القصيدة الاولى
الزوجة الثانية
[الكاتب: ناصر الزهراني]
أتاني بالنصائح بعض ناسِ
وقالوا أنت مِقدامٌ سياسي
أترضى أن تعيش وأنت شهمٌ
مع امرأةٍ تُقاسي ماتُقاسي
إذا حاضت فأنت تحيض معها
وإن نفست فأنت أخو النفاسِ
وتقضي الأربعين بشرِّ حالٍ
كَدابِ رأسُه هُشِمت بفاسِ
وإن غَضِبتْ عليك تنامُ فرداً
ومحروما ً وتمعن في التناسي
تزوَّج باثنتينِ ولا تبالي
فنحن أُولوا التجارب والِمراسِ
فقلت لهم معاذ الله إني
أخاف من اعتلالي وارتكاسي
فها أنذا بدأتْ تروق حالي
ويورق عودُها بعد اليباس
فلن أرضى بمشغلةٍ و همٍّ
وأنكادٍ يكون بها انغماسي
لي امرأةٌ شاب الرأسُ منها
فكيف أزيد حظي بانتكاسي
فصاحوا سنة المختار تُنسى
وتُمحى أين أربابُ الحماسِ؟!
فقلتُ أضعتُم سُنناً عِظاماً
وبعض الواجبات بلا احتراسِ
لماذا سُنَّةُ التعداد كنتم
لها تسعون في عزمٍ و باسِ
وشرع الله في قلبي و روحي
وسُنَّة سيدي منها اقِتباسي
إذا احتاج الفتى لزواجِ أُخرى
فذاك له بلا أدنى التباسِ
ولكن الزواج له شروطٌُ
وعدلُ الزوج مشروطٌٌ أساسي
وإن معاشر النسوان بحرٌ
عظيم الموجِ ليس له مراسي
ويكفي ما حملتُ من المعاصي
وآثام تنوء بها الرواسي
فقالوا أنت خوَّافٌ جبانٌ
فشبّوا النار في قلبي وراسي
فخِضتُ غِمار تجرُبةٍ ضروسٍ
بها كان افتتاني وابتئاسي
يحزُّ لهيبها في القلب حزَّاً
أشد عليَّ من حزِّ المواسي
رأيت عجائباً ورأيتُ أمراً
غريبا في الوجودِ بلا قياسِ
وقلتُ أظنُّني عاشرت جِنَّاً
وأحسب أنَّني بين الأناسي
لأتفه تافهٍ وأقلِّ أمرٍ
تُبادر حربُهن بالإنبجاس
وكم كنتُ الضحية في مرارٍ
وأجزم بانعدامي و انطماسي
فإحداهن شدَّت شعر رأسي
وأخراهن تسحب من أساسي
وإن عثُر اللسان بذكرِ هذي
لهذي شبَّ مثل الالتماسِ
وتبصرني إذا ما احتجتُ أمراً
من الأخرى يكون بالإختلاسِ
وكم من ليلةٍ أمسي حزيناً
أنامُ على السطوحِ بلا لباسِ
وكنتُ أنام مُحترماً عزيزاً
فصرتُ أنام ما بين البِساسِ
أُرَضِّعُ نامس الجيران دَمِّي
وأُسقي كلَّ برغوث بكاسي
ويومٌ أدَّعي أنِّي مريضٌ
مصابٌ بالزكامِ وبالعُطاسِ
وإن لم تنفع الأعذار شيئاً
لجئتُ إلى التثاؤب والنعاسِ
وإن فَرَّطْتُّ في التحضير يوماً
عن الوقت المحدد يا تعاسي
وإن لم أرضِ إحداهنَّ ليلاً
فيا ويلي ويا سود المآسي
يطير النوم من عيني وأصحو
لقعقعةِ النوافذ والكراسي
يجيء الأكل لا ملح ٌ عليه
ولا أُسقى ولا يُكوى لباسي
وإن غلط العيال تعيث حذفاً
بأحذيةٍ تمُّرُ بقرب رأسي
وتصرخ ما اشتريت لي احتياجي
وذا الفستان ليس على مقاسي
ولو أنى أبوحُ بربعِ حرفٍ
سأحُذفُ بالقدورِ و بالتباسي
تراني مثل إنسانٍ جبانٍِ
رأى أسداً يهمُّ بالافتراسِ
وإن اشرِي لإحدَّاهن فِجلاً
بكت هاتيك يا باغي وقاسي
رأيتك حامِلاً كيساً عظيماً
فماذا فيه من ذهبٍ و ماس
تقول تُحبُّني وأرى الهدايا
لغيري تشتريها و المكاسي
وأحلفُ صادقا ً فتقول أنتم
رجالٌ خادعون وشرُّ ناسِ
فصرت لحالةٍ تُدمي وتُبكي
قلوب المخلصين لِما أُقاسي
وحار الناس في أمري لأني
إذا سألوا عن اسمي قلت ناسي
وضاع النحو والإعراب مني
ولخْبطتُّ الرباعي بالخُماسي
وطلَّقتُ البيان مع المعاني
وضيعَّت ُ الطباق مع الجناسِ
أروحُ لأشتري كُتباً فأنسى
وأشري الزيت أو سلك النحاسِ
أسير أدور ُ من حيٍّ لحيٍّ
كأنِّي بعض أصحاب التكاسي
ولا أدري عن الأيامِ شيئاً
ولا كيف انتهى العام الدراسي
فيومٌ في مخاصمةٍ ويومٌ
نداوي ما اجترحنا أو نواسي
وما نفعت سياسة بوش يوماً
ولا ما كان من هيلاسيلاسي
ومن حلم ابن قيس أخذتُ حلمي
ومكراً من جحا وأبي نواسِ
فلما أن عجزتُ وضاق صدري
وباءت أُمنياتي بالإياسي
دعوتُ بعيشة العُزّاب أحلى
من الأنكادِ في ظلِّ المآسي
وجاء الناصحون إليّ أُخرى
وقالوا نحن أرباب المراسي
ولا تسأم ولا تبقى حزيناً
فقد جئنا بحلٍ دبلوماسي
تزوَّج حرمةً أُخرى لتحيا
سعيداً ساِلماً من كل باسِ
فصحتُ بهم لئن لم تتركوني
لانفلتنَّ ضرباً بالمداسِ
القصيدة الثانية
رسالة في ليلة التنفيذ
[الكاتب: هاشم الرفاعي]
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ
مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها
وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في
هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ
والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي
في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ
دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ
إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ
عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها
يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ
وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ
ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني *
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي
لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً
ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً
لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ
يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها
معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً
في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً
ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو
كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي
بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى
مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما
غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً
ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ
سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ
مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ
شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ
بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ
أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ
سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ
قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ
وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا
لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا
بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى
أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ
سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً
أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي
أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا
مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي
كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً
غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا
إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي
يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى
وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ
يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً
تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا
سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً
في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما
صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً
وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى
بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً
في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ
قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا
قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى
تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها
أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني
لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها
وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً
لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ
بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً
يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ
سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي
بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ
بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي
مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ
قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ
المفضلات