك في الوقت الذي كان فيه الطوفان هادراً والمياه تجرف أمامها الأخضر واليابس. إلى أن بلغ السيل الزبا. صرخ الجميع يطلب من الحب أن يصعد إلى متن القارب و يترك الغرور لمصيره الغرق المحتوم.. ولكن الحب لم يكن ليخلق لحيا لنفسه ، وإنما خُلِق لكي يحب و يُحب.. و يظل رمزاً خالداً ينضح بالمحبة والتفاني في سبيل من يحب ممن حوله دون فرز وبلا ثمن ..في النهاية آثرت بقية المشاعر الهرب لتنجو بنفسها غير أن الحب بقي حزيناً على ظهر الجزيرة و ظل يبذل قصارى جهده هدراً مع الغرور الذي تمسك بموقفه و أصر على عناده إلى أن خارت قوى الحب و فقد روحه وذهب ضحية لمروءته العالية و جزاء بذله صنائع المعروف في غير أهله.
المفضلات