النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الحمار والذاكره الثقافيه

     
  1. #1
    تمساح
    Guest

    الحمار والذاكره الثقافيه

    الحما ر والذاكرة الثقافيّة..العولمة الجديدة, على ثقافةٍ واحدةٍ تقرأ بنظّارةٍ أمريكية

    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 1 )

    صرخ شاعرٌ قديم :
    لقد ذهب الحما ر بأمّ عمرٍ
    .... فلا رجعت ، ولا رجــع الحما ر !
    ومن يومها ، أعني من الأمس البعيد ، والحما ر الذي لم يرجع ، لا يزال في ذاكرتنا الثقافيّة ، حيث الحضور المكثّف لمفردته ، منذ أن عرف العربيّ معنى أن تكون غبيّاً ، أو أن تتغابى فتصبح سيّد قومك الأذكياء ، ومن خلال محاولة متواضعة تجوّلت فيها بصحبة "الحما ر" بين أروقة الذاكرة العربيّة ، واتّخذت من استقرائي لمفردة الحما ر الدلاليّة ، والنفسيّة ، والصوتيّة ، مركباً أمتطيه ويمتطيه معي حما ري سعيد "الحظّ" ، الذي لم يكن هذه المرّة مركوباً ، فكلانا ، أنا وال**** ، ركبنا مطيّة التّأمّل في هذه "المفردة" المشحونة بطاقةٍ من الدلالات ذات التأثير النفسيّ ، على المرسل والمتلقّي معاً ، حيث وجدت ، بعد الفراغ من تكرار مفردة " حما ر " ، عندما ملأت بها فمي : أنّها ذات جرسٍ مختلف وغريب ، ربما في طريقة نطقها سرٌّ من أسرار هذه "السيرورة " في اللسان العربيّ : لاحظوا معي صوتيم المفردة ( حــ ) ، حينما يأتي من أقصى الحلق ، أي من الأعماق ! ، ومن ثمّ الصوتيم ( مــ ) ، حيث تنطبق الشفتان استعداداً لإلقاء القنبلة الموقوتة ، لتأتي بعد ذلك ساعة تدوّي فيها مؤخّرة هذه المفردة بحرفين / صوتيمين : ار ، مع ملاحظة الشظايا التي تبعثرهـا أطراف الرّاء لطبيعة هذا الحرف الصوتيّة بحسب ما قرّره علم الأصوات اللغويّ
    أعود –الآن – إلى **** أمّ عمرو ، حيث جاء توظيفه في سياق البيت بالتساوي على شطريه ، مع الحرص على أن تكون المفردة في خاتمته لتبقى عالقةً باللسان ، كما هي عالقة بالذاكرة ، ولعلّ أهمّ مايلاحظ في توظيف هذه المفردة في الشعر ، أنّها كثيرة الورود في ذيل النصّ ، بمعنى أنّها تكون مشحونةً بطاقتها الدلاليّة والنفسيّة حينما ترد في مؤخّرة الكلام ، وهذه من إحدى مصائب الحما ر في ثقافتنا العربيّة !

    ( 2 )


    .. شاعرٌ آخر يستدعي هذه المفردة ، ويوظّفها التوظيف السابق ، حيث تقبع في مكانها اللائق بها ، وهي برهانٌ آخر على صحّة ماذهبتُ إليه من حساسيّة المفردة عند العربيّ ، حينما يصرّ على أن تكون في ذيل البيت المتهكّم ، رغم اللباس الذي لم يشفع لل**** بإخفاء ملامحه الحقيقيّة :
    ولو لبس الحما ر ثيـاب خزٍّ /// لقال النّاس يـا لك من حمـار !
    تأمّلوا معي الشعور باللذّة والارتياح أثناء تفريغ "الفم" من هذه المفردة ، وهو ما جعل الشاعرين ، الاوّل والثاني ، يستأثران بهذه "المفردة" ويكرّرانها في بيتٍ واحدٍ مرّتين !

    ( 3 )

    لندع الشعر جانباً – الآن – ثم نعود إليه حينما نفرغ من هذه الرحلة الشائقة ، ولنقرأ معاً موقف : الأخوة الأشقّاء حينما حجبهم "الجدّ" عن الميراث ، وورث معه الأخوة لأمّ مع الزوج في المسألة "الحما ريّة" ، حيث قالوا لعمر رضي الله عنه : هَـب أنّ أبانـا حمــا ر !
    هنا : تساؤلٌ يرد : إذا كان هؤلاء الفتية يريدون إقناع الفاروق بالوجود الذي يشبه العدم ، ولم يكونوا يقصدون "البلادة" ، ولا " عدم الفهم " كما هو معلوم فَلِم لم يرد إلى أذهانهم شيٌ آخر غير "ال****" ؟ هل ضاق الفضاء كلّه ، وانزوت الأرض كلّها ، حتّى لم يبق فيها سوى هذه المفردة ؟
    إذن ، هذه الأسئلة تقودنا إلى أنّ مفردة "الحما ر" لا ترد – فحسب- كإسقاط على حالة الغباء ، كما هو شائعٌ بين النّاس ، أعني بذلك أنّ الطاقة الشعوريّة التي تحملها هذه "المفردة" أكبر من أن تكون لوصف حالةٍ واحدةٍ فحسب، والحما ر – كما هو معلومٌ – فيه صفةٌ ملازمة ، بل تكاد تكون ألصق به من صفة الغباء التي يقال أنّها تهمة في حقّ الحما ر ! ، والصفة اللازمة للحما ر هي صفة الجلد ! ( وما بوش عنّا ببعيد ! )

    ( 4 )

    ..ولأنّ القرآن نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين ، يخاطب به الله عباده وفق النفسيّة العربيّة ، فقد جاء وصف اليهود الذين يعلمون ولا يعملون ، تبكيتاً لهم وتحقيرا ، بصورةٍ تنفر منها النفس العربيّة الأصيلة ( كمثل الحمـــار يحمل أسفارا ) ، والمتأمّل في الآية يجد أنّ صفة الغباء غير موجودة في هذا السياق ، فالغبيّ لا يعلم ولا يتعلّم ، والعقل اليهوديّ ذكيٌّ غير زكيّ ، وإنما المقصود هنا الإشارة إلى عدم انتفاعهم بما يحملون كالحمير تماماً ! تقريعاً لهم وتبكيتا ، وهذا ممّا يؤكّد على أنّ استدعاء مفردة " حمــار " تجيء أحياناً لدلالاتٍ أخرى غير الغباء وعدم الفهم ، وقد جاءت هنا – والله أعلم – لتدلّ على بلاغة القرآن ومخاطبته للنفس البشريّة وفق نوازعها الشعوريّة ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، إذ إنّ الجمل – أيضاً – قد يحمل أسفاراً ، وهو يشارك ال**** في عدم الانتفاع بما يحمل، بيد أنّه يخالفه في منزلته عند العربيّ ، فهو – أي الجمل – من نفائس أموال العرب ، والخلاصة : أنّ في مفردة الحمــار كمٌّاً هائلاً من الإيحاءات الرادعة الموجعة !

    ( 5 )

    .. يتّضح ممّا سبق مدى ما تتمتّع به هذه المفردة من ( حصانة ) ضدّ الضياع في الذاكرة العربيّة ، لهذا نجد كتب التراث والطرائف زاخرة بالمواقف والقصص التي يكون فيها ( الحمــار) بطلاً من أبطالها ، فجحا الضاحك المضحك لا يفارقه حمــاره ، حيث صار من أهله وخاصّته :
    - جاءه رجلٌ ذات يوم وطلب منه أن يعيره الحمــار
    - فقال له : غير موجودٍ الآن
    - فنهق الحمــار وقال الرجل : وهذا ؟ !
    - فأجابه جحا : أتكذّبني وتصدّق ال**** ؟!
    وحينما سئل بشّار بن برد عن مفردة غريبة وردت في أحد أبياته التي كتبها على لسان حمــار ، أجاب : هذه من غريب الحمــار !
    فقد حظي الحمــار بشيءٍ غير يسير من الاهتمام ، وصار في طليعة الحيوانات التي وردت في الأدب العربيّ ، قديمه وحديثه ، فالشاعر والكاتب إبراهيم المازني أحد شعراء العصر الحديث : تحدّث في كتابه ( صندوق الدنيا ) عن فروسيّته على ظهر حمــار ، والشيخ الأديب علي الطنطاوي استلهم في كتاباته الرائعة سخريته اللاذعة من مادّة "الحمــار" ، ففي إحدى جولاته في حديقة الحيوان : رأى الحمر الأهليّة وتساءل – بعد أن صارت الحمــير مادّةً للسياحة – عمّا إذا كانت الحــمير تغضب حينما تُنادى : يا بشـر ! ، أولسنا نغضب مثلها حينما يقال لنا : يا حــمير !
    أظنّ أنّ الزمن الذي ستتحقّق فيه هذه المعادلة أوشك يا شيخي ووالدي الأديب !


    ( 6 )


    ..وفي شعر العصر الحديث – عصر النهضة كما يزعمون!- يفرد أمير الشعراء أحمد شوقي ، في شوقيّاته ، باباً شعريّاً ومملكةً عامرة بالحيوانات الأليفة والمتوحّشة ، غير أنّه – ربما من باب المصادفة – قرّر ملك الغابة أن يستوزر من يخلفه من بعد وزيره الراحل ، بعد اجتماعٍ حيوانيّ يشبه كثيراً الاجتماعات التي يعقدها البشر في قاعاتهم ! فكان القرار :
    قال : الحــمار وزيري
    ....... قضى بهذا اختياري !
    فاستضحكت ثمّ قالت
    .......ماذا رأى في الحمـــار ؟!

    وبعد أن قال الأسد قولته الشهيرة ( الحمــار وزيري ) حدث ما لم يكن في حسبانه ولم يضرب له قطّ موعد :

    حتّى إذا الشهر ولّى
    ...... كليلةٍ أو نهـارِ
    لم يشعر الليث إلاّ
    ....... وملكه في دمار
    الكــلب عند اليمين
    ...... والقرد عند اليسار
    والقطّ بين يديــــه
    ....... يلهو بعظمة فـار !

    فكان من الطبيعيّ أن يصرخ غاضباً بعد هذه الفوضى ، ويؤّنّب نفسه التي أمرته بوزارة الحمــار وزيّنتها له :

    قال : من في جدودي
    ........ مثلي عديم الوقار
    أين اقتداري وبطشي
    ....... وهيبتي واعتباري!

    بيد أنّ القرد الحكيم ، ومن عجبٍ أن تؤخذ الحكمة هذه المرّة من أفواه القردة والـ ..... أشار إليه بدهاء إلى موضع الداء ! :
    فجاءه القرد سرّاً
    ....... وقال بعد اعتذاري
    يا عالي الجاه فينا
    ....... كن عالي الأنظـار
    رأي الرعية فيكـم
    ....... من رأيكم في الحمــار !

    ( 7 )


    ..فإذا تحدّثنا عن الشعر العربيّ المعاصر ، وفي شعر التفعيلة خاصّة ، يظهر لنا الشاعر الثائر /أحمد مطر ، إذ إنّه أحد أخطر شعراء التفعيلة في زماننا المعاصر ، ليس لأنّه ثوريّ الاتّجاه ، بل لأنّه يتعامل مع إيقاع الشعر التفعيليّ بطريقة : سقوط المطر ، القنابل ، الرؤوس ، فغالباً ما تكون قصيدته ذات إيقاعٍ يبدأ من الأعلى ، ثمّ ينحدر حتّى يبلغ ذروته في نهايته عند الانفجار العاطفيّ ، وهذاعنصر المفاجأة ، وهو من أهمّ خصائص الإيقاع التفعيليّ : أن يكون ساقطاً ، مفاجئاً ، مدوّياً في نهايته ، ولأنّ مفردة "الحــمار" تصلح كثيراً لهذه الخاصيّة ، فقد حظيت باهتمام الشاعر أحمد مطر ، وسقطت على "سجّانه" بطريقةٍ إيقاعيّة ، وتهكّميّة على حدٍّ سواء :

    وقفت في زنزانتي
    أقلّب الأفكار
    أنا السجين ها هنا
    أم ذلك الحارس بالجوار ؟

    *****
    فقال لي الجدار :
    إنّ الذي ترثي له قد جاء باختياره
    وجئت بالإجبار
    وقبل أن ينهار فيما بيننا
    حدّثني عن أسدٍ
    سجّانـه حمـــار !

    ( 8 )

    ..وحينما ندع موروثنا الفصيح في الأدب العربيّ ، ونتّجه إلى ثقافتنا الشعبيّة وموروثنا المحكيّ يستقبلنا على بوّابة الذاكرة أشهر حــمار في الشعر العامّي ، رغم اختلافاتنا حوله ، أعني به حــمار الشاعر الخالي من الكولسترول : عبد المجيد الزهراني :
    قالت : امسك يا حــمار !
    وقلت : هاتي
    كانت احلى حمــار
    أسمعها فـ حياتي !
    والحقّ أنّنا نخطيء كثيراً حينما نظنّ أنّ عبدالمجيد الزهراني فشل في توظيف هذه المفردة فشلاً محضاً ، إذ من وجهة نظري ، وبعد أن تأمّلت في النصّ أكثر، اكتشفت أنّ فشل عبدالمجيد كان في احتواء المتلقّي فحسب ، حيث لم يُراعِ الحالة النفسيّة والحساسيّة الشديدة تجاه هذه المفردة من قبل النفس العربيّة ، والتي قرّرناها في مطلع المقالة ، وهذا – في رأيي سبب الضجّة حول هذا الحــمار ، أمّا من حيث توظيف المفردة في بناء النصّ الداخلي ، فلا أبالغ لو قلت : إنّه نجاح بمرتبة الإسراف في البساطة والصدق في نقل نفسيّة الشاعر كما هي ، إذا علمنا أن عبدالمجيد يأتي بكلّ أدوات الشارع لا يستثني منها شيئاً ، وهو ما انتقدته عليه مسبقاً ، ولا زلت إلى الآن ! ،
    ترى ما سرّ نجاح اتّساق المفردة في نصّ عبدالمجيد ؟!
    عندما نتأمّل تكرار مفردة "حــــــمار" في نصّ مختزل ، وقصير جدّاً ، ندرك أنّ الشعور بصوتيّة المفردة وقدرتها على تفريغ الشحنة النفسيّة المصاحبة لها – كما تقرّر سابقا – أمرٌ غير غائبٍ في هذا النصّ ، وحينما نقرأ بناء هذا التركيب ( كانت أحـ لـى حـ ـ ـ ـ مار ) بطريقةٍ تشريحيّة/عروضيّة : أح ، لـح ! مـار ، تظهر لنا صوتيمات توافق ما ذكر عن الدلالة النفسيّة العاطفيّة لمفردة الحــمار ، حيث الشعور بلذّة مشحونةٍ بالطاقة ، إذا ما سلّمنا بأنّ المنتقم، أو الموجوع يشعر باستراحة مؤقّتة بعد الفراغ من إلقاء هذه المفردة / حــمار/ وذلك حينما يملأ بها صدره وفمه ثمّ يلفظها ، ولهذا جاء في الحديث ( ليس الشديد بالصرعة ، إنّما الشديد من يمسك نفسه عند الغضب ) ، والغاضب تنازعه نفسه لتفريغ طاقته ! ، وكذلك الموجوع .
    تأمّلوا مرّةً أخرى : أح لـح ، أح لـح ، أح لـح ، إنّها أصوات تحدث غالباً حيينما ننتعش ! ، تذكّروا – أيضاً – أنّني أتحدّث عن الشاعر داخل النصّ ، كي لا تذهبوا بعيدا عمّا أريد قولـه ، ولهذا فأنا أجزم أنّ الشاعر كتب هذا النصّ واستمتع بمفردة الحــمار أكثر ، ليس لأنّه يريد أن يوظّف رؤيته النقديّة ، بل لأنّ شعوره النفسيّ أملى عليه هذه المفردة فأخذ يردّدها بعقله الباطن قبل لسانه : أحلى حمــار ، أح ، لح :
    قالت اسمع يا حــمار
    وقلت هاتي
    كانت احلى حــــمار
    أسمعها فحياتي !
    حقّاً ..لقد كان الشاعر صادقاً في تصويره للمفردة من داخل النصّ : كانت احلى حمــار أسمعها فحياتي !
    بعد هذا الحــمار توافدت الحمر الأهليّة في النصوص الشعبيّة ، فكان من الطبيعيّ أن يكون لكلّ شاعرٍ **** في زمنٍ كثرت فيه الحمير ، فهذا الشاعر محمّد النفيعي يوظّف اللهجة المحكيّة التي غالباً ما يصم بها أصحاب النفوذ ضعفاءهم : اسكت يا حمــار ، وقد جاءت في هذا السياق معتدلةً تصف الواقع الواقع ، بعد أن صارت لغة الحوار فيما بين القويّ والضعيف : اسكت يا حــمار !
    صايمٍ وافطر بثــومـه
    ...... هي كذا بكلّ اختصـار
    وان بغى يشكي همومه
    ...... قالوا : اسكت يا حــمار !

    بيد أنّ للشاعر فهد عافت معادلةٌ أخرى ، لاتبعد عن معادلة الأديب الفذّ الشيخ علي الطنطاوي التي ذكرتها في معرض هذه الرحلة ، يقول فهد عافت :
    ما دام دنيا وترفعها قرون السيّد الثور
    ........ وش يزعل العاقل ان نادى عليه حمــار : يا حمــار !
    وإذن ، فالملاحظ ، على بيت عافت تكرار المفردة في مساحةٍ ضيّقة ، مع الحرص على تذييل البيت بها ، وكذلك فعل النفيعي ، تأكيداً على أنّ هذه المفردة لاتصلح في صدر الكلام إمعاناً في التنكيل بها وبرهاناً على سيكولوجيّة النفس العربيّة المسكونة بالأنفة !

    ( 9 )

    ..وحتّى لا أتّهم بخبث "العنوان" أعلاه فإنني مضطرٌّ إلى أن أسوق تجربتي الشعبيّة المتواضعة مع "حمــاري" المفلح ، حيث صادفني أثناء معاناة "مفلح" ، ذلك الرجل البسيط ، الذي يبحث عن لقمة عيشه ، وحينما كنتُ أعالج أمره في أحد مواقفه ، تدلّت عليّ "حمــاران" من ذاكرتي ، تحديداً عند هذا المقطع من النصّ :
    والاّ تبــي زوجٍ ثيــابه شفيفـه
    ....... خدّه شبر وعيونه دعاج وكبار
    هنا ، عند هذه المفردة اقتحمت أسوار الذاكرة حــماران ، ربما استدعتهما مصادفةً جملة ( خدّه شبر ) والقافيـة التي- أحياناً - تفتن الشاعر في عقله ودينــه !!! ، ولحسن حظّي سلمت من إسقاطها عليّ فنجوت من شرّها ، وشرعت بكلّ بساطة وارتياح في تفريغ صدري من هذه الطاقة الشعوريّة المفعمة بالأحاسيس المنتقمة من الواقع :
    تبغاه لو حتّى عيونه كفيفـــه
    ........ لو انّه حمـارٍ وابو جدّه حــمـار !
    وعندما تنفّست الصعداء قلتُ ، بيني وبين نفسي ، بلهجةٍ شعبيّة ( الله يلوم الّلي يلوم عبدالمجيد ! )

    ( 10 )


    ماذا عن الحــمار الأخير ؟!
    وصلنا إلى آخر الحمــير ، وهو – للحقّ – حمــارٌ فيلسوف ؛ عاصر الحمير المتنكّرة في جلود وأردية أهل السفسطة والتمنطق ، أولئك الذين حكم لهم الواقع بامتطائه و"أخوته" من أبناء جدّهم حــمار الحكيم توما ، ولأنّ الابن يرث جدّه ، فقد ورث الحــمارُ الحــمارَ ، وورث صاحبُ الحــمار المتأخّر صاحبَ ال**** المتقدم ! ، ولاتزال بنو الحمير تطالب بني البشر ممّن هم من سلالة توما بحلّ معادلة الركوب المعقّدة ، التي ورثوها من جدّهم السابق :
    قال حــمار الحكيم توما
    .... لو أنصف الدهر كنتُ أركب!
    لأنّني جاهـلٌ بســيطٌ
    .... وصـاحبي جاهــلٌ مـركّب !!
    ورغم اختلافي مع بعض نصّ الوثيقة ، في تهمتها للدهر ! على عادة شعرائنا وأدبائنا من بني البشر ، إلاّ أنني أرى أنّ حقّ الركوب مشروعٌ للحميــر هذه الأيّام ، فالحــمار أحقُّ بالركوب من صاحبه الذي لايدري ولايدري أنّه لا يدري ، وهو – أي ال**** – ( ما ألذّ مفردة ال**** في زماننا ! ) أحقُّ بالركوب من صاحبه الذي يطلّ على النّاس من ( زاوية ) العولمة الجديدة ليعولم العالم كلّه ويجمعه على ثقافةٍ واحدةٍ تقرأ السطور بنظّارةٍ أمريكيّةٍ عوراء !
    وهو – أي الحــمار- أحقّ من صاحبه الذي يلبس جلداً غير جلده وينسى أنّه :
    مادام يصحب كلَّ شيءٍ صوته
    ...... هيهات يخفي ( العير ) جـلدُ ( جبان ) !!
    ..هل لاحظتم ؟!
    هذه المرّة : الأنَفَـــةُ للحــمار ! إذ لا يليق به هذا الموضع في السياق !
    أجل ، إنّه زمن الحميــر : يا بشــــرررر!!
    أين الصارخ في البدء : لقد ذهب ال**** ؟! هل ذهب هو الآخر ؟
    إذاً سجّلوا بلغة العصر: لقد ذهبوا وقــد رجــع الحمــــــارُ !

    صــرخةٌ أخيرة :
    أخي الغريب إذا أردت أن تعالج غربتك بصرخة :
    اجمع كلّ الحمــير الواردة أعلاه ، بل كلّ حمــير الدنيا ، في مفردة حــمارٍ واحد ، ثمّ تخيّل أنّ رأسك بحجم الكرة الأرضيّة وأنّك فتحت "فمك" فباعدتَ بين شفتيك كما بين المشرق والمغرب ، وبعد أن تتأكّد من كلّ الحمــير : اذهب إلى الصحراء ، وارسم صورة كلّ من يخون دينه وأمّته ووطنه واصرخ في الفضاء الطلق : يا حماااااااااااااااااااااااار

  2.  
  3. #2
    فخر المنتديات
    Array الصورة الرمزية أبوبكرحامد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مدنى - بانت
    المشاركات
    2,748

    مرحباً بك يك ياتمساح فى منتديات ودمدنى .... ونشكرك على المعالجة الأدبية وتلكم اللغة الجزلة ، وفى انتظار المزيد.

    أجمل النقد ماكتب عن مَحَبَّة - الراحل / أميل حبيبى
  4.  
  5. #3
    فخر المنتديات
    Array الصورة الرمزية امير عبدالباقي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    الدولة
    مدني حي المدنين
    المشاركات
    2,447

    الاخ تمساح
    تشكر علي الموضوع الجميل لكن نعمل شنو الحمير كتيره وكل مايمشي حمار يكون الدحش كبر

    ارمي همومك خلف ظهرك
    واجعل الابتسامة دائما علي وجهك
    ابوريان

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid